المفكر والكاتب العراقي عبد الحسين شعبان -إلك صدر البيتِ وإلنا العتبةُ-
عبد الحسين شعبان
2024 / 8 / 30 - 13:21
د. عبد الناصر صلح - بعلبك
أستاذ جامعي ومتخصص في حوار الأديان وإدارة التنوّع
الكلمة التي ألقاها الدُّكتور عبد النَّاصر صلح في محاضرة الأكاديمي والمفكر العراقي الكبير الدكتور عبد الحسين شعبان، التي نظَّمتها جمعيَّة ريشة ونغم - بعلبك، احفاءً بكتابه الريادي عن الشَّاعر الثَّوري مظفَّر النُّواب الموسوم "رحلة البنفسج"، الصادر عن دار النهار، بيروت، 2023.
الحضور الكريم،
مساءُ الكرامةِ، مساءُ الكلماتِ الحرة، مساءُ الشعرِ والفكرِ والسِّياسة.
مساءُ ريشةِ مُظفّر النّواب، التي خطّت نغمًا أطربنا فأبكانا على أنفسِنا، وعلى أحوالِنا، ريشةٌ تجلى فيها تراثُ الإنسانيةِ العليا، وما أروعها.
ثَبَتَ فَنَبَتَ،... تمرّدَ فتحرّر،
كتبَ عشقًا، وشوقًا لحبيبتِهِ التي تركته، ولكنَّه في الحقيقةِ خاطب رؤيةً وعقيدةً سياسيَّةً، وأيديولوجيا ملتزمةً قضايا الوطنِ والأمَّةِ والعالم.
سهامُ مفرداتِهِ الماجنةِ جارحةٌ، لكنَّ جُرحَها لم يكن بأعمقَ من جروحِ أمَّتي المكلومةِ.
أيقتُلُكِ البردُ؟ أنا يقتلني نِصفُ الدِّفءِ، ونصفُ الموقفِ أكثرَ، سيدتي، نحن بغايا مثلَكِ.... يزني القهرُ بنا.. والدينُ الكاذِبُ.. والفكرُ الكاذبُ.. والخبزُ الكاذبُ..
بوصَلَةٌ لا تشيرُ إلى القدسِ مشبوهةٌ، حطموها على رؤوسِ أصحابِها. نعم، يا ابنَ الرافدينِ، يؤلمك ما يؤلمنا. ونحن أبناءُ الشَّامِ، وأنت قلت: ماذا سيحصل لو تحوّلنا إلى بلادٍ؟ أنا بغدادُ وأنت القدسُ، يميلُ رأسي على كتفِك قليلًا، فتزهرُ دمشقُ ويستقيمُ العالمُ.
وما أجملَني واقفًا بين كبيرَين، بين استثنائيَّين، وبين فرادتين، بين مظفّرِ النُّوابِ وعبدِ الحسينِ شعبانَ.
الأستاذ والكاتب والمفكر عبد الحسين شعبان، عراقيُّ المولدِ، إنسانيُّ النسب، يساريُّ الهوى..." اسمح لي قلك باللهجة البعلبكيةِ "أهلا وسهلا فيك ببيتك، إلك صدر البيتِ وإلنا العتبةُ".
يُعتبرُ شعبان واحدًا من الشخصياتِ المؤثرةِ في الساحةِ السياسيةِ والثقافية العراقيةِ والعربيةِ. تخرجَ من كليةِ الاقتصاد والعلومِ السياسية في جامعةِ بغداد، وحصلَ على الدكتوراه في العلومِ القانونية من براغ (أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية). عملَ أستاذًا في جامعةِ بغداد وجامعةِ صلاح الدين وجامعة اللّاعنف، وألقى محاضرات في عدد من الجامعات في العالم بصفته أستاذًا غير متفرّغ. تميزَ بغزارةِ إنتاجِهِ الفكريِّ، حيث لديه أكثرُ من 80 مؤلَّفًا حولَ حقوقِ الإنسان، والقانونِ الدوليِّ، والسياسةِ والثقافة، إضافة إلى طائفة من الأبحاث والدراسات المهمّة، منها: "حقوق المرأة في القانون الدولي والإسلام"، "العدالة الانتقالية: بين النظرية والتطبيق"، "العرب: بين المطرقة والسندان". كما له العديد من المقالات والأبحاث التي تعكس رؤاه وتحليلاتِه السياسيةَ والاجتماعيةَ.
يُعتبر شعبان واحدًا من الأصواتِ البارزةِ في الدفاعِ عن الحرياتِ وحقوقِ الإنسانِ في العالم العربي.
قال مرةً: "لا قيمةَ للعدالةِ إذا لم تكن قائمةً على الكرامةِ الإنسانية"، هذه الكرامةُ التي وللأسف، تُنتهك اليوم بأبشعِ صورِها، وعلى مرأى ومسمع من هذا العالمِ المتوحش، ومن منظماته الأمميَّةِ والإنسانيَّةِ.
ألم تقل أيضًا يا سيدي: "الثقافةُ ليست مجرد ترفٍ فكريّ، بل هي انعكاسٌ لعمقِ الإنسانيةِ في داخلِنا. إنها الوسيلةُ التي من خلالها نرتقي بأرواحِنا ونفهمُ الآخرَ ونحترمُ حقوقه."
لا زلتَ يا ضيفَنا عازمًا وسبَّاقًا، قاصدًا كلَّ نافذةٍ تحقق من خلالها إنسانيتَك، داعيًا في كل مسيرتِك إلى الحبِّ والأملِ والتسامحِ والحوارِ. وكما قلتَ: الحوارُ هو جسرٌ يعبرُ بنا من جهلِ الآخرِ إلى فهمهِ. في التسامحِ نكتشف إنسانيةً مشتركةً، وفي الحوارِ نثبتُ قدرتَنا على تجاوزِ الخلافاتِ.
أمَّا رحلةُ البنفسجِ، فلم تقتصر فيها على رواةِ سيرةِ صديقِك الشَّاعرِ مظفَّرِ النُّوَّابِ، أو علاقتِك به، أو علاقةِ الأخيرِ بالسياسةِ والفكرِ والشعرِ والعراقِ والعروبةِ واليسارِ، بل إنَّه استيعابٌ لكلِّ تلك الجوانبِ وولوجِها من مفتاحِ عقلِهِ المجبولِ بالحضارات، بحيث أتاح لهذه الثَّقافةِ أن تصبح آنيَّةً مجددًا، وأن تستحضرَ مظفَّرَ النُّوَّابَ بإبداعِهِ وآلامهِ ومنفاهِ وخيباتهِ وآمالهِ التي ليست سوى آمالِ ونضالِ وخيباتِ العراقيينَ واللبنانيينَ وكثيرينَ من العربِ، لتقدِّمَهُ صوتًا وصورةً الآن وهنا في بعلبك، وأن تثبتَ لنا بأنَّ قضيَّةَ النُّوابِ لم تنتهِ، وأن نضالَهُ ونضالَ أمثالهِ إلى جانبِ المظلومينَ والفقراءِ ولأجلِ العدالةِ الإنسانيَّةِ لم تنطفئ شعلتُها بعد.
مع رحلةِ البنفسجِ مع المفكرِ الكبيرِ عبد الحسين شعبان، تفضَّل مشكورًا.