مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق انتكاسة تشريعية
فواد الكنجي
2024 / 8 / 27 - 07:41
مشروع أو مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم بـ(188 لسنة 1959) وحسب ما جاء في المسودة المقدمة للبرلمان (العراقي) لإجراء تعديلات في القانون المذكور أعلاه؛ لا يهدد نظام (الأسرة العراقية) فحسب بل يهدد السلم والاستقرار السياسي.. والاجتماعي.. والأمني.. والاقتصادي للمجتمع، بكونه قانون يكرس النزعة الطائفية والتميز القومي والديني؛ هذا التمييز الذي ما زال شعبنا يعاني من آثارها في كل مراحل حياته اليومية؛ لحجم التهديد الذي يهدد بناء العائلة والمجتمع وبما ينتقص من حقوق (المرأة) و(الطفل) ويتعارض مع المواثيق الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان .
فان كانت كل مكونات المجتمع (العراقي) ترفض رفضا قاطعا هذا التعديل الذي جاء بدوافع لم تعد مخفية لأحد – مهما كانت مبرراتها – بقدر ما يفهم مغزاه بزرع الفتنة والصراع الطائفي البغيض بين ابنا الشعب (العراقي)؛ وهو الأمر الذي شجبته كل الأوساط والشخصيات السياسية المدنية.. والديمقراطية.. والوطنية.. والثقافية.. والاجتماعية في (العراق)، ومن الصحافة.. وسائل الإعلام.. والمدونين.. والنشطاء المدنيين؛ والذين ساهموا بحشد الرأي العام لرفض إدراج مسودة التعديل في جدول إعمال (مجلس النواب) والتضامن والتواصل والمشاركة الفعالة في تسليط الضوء على هذه القضية المهمة والدفاع عن حقوق جميع المواطنين وبالأخص الحقوق (المرأة) و(الطفل) القانونية والمدنية.
التعديلات المقترحة ومستقبل الأسرة العراقية
إن هذا النقاش يعكس تباينا عميقا في الرؤى حول مستقبل (الأسرة العراقية) في ظل هذه التعديلات المقترحة التي هي تعديلات مثيرة للجدل بكونها تدرج سن البلوغ للفتيات عند (تسع سنوات)؛ وإلغاء الحد الأدنى لسن الزواج الذي كان (ثمانية عشر) عام، هذا التغيير يفتح الباب لزواج الفتيات في سن مبكرة، مما يثير قلقا واسعا بشان مستقبلهن بكونه يتعارض مع التزامات (العراق) الدولية؛ وخاصة (اتفاقية حقوق الطفل)، ويرى بعض الخبراء القانون إن هذا يشكل تحديا لحماية حقوق (الفتيات)، ويتطلب أمره دراسة متأنية لضمان توافق التشريعات مع المعايير الإنسانية .
ومن النقاط الأخرى التي تثير التساؤلات هي ربط (النفقة الزوجية) بشروط محددة مثل ضرورة البقاء في منزل الزوجية واخذ إذن الزوج للخروج؛ وأيضا شرط (الاستمتاع) لاستحقاق (النفقة)؛ ويشير هذا الشرط إلى ضرورة تلبية الزوجة واجباتها الزوجية؛ بما في ذلك الطاعة و(المساكنة الزوجية)؛ حتى تستحق (النفقة)؛ أي إذا امتنعت الزوجة عن تلبية هذه الواجبات قد تحرم من ذلك .
هذه المتطلبات هي التي تثير قلق (المجتمع العراقي) بشان إنصاف (المرأة) واحترام إنسانيتها؛ خاصة في ظل تحولات (المجتمع العراقي) نحو الحرية والديمقراطية والمساواة والمطالبات مجتمعية بمزيد من العدالة بين الجنسين .
التعديلات المقترحة تعزز دور المرجعية الدينية في قضايا الأحوال الشخصية
لتتضح الصورة بكون توجه (التشريع الجديد) سيكون نحو تعزيز دور (المرجعية الدينية) في قضايا (الأحوال الشخصية) وهذا الأمر قد يؤدي إلى توسيع الفجوة التشريعية داخل (المجتمع العراقي)؛ ومن هذا المنطلق فان منظمات المجتمع المدني.. والشبكات التواصل الاجتماعي.. وبالتعاون مع المؤسسات القانونية والمحاميات والقضاة؛ أطلقوا حملة لتضامن مع الحركة (النسوية العراقية)؛ وقد أطلقت هذه الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات والتصريحات الإعلامية للمشاركة في فعاليات المختلفة التي ساهمت في إيصال صوتها ورسائلها إلى كل (مكونات المجتمع العراقي) والى المسئولين، ليأتي هذا التضامن مبرهن بان (الشعب العراقي) بكل مكوناته ملتزم التزام جاء بالدفاع عن حقوق الإنسان.. وحقوق (المرأة).. وحقوق (الطفل)؛ ليتم تحقيق العدالة وحفظ الكرامة الإنسانية لكل (العراقيين) .
لان المقترحات المقدمة إلى (البرلمان العراقي) في عام 2024 لتعديل (قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم بـ(188 لسنة 1959 ) والسائد؛ تشكل خطوة إلى الوراء في مجال حقوق (المرأة) و(الطفل) و(الطفولة)؛ بكون تعديلات المقترحة تناقض مبادئ (الدستور العراقي) وتتنافى مع قيم العدالة والعدالة الإنسانية التي وردة في (قانون الأحوال الشخصية) السائد؛ وأهمها انه قانون يحمي ويضمن حقوق الجميع مكونات الشعب دون تمييز أو تفرقة؛ لان(قانون الأحوال الشخصية المرقم بـ(188 لسنة 1959 )والمعمول به حاليا في (العراق)، يستمد جوهره من أحكام (الشريعة الإسلامية)، لكنه صمم بعناية ليكون (قانونا مدنيا) موحد يعكس تنوع (المجتمع العراقي) ويحمي حقوق (المرأة) و(الطفل)؛ مثل الوصية الواجبة التي تضمن حقوق الأحفاد المتوقي والدهم في ميراث جدهم.. وحق الزوجة المطلقة في البقاء في بيت الزوجية لمدة ثلاثة سنوات إذ كان لديها أبناء وغيرها من المواد الضرورية لاستقرار الأسرة.
لذلك نقول إن أي تراجع عن مكتسبات هذا القانون سيكون بمثابة نكسة خطيرة للحقوق التي ناضل (المجتمع العراقي) طويلا لتحقيقها؛ ويمثل خطوة إلى الوراء في مسيرة العدالة والمساواة، لان قانون الأحوال الشخصية المرقم بـ(188 لسنة 1959 ) الذي كان وما زال المرجعية القانونية التي يعتمد عليها في تنظيم أحكام الأسرة واستقرارها مند أكثر من ستة عقود؛ وهو من القوانين التي ساهمت في بناء مؤسسات الدولة (العراق) الحديث؛ لان هذا القانون يتماشى مع القواعد الشرعية دون تقيد بمذهب معين .
التعديلات المقترحة مطالب من مجلس النواب العراقي اتخاذ القرار الأمثل الذي يحافظ على حقوق الفرد ويعزز العدالة في المجتمع
ولهذا فان أغلب أبناء (الشعب العراقي) ترفض أي تعديل في (القانون السائد للأحوال الشخصية)؛ بل وان الشعب بصورة عامة يرفض – في المطلق – لإعادة مناقشة القانون وإجراء تعديلات في نصوصه و وفق أمزجة شخصية ليس إلا ؛ ودون إن يكون لأصحاب الشأن رأي واضح فيه ودون إجراء حوار مجتمعي شامل وشفاف حول هذه التعديلات وضرورة مراعاة آراء جميع (مكونات الشعب) قبل اتخاذ إي قرار نهائي بهذا الخصوص، فـ(الشعب العراقي) كله على أمل بالإصغاء وسماع صوت الشعب وصوت (المرأة) ومنظمات حقوق الإنسان، والكل على أمل أن تتخذ رئاسة (مجلس النواب) و(الحكومة الاتحادية) القرار الأمثل الذي يحافظ على حقوق الفرد ويعزز العدالة في المجتمع بما يضمن وحدته .
فـ(التيارات الدينية) المسيسية التي تتبنى هذه التعديلات؛ تريد فرض الأمر الواقع بتغيير في نصوص (القانون السائد للأحوال الشخصية) الذي يمس الحياة الاجتماعية في (العراق) وفق مصالحها.. وأمزجتها.. بما يصب في إدامة وتعميق هيمنة هذا التيارات السياسية وسياساتها الدينية المتطرفة المنتجة للانقسام.. والعنف.. والكراهية.. والتمييز، فهناك اليوم على الساحة (العراقية) ثمة خشية كبيرة من أن تؤدي هذه التعديلات في (قانون الأحوال الشخصية) والتي تجاري النزعات الطائفية ولا تبالي بحقوق الإنسان والتنوع؛ إلى بث التطرف في كل أوصال (العراق)، لان مشروع تعديل (السيئ الصيت) لـ(قانون الأحوال الشخصية)؛ هو مشروع لإقرار تطبيق (ولاية الفقيه) في نسختها (العراقية)، لأنه يرسخ (الوعي المذهبي) و(التمايز الطائفي) بما يجرد الإنسان من شعوره بفرديته واستقلاليته؛ بعد أن تمكنوا من (مذهبة الديمقراطية العراقية) وعبر تأسيس أحزاب (سنية) و(شيعية)؛ وبعد أن تمت (مأسسة الدين) و(تديين المؤسسات) عبر إنشاء أجهزة حكومية ذات طابع طائفي فج؛ مثل دواوين أوقاف (السنة) و(الشيعة) وأوقاف (المسيحيين) و(الصابئة) و(الايزيديين)، ليتم اليوم (تكريس المذهبية) عبر تكثيف (النزعة الأصولية الدينية في قانون الأحوال الشخصية)، ليتم هيمنة فقهاء الأوقاف على حياة (العراقيين) الخاصة؛ بجعل فتاواها ملزمة للقضاة وتنصيب الفقه سلطانا على القضاء، فان تنظيم (العلاقات الأسرية) عبر أدلجة وفرض الطابع الديني والتحاصصي ليتم تطييف (قانون الأحوال الشخصية) وفق أمزجة دينية مسيسة بهدف إخضاع وترويض التيار العلماني في (العراق) بأسلوب (ديني) و(مذهبي) متطرف، وهو توظيف قوة الدين المتطرف في القانون عبر دعم التدخل ألقسري في الحياة الاجتماعية وبمنطق ينقض سيادة القانون ليتم فرض تقاليده وقيمه الأيديولوجية على الحياة الاجتماعية بعد إن يتم فرض وتركيز السلطة في يد طبقة (رجال الدين) و(أحزاب الإسلام السياسي المتطرفة) وعبر إضفاء طابع طائفي تمييزي على القانون؛ وتقييد أحكام القضاء بفتاوى فقهاء المذاهب والتي تهدف إلى تحطيم سلطة القضاء وإخضاعها لإرادة المرجعيات الدينية بما يمهد الأرضية لمحرقة اجتماعية ضحاياها (النساء) و(الأطفال) و(الفتيات القاصرات) .
التعديلات المقترحة من قبل بعض النواب جلها مؤدلجة وطائفية النزعة وتتعارض مع فكرة القانون الاجتماعي المدني
ولما كان (الشعب العراقي) يأمل خيرا من معالجة (البرلمان العراقي) لهذا التدهور الحضاري المريع بقوانين مدنية إصلاحية؛ فإنه ينخرط هو الآخر، ومن خلال قوى الأصولية الإسلامية فيه، في حالة نكوص تشريعي تتجسد في اقتراح بعض نوابه مجموعة قوانين مؤدلجة وطائفية النزعة وتتعارض مع فكرة القانون الاجتماعي المدني العادل، وهذا الارتداد لا محال سيأخذنا إلى مرحلة (ما قبل الدولة) بكون (النظام المكونات) أنتجها؛ والذي أعاد البلاد إلى عصر الصراعات القبلية البدائية، ما تسبب في الارتداد إلى الانتماءات الأولية والفرعية والنعرة الطائفية ومرحلة (ما قبل المجتمع)، والذي يتجلى اليوم في اتخاذ الأفراد هوياتهم الدينية.. والمذهبية.. والعشائرية.. ملاذ حاضنة تمنحهم الأمن ويدركون ذواتهم من خلال معاييرها وتقاليدها .
فتوجه الدولة بأخذ (المجتمع العراقي) نحو تسييس الديني والمذهبي؛ فانخراطه في هذا النكوص الشامل – لا محال – سيجعله يرتد إلى مرحلة (ما قبل العلم والعقل) ليستغرق في تقديس التراث.. وتنزيه الماضي.. وتمجيد وصايا السلف.. وأساطير الأصوليات، لان (التيار الأصولي الدينية المتطرفة) والتي تهيمن على البلاد اليوم؛ يتوجه بتوجهاتها الفاشية والتي تفسر الوحدة الوطنية بمنطق شمولي قسري وإخضاع (العراقيين) بالقوة لإرادة السلطة الدينية الطائفية النزعة والتوجه، وترويضهم سياسيا.. واجتماعيا؛ عبر سياسات متطرفة تؤمن باستخدام العنف والقمع في فرض رؤاها العقائدية والسياسية والقمعية على الجميع، وهذه (العقلية الشعبوية) السائدة اليوم في (العراق)؛ هي ذاتها التي تسعى إلى تمرير تعديلات طائفية وتحاصصية الطابع على (قانون الأحوال الشخصية) من شأنها تقويض الوحدة الوطنية بمفهومها القانوني.. والشعوري.. والاندماجي، وتكريس الانقسام بين (العراقيين) نفسيا وثقافيا .
أهم التعديلات المطروحة على قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959
وهنا سنذكر أهم ملاحظاتنا الأساسية على (التعديلات) المطروحة على (قانون الأحوال الشخصية المرقم بـ(188 لسنة 1959) :
أولا ... جل التعديلات ذات توجهات طائفية بمسمياتها؛ ولأول مرة تتم فيها محاولة تقنين الفرقة الطائفية في داخل العائلة العراقية، حيث يكون لديوان الوقف الشيعي والوقف السني دور في التشريع، وهما مؤسسات لإدارة الأوقاف .
ثانيا ... جل التعديلات تنطلق من فصل التمييز لصالح الرجل ضد (المرأة) بنص التعديل المقترح مادة (ب2) إضافة فقرة ثالثا ((عند حصول خلاف بين الزوجين بشأن المذهب الذي جرى إبرام عقد الزواج وفقا لإحكامه، يعد العقد وفقا لمذهب الزوج...)) وهذا خلافا للمادة (14 ) من (الدستور العراقي) التي تنص ((العراقيون متساوون إمام القانون دون تمييز)) .
ثالثا ... التعديلات تدعو لتكوين (مدونة الأحكام الشرعية) خلال ستة أشهر من بعد تشريع تعديلات القانون؛ وهذه المدونة المزمع تنظيمها سوف تكون بمثابة (القانون البديل) الذي ستطبقه المحاكم فعليا؛ غير إننا يجب إن نعلم إن بعض موظفو الوقف منهم رجال دين لم يدرسوا القانون ولا علم الاجتماع سيضعون فقرات المدونة وأحكامها .
رابعا ... التعديلات تدعو إلى رجوع المحاكم المختصة للوقف (الشيعي) و(السني) للفترة ما بين تشريع التعديلات وإكمال (المدونة الشرعية) أي لفترة ستة أشهر والحكم بآرائهم وبالتالي إيقاف العمل بالقانون النافذ رقم 188 لسنة 1959 فيكون العمل برأي موظفين حكوميين في الوقفين وليس بقانون مشرع قد استقرت عليه الإحكام والقضاء والعائلة (العراقية) لعقود طويلة .
خامسا ... التعديلات تمنح تخويل إجراء عقود الزواج من قبل ديوان الوقف (الشيعي) و(السني) إلى أشخاص آخرين؛ وما على المحكمة إلا تصديق العقد؛ وبالتالي إضعاف المؤسسة القضائية وإطلاق عقود زواج أخرى غير الزواج الدائم – وهو من ثوابت أحكام الإسلام – وبالتالي ستكون مشاكل اجتماعية كبيرة منها (زواج القاصرات) و(تعدد الزيجات)؛ علما إن القضاء صاحب الصلاحية منفردا للتوثيق والإحصاء وما يحصل من متغيرات على العقد بعد ذلك.
