3/ من نظرية التغير الكلية - مؤلف شخصي لم ينشر بعد - 2018م
أمين أحمد ثابت
2024 / 9 / 7 - 20:06
أن دراسة ظاهرة العبقرية متناولة منذ عقود ستة إلى سبعة ماضية من القرن العشرين ، وفي مجالات علمية متعددة مختلفة ، منها حقول مجال علم النفس ، وحقول مجالات علم بيولوجيا الأنسان ، وأكثرها تحديداً علم فسلجه الأعصاب وعلم وراثة الانسان ، وهذا غير مبحث العبقرية من مجالات الفن والأدب وعلم الجمال ، من زاوية تحليل العطاء الإبداعي النوعي ، والموسومة بالفرادة المغايرة ، العاكسة لفرادة المبدع وراء ذلك العطاء ، والموصف لدى هذه الدراسات بالعقل العبقري ، هذا غير المجالات الوظيفية التعليمية وغيرها التي تنظر للعبقرية من زاوية معنى التفرد أو الفرادة الاستثنائية العليا لامتلاك القدرات وتوظيفها بطرق مدهشة مغايرة عن المألوف ، وهو ايمان بأن العبقرية هي سمة مكتسبة تتلاقح مع فارق الاستعدادات الاولية بين الافراد ، يمتلك سمة العبقرية حالات فردية نادرة تكون مُعّلمة (افتراضياً) بامتلاكها المسبق لخصائص شخصية وبيئية توسمهم بالاستعدادات الأولية العليا لذلك الاكتساب – المعرفي الخبراتي والممارسي- المنتج تضايف فريد فيما يعطيه من يوصف لاحقاً بالعبقري ، وهذه الاتجاهات الوظيفية - في مجالات عده – تؤمن بمسألة تخليق العبقرية ، من خلال التدريب والتأهيل (الخاص) لمن يتم اكتشاف امتلاكهم لاستعدادات أولية من سن مبكرة .
وبفعل شمولية الاطلاع في الكثير من المجالات ، وما اخذه مبحث العبقرية لدينا من زمن بعيد – الى جانب قضايا اخرى نقدمها في دراسات خاصة بكل واحده منها وما تأسس لدينا (وفق ما نزعم) ، بالوصول إلى نظرية منفردة خاصة بنا نتناولها في دراستنا هذه تفصيلاً وبصورة مغايرة من كل ما سبق تناوله حول موضوع العبقرية ، والتي تحتوي في ثناياها تفنيداً ناقداً لخلل جوهري شاب المسار التطوري للمعرفة لكافة المجالات العلمية وحقولها المتقدمة ضيفاً في التخصصية ، أكانت تلك المتعلقة بالعلوم التجريبية التطبيقية والتقنية ، أو تلك المتعلقة بالإنسانيات ، بما فيها النفسية والوظيفية المختلفة .
وحين وقفنا على ذلك الاتساع المعرفي في المجالات الكثيرة المختلفة بالمعنى النسبي في حدود ما وصلنا اليه لاستنطاق مفهوم العبقرية عند كل واحدة منها ، وكذلك بالنظر الى التقنيات القياسية والاستقرائية لنشاط دماغ الانسان ، وصلنا الى قناعة (ذاتية) مؤسسة بمعرفة علمية تخصصية دقيقة في علم فسيولوجية الأعصاب ونظرية التطور البيولوجي ، إلى اطلاع معمق في علمي النفس والجمال والنقد الجمالي وممارسة الابداع الأدبي ، مفاد ذلك بأن (العبقرية) لم تطرح مفهوماً واضحاً ومشبعاً لما هي في ذاتها كظاهرة .. حتى الآن فمن كافة العلوم ، بما فيها تحديداً العلوم العصبية لدراسات نشاط الدماغ وعمله ، ويترافق ما سبق ذكره أخيراً استنطاقا حكمياً آخر في قصور التقنيات المعاصرة أجهزة وأدوات قياسية منطقية – وأن تعطى معرفة تمييزية تفريقيه حقيقية بين مسمى العبقرية والمسميات العديدة المختلفة لمعنى الذكاء في درجاته والموهبة ، وذلك من حيث طبيعة الدماغ ونشاطه وفاعليته لإنتاج الأثر (المُعلَّم بالعطاء الاستثنائي المتفرد كمنتج ذهني لاحق) .
من هنا وجدنا أنفسنا تحت حاجة التأصيل النظري المغاير لمفهوم ظاهرة العبقرية – عن منتج التشويش الخلطي بينها وبين مظاهر مسميات اخرى للإنسان تحدد في منحصر الفرادة أو الاستثناء لحالات فردية نادرة من بين المجموع أو العموم كخلط بين العبقرية ، فرط الذكاء ، الابداع النوعي الاستثنائي النبوغ ، العقل المحنك ، الموهبة الفذة ، العقل العلمي الخبير ، اللمعان (الذهني) ، حدة الادراك الذهني ، التخليق الذهني للأفكار (أي شدة الفاعلية الذهنية ... ألخ ) دفعنا ذلك الى أتباع منهجاً استقرائيا (مجرداً) يعتمد على المنهج العلمي للتحليل (الذهني) ، مع استبعاد الأسلوب العلمي التقليدي للكتابة البحثية ، تلافياً للغرق في أتون الدراسات المرجعية ، بما يسبب لنا التوهان عن أصل الفكرة لدينا ، والتي بذاتها المغايرة – عن كل ما سبق طرحه حول مسألة العبقرية – تأصيلاً لرؤية نظرية ثورية علمية جديدة – كما نعتقد – تؤسس لقيام نظرة كلية جديدة حول الإنسان (بكل ما يتعلق به) من فرادة مكونه الدماغي وعمله مقارنة بغيرة من المخلوقات الأخرى ، وتحديداً هنا مبحث الفرادة النوعية لطبيعة وعمل وفاعلية الدماغ للندرة من الافراد من بين الجموع – نظرية (وفق اعتقادنا) أنها تصحح الفهم المغلوط المتراكم عبر مسيرة التطور العلمي التجريبي والتقني والتطبيقي لفهم الإنسان ومعرفة أغواره – البيولوجية الوظيفية والمنتج المبهم لدماغه بما يسمى بالعقل ، وأول بادئ تعديلي معرفي – لما وصلنا أليه معاصرة من العلوم – بأن العبقرية هي ظاهره (فردية استثنائية ، مطلقة في ذاتها) ، بينما غيرها من المسميات أو الموصَّفات للأفراد المتميزين عن غيرهم ، ليست سوى مظاهر أو سمات محددة بذاتها من مكون فاعلية دماغ الإنسان الفرد المتميز ، بينما الخطأ المنسحب عبر مسيرة تطور العلوم – العصبية والتقنية العصبية تحديداً بقدر ما تستشعر باستثنائية مسمى العبقرية ، إلا أنها لا تمتلك قاعدة معرفية أو تقنية مستنتجة لدراستها بمعنى الظاهرة ، بقدر ما تكرر نفسها في دراستها كمظهر استثنائي من مظاهر تجليات عمل الدماغ – وهذا ما ستكشفه نظريتنا المتواضعة هنا في هذه الدراسة – كما ونزعم أن طروحاتنا ستفتح آفاقاً جديدة مصححة للمعرفة العلمية (النظرية) والتقنية اللاحقة ، التي تجيب عن الأسئلة الجوهرية التي طرحها الأنسان عبر التاريخ لفهم نفسه والكون والعالم الذي يحيط به ، بما فيه المجتمع ، وفهم وعيه ، بما فيها التساؤلات الفكرية الكبرى المصاغة في مفاهيم متناقضة ومتعارضة أو التي تحد نفسها غائبة عن مسار التطور العلمي العاصف ، المنسحب عن كونه باحثاً عن الحقيقة باحثاً عن اجابة لتساؤل الانسان كمتعلق (بوجوده النوعي ومنكشف تطور هذا النوع) ، وعلاقة متصل هذا النوع بكل ما يحيط به من دوائر القرب والبعد – الطبيعي ذات الجنس – ليسلك في مسار نفعي متعلق بماذا نكسب .
واخيراً فيما يجب الإشارة اليه ، بأن منهجنا التحليلي العلمي النظري المجرد الذي نتبعه ، يقف في نظاميته التحليلية على معارف علمية مجالية دقيقة من العلوم التجريبية والتقنية المثبتة والمتفق عليها علمياً – أي أن اطروحتنا لن تكون تجريفية تجريدية ، تخيلية صرفة – ويمكن اثارة الجدل العلمي معها من قبل العلماء الاختصاصيين في علم الأعصاب مجالات دراسة دماغ الإنسان ، حيث وأنها لا تخل بصحة المعارف النظرية ، ولكنها تستنطق ما هو غائب عند العلماء ، وما يعتري مسيرة تطور العلوم التجريبية والتقنية المعاصرة (من اعورار) ، ندفع في نظريتنا في وجه من أوجهها نحو تصحيح ذلك الخطل .
