من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى للقايدية 9


عبدالرحيم قروي
2024 / 8 / 6 - 16:19     

حقوق الكلاوي في الماء:
رغم الطابع المدهش لتمركز أراضي الحوز في أيدي عائلة وأقرباء الكلاوي وحاشيته فلم يكن له أي إجراء مشترك مع اغتصاب المياه.
ففي حوض الزات استطاع الكلاوي سنة 1953 أن يستحوذ بمفرده على الحق المطلق في توزيع المياه، أولا برفضه حق التقدير حتى لا تتدخل الإدارة في تقنين وتوزيع المياه على شاكلة ما كانت تفعله في أحواض أخرى (نفيس، غيغاية، أو ريكة).
وفي بحث أجراه ب.روش P.Roche وفي عهد الحماية أظهر أن الكلاوي كان يصادر المياه في أعالي واد زات ويوزعها بشكل مخالف:
كان يستعمل جزءا منها لتوفير أفضل ري لملكياته الواقعة في مسفيوة، خاصة أراضي الساقيات المعنية:
بالرغم من سقي ملكياته سقيا جيدا خاصة التي فيها الأشجار كان يتبقى له الماء الكافي لسقي الملكيات الواقعة في أسفل الواد خارج مسفيوة . وقد تسبب هذا في مشاكل النقل التي يتغلب عليها بطريقة غريبة ماكرة بل اقتصادية إذا تصورنا مدى ندرة وقيمة الماء. ولنذكر هنا حالة أخذ الماء من واد زات يصل حتى يسقى به ملعب الكولف وحدائقه الواقعة على بعد كيلومترات من الأبواب الجنوبية الشرقية لمراكش. وحتى يتم ذلك يسير الماء في مجرى معقد يناهز طوله 50 كلمترا. فينطلق الماء من الساقية الأولى الناجمة عن فيضان واد زات ثم يعبر واد الحجر في ساقية فيضان هذا الواد ثم بعد تعرجات كانت تشمل مصارف المياه العارية في قنوات بعد خروجه من الأرض يصل إلى الكولف. ولنا أن نتصور مقدار ما يضيع من المياه بفعل التبخر ومدى التسرب في المجاري التي تكون عادة جافة لأنها ساقيات تتكون بفعل الفيضان. بالإضافة إلى ذلك كان يحدث شيء من نوع آخر: فمرور المياه في مجرى طويل كهذا كان يثير أطماع الذين لم يروا قط مياها جد قريبة من حقولهم، وهذا أمر مفهوم. وكان الكلاوي ينذرهم بواسطة وضع حراس «ثقاة» من رجاله في كل الأماكن التي يمكن تصريف الماء منها. وخلال النهار كان الماء يصل إلى هدفه المحدود إما في الليل فكان أولئك الحراس هم أول من يبيع ذلك الماء إلى المستعملين الشرعيين الذين تقع أراضيهم بالقرب من ممر المياه.
وكان الكلاوي يؤجر جزءا من مياهه إلى مزارعي مسفيوة الذين كان هو نفسه قد نزع أملاكهم منهم. ولم يكن الأمر في الحقيقة سوى ضمان الحصول على ضريبة مقابل ماء النهر. ومعنى ذلك أنه كان يقوم بما لم تستطع إدارة الحماية القيام به بما أنها كانت تعترف بالملكية الشخصية التي تنقص من مقادير المياه بالنسبة للأملاك المخزنية (السابقة 1914).
وأخيرا كان يؤجر المياه إلى مستفيدين خارج مسفيوة خاصة في الرحامنة، شمال وشمال غرب شبكة واد زيت. ونفس مشاكل النقل المذكورة سابقا كانت هنا موضوعة أيضا.
ونلاحظ هنا أن سحب الماء من أسفل النهر على حساب أعلاه يتجاوز إطار الاحتياجات في حالة الكلاوي: لقد أصبح عنصرا مهما في نسق استغلال مصادر المياه في الحوز الذي أصبح يوفر مداخيل مهمة بواسطة عقود الإيجار. ولم يعد يطرح أي مشكل من حيث أعلى أو أسفل النهر بما أن الماء كان يمر من صهريج إلى آخر عابرا حوض النهر حتى ولو كان جافا.
وحل آخر كان يمكن في إجبار الجماعات الواقعة على أعلى النهر والتي لها أسبقية طبيعية من حيث حقها في السواقي على التخلي عن تلك الحقوق إلى المالك الذي تقع أراضيه في أسفل النهر. وهذا معناه الاحتفاظ بأسبقية أعلى النهر بكاملها على حساب أسفله وذلك باغتصاب تلك الأسبقية وتطبيقها لصالحه.
وكان هذا المبدأ غالبا مدعما ومساندا على هذه الشاكلة: فلم يكن يكتفي باقتطاع كمية الماء اللازمة لري زراعات قطاعه الخاص من الساقية، بل يزيد في قوتها بإعادة حفرها وتوسيعها حتى يوصل الماء إلى الأراضي الواقعة في أسفل النهر.
ونجد نموذجا مماثلا على واد نفيس حيث كان الكلاوي يستعمل ساقية تاركة كان يملكها المخزن ثم المعمرون لكي يجلب الماء بمقدار إجمالي يصل إلى 130/ل/ث تروي 600 هكتار التي كان يملكها في قطاع السعادة.
ونموذج آخر جد معبر تمدنا به ساقية تازمورت أول ساقية تنبع من واد غدات في مدخله إلى السهل، ومصرفها يقع على الضفة اليسرى، في أراضي قبيلة كلاوة. وكانت تلك الساقية ملكا خاصا للكلاوي .
ولم تكن تلك الساقية، في زمن سابق، سوى مصرف بسيط لري مزرعة زيتون كان يملكها الكلاوي وتقع على مقربة من زاوية سيدي رحال غير أن قوتها زادت بشكل محسوس منذ سنة 1914 على حساب ساقيات أسفل النهر. وبما أن الماء لم يعد في الإمكان استخدامه كله في مزرعة الزيتون فقد زيد في طول الساقية. ونتج عنها مباشرة قناة أخرى تخترق ساقية أفياد بواسطة قناة، بعد أن تمر في مطاحين الكلاوي، تصب في واد غدات الذي خرجت منه في نقطة أعلى. ثم يؤخذ الماء ثانية في أسفل النهر بواسطة ساقية تاخيارت الواقعة على الضفة اليمنى، ولكنه لا يدخل ضمن تقسيم مياه هذه الساقية (رغم أنه يزعج المستعملين): بل كان يستعمل لسقي أراضي الكلاوي أو يؤجره لآخرين. وقبل أن يصب الماء في الواد فقد تطلب نقله أشغالا كبيرة لكي يخترق التضاريس الصعبة الموجودة في سفح الجبل (حيطان للتدعيم، أنفاق، سواقي مرتفعة عن سطح الأرض).
وكان تركيز الكلاوي للمياه في واد نفيس أمرا ملحوظا. فبينما كانت الملكيات العقارية تغطي 8% من المساحة المزروعة في مخروط واد نفيس، كان الباشا يستولي على 15% من مجموع منسوب تدفق مياه النهر كملكية شخصية، و3% كإقطاعة على «الجيش» أي 18% من مجموع المياه .
أما على مياه واد وريكة فقد توصل الحاج التهامي الكلاوي سنة 1918 إلى أن يجعل إدارة الحماية توافق على أن يستولي هو على ثلثي مياه تاسولتانت، وهي ساقية ممتازة. ولم يكن ذلك بلادة من طرف الإدارة بل لأن موظفيها كانوا «يرفعون أيديهم... عاجزين» أمام قدرة الكلاوي على غلبة كل معارضيه. وإلا ما القول؟ فحين أخذت الإدارة العامة للفلاحة والاستعمار تضع جردا لحقوق المياه على وريكة، اكتشفت أن الكلاوي كان يملك ثلثي منسوب هذه الساقية. ولكنها نجحت في جعل الكلاوي بصفته «أميرا شهما» يقبل التعويض الذي أعطته إياه ويجعل الشركاء الذين لهم الحق أن يخلوا المكان. ولكنها اكتشفت بعد عدة شهور أن حقوق الكلاوي على تاسولتانت لم تكن تبلغ 3/2 ولكن ثلثا واحدا. وأن الثلثين الباقيين هما ملك لمسفيوة التي يجب التفاوض الآن معها... بواسطة الباشا بالطبع! مسخرة حقة قام بها الطرفان بجدية وبكل الحيثيات المتبعة: «إن حقوق الماء في قطاع تاسولتانت ستكون غير مهمة، بدرجة محسوسة، ثمل ما كان عليه الأمر من قبل، اعتمادا على المعلومات التي أوردها في 9 ماي/أيار 1922 مراقب الأملاك المخزنية الذي أكد أن تاسولتانت تتوفر على 3/2 منسوب مياه واد وريكة في الصيف.
«وهذا التشريع الذي طبق طيلة المدة التي كان للباشا فيها حق الانتفاع ببلاد تاسولتانت لن يعترف به الآن من طرف المستعملين في أعلى النهر خاصة من طرف القائد الوريكي قريبه. وسيقدم هؤلاء رسوما تثبت أن كمية المياه من واد وريكة التي لهم الحق فيها، في المتوسط وفي حالة انخفاض مستوى المياه ستعكس. أي أن تاسولتانت لن تستفيد سوى من ثلث الكمية أي نصف ما كان موجودا ».
وبعد بضعة أيام قام أحد رجال الإدارة العامة للفلاحة والاستعمار بالإدلاء برأيه في مذكرة سرية تحمل تاريخ 30 أبريل/نيسان 1924:
إن المخزن يستولي على ثلثي مياه الصيف وتستولي قبيلة وريكة على الثلث وإذا استطاعت هذه الأخيرة ببعض المراوغات والحيل أن تأخذ أكثر من ثلث منسوب الواد فذلك الواقع لا يعني حقا، ولكن تعسفا يجب أن يوقف عند حده. ولا جدوى من الاعتقاد أن قبل إقامة الحماية، وباعتبار شكل وروح الحكومة الشريفة القديمة، كانت قبيلة وريكة تأخذ ثلثي منسوب الواد والمخزن الثلث فقط بل العكس هو الذي كان يحصل أي أن المخزن كان يستولي على منسوب المياه التي يرغب فيها حتى ولو أدى الأمر إلى جفاف النهر. وإذن فإذا تمسكنا بممارسات رجال المخزن فإن مجموع مياه واد وريكة كانت تسحبها ساقية المخزن حال ارتفاع مستوى المياه. غير أن قيادة واحدة انتصرت ضد هذا التعسف فقبل ضمنا أن الوريكيين لهم الحق في ثلث مياه النهر أثناء فصل الحرارة.
وهذه الحالة التي وجدناها سنة 1912 قد استمرت إلى يومنا هذا.
ذلك أن بلاد تاسولتانت بما أنها كانت إقطاعة للباشا الكلاوي فمن الصعب الاعتقاد بأن هذا المؤجر سيسكت عن المساس بحقوقه والمساس بالعرف الجاري به العمل.
«فمن العبث أن نعارض هذه الوضعية الفعلية الموجودة قبليا والتي تولدت عنها وضعية الحق بالعقد الموثق بتاريخ 4 رمضان 1333 الذي ينص على أن الوريكيين لهم الحق في الثلثين والمخزن في الثلث».
«فلصالح الأخلاقية الإدارية من الأفضل أن لا نعير اهتماما لهذه الوثيقة لننتظر أن يؤكد عكس ذلك الأشخاص الذين سيعينون كممثلين للدولة».
وأنا كشاهد على هذه الحقبة أتذكر أننا في قرارة أنفسنا كنا نعتبر دائما أن القضية قد سويت على أساس عقد 4 رمضان 1333 بأن نسبة الثلثين هي للمخزن والثلث هو للوريكيين. ونعترف حقا أننا لم نحصل قط على النسخة الأصلية للعقد.
ثم ما قيمة هذا العقد؟ وفي أي شيء يلزم الدولة؟ ولكي يمكن معارضة الإدارة به كان لا بد أن تثبته هي».
والواقع أنه في كل تلك الإجراءات نشعر أن الإدارة لم يكن أمامها طريق سوى ما يرغب فيه الباشا الذي يدفع دائما شركاءه ثم مسفيوة ثم الوريكيين وأخيرا صهره القايد الوريكي وفي كل مرة كان هو الحكم الذي تبعثه العناية الإلهية وهو وحده القادر على أن يعرف العرف، وينقد الإدارة من المأزق الذي وضعها هو نفسه فيه من جراء فرض الحلول التي يريدها هو.
ويجب أخيرا أن نسرد استخدام الوسائل الأكثر سرعة والتي غالبا ما تثار في التحريات، تلك الوسائل التي يمكن في الإلقاء بالحائزين على حقوق المياه في جوف الأرض (المطمورات) إلى أن يأتي أهاليهم بعقود الملكية .
وبديهي أنه ليس لنا أي دليل على هذه الممارسات غير أننا مقتنعون بأنها تظهر متلائمة مع نظام الاغتصاب والتطاول على القايدية.
مداخيل الباشا:

بما أن الحاج التهامي الكلاوي يكون نموذجا متطرفا للقايد الكبير في حوز مراكش يبدو أنه من المفيد بحث أصول مداخيله على حسب المستطاع معرفته من مصادر موثوقة أي قبل أن يصبح قويا ويمنع كل تحري حوله ويخفي كل معلومة. وبفضل التقارير المحفوظة في أرشيف وزارة الحربية وأخرى محفوظة في إدارة الشؤون السياسية (مصلحة الاستخبارات العامة الفرنسية) ، استطعنا أن نلقي بعض الأضواء على عالم من الممارسات الخفية الفعالة استطاع بواسطتها الباشا أن يصبح ثريا عن طريق الاقتراض. وقد كان من الممكن أن لا تعطي هذه الدراسة سوى إفادة من قبيل الحكايات وبالتالي مظاهر تبعث على الغثيان لو لم تكشف لنا الوسائل المستخدمة نموذجية تحريف الأعراف والمعاملات القديمة وتقنين ذلك بقوانين عصرية حتى تعطي صبغة المشروعية للامتيازات القايدية. رغم شهرة الباشا بهذه الممارسات لم يكن هو المحتكر الوحيد لها! ففي الحقيقة كان كل قايد وكل تابع له يتوفر على قسط من النفوذ في النظام القايدي، يستفيد من الامتيازات كل حسب إمكاناته .
بنية المداخيل:


راتب عن الوظيفة 2% من مجموع الدخل
تخفيضات ضريبية 20%
أرباح وإعفاءات من الضرائب 4%
ابتزازات «وضريبة الحرب» 14%
مداخيل عقارية حضرية 8%
مداخيل عقارية قروية 20%
مداخيل من المناجم 32%
ـــــــــــــــــــــــــ
100
ومن الممكن تقدير المجموع سنة 1953 بـ 5 مليون فرنك (1974) والتخفيضات الضريبية التي تكون فصلا مهما من المداخيل هي من خاصيات آثار «القايدية الضريبية» وهي فترة كانت أهم المداخيل تتكون من ضريبة الحرب أي «الفريضة» أي «المساعدة الواجبة اتجاه السيد لكي يغطي نفقات مسؤوليته، على جميع السكان الرعايا. (الغير المعفاة من الضريبة بظهير خاص. انظر تامصلوحت) وهذه «الفريضة» السيادية تحولت إلى الفرض أو ضريبة الرؤوس في عهد الحماية .
ولم يعرف أبدا مبلغ الفرض الذي كان يؤدي للباشا. وتدور مختلف التقدريات حول مليون فرنك (1974). ونعلم هذا فضل التسوية التي تمت بين الباشا وإدارة المالية سنة 1931 لإيجاد حل لضمان تغطية أقساط القرض. فقد قدر الفرض سنة 1935 مثلا بـ 1.8 مليون فرنك (أي 1.3 مليون فرنك سنة 1974): كان الحاج التهامي يحتفظ بـ 10% منه (أي 180 ألف فرنك) ويؤدي مليون فرنك كتقدير لتأدية ضرائبه إلى قباضة مراكش، والباقي لتغطية الأقساط السنوية للقرض. وإذا كان المبلغ المستحق لضرائبه أقل من مليون، يحتفظ له بالفرق .
يتبع