التعديلات المقترحة تعزز دور دواوين الأوقاف لتجعلها كأورام مؤدلجة في جسم الدولة يتم تأسيسها وفق فلسفة تحاصصية طائفية
لذلك ندعو إلى إلغاء مقترح التعديلات لـ(قانون الأحوال الشخصية) النافذ كونها تعديلات طائفية تمييزية غير دستورية، بكون هذه (التعديلات) تريد تعزيز دور دواوين الأوقاف لتجعلها كأورام مؤدلجة في جسم الدولة يتم تأسيسها وفق فلسفة تحاصصية طائفية لتجعلها مرجعية وحيدة يلزم القاضي والمواطن بالاحتكام إلى رأيها الفقهي في مسائل الأحوال الشخصية، لان (الإسلام السياسي) يعرف كيف يستعل الأوضاع الإقليمية (الطائفية) لصالحه فهو يهتم بالتوغل الاجتماعي والثقافي و أدلجة الهياكل المؤسسية؛ لأن هذا النمط من التغلغل يضمن له الهيمنة السياسية والسلطوية على كل المستويات في الدولة، وانه في حال المضي بإقرار مقترحات تعديل القانون سيغادر المجتمع الهوية الوطنية، ويذهب باتجاه ترسيخ الهوية الطائفية، فضلا عن إن مقترح التعديل (يعطل) المساواة إمام القانون التي نصت عليها المادة (14) من (الدستور العراقي)؛ لان مقترح القانون يذهب أيضا باتجاه خلق سلطة تشريعية رديفة موازية لـ(مجلس النواب العراقي) متمثلة بفتاوى الوقفين (الشيعي) و(السني)؛ لان الفتوى لديهم بمثابة تشريع، وبذلك تكون هناك سلطة تشريعية أخرى تمتلك ذات القوة القانونية التي يصدرها (مجلس النواب)؛ لان الوقفين بموجب قانونيهما هما مؤسستان حكوميتان منسوبتان الى السلطة التنفيذية .
التعديلات المقترحة تعمق التمييز في المجتمع العراقي
(التعديلات المقترحة) تعمق التمييز في المجتمع وتسلب معايير العدالة وتكافؤ الفرص بين المتخاصمين وتثبت الحماية الطائفية والفقهية بديلا عن الحماية القانونية للأفراد، لان جل ما تم تعديله يستند على مبدأ التمييز على أساس (ديني) و(مذهبي) كونها تفرق بين (المسلمين) وغيرهم من الديانات المتواجدة على ارض (العراق)، وبين (الشيعة) و(السنة)، وكل أشكال التمييز بما يفسح المجال لزج العمل القضائي في لجة (التأويلات الفقهية) التي هي لا أول لها ولا أخر والتي تتعارض مع روح العدالة.. والوعي العقلاني.. ومنطق العصر.
وحسب مقترح تعديل (قانون الأحوال الشخصية) فإن زواج البنت حسب (المذهب الحنفي) يكون بعمر (سبعة عشر سنة) وحسب (المذهب الجعفري) بعمر (تسعة سنوات)، وفي حال زواج البنت وفق مقترح القانون بعمر (تسع سنوات) تكون قد ارتكبت مخالفة شرعية في مذهبها، وخالفت أيضا إحكام القانون التي اعتبرها (قاصرا)؛ إما إذا كان الزواج على (المذهب الجعفري) فسيكون هناك قبول شرعي وقانوني، الأمر الذي يسهم في ترسيخ الهوية الطائفية بشكل كبير في مجتمع يتميز بتعدد الطوائف .
وهذه القرارات تتبناها السلطة الحاكمة وتنفذ رغم أنف الجميع، والمؤسف والمفجع في الأمر هو إقرار زواج الفتاة عندما تبلغ (تسع سنوات) من العمر، وذلك يعني إمكانية إباحة ممارسة أشكال منحرفة من الجنس معها. إن هذا القانون هو خطوة مدروسة ومقررة مسبقا لأجل تفكيك كل القواعد الراسخة التي تستند إليها (الشخصية) العراقية الرصينة بقيمها وأخلاقها، فحينما تزوج ابنة (التاسعة من عمرها) وهي (طفلة) لا تفهم من الحياة شيئا تتعرض حتما للاضطهاد والاستغلال الجنسي بأبشع صوره، وبما يترك آثارا عميقة في تكوينها وشخصيتها مثلما يترك آثاره المدمرة على جسدها الذي لا يتحمل الممارسات الجنسية المنحرفة، وبالتالي فان (أطفال) سوف ينشئون وفقا لقيم مختلة ومنحرفة ومتخلفة .
وعندما يقترن هذا القانون بقانون آخر وهو (زواج المتعة) أي الزواج المؤقت ليوم أو يوميين مثلا وحسب الاتفاق مقابل مبلغ من المال، فإن القاعدة الأساسية التي بني عليها مفهوم العائلة منذ آلاف السنين يتعرض للتدمير المبرمج، وعلى هاتين القاعدتين الطارئتين تستند عملية إلغاء الأسرة، علما بان نظام (الأسرة) عبر آلاف السنين استقرت على مفاهيم واضحة وثابتة ومقدسة ومنها أن الزواج لا يتم إلا عند بلوغ الفتاة سن النضوج الجسدي والنفسي والفكري والذي يحدد بعمر (ثامنة عشر) في (العراق)؛ حيث تكون (المرأة) نفسيا وجسديا مستعدة للزواج، فلا تحدث هزات ومشاكل نفسية وجسدية تحول الزواج إلى مصدر لمصائب تهدم القيم العليا وتثير أبشع المشاكل داخل الأسرة وأخطرها تخريج أجيال مشوهة التربية والأخلاق .
التعديلات المقترحة انتكاسة تشريعية ونكوص حقوقي بما يجري من نشر للحجاب بين الفتيات الصغيرات وتزوجهن في عمر تسع سنوات ويتم اغلب عقود الزواج خارج المحاكم
للأسف اليوم؛ تسود في (العراق) وخاصة بما يتعلّق أكثر بـ(المواطنين الشيعة) حيث يقول تقرير إن عددا كبيرا من عقود (الزواج الشيعية)، تتم خارج المحاكم وهذه الظاهرة تعكس اغترابا اجتماعيا وعزلة نفسية وثقافية تعيشهما المجتمعات المحلية وانفصالا عن الدولة ومؤسساتها، والتي تأتي وفق (التعديلات المقترحة) في نص (قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959) والتي ما هي إلا انتكاسة تشريعية ونكوص حقوقي يعيشهما (العراق) بما يجري من نشر للحجاب بين (الفتيات الصغيرات) من قبل مؤسسات الأحزاب والمنظمات ليتم احتفالات دينية وبرعاية رسمية لمناسبة بلوغهن ما يسمى سن التكليف الشرعي وهو (تسع سنوات) بحسب (الفقه الشيعي) الذي يفتح أيضا باب لمختلف أشكال التمييز ضد النساء؛ فهو مثلاً لا يبيح الزواج من غير المسلمات إلا مؤقتا وبما يسمى زواج (ألمتعه)، بمعنى أن قانونا يستند إلى هذا (الفقه) سيجعل المواطنات (المسيحيات) و(الإيزيديات) و(الصابئة) في مرتبة أدنى من المسلمات ويكرس نظرة التمييز.. والازدراء الاجتماعي لهن موازي للازدراء العقائدي الذي يستهدف هويتهن الدينية .
التعديلات المقترحة لا تراعي خصوصيات المسيحيين والمكونات الدينية الأخرى وتزيد من معاناتهم مع قانون الأحوال الشخصية
فـ(المسيحيين) و(الايزيدين) و(الصابئة) على رغم من سريان قانون (الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959) إلا انه كان يثير حفيظة (المسيحيين) ومكونات أخرى دينية وعرقية لعدم توافقه مع خصوصياتهم، لأنه يعتمد على (الشريعة الإسلامية) في التعامل مع قضايا (المرأة)، ومن بين تلك القضايا كانت قضايا الزواج.. والطلاق.. والبطلان وحضانة الأطفال.. والوصاية.. والنفقة.. والتبني، علما بان الميراث عند (المسيحيين) و(المكونات الدينية الأخرى) التي كانت الأكثر تأثرا بمواد (قانون الأحوال الشخصية العراقي) النافذ .
إضافة إلى مخاوف (المسيحيين) و(المكونات الدينية الأخرى) إلى جانب ما ذكرناه؛ مخاوف من (قانون البطاقة الوطنية – المرقم ثالثا لسنة 2016) الذي حافظ في المادة (26) منه على ما نصت عليه المادة (21- ثالثا) من (قانون الأحوال المدنية – المرقم 65 لسنة 1972)، أي (أسلمه القاصرين) من أبناء هذه الديانات باعتناق أحد أبويهم (الإسلام)، ولما كان (الدستور العراقي) الذي شرع ما بعد 2003 كفل لـ(المسيحيين والمكونات الدينية الأخرى) بحسب المادة (41) حق امتلاك قانون أحوال شخصية خاص بهم وإنهاء معاناتهم مع قانون الأحوال الشخصية النافذ، إلا إن بقى المجتمع (المسيحي) في (العراق) يتأمل تشريعه بقانون خاص بـ(الأحوال الشخصية للمسيحيين)، بعد اتفاق كافة (الطوائف المسيحية) على قانون موحد ويكون منصفا وعادلا لهم، لان (المسيحيين والمكونات الدينية الأخرى) يواجهون إشكالات عديدة في المحاكم .
لذلك يحتار القاضي حين إصدار الحكم، فإذا حسم القضية حسب القانون قد يتأذى (المسيحي) أو أتباع (المكونات الدينية الأخرى)، لأن (القانون) وضع حسب (الشريعة الإسلامية)، حيث أن الكثير من التشريعات مثل الميراث.. والتبني.. والزواج.. والطلاق.. مختلفة تماما بالنسبة لـ(المسيحيين) و(المكونات الدينية الأخرى)، على رغم بان (المسيحيين) كانوا يمتلكون قانون خاصا لتنظيم محاكمهم خلال (العهد الملكي في العراق)، إذ أصدرت (الحكومة العراقية) آنذاك وفي عام 1947 قانون (رقم 32) لتنظيم (المحاكم الدينية للطوائف المسيحية والموسوية)، وقبله أصدرت القانون (رقم 70 لسنة 1931) الخاص بـ(الأرمن الأرثوذكس) ومنح القانونان صلاحيات واسعة لحل العديد من مسائل هذه الطوائف الدينية، لكن تم إلغاؤهما مع إصدار قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 خلال العام الثاني من العهد الجمهوري .
إما المكون (الايزيدي) رغم وجود محكمة تسمى (محكمة المواد الشخصية) التي تنظم (الأحوال الشخصية لغير المسلمين)، لكن لا يوجد قانون خاص بتنظيم الأحوال الشخصية لهم، بالتالي يطبق (قانون الأحوال الشخصية) الذي مصدره الأساسي (الشريعة الإسلامية )على كل (مكونات الشعب العراقي) بما فيهم (الغير المسلمين) .
ليكون التحدي الأكبر أمام (الشعب العراق) هو صياغة قوانين تعكس تطلعات جميع (مكونات الشعب العراقي) لبناء مستقبل يضمن هذه القوانين طموح المجتمع المتنوع وينصف (المرأة) و(الطفل) و(الأسرة العراقية) .
مقترحات تعديل قانون الأحوال الشخصية تتطلب نقاشا هادئا وجادا
فـ(التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية) تتطلب نقاشا هادئا وجادا مستندا إلى مبادئ حقوق الإنسان، بعيدا عن أي تأثيرات تعيده إلى ممارسات قديمة لا تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة.
لأنه لا يمكن بناء مجتمع سليم دون حقوق (المرأة) و(الطفل)؛ فأي تعديل في القوانين يجب أن يراعي ذلك، لأنه لا يكون هناك تقدم حقيقي في (دولة العراق) دون الاعتراف الكامل بإنصاف (المرأة) وضمان حريتها وكرامتها.
وهنا يطرح السؤال :
هل يستطيع المجتمع (العراقي) مواجهة هذه التحديات واتخاذ قرارات تعزز الحريات الفردية وكرامة جميع مكونات الأسرة..............؟
أم ستؤدي التعديلات الى تراجع دور (المرأة) بما يهدد مكتسباتها..........؟
أن مستقبل (الشعب العراقي) الذي تتعاظم فيه القيم الأخلاقية العليا وتوفر تقاليده بيئة إيجابية للتعامل بين الناس وتحقيق التقدم الاجتماعي.. والثقافي.. والعلمي؛ وهو يعتمد على مدى التزامه بالدفاع عن العدالة الاجتماعية.. وحريته.. واستقلاله .
فإما العودة إلى) الوراء) و(التراجع) وتفويت فرصة بناء مجتمع أكثر عدلا.. وقوة.. قادر على مواجهة التحديات بثقة، أو التقدم بثبات نحو مستقبل يضمن حقوق الجميع مكونات الشعب العراقي .