الاسترولوجيا وراديكالية اليمين – الصافات صفا
طلعت خيري
2024 / 8 / 26 - 10:09
استحوذت استرولوجيا الكواكب على فكر وثقافة المجتمع المكي،مبلورة انطبعا وجوديا انطولوجياَ،رافضا الإيمان بالله ومخلفا كريبكائية مظلمة منطوية على معتقداتها ،غير قادرة على استلهام التغير العقائدي، بقبول فكرة الإله الواحد والبعث والنشور، عندما يتعرض المجتمع الغارق بالأهواء والملذات،والحريات الشخصية الرغبوية الى تغير فكري عقائدي جديد، يبرز على ساحة الصراع الفكري،مسئولين من كافة فئات المجتمع،يتولون مهمة طرح الأفكار المضادة للتغير،للحفاظ على ديموغرافيا المصالح السياسية،فلا تستغرب يا محمد من حالة الإعراض عن الحق، بل عجبت ويسخرون،وإذا ذكروا لا يذكرون،وإذا رأوا أية يستسخرون
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ{12} وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ{13} وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ{14}
يصر مسئولو فئات المجتمع منظري الاعتقادات السياسية،الاسترولوجية والكسمولوجية على طمس الإيمان بالله واليوم الأخر،من خلال طرح تساؤلات مضادة للتغير العقائدي،لتغيب العقل والوعي عن إدراك يوم الدين، فتبرز على الساحة الفكرية،تساؤلات كثيرة منها سياسية،ومنها جدية،سياسية للطعن بالله واليوم الأخر،وقالوا ان هذا إلا سحر مبين، وجدية،أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون،وآباؤنا الأولون،قل لهم يا محمد نعم،وانتم داخرون، داخرون جاءت من الادخار،أي ما يدخره الفرد من أعمال
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ{15} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ{16} أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ{17} قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ{18}
قلنا في المقالة السابقة لا يظهر اصطفاف المجموعة الشمسية بشكل واضح ، إلا قبل شروق الشمس بساعة واحدة تقريبا ، فهذا الوقت القريب من الشروق يخفي كافة النجوم من جهة الشرق، تطلق عليه الديانة الكوكبية اسم الزجر، بمعنى ان آلهة الكواكب زجرت النجوم ، أي نهرتها أو أرغمتها على الاختفاء ليظهر اصطفافها بشكل واضح ، فالزجر بات مفهوم ثقافي لدى الديانة الكوكبية،يشير الى اختفاء شيء ليظهر شيء جديد مكانه،يرى بالعين المجردة ،استعان به التنزيل للدعوة الى البعث والنشور، فقال فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون، ينظرون الى يوم الحشر فما قاله،منكري البعث والنشور الأخروي في يوم الحشر،يؤكد على استيعابهم للنصوص الاخروية التي جاءت به الرسل والكتب المنزلة،وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين،رد الله عليهم،هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ{19} وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ{20} هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ{21}
ما لا يقبل الشك ان للاعتقادات الاسترولوجية والكوسمولوجية ، فئات مجتمعية ترتبط مصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية بالاعتقاد، كما ان لكل فئة قاعدة جماهيرية يتزعمها مسئول، ولكل مسئول مناصرين من نقس الفئة،مشكلين تكتلا جيوثقافيا موحدة،ولكي يفكك التنزيل دنيويا، الكتل بكل توجهاتها،عرض على الديانة الكوكبية المصير الأخروي لمنكري البعث والنشور، للاطلاع على آلية الحشر الأخروي الذي ستقوم به الملائكة، قائلا احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أصنافهم من الذكور والإناث وما كانوا يعبدون، فأهدوهم الى صراط الجحيم،أطلعوهم على طريق الجحيم، قبل ان تبدأ الملائكة سوق الكتل ومناصريها ومسئوليها باتجاه الجحيم، يأمر الله بإيقافهم،وأوقفوهم أنهم مسئولون،بمعنى يتحملون المسئولية المستقبلية وما سيحل بهم من تشرذم واستسلام أخروي، قائلا ما لكم لا تناصرون، لماذا لا ينصر بعضكم بعض،كما كنتم في الدنيا،بل هم اليوم مستسلمون
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ{22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ{23} وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ{24} مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ{25} بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ{26}
ولكي يوقف التنزيل دنيويا الدعم السياسي الجماهيري لمسئولي الكتل، سمح الله لفئات المجتمع،بإخضاع مسئوليها للمسائلة، فبرز على الساحة الاخروية، أفراد كانوا خاضعين تحت إغواء مسئولي الكتل،واقبل بعضهم على بعض يتساءلون
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ{27}
ولكي يبعد التنزيل دنيويا فئات المجتمع الاسترولوجي والكوسمولوجي عن الكتل السياسية،والولاء السياسي للمسئولين ، أطلعها أخرويا على حالة الخداع الذي تعرض له مناصري الكتل على يد مسئوليهم، فأمر الله أفراد من مناصري الكتل، باستجواب مسئوليهم، قالوا أي الأفراد، أنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، واليمين هو الاعتقاد الجيوثقافي الذي يحكم القاعدة الجماهيرية فكريا ، محرما عليها التخلي عن معتقداتها، فالمسئولين كانوا يتبعون راديكالية اليمين، لمنع فئات المجتمع من الانجرار وراء التغير العقائدي الجديد، رد المسئولون على مناصري الكتل، قالوا بل لم تكنوا مؤمنين،أي مؤمنين بالله واليوم الأخر، إذن اليمين خدعة عقائدية فرضها المسئولين على مناصري الكتل، للحفاظ على مصالحهم السياسية، والدليل على كذب اليمين، رد المسئولون على مناصري الكتل، وما كان لنا عليكم من سلطان،من دليل على صدق اليمين، بل كنتم قوما طاغين، فطغياننا السياسي كان يتلاءم مع طغيانكم، فحق علينا قول ربنا أنا لذائقون
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ{28} قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ{29} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ{30} فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ{31}
أخضعت الاعتقادات الكونية الكوسمولوجية والاسترولوجية، فئات المجتمع للإغواء الرغبوي،ليكون الفرد مهيأ فكريا وعقليا ونفسيا وسياسيا واقتصاديا، للتجاوب مع مسئولي الاعتقادات السياسية ،طامسة أمامه الإيمان بالله،والبعث والنشور، وهنا يكشف الله للديانة الكوكبية الإغواء السياسي الذي سيفصح عنه مسئولي الكتل علانية أمام مناصريهم يوم القيامة ، قالوا فأغويناكم أنا كنا غاوين،ففي يوم الحشر لا عذر للكريبكائية ولا للاوعي، فأنهم يومئذ في العذاب مشتركون،أنا كذلك نفعل بالمجرمين،ان العذاب المشترك الذي سيطول المسئولين والمناصرين والفئات أخرويا، سيلعب دورا دنيويا في تفكيك راديكالية اليمين ،بضرب صميم الادعاءات السياسية التي سيطرحها المسئولون على مناصري الكتل وفئات المجتمع، بخصوص الإيمان بالله واليوم الأخر ، أنهم إذا يقيل لهم لا اله إلا الله يستكبرون،ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين، أنكم لذائقو العذاب الأليم ، وما تجزون إلا ما كنتم تعملون
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ{32} فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ{33} إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ{34} إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ{35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ{36} بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ{37} إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ{38} وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{39}
استثنى الله من المسائلة والاستجواب الأخروي،عباده المخلصين،مطلعا فئات الديانة الكوكبية على الامتيازات التي سيحصل عليها المؤمنين في يوم الدين،لو أمعنا النظر فيها،لوجدنها مشابهة للملذات الدنيوية، ولكن لمن تركها في الدنيا أرضاَ لخالقة في الآخرة
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ{40} أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ{41} فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ{42} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{43} عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ{44} يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ{45} بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ{46} لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ{47} وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ{48} كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ{49}