كان متربعاً عند العشاء وإبتسامات و وفاء
عصام محمد جميل مروة
2024 / 8 / 4 - 16:59
إسماعيل هنية من طينة كبار الشهداء الذين دأبوا منذ نعومة اظفارهم على تلبية طواعية للوقوف الى جانب المظلوم بوجه الظالم على الاقل ما عهدناه في تلك القافلة الشهيدة عندما كانت تسقط واحدةٌ تلو الاخرى في سيرة فلسطين السامقة عزاً وفخراً وإمتشاق السلاح واعتناق حرية الدفاع عن كرامة ألشعب لا سيما بعد تفاقم فوضوية بلاغة الانتماء الى الوطن ولكل منا حقهِ في الخيار عن خياطة ثوبًا ابيضاً ناصعاً صالحاً لإلتحاف الكفن . هكذا عمل المجاهد اسماعيل هنية بعد سلسلة تحذيرات متوسعة عن تصفيتهِ جسدياً كغيرهِ من عظماء القادة السياسيين والعسكريين للمقاومة الفلسطينية في الداخل وفي محيط تراب فلسطين وما بعد و وراء البحار . كان الاعتراف الشعبي الاول في تعويم حركة قيادة حماس بعد صوت ابناء انتفاضة "" حجارة السجيل والمقلاع "" ، تحمل توقيع خليل الوزير ابو جهاد وصوت الوحدة الوطنية ، التي ذاع صيتها منذ تأسيس حركة المقاومة الاسلامية (( حماس )) ، في حلقات دينية انتقت معتنقة خيار الجهاد والشهادة حتى النصر ، وصل ابو العبد صاحب اللقب العزيز على قلبه كما ساد عند كل الذين التقوه وحادثوه وناقشوه وتعرفوا و غرفوا من نصائحهِ على العناد المُحبب لديه واضعاً الاسس الجوهرية لتقبل الاخر يعتمد على حرية وجوهر الرأى والتعبير لا سيما كانت المقاومة الاسلامية الفلسطينية قد تقدمت بمشروعها القتالي ضد الكيان الصهيونى بلا حسابات للأعداد والقوافل من الشهداء الذين أحتسبوا وتقربوا من معزة الله لهم حيثُ أختيروا شهداء .
الشيخ احمد ياسين ، والقائد عبد العزيز الرنتيسي ، وقادة أخرون ، تدرجوا في حضن ولب التحضير الى عدم المساومة ، فكانت شيمتهم المقاومة او النصر او نيل الشهادة . منذ عشرة اشهر بعد تحركات فوهات البنادق التي وصلت اصداء ازيز رصاصها الى مَنْ لم يكن يعرف عن فلسطين شيئاً او اين تقع على خارطة الجغرافيا ، وهنا الابحاث قد عززت اصحاب التقارير لدى كبار صحافة العالم ، وفي لغات كبيرة ، وفي مقدمتها الانجليزية عبر صحافة واشنطن ونيوارك ، والفرنسية الناطقة بلسان صحيفة لو موند ولو فيغارو.
وصحافة لندن الواسعة الانتشار في جريدة التايمز ، والاسبانية في الباس ، وهناك لغات اخرى حية كالصينية واليابانية ، وحتى الفارسية والكردية ، الى جانب لغة المقاومة "" لغة الضاد الجميلة العربية "" التي منها كانت رحلة الترجمات التي تعرفت عليها عن كثب عن موقع جغرافية تواجد فلسطين على الخريطة ، ومنهم مَنْ ناقشني على مستوى منفرد وجماعي وكان السؤال جداً واضحاً في هل ""فلسطين تقع قرب إسرائيل "" ، فمن هنا اعتمدت الحديث عن فرضية تغييب فلسطين وإستبدالها تحت مسمى لا وجود لها لكن إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في قلب الشرق الاوسط المتربع على فوهات بركان من البارود الذي يتحول منفجراً بلا إستئذان ،
فكانت المقاومة الفلسطينية قد دخلت مجدداً في طرح مشروعها المقاوم بمواجهة مشروع صهاينة العهد الجديد والحديث المدعوم بكل وضوح من جبابرة الدول المتقدمة في الصناعة ، انتاج عمليات القتل والاغتيال وكيفية حماية دولة العدو وترك لها ما تراه في بسط سيطرتها من الداخل ومن الخارج لتسديد الضربات ضد الافراد والقادة المقاومين سواء كان ذلك عبر غارات جوية ضد كُرسي مُتحرك كان يستخدمهُ الشيخ احمد ياسين لذهابهً وإيابهِ لمسجد في محيط المخيم الذي كان يسكنهُ مع كبار المسؤولين من حركة حماس منذ اربعة عقود لغاية تكوينها وكان تتويجا صارخاً بوجه العدو حيثُ انتفض اطفال المخيمات في كامل فلسطين وإنتشر صوت المقلاع والحجر من غزة هاشم الى الضفة الغربية وجوار كنائس المدينة العتيقة وقبة الصخرة على المسجد الاقصى ، الذي انذر العدو ان الحجارة والابدان هي طاقاتنا الحيوية التي لا نُريدُ لها ان تندثر .
في سيرة اسماعيل هنية صوراً كثيرة حول مسارات رحلتهِ بعد اللقاء الاخير وليس العشاء الاخير عندما كانت كل الوفود المشاركة في تتويج الرئيس الايراني الجديد مسعود بزشكيان. وكان نجماً ساطعاً إلتفت الوفود حولهُ رافعة اشارات النصر تصامناً مع هذا الرمز المفاوض المقاوم الذي ينتقل من بلد لأخر ومن محطة الى اخرى ومن متراس الى نفق ومعبر اخر ، ليس أعلاماً فقط للظهور ، بل كان لحضوره صورة مكملة لما تقوم بهِ افواج المقاومة من تحت انفاق غزة ، فكان ابو العبد يعتقد بمزيداً من الصبر والامساك بها كحيلة ووسيلة لإيصال مطالب الشعب الفلسطيني في تقبل الاخر ، فكانت الاملاءات والمحطات في حياة هذا المجاهد الذي كانت صورهِ تدخل الى قرارة كل نفوس الشعوب المحبة للحرية والسلام ، فكان يتناول العشاء مع افراد اسرتهِ من الابناء والبنات والاحفاد دليلاً قاطعاً على تحمل المسؤولية الكبرى لعدة عقود و تزويد كل مَنْ كان يتسنى لَهُ التقاءه بمعاهدة الوفاء المتكامل لإحياء شعلة ومسيرة المقاومة وليس هناك لديه تضييعاً للوقت حتى عندما كان يتربع حولة مائدة متواضعة كان يبسمل ويُحوقل ويبتسم في آنٍ واحداً .
درب الشهداء والفداء كانت ثقيلة عليه منذ بداية اعتناقه حُب الثورة فكان يذهب باكراً لصلاة الفجر وتعلم القوة والصبر وإستمع الى اسلافه عن كيفية تحمل الصعوبات مهما كانت قاسية على قاعدة المجتمع المنتمى اليه في مخيم الشاطي الذي لم يبارحهِ الا عنوة بعد التهديدات المباشرة لَهُ في محاولات العدو الصهيوني العديدة للوصول اليه ووضع كل الامكانيات لتصفيتهِ قبل الانسحاب الاسرائيلي وتفكيك المستوطنات منذ عام 2004 ولاحقاً بعد تتويجه رئيسًا للحكومة في قطاع غزة كانت هناك معلومات قد صرح عنها مقربون جداً من الامن الفلسطيني لحماية القادة ، فكان دائماً يقول يجب علينا إختزال القيام بأجهزة الامن وسلامة القادة وإختصارها في المحافظة على الاموال العامة التي يعتبرها ملكاً للشعب ولا مكان لدينا لقرار الموافقة على زيادة افراد الحراسة لجوانب كثيرة ومهمة وهي الكشف عن اعداد طويلة من السهل اختراق العدو لهذا الجهاز او ذاك .
فكانت الغارة الاخيرة فجر الثلاثاء الاربعاء بعد عودة المجاهد الشهيد الى المكان المحدد لَهُ من قِبل الاجهزة الامنية الايرانية ، وربما هناك مَن مهد او اعطى تعليمات كانت واضحة في الوصول الى الهدف .
سقوط الشهيد اسماعيل هنية ترافق مع اهداف مماثلة قام بها العدو الصهيوني في قلعة المقاومة الاسلامية اللبنانية في مربع الامني للقيادة التابعة لحزب الله "" حارة حريك "" ، فؤاد شكر مرافقاً بالدم والعزيمة ، حيث كانت عملية اغتيال مدروسة مُسبقاً لكي تتناسب مع احداث مماثلة في عدة مواقع تابعة لحلف الممانعة والمقاومة المنتشرة عبر معلومات قيادة الحرس الثوري الايراني الذي حذر مراراً من مغبة الاختراق الامني لملاحقة كبار قادة المقاومة ، وإن كان مكان اغتيال الشهيد قاسم سليماني عام 2020 في بغداد حيث برزت قضية تصفية القادة الذين لهم دوراً واضحاً وناصعاً ونقياً في مجابهة الارهاب الصهيوني وردع تغلغل الموساد الاسرائيلي الذي نفذ عدة هجمات ضد مراكز المقاومة داخل العواصم العربية الحليفة لجهاز الاستخبارات الايرانية وجهاز الحرس الثوري الايراني في كل من طهران وبيروت ودمشق واليمن والعراق وربما كانت هناك عمليات لم يُعلنُ عنها نتيجة فشل الهدف المزعوم .
لا بد لنا الاعتراف أن الخسارة الجسيمة بعد الاغتيال لعدة قادة في الميدان ، رغم كل التضحية العظيمة ، ما زالت المقاومة تزرع الرعب في قلوب تلك العصابات الصهيونية المنتشرة داخل اراضي قطاع غزة المحاصر والمدمر ، وعلى ارض الضفة الغربية ، فتخرج المقاومة رافعة اصوات التكبير والتوحيد بعد كل عملية انتقام من تصرفات تلك العصابات الصهيونية الارهابية التي تستخدم القوة المُفرِطة ضد المدنيين والعزل ،
الى مُعتقد ونبراس وانوار افكار اسماعيل هنية التي سقط من اجلها سوف تتعلم الاجيال الصاعدة من بداعة حرية فكرك الغني والطاهر الذي لَهُ وجهان النصر ام الشهادة .
وللحديث بقية
عصام محمد جميل مروة ..
اوسلو في / 4 آب - اغسطس/ 2024 / ..