بوب أفاكيان – الثورة عدد 82 : النظام في هذه البلاد ليس - ديمقراطيّة -


شادي الشماوي
2024 / 9 / 12 - 22:13     

جريدة " الثورة " عدد 870 ، 9 سبتمبر 2024
https://revcom.us/

هذا بوب أفاكيان – الثورة عدد 82 .
إذا سألتم الناس ، " ما هو النظام في هذه البلاد ؟ " – سيجيب تقريبا الجميع " الديمقراطيّة " ، حتّى و إن كان الكثيرون يعتقدون أنّ هذه " الديمقراطيّة " تعرف " مشاكلا " ، و حتّى مشاكلا جدّية .
و السبب الكامن وراء جواب تقريبا الجميع على هذا النحو مردّه أنّه هكذا جرى تعويدهم و جعلتهم الدعاية يفكّرون منذ نعومة أظفارهم – بواسطة النظام التعليمي و السياسيّين و وسائل الإعلام ، و كافة المؤسّسات المهيمنة الأخرى في هذه البلاد .
حسنا ، " تقريبا الجميع " سيكون خاطئا .
الجواب العملي على هذا السؤال – ما هو النظام الذى يحكم في هذه البلاد ؟ - هو أنّه نظام الرأسماليّة . فالإقتصاد الرأسمالي أساس كامل النظام في هذه البلاد . و " الديمقراطيّة " القائمة هي ديمقراطيّة على أساس هذه الرأسماليّة .
في النظام الرأسمالي ، عدد قليل نسبيّا من الناس ، الطبقة الرأسماليّة ، يملك وسائل الإنتاج الكبرى ( الأرض و المصانع و التكنولوجيا و الآلات ، و كذلك المواد الأوّليّة ، التي تستخدم في الإنتاج ). و الذين يملكون وسائل الإنتاج هذه يستفيدون من عمل الذين لا يملكونها ، و هم بالتالي مُجبرون على العمل من أجل الذين يملكونها . و الرأسماليّة قائمة على الإستغلال. فما هو الإستغلال ؟ الإستفادة من عمل الآخرين – جعلهم يعملون في ظروف تخلق أكبر الأرباح للرأسماليّين ، بصرف النظر عن التأثيرات على هؤلاء العمّال . و الرأسماليّون أنفسهم مُجبرون على التعاطى مع العمّال على هذا النحو لأنّ كلّ رأسمالي في تنافس مع الرأسماليّين الآخرين .
( هذا هو الوضع الأساسيّ – هذه هي الطبيعة الأساسيّة لهذا النظام . و قد شرحت هذا شرحا أتمّ في مقالين حول الإستغلال و وضع نهاية للإستغلال و الإضطهاد ، و كذلك في مقال " السلع و الرأسماليّة – و النتائج الفظيعة لهذا النظام – و كلّ هذه المقالات متوفّرة على موقع أنترنت revcom.us [ و بالعربيّة على موقع الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ] ).
إنّ الاقتصاد الرأسمالي هو الذى يحدّد إطار هذا النظام ككلّ ، بما في ذلك المؤسّسات السياسيّة و النظام التعليمي و الثقافة السائدة و الأفكار الطاغية : " البنية الفوقيّة " لهذا النظام . إذا كان لديكم أساس إقتصادي رأسمالي ، عندئذ البنية الفوقيّة للسياسة و الإيديولوجيا الموجودتان على أساس هذه القاعدة ، ستكون – و عليها أن تكون - منسجمة مع هذا الأساس ، أو لن يستطيع النظام السير . و هذا يصحّ بشأن أيّة هيكلة و أيّ نظام : الأساس [ الاقتصادي - البنية التحتيّة – المترجم ] يحدّد الإطار و الحدود لما ستكون عليه البنية الفوقيّة . تصوّروا وجود محاولة سقف من الخشب ، بجذوع ثقيلة على خيمة مصنوعة من القشّ : سينهار كلّ شيء ! و ينسحب الشيء نفسه على البنية الفوقيّة للنظام الرأسمالي : " الديمقراطيّة " القائمة في هذه البلاد هي ، و لا يمكنها إلاّ أن تكون ، " ديمقراطيّة " تستند إلى و تخدم وهي محدّدة بالنظام الرأسمالي للإستغلال و الإضطهاد – و إلاّ لن يبقى النظام متماسكا ، لن يستطيع أن يسير .
في ظلّ هذا النظام ، أيّ " حقوق " لدي الناس ، و كذلك القانون و " حكم القانون " و السيرورة السياسيّة ككلّ : كلّ هذا يتشكّل ب – و يتحدّد ب – ما يخدم النظام الرأسمالي للإستغلال و مصالح الطبقة الرأسماليّة التي تحكم هذا النظام .
أيّ شيء و أيّ شخص يهدّد جدّيا ( أو يعتبر تهديدا جدّيا ) لحكم الطبقة الرأسماليّة ، أو للسير الأساسيّ و " إستقرار " النظام الرأسمالي ، سيتعرّض لقمع الطبقة الرأسماليّة الحاكمة و مؤسّساتها للقمع العنيف ، لا سيما القوّات المسلّحة و الشرطة ، و كذلك المحاكم .
في ظلّ النظام الرأسمالي – مع إقتصاد رأسمالي كأساس للنظام ككلّ - يُصرّح رسميّا أنّ هناك " حرّية للجميع " ( لا أحد يُفترض أن يُمتلك كالعبيد و يُفترض أنّ ما من أحد تُخضعه قوانين و أعراف إلى مكانة دونيّة ما ) . و هناك مبدأ " المساواة الشكليّة " يُفترض أنّ الجميع " متساوون " في ما يتعلّق بالفرص و هم " متساوون أمام القانون " . و في الواقع ، طبعا ، الأشياء لا تعمل على هذا النحو ، لأنّ " أحاديث المال " و الناس الذين يملكون مالا أكثر لهم تأثير أكبر – و مرّة أخرى ، أولئك الذين كدّسوا قدرا كبيرا من الثروة ، من خلال الإستغلال الرأسمالي ، لديهم سلطة لا يملكها الآخرون .
و بأكثر جوهريّة ، لا يمكن حقّا أن توجد مساواة بين الرأسماليّين الذين يملكون وسائل الإنتاج الأكبر ،و الذين لا يملكونها و هم مُجبرون على العمل لمصلحة الرأسماليّين . و بالمعنى الواقعي ، أولئك الذين يملكون وسائل الإنتاج الكبرى يملكون سلطة الحياة أو الموت على الذين لا يملكون وسائل إنتاج ( وكذلك لا يملكون مؤهّلات خاصة ، أو مستوى عالى من التعليم)، لأنّ الذين يوجدون في هذه المنزلة لا يمكن أن يعيشوا إلاّ إذا إستغلّهم الرأسماليّون : بالنسبة إلى الجماهير الشعبيّة ، إذا لم يقع إستئجارهم و إستغلالهم من قبل المالكين لوسائل الإنتاج ، سيتركون بلا " وسائل " قانونيّة و شرعيّة " للعيش ، أو إعالة أُسرة .
و كلّ هذا تعبير عن لامساواة عميقة – بما في ذلك لامساواة في الفرص : للرأسماليّين الذين يملكون وسائل إنتاج " الفرصة " لمراكمة ثروة بينما الذين لا يملكون وسائل إنتاج ( ومرّة أخرى ، لا يملكون أيّة مؤهّلات خاصة أو مستوى تعليمي عالي) لديهم " فرصة " أن يتمّ إستغلالهم – أو الجوع – أو العودة إلى التصرّف أو الجريمة بشكل أو آخر .
و زيادة على ذلك ، في هذه العلاقة الإستغلاليّة الأساسيّة ، المظاهر الخارجيّة هي أنّ هناك مساواة : يدفع الرأسماليّون أجورا للعمّال الذين يشتغلون لديهم ، مقابل عمل ينجزه العمّال لفائدة الرأسماليّين . لكن الواقع هو التالي : الأجر الذى يحصل عليه العمّال يساوى جزءا فقط من الثروة التي يخلقونها من خلال عملهم - و الثروة الإضافيّة ( فائض القيمة ) الذى يخلقه العمّال، أبعد ممّا يساوى أجورهم ، يذهب إلى جيوب الرأسماليّين . هذا هو " السرّ الصغير القذر " للإستغلال الرأسمالي . وهو قاعدة الأرباح الرأسماليّة – و بالفعل ، قاعدة سير النظام الرأسمالي ككلّ .
و إلى جانب هذا ، حيث كانت بعض " الأعراق " و المجموعات الإجتماعيّة الأخرى تتعرّض تاريخيّا للتمييز ضدّها ، هناك كامل ذلك البُعدُ من اللامساواة .
لذا ، " المساواة الشكليّة " للنظام الرأسمالي تحجب قدرا كبيرا من اللامساواة . و الحرّية الأكثر أساسيّة في المجتمع الرأسمالي هي " حرّية " أن يُهيمن عليكم ، و أن تتحرّكوا في إطار النظام الرأسمالي .
و حتّى و إن كان الأفراد ضمن المجموعات المستغَلّة و المُضطهَدَة في المجتمع قد يصعدون إلى موقع بإمتيازات أكبر و ثروة أكبر ( أو ، في بعض الأحيان ، يُصبحون حتّى جزءا من الطبقة الحاكمة ) ، ليس بوسع جماهير المُستغَلّين و المضطهَدين أن يفعلوا الأمر نفسه في إطار هذا النظام الرأسمالي . و فكرة أنّ " الجميع " بإمكانهم القيام بذلك هي واحدة من الأوهام الأساسيّة و الأهمّ التي تروّج لها بإستمرار الطبقة الحاكمة ، كوسيلة من الحفاظ على ولاء الناس لهذا النظام – و تقليص نظرتهم و تطلّعاتهم إلى ما يُقال أنّه ممكن ضمن هذا النظام .
تاليا ، سأتعمّق أكثر في كيف أنّ هذا النظام و تحكّمه في الشعب ، يسير عمليّا – و خاصة لماذا القرارات الأساسيّة حول توجّه المجتمع لا يتّخذها الناس من خلال الانتخابات .