الاسترولوجيا بين الرجعية والتقدمية- الصافات صفا
طلعت خيري
2024 / 8 / 31 - 10:57
قلنا في المقالة السابقة ، استعان مسئولي ومناصري الكتل السياسية الاسترولوجية والكسمولوجية باليمين الراديكالي ، وبالإغواء الرغبوي للحفاظ على ديموغرافيا المصالح السياسية ، وقلنا أيضا استثنى الله من المسائلة والاستجواب الأخروي،عباده المخلصين،مطلعا فئات الديانة الكوكبية على الامتيازات التي سيحصل عليها المؤمنين في يوم الدين، انتهى الاستجواب بفصل منكري البعث والنشور عن المؤمنين به ، ثم انتقل التنزيل الى تجمع أهل الجنة ، لاطلاع الديانة الكوكبية على الحوار الذي دار بين اثنين ، احدهما من أصحاب الجنة والأخر من أصحاب الجحيم ، ليعلموا ان المسائلة الاخروية سوف تطول حتى العلاقات الفردية بين فئات المجتمع ، ان الاستجواب الأخروي لمناصرين الكتل ، وتساؤل أصحاب الجنة عن مصير أصحاب الجحيم ، يوحي بان الأفراد كان يعرف بعضهم بعض في الدنيا ، فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ{50}
بعد ان فكك التنزيل أخرويا الولاء السياسي المجتمعي لمناصري ولمسئولي الكتل السياسية ، انتقل الى الجنة ليطلع الديانة الكوكبية على آلية تفكيك الأفراد أخرويا ، من خلال تساؤل طرحه احد أفراد الجنة على أصحابه متسائلا عن قرين له في الدنيا ، فقال، قال قائل منهم إني كان لي قرين
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ{51}
قلنا استحوذت استرولوجيا الكواكب على فكر وثقافة المجتمع المكي،مبلورة انطبعا وجوديا انطولوجيا ،رافضا الإيمان بالله ومخلفا كريبكائية مظلمة منطوية على معتقداتها ،غير قادرة على استلهام التغير العقائدي، فقرين رجل الجنة كان متقوقع فكريا وعقليا وعقائديا حول الكريبكائية الدهرية الانطولوجية ، قال لصاحبه في الدنيا ، أئنك لمن المصدقين، أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون، مدينون ندان على أعمالنا، فطلب رجل الجنة من أصحابه الاطلاع على مصير قرينه، فقال هل انتم مطلعون ، فاطلع فرآه في سواء الجحيم، قال تالله ان كدت لتردين، تردين جاءت من يردي بمعنى يلقي، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين، محضرين في الجحيم
يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ{52} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ{53} قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ{54} فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ{55} قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ{56} وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ{57}
العذاب الأخروي ليس عذابا دنيوية ملموسا، إنما وعد مستقبلي تقدمي يدعو الى التخلص من الرجعية الاعتقادية، التي اعتبرت الملذات الدنيوية والحريات الشخصية قمة في التقدم، فأين التقدمية في أهواء وملذات بدائية مارسها بني ادم منذ بداية الخليقة الى يومنا هذا، فالتنزيل طرح التقدمية على الديانة الكوكبية، للتخلص من راديكالية اليمين ولإغواء الرغبوي الذي بلورته الدهرية كناتج ثقافي ايدولوجي سياسي يحابي أهواء ورغبات القاعدة الجماهيرية، فالدهرية انبثقت من الاعتقادات السياسية الانطولوجية والاسترولوجية والكسمولوجية والدين السياسي والاعتقادات السماوية كالملائكة بنات الله والمسيح ابن الله ، والظنية كعلمية عالم الجن ، فقرين رجل الجنة كان يعرض على صاحبه الدهرية الدنيوية، فكان يقول له، أفما نحن بميتين، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ{58} إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ{59}
امتيازات الجنة ليس شيءَّ دنيويا ملموسا إنما وعد أخروي، وعد الله به عباده المخلصين الرافضين لدواعي الشيطان السياسية، فرجل الجنة من موقعه الأخروي عكس تقدمية أفكاره الدينية ، في دعوة عقائدية مجتمعية للتخلص من رجعية الأفكار الاعتقادية، معبرا عن تقدميته بالفوز العظيم، ان هذا لهو الفوز العظيم، أوصى رجل الجنة بالتقدمية والعمل الأخروي المؤدي الى الجنة، فقال لمثل هذا فليعمل العاملون
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{60} لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ{61}
اطلع التنزيل الديانة الكوكبية على تجمع أهل الجحيم، كطرح تقدمي له أبعاد عقائدية أخروية، وفي نفس الوقت هو تهدد دنيوي لفئات المجتمع، للكف عن الدعم السياسي للكتل ومسئوليها ومناصريها
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ{62} إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ{63} إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ{64} طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ{65} فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ{66} ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ{67} ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ{68}
ان التمسك بالتاريخ والتراث ألاعتقادي بلور الأفكار الرجعية وسد أفق الرؤى المستقبلية التقدمية التي دعت إليه الرسل والكتب المنزلة، كالإيمان بالله والبعث والنشور ، فالأفكار التقدمية تتطلع دائما الى المستقبل، بينما الأفكار الرجعية تتطلع الى الماضي لتستمد حضارة لها من عمق التاريخ، فمنظري الاعتقادات السياسية يستعينون بالماضي الغيبي لصناعة الحاضر السياسي، لكي تبقى المجتمعات غارقة في الأهواء والملذات ومتقوقعة حول تاريخ وتراث الآباء ، فالغيب هو كل ما غاب عن وعي الإنسان وعلمه وإدراكه ، كالماضي وأقطار السماوات ، وغيب الماديات الأرضية ، فالاعتقادات السياسية تتعامل مع أيديولوجيا جيوثقافية ، لها ارتباط تاريخي غيبي بالمقدسات السماوية والأرضية ، وعلى ضوئها يتم أنتاج الأفكار الاسترولوجية والكسمولوجية ، من أبعاد طرح أصحاب الجحيم على الديانة الكوكبية، للتخلص من تأثير التراث الرجعي السلفي ليتسنى لها رؤية المستقبل، وإدراك عواقب الإنذار الأخروي قال الله ، أنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون، ولقد أضل قبلهم أكثر الأولين، ولقد أرسلنا فيهم منذرين، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين، فانظر هي نظرة تصورية أخروية تقدمية تعكس عواقب الإنذار بالجحيم
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ{69} فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ{70} وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ{71} وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ{72} فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ{73}
استثنى الله عباده المخلصين من الجحيم، لأنهم اخذوا بعواقب الإنذار الأخروي، فكانت رؤاهم المستقبلية أكثر تقدما
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ{74}