إشكالية مبحث المؤلف
نظرية واحدية جامعة بعدد من النظريات
نظرية العبقرية / المعجزة
إشكالية مبحث يقود الى نظرية جامعة
مشكلة البحث تتمثل بأن التطور العاصف والمتسارع في المجالات المختلفة من العلوم التطبيقية التجريبية والتقنية المصاحبة لها ، رغم أنها تنمو في اطراد نحو المعارف المجالية الدقيقة الضيقة ، إلا أنها في متواليات مسارها ذلك تبتعد أكثر فأكثر عن التساؤلات الأساسية التي طرحها الإنسان عبر التاريخ – وهي التي قادت كضرورة تاريخية لنشوء مفهوم العلم ليتخذ مساراً تطورياً نوعياً سريعاً ومغايراً عن كامل التاريخ السابق لبدء العلوم – هذا كمسار حتى الراهن والمستقبلي لتطور العلوم التجريبية والتقنية ، تم استبدال مضمونه المحرك كنوع من البحث عن الحقيقة (وفق ما قامت عليه نظرية المعرفة) ، والتي هي مبنية على تساؤلات جوهرية عبر التاريخ الإنساني ، وكلما وصلت معرفة الإنسان الأصلية من تلك التساؤلات ، فإن
ذلك يحقق معه كامل المنافع الراجعة على الإنسان عموماً ، إلا أن المضمون الإحلالي المستبدل – المتمثل بالمنفعة بمعناها الضيق (الكسب أو الربح) كشرط أساسي لتوظيف رأس المال بما يحقق التطور للعلوم والتقنية لتحقيق عائداته كنوع من الاستثمار ، وهذا ما فرض تحولاً تاريخياً لمفهوم قيمة المعرفة ، فعلوم تلاحق البحث عن الحقيقة لا قيمة لها لكي يوظف لها رأس المال اللازم ، لكونها لا تحقق عائد الأرباح للرأس المال الموظف ، بقدر اهتمامها البحث عن الحقيقة (حول الإنسان ، المجتمع ، الطبيعة ، الكون ... ألخ ).
من هذا المدخل (السابق) الذي يمثل مشكلة بذاتها يلزم بحثها – هو ما قادنا الى اختيار مبحثنا الراهن ، والمعنونة بــ (العبقرية) ، والتي أوصلتنا في اطروحتنا هذه – وفق ما نعتقده الى نظرية جديدة حول نظريتنا أو معرفتنا بالإنسان بصورة مغايرة ، وهو ما سيعيد مسار تطور العلوم الى مضمونه الأزلي ، منذ بدأ الإنسان يعي ما حوله – بوعي غائي - كباحث عن الحقيقة أولاً والمنفعة لاحقاً مع الوصول الى الحقائق محط الاهتمام – وهذا ما فرض علينا عدم التقيد بنمطية الأسلوب العلمي (التقليدي) المتبع في دراسة أية ظاهره – أكان في العلوم التجريبية ، أو حتى في العلوم الإنسانية – حيث وأنها لن توصلنا – (وفق معرفتنا وخبرتنا العلمية - الاكاديمية الدقيقة) الى ما نصبوا إليه فيما تقوم إليه فكرة هذه الدراسة وأبعادها ، والأهمية التي تقود إليه من تصحيح المعارف العلمية ، ومسار تطور العلوم .
إن كان مبحث المشكلة هنا محدداً بـ (العبقرية) ، فإن المتجه الرئيسي للدراسة متصل مباشرة بعلم تجريبي معاصر (Neuro-physiology) أي علم فسيولوجية الأعصاب ، وتحديداً منها ما يتعلق بدماغ الإنسان ، والموصول
بآخر التطورات التقنية (أجهزة وأدوات وطرق) في دراسة المجال ، ولانعدام توفر أبسط تلك التقنيات بأيدينا ، لم يكن لنا سوى الحاجة النظرية في ظل ما وصل إليه العلماء في هذا المجال ، ومن جهة ثانية ، وفق ما نراه وما توصلنا إليه بأن الأساس الذي ينطلق منه العلماء في دراسة (العبقرية) من حيث كونها مظهراً من مظاهر الذكاء (العالي)، الذي يشذ كنمط شحيح الندرة عن أفراد مقارنة بغيرهم من الأذكياء أو العامة (وفق الاعتقاد الافتراضي عند عموم العلماء في المجالات الدقيقة المختلفة ، المتعلقة بدراسة الإنسان – نمط الحالات الخاصة – من جانب دراسة الدماغ أو الطباع أو السلوك والتكيف الاجتماعي أو العطاء الإبداعي ) – وهذا الأساس في اعتقادنا جانب أصل المعرفة الصحيحة أو السليمة لبحث المعجزة كحقيقة بذاتها والتي نراها – أي المعجزة – هي ظاهره منفردة قائمة بذاتها وليست مظهراً بشرياً خاصاً من الناس الأذكياء متعلق بالقدرات الدماغية المقاسة بالأجهزة أو الأدوات أو الطرق (الراهنة) وفق مقياس درجة الذكاء المفرقة بين الأفراد – هذا التجريف النظرية عند العلماء بالنظر لمسألة ’’ المعجزة ‘‘ من حيث كونها نمطاً أو مظهراً من مظاهر استثنائية فاعلية الدماغ بين الأفراد (بدلاً من حقيقة كونها ’’ظاهرة ‘‘ استثنائية بذاتها) سحب نفسه على اتجاه التطور التكنولوجي المصاحب للمجالات المعرفية النظرية المختلفة ، أنها عاجزة عن أيصال العلماء – بأي شكل كان – إلى معرفة ’’ المعجزة‘‘ في حقيقتها الكلية ، بقدر ما توصل بتقطعات غير متماسكة أو غير ملتحمة لجوانب أو أوجه (محدودة) من تفرد الشخص العبقري – عن سواه من الأذكياء جداً أو الاعتياديين من الناس أكان على الصعيد التكويني النسيجي للمخ (أي شدة التعقد) ، أو كان على صعيد البنائية الوظيفية لعمل الدماغ (أي أشد نشاطاً وفاعلية) ، أو على صعيد فاعلية المخ بما ينتجه من أبداع ذهني أو خبراتي عملي ، أو على صعيد ما ينعكس على الشخص سلوكياً أو نمطياً عليه بسمات أو طباع تشذ عن المألوف من الناس اجتماعياً أو نفسياً .. ونادراً أخلاقياً – هذا العجز التقني المصاحب بتصور اعتقادي خاطئ لا يؤهلان إلا لبحث الفوارق بين الأفراد قياساً – تحديداً أدقها علم الفسيولوجية العصبية لدماغ الإنسان فمن ينفرد منها بنظامية عصبية – دماغية أعقد على الصعيدين البنيوي النسيجي والوظيفي ، أطلق عليه تعليماً ’’ بالمعجزة ‘‘ – وهو ما يجعلنا نجزم بأن الوظيفة التقنية القائمة غير قادرة على دراسة ظاهرة العبقرية – وأن افتراض العلماء الذي يستنطقون فيه استثنائية البنائية الدماغية لذلك الفرد المطلق عليه مسمى العبقرية – وتتخذ لاحقاً كحقيقة معرفية ينطلق منها العلماء اللاحقين لاستكشافات علمية لاحقة في بنائية وعمل الدماغ – والتي قد تكون – بل مؤكداً أساساً معرفياً زائفاً لحقيقة العبقرية (في ذاتها) ، فشدة التعقيد الدماغي يكشف ذلك المستوى (الاستثنائي) الذي يعتمد فيه مثل ذلك الفرد على نشاطه الذهني العالي الموظف من قبله بشكل منفرد مقارنة بغيره ، لكن ذلك لا يطرحنا على يقين تمييزي بأن ذات الشخص هو عبقري أم لا ، بمعنى هل هو عبقري أم أنه مفرط الذكاء .. فقط ، وهنا فكل ما هو مطروح في العلوم التجريبية والتطبيقية وتكنولوجية القياس والاستقراء العلمي تخدعنا وتزيف معارفنا العلمية حين تدرس العبقرية كتفوق ذهني أو دماغي – بينما هي لا تدرس سوى الفوارق بين الأفراد من حيث فارق الذكاء أو بنائية الدماغ – من زاوية التعقيد النسيجي والوظيفي – أو منعكس ذلك على النفس شخصية ، كتفوق شخصي لفرد عن بقية أفراد النوع الموسومين بشدة الذكاء ، وهو ما يجعل كل الدراسات القائمة على مسمى العبقرية ليست سوى تخمينات – أي ليست معرفية علمية حقيقية – تسقط نواتج القياس الاستقرائي لفارق التفوق الفردي ، كتأكيد جازم التصفيف لذلك الفرد بالعبقري – بينما لا علاقة لتلك الأحكام القياسية – الاستقرائية بمفهوم العبقرية (كما نعتقد في اطروحتنا) ، بقدر ما هي تتعلق بدراسة الفوارق بين الأفراد ، بينما ما نؤكد عليه هنا ، بأن العبقرية ينبغي بناء الدراسة (التجريبية أو التطبيقية) عليها باعتمادها ظاهره قائمة في ذاتها ، أما منتج الفارق النوعي للقياس الاستقرائي لا يمثل إلاّ وجهاً من أوجهها .. وليس وجهها الكلي كما يعتقده العلماء جهلاً ، كما وأن المعجزة – كظاهره بحد ذاتها – ينسحب أثر نوعها الدماغي على كلية بنائية الدماغ ونشاطه وفاعليته على شذوذ غير مقروء حتى الآن – ولا مستقبلاً في ظل المسار الراهن المتبع لتطور العلوم والتقنية المصاحبة – شذوذ تركيبي ووظيفي فسيولوجي ، ينعكس شذوذاً مغايراً عن المألوف على الشخصية – نفسياً ، سلوكياً ، تكيفياً ، اعتقادياً ... ألخ – لا يصل ذلك الحال إلى الأفراد المعرفين بشدة أو فرط الذكاء ، الذين بالتأكيد يحملون سمة الشذوذ عن من هم اقل منهم الناس ، ولكنه يظل – عند الدراسة وفق قاعدتنا النظرية هنا (عند أعلى الناس ذكاءً أو مهارةً أو أبداعاً) محدودة القياس مقارنة بالشخصية (العبقرية) ، وهو ما سيتكشف خلال اطروحتنا في هذه الدراسة .
متنازعات فكرة المؤلف
إن الوسائل التقنية – البيولوجية المعاصرة (الراهنة) من أجهزة وأدوات وطرق قياسية وتحليلية – لا تزال قاصرة على التمييز بين درجتي الذكاء والذكاء المفرط بين العبقرية ، من خلال دراسة الدماغ (بمنظومتيه البنائية الهيكلية والبنائية الوظيفية) في حياة الأنسان ، وليس بعد موته ويظهر جلياً وفق زعم الباحث ، بأن الاتجاهات النظرية – القائمة حتى اليوم – تكشف عن عجز مستقبلي منظور ، لاكتشاف تلك النظامية المصدرية في الدماغ المانحة سمة الفرادة الاستثنائية لأنسان يُعّلم بذاته بالعبقري ، وذلك من حيث البنائية الثلاثية الحيوية للإنسان في متعلق بنائيته الدماغية .
من هنا يذهب الباحث – من منظور علم فسيولوجية الأعصاب باستحضار تصوري (ديناميكي) متخيل لنشاط عمل الدماغ بآلياته الوظيفية ، ومترافقة الهيكلي – النسيجي من حيث الثبات والتغير – كمحاولة لاستنباط (افتراضي) لما هو مجهول عند العلماء – لتحديد الطبيعة التكوينية والطبائع المسلكية ، التي توسم هذا الدماغ بفرادته سمة العبقرية .
أهمية الفكرة :
بأنها تفتح منحى جديد (سليماً) للاتجاهات النظرية والتقنية لدراسة فسلجة الأعصاب ، وتحديد الدماغ منها ، كما وأنها – وفق اعتقاد الباحث – ستغير من اتجاهات ورؤى العلوم والفكر ، فيما يتعلق بدارسة الانسان في كل المجالات ذات الاهتمام ، وهو ما سيقود إلى بناء تصور جديد مغاير تجاه الانسان بمعنى شامل وكلي لهذا المصطلح الاخير .
أما الأهمية – النمطية قيمياً – يفترض الباحث حين تجد (نظريتنا الافتراضية) اهتماماً بين العلماء بدءاً في جدل علمي نظري فيما تطرحه وتذهب إليه – فإنها ستجد مكاناً لها من أنصار لها من العلماء ، أو يتكئون على مغايرتها للمألوف (العلمي) البدء في عدم تقبلها وفق ما هو متبع في تكبيل الأبداع الذهني الخارج عن حدود الطاعة لطابعها الموسوم بالميكانيكية (الخطّية) البطيئة في نهجها الموضوعي لتطوير العلوم ، حيث وأنه متراكمها المعرفي الأسبق ، مما يجعلها مفتقرة لإحداث طابعاً ثورياً تاريخياً) في الفتوح العلمية ، ومن جانب آخر فأنها توغل في الابتعاد عن جوهر البحث للإجابة عن التساؤلات الأساسية – التي طرحتها الفلسفة ، حين كانت تمثل الوعاء المعرفي للعلوم عامةً ، وذلك حول الكون ، الطبيعة ، الحياة ، الإنسان (عقله، جسده ، وعيه ، وعلاقاته ) والمجتمع الذي أنتج التطور العاصف للعلوم ، بأن سار إيغالاً في التخصصية الدقيقة ، كفتح تسلسلات مجالية – معرفية وتطبيقية – تزداد ضيقاً وتحديداً ، حتى وفق مبدأ النفعية ، منتجاً معارفاً عصرية (دقيقة وفق المجالات) ، لكنها تنتج معها – في نفس الوقت – تساؤلات لأمور ما تزال مبهمة ، هي ما تجر العلم والتجريب نحو طابع القيد الميكانيكي ، لأحداث التطور العلمي ، يفرض عليه السير التجريبي نحو فرديات تلك المبهمات الناتجة عن الفتوح السابقة .. وهكذا ، مما يحدث اغترابا لحقيقة العلم عن وظيفته الاساسية ، كما ومن جانب آخر ، فان هذه المسلكية للعلوم التجريبية المعاصرة – المغلولة سيراً في التجزيء ، وذلك تحت تحكم رأس المال على العلم واتجاهات عمله نحو الربحية ، حيث تحمل نواتجه التطويرية – وظيفياً – للمنفعة (بمعنى المكاسب أو الأرباح المالية العائدة) – قلة من مالكي النفوذ والمال ، وبقدر ما تحمل قيمة نفعية للإنسانية ، إلا أن حقيقة الانتفاع بنواتج التطور العلمي – التقني ، يكون واقعاً قائماً على الأضرار بالإنسان (العام) ، وبالطبيعة فلا الناس أو الطبيعة تمتلك دعم التمويل لتطوير بحوث العلم – وهذا يعد الوجه الآخر الانحرافي لطابع العلم المعاصر من حيث القيمة ، والذين يحدثا واقع التطور العلمي المجالي الدقيق وتقنياته ، بينما هما في طابع مسار التجريب ، يبعد الإنسان عن فهم وأدراك الحقائق الكلية والأساسية ، لتغرقه في أدراكات معرفية شديدة الضيق – أي تفرقة في التجزيء التفكيكي للمعرفة ، وفي تفاصيل تلك المجزآت – وهو ما ينتج إنساناً معاصراً – انفصاميا ، ذا وعي علمي في مجال بذاته ، ووعي منطقي لتصوراته حول العموميات (لظاهر الوجود والحياة) ، وهو من جانب آخر ذا جهل مطلق في إدراك الحقائق في جوهرها ، وذلك لغيابها في نهج مسار التطور العلمي – التجريبي والتطبيقي ، والذي من خلاله يصاغ واقع حياته ووعيه .
مما سبق توضيحه يمكننا الكشف عن غاية من الغايات التي تقف وراء دراستنا هذه – في نجرى نظريتنا المجردة حول مسألة العبقرية- هو وضع بصمة تحولية لطابع نهج المسار التجريبي لتطور العلوم التطبيقية والتقنية القادمة على أسس قيميه ، بقدر ما هي تفتح عمقاً المجالات التخصصية مع تحقيق جوانب المنفعة والعائد المالي ، بقدر ما هي تفتح عمقاً المجالات التخصصية مع تحقيق جوانب المنفعة والعائد المالي ، بقدر ما تنطلق بحثاً عن اجابات للتساؤلات الجوهرية التي طرحها الانسان غبر التاريخ وهو تحولاً يعيد تصحيح مسار تطور العلوم التجريبية والتقنية ، فإنه يخدم أيضا في مسارة ذلك توفير المعرفة النظرية الدقيقة والتطور التقني المثبتان نظريتنا المجردة التي نقدمها في دراستنا هذه كدخول ممكن آلياً الخوض في تفاصيلها ، وفي تصحيح ما فيها – التي ستُعد آنذاك تصورات أولية – يتحول فيها متجه العلم في مجالاته المتضيقة الدقيقة ، منتجاً لكشوفات معرفية دقيقة المجالية ، ولكنها تحمل في نفس المسار إجابات عن التساؤلات الأصلية لمعرفة العالم (الكون ، الطبيعة ، الإنسان ، والمجتمع) ، وهو مسار تتصحح ضمنياً – وبشكل عفوي - القيم الفعلية للعلم ، وفي متصل بجوهر اطروحتنا ، يدعم الباحث ، بأن متحوِّل نهج التطور العلمي – التجريبي والتقني ، فيما يتعلق بدراسة الإنسان ، وتحديداً دماغه ، وفي متحدد موضوعته هنا – مسألة العبقرية – سيصبح ممكناً ومتوفراً (علمياً وتقنياً) ، أي التعرف والتمييز لأولئك الندرة من الأفراد الموسومين بالعبقرية من بين عموم الناس ، خلال فترات حياتهم الاعتيادية اليومية ودون أن تسبقهم أية شهره تحفزنا للتركيز عليهم – بينما لا يدركون أنفسهم أنهم كذلك ، بقدر ما يدركون أو يستشعرون بمظلومية مطلقة يعانون منها من النبذ والاغتراب واللاتكيف ، كما وأن المجتمع ومحيطه من البشر لا يميزون فرادته ، بقدر ما يدركون (وفق فهمهم) أنه غريب في طباعه ، غير متكيف – بمعنى لا يسلك مثل الآخرين ، وغير مندمج اجتماعياً ، أو مندمج في حدود ضيقة ، ومع ذلك لا يقوى الآخرون على تفسير تقلباته وأطواره غير السوية .
كما وأن أطروحتنا النظرية هذه ، تذهب إلى تقديم تصورات لفهم علمي جديد ، منها حول مسألة توريث العبقرية من عدمها ، وهو طرح مغاير للمألوف تداوله علمياً ، وهو ما سنأتي عليه لاحقاً ، ونكتفي إشارة لتبيان ذلك هنا بأن مسألة التوريث من عدمها في الأجيال اللاحقة ، لم تعد – بنظرنا – محكومة وفق الفهم المتداول ، بمعنى أن تظهر الصفات نقلاً إلى الأجيال اللاحقة – متنحية أو سائدة – فإن ظاهرة التوصيف المدروسة أنها وراثية ، وحيث لا تظهر تلك الصفات في الأجيال اللاحقة فإن الظاهرة المدروسة (ليست وراثية) .
أيضا تحاول هذه الدراسة ، أن تقترب من حقيقة العبقرية بذاتها موضوعياً كصفة فرادة الأنسان سائدة على شخصيته – محدودة بدماغه الموسوم طبيعياً باستثنائية نشاطه الوظيفي ، خاصة فيما يتعلق بالوظائف العليا للدماغ ، ويظهر جلياً بالتشريح الدماغي ، تناسب البنائية الهيكلية النسيجية – الاستثنائية نوعاً – من جانبها الوظيفي المنتج ، أم أن العبقرية – قصداً الدماغ العبقري – هي كما يسوقه فهماً علماء آخرون ، بأنها سمة انمائية (مكتسبة) لعمل الدماغ ، تحديداً عن أولئك المتمتعين بدرجة عالية من الذكاء .
حيث تتقاطع الخبرات المعرفية النوعية (المكتسبة) ، مع الطبيعة الدماغية الموسومة بدرجة عالية من الذكاء ، لينتج ذلك تضايقاً متبادل الأثر بين المتضايفين ، حيث تزداد الفاعلية النشاطية العضوية للمخ ، ويزداد التعقد النسيجي ، وفي المقابل يعيد هذا الدماغ الجديد إخراج معرفة مغايرة (بصورة أمخالفة ) ، أو مواقف وأقوال وتصورات ومسلكيات ، كلها تبرز مغايرة للمألوف عن بقية الأفراد .
وأخيراً ، ما نود الإشارة إليه ، بأن جملة التفاصيل سابقة الذكر وغيرها سنأتي على ذكرها ، تبنى على افتراضية نظرية مجردة ، عن عمليات وأنشطة تجري في الدماغ – لم تطرح من قبل – هي ما تطبع سمة الفرادة ، عند من يوصفون (دماغياً) بالعباقرة ، مع المرور تمييزياً بين مفاهيم عدة متداخلة ، توهمنا كل واحدة منها ، بأنها الموسومة للفرد بكونه عبقرياً استثنائيا ، ومن هذه المفاهيم ، الموهبة الفذة ، الموهبة الاستثنائية ، شدة البراعة ، فرط الذكاء ، القيادة ، الخبرة النوعية المعرفية التراكمية ، النباهة ، التفكير الذهني – التركيزي- الممارس ... ألخ ، مع طرح اجابة حول تساؤل اشتراطي متداول ، مثل هل يشترط العبقري ، لمس اطروحات ملموسة – إنفرادية بطبيعتها – ليوصف العبقري ؟ ، أم أن سمة العبقري لا تشترط ذلك ؟ كما وكيف نميز عطاءً استثنائياً – ابداعياً لفرد ، بحقيقة كونه معجزة عبقرية أم مبدعاً ، أم مفكراً أو قائداً أو ماهراً بجدارة .. ألخ ، كما وهل يشترط العبقري حكماً في كلية عطائه أم في جزئية أو جانب محدد منه .
فرضية النظرية :
1- العبقرية – المعجزة هي ظاهره فردية استثنائية في النظامية البنائية للدماغ ، قائمة بذاتها بصورة منفردة كلياً .
2- التكنولوجيا المعاصرة المستخدمة في العلوم التجريبية والتطبيقية ، تعد عاجزة كلياً عن دراسة ظاهرة العبقرية ، بقدر ما هي معينة في التمييز القياسي الاستقرائي بين الأفراد من حيث الذكاء أو نمط الشخصية أو عطاءه الذهني الابداعي (الجمالي الفني ، العلمي ، والتقني أو الخبراتي) ، أو حتى من حيث الجانب التشريحي للمخ أو الدماغ (بعد الموت) .
3- هناك خلط في المفاهيم بين العبقرية ، فرط الذكاء ، النبوغ ، التفوق الذهني ، اللمعان الذهني ، العقل ، المفكر الاستثنائي ، العقل العلمي المتفرد ، النباهة ، القيادة ... ألخ ، والتي هي – وفق اعتقاد الباحث – مترائيات لفظية متصلة بواحدية المعنى (كتشويش) معرفي منتج عن قصور جوهري في قاعدة دراسة العلوم التجريبية والتطبيقية المعاصرة ، بينما كل واحدة منها تتسم بمضامين وأبعاد خاصة بها ، تفرض حقيقة واقع تجريبي آخر – وهو مفقود حتى الآن – مختلف الاتجاه وطبيعة الأجهزة والأدوات والطرق اللازمة لدراسة كل واحدة منها على حده .. وفق خصوصيتها – أي بمعنى تفترض نظريتنا التفريق بين ظاهرة العبقرية (المعجزة) وبين غيرها من المفاهيم ، التي لا تمثل سوى وجهاً تميزياً لدماغ انسان فرد مصنف في خانة مجموعة خاصة من الأفراد – كالأذكياء – مثلاً .
4- أن المسار العاصف لتطور العلوم التجريبية والتطبيقية والتقنية المصاحبة ، يمثل مساراً منحرفاً لأصل ما بنيت عليه مسألة نشوء العلم وحركة تطوره المستقبلي .
5- أن المفهوم العلمي للوراثة – أن ظاهرة العبقرية أن تكون وراثية أن غير وراثية – لا يستقيم مع نظريتنا المطروحة ، حيث نضع فرضية جديدة مغايرة نوعاً مع ما هو متعامل به في علم الوراثة ، فالعبقرية تورث أو لا تورث هو حكم لفظي مؤجل أو اخير ، موسومة بالنسبية – ومتعارض مع المبدأ الوراثي القطعي هل الظاهرة تورث تناقلياً عبر الأجيال أم لا تنتقل وراثياً في الأجيال اللاحقة – وبمعنى آخر – وفق فرضيتنا – أنها لا تورث ، بينما في حقيقتها (أي العبقرية) تتسم بحملها نقيض الحكم السابق ، أي أنها تحمل سمة التوريث في طبيعتها كظاهرة ، والعكس صحيح إذا ما كان حكمنا يقوم على الوجه الآخر للإجابة .
6- تفترض نظريتنا هذه ، اعادة بناء أسس الفهم النظري لعلم البيولوجيا ، خاصة فيما يتعلق بمسألة التطور البيولوجي بين الأنواع من الكائنات الحية – بما فيها المنقرض منها .
فالقصور المعرفي فيها – الناتج عن تعجل أو تجاهل لأمور أخرى غابت عنهم ، قادت إلى تعميمات وأحكام وتعقيدات معرفية منحت صفة الثبات (للمعرفة) على أنها حقائق مطلقة ، وهو ما لحق بالمسار التطوري العاصف للعلوم التجريبية بالاشتقاق المتوالي المتسارع لنشوء حقول مجالية دقيقة متجددة على الدوام – من أساسها الأول المتمثل بعلم البيولوجي ، وتحديداً منه علم الحيوان (Zoology) ، أن توسم بوجود فراغات أو خواء في مضامينها ومسار تطورها المستقبلي بصور حقول مجالية جديدة أكثر ضيقاً .
القادم ////
مبررات الطبيعة النظرية
لمبحث الظاهرة