يوم الشهيد الآشوري .. في السابع من اب 1933 الملك (فيصل الأول) يصدر مرسوما ملكيا ونفذه ابنه الأمير (غازي) ولي العهد، بقتل جميع آشوريي العراق .. ولبشاعة الجريمة اتخذ من هذا اليوم رمزا ليوم الشهيد الآشوري ولشهداء الأمة على مر التاريخ
فواد الكنجي
2024 / 8 / 2 - 08:00
الشهادة تبعث في الأمة روح الحياة والإصرار على الكفاح والصمود في مواجهة التحديات؛ وتعمق الشعور والإحساس بالانتماء إلى قضية الأمة في حق تقرير المصير والحرية وتحقيق النصر في جميع القضايا التي تسعى الأمة تحقيقها للعيش بالحرية والكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة المشروعة على كافة الأصعدة والميادين الحياة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ لتنمو وتزدهر وتتحرك الأمة لتحقيق النصر في جميع قضاياها العادلة والمشروعة؛ ولهذا يعتبرون أبناء الأمة بان (الشهادة) هو السبيل الذي يبعث في الأمة روح الانتماء والحياة والكفاح من اجل كل القضايا المصيرية .
وما السبيل إلى الشهادة إلا بوجود قضية جوهرية عادلة تستحق التضحية والشهادة في سبيل نجاح وانتصار قضية الأمة في حق تقرير المصير والحرية، و(الشهادة) في سبيل قضايا الأمة يعني وجود أمة نابضة بالحياة تشعر بقضاياها الكبيرة وبكرامتها وبإنسانيتها وتؤمن بقيم الإنسانية ومبادئ السماء وأحكامها العادلة؛ فهي تسير بهذا الاتجاه وفي نفوس أبنائها تنمو وتتحرك قيم الكفاح والنضال والصمود لتنتصر في جميع قضاياها العادلة المشروعة على أرض الواقع وليس في الوهم والخيال .
وحين تحتفل الأمة (الآشورية) بيوم (الشهيد الآشوري) في (السابع من اب) كل عام؛ إنما هو الاحتفاء بالشهداء وإحياء ذكراهم وتكريمهم؛ وهذا إن دل على شيء فهو يدل على حياة الأمة وعزتها وكرامتها؛ وأنها مسكونة بروح الشهادة؛ وأن فيها مشاريع شهادة أو شهداء أحياء، يعشقون الشهادة وينتظرون الفوز بالشهادة في سبيل نصرة قضايا الأمة وكرامة أبنائها، لتبرز في المجتمع أهمية ودور الشهادة والشهداء الذين وضعوا أنفسهم في الخطوط الأولى للدفاع عن حقوق أمتهم ووطنهم؛ وهذا الاندفاع قد زرع في نفوسهم من خلال قيم التربية الأسرية والإيمان والأخلاق وحب الوطن التي تشكل بنيتهم الفكرية بعد إن عززت جميع مؤسسات الأمة القومية والدينية في نشر قيم القومية والعناية والاهتمام لموضوع حق تقرير المصير للأمة؛ ولا بد من (التضحية) لتحقيق هذا الهدف بكل ما يملك الإنسان وهي النفس أي (الشهادة)، ومن هنا لا بد لنا إن نفهم إلى أهمية تقديم الرعاية لذوي الشهداء بشكل مدروس ومخطط والوقوف إلى جانب الجرحى وتقديم كل عون ممكن لهم؛ فـ(التضحية بالنفس) من أجل قضايا (الأمة الآشورية) لا تقارن بأي تضحيات أخرى، إنها تفوق تلك التضحيات في الجوهر والشكل وفي مضمون العطاء وأسلوبه؛ والأمة التي زرعت في نفوس أبنائها المعاني السامية والتضحية بالنفس هي امة من أعظم الأمم وأقدرها على حماية الكرامة والاستقلال وهذا هو ديدن (الشعب الآشوري) منذ عرفه التاريخ شعباً مكافحا مضحيا رافضاً للهوان ومتمسكاً بحريته واستقلاله .
فالمتآمرين على مقدرات الأمة وحقوقها القومية المشروعة في حق تقرير المصير والحرية خططوا لتمزيق وتقسيم الأمة ودفعهم للهجرة والنزوح ألقسري بترك أراضيهم وممتلكاتهم ليتم تشتيتهم في الشتات ودول المهجر؛ وهذا هو السبب رئيسي وراء الثمن الكبير الذي دفعته (الأمة الآشورية) في إحداث (السميل) والمجازر التي ارتكبت بحقهم من قبلها ومن بعدها؛ باستشهاد أبنائها في حروب (الإبادة جماعية) التي فرضت عليها، لان المتآمرين حاولوا طمس كل معالم الوجود (الآشوري) على أراض الآباء والأجداد في وطنهم (العراق)، لذلك لم يكن للأمة (الآشورية) سبيل سوى المقاومة.. والنضال.. لإيصال صوتهم إلى المحافل الدولية، فكان الطريق إلى (الشهادة)، لتكون (قضية الشهادة) نظرة سامية لا يفوقها نظرة؛ وأن (الشهادة) تمثل حياة أبدية خالدة للشهداء منذ لحظة استشهادهم، فمن يطلبون الموت توهب لهم الحياة، فالقيم النبيلة والمحبة الخالصة التي تجسدها (الشهادة) في المجتمع؛ والاقتداء بـ(الشهداء) من خلال احترام الواجب والإخلاص في العمل؛ والأمة التي كابدت الآلام والمصاعب وما زالت صامدة مرابطة إلى حين تحقيق النصر والعودة إلى أراض الإباء والأجداد التي اغتصبت من قبل أعداء الأمة .
فتحقيق حرية الإنسان (الآشوري) وحرية ألامه بحاجه إلى (الشهادة) وبناء (الإنسان الآشوري) مؤمن بقضية الأمة روحا ونصا، وحرية ألامه والوطن لا تتحقق فيها الانجاز للهدف حرية واستقلال الأمة من غير أدواتها ومستلزماتها؛ وفي ألمقدمه (الاستشهاد)؛ و(الشهيد) الذي يرخص الحياة الشخصية من اجل قضيه الأمة، لان الرسالة لا تصل إلى الأجيال والأحفاد من غير (الشهادة).
وعلى مر تاريخ الأمة (الآشورية) ورغم المعوقات وانتشار ووضع موانع إمام عجلتها لإيقاف استمرار حركات التحرر ونهضة الأمة؛ إلا إن الأمة (الآشورية) وبروح الصمود والتحدي واصلت مسيرتها النضالية على كل أصعدة الحياة، وللوصول إلى هذا الهدف كانت الأمة بحاجه إلى النضال والكفاح؛ فقدمت ألامه (الآشورية) في هذا الطريق خيرة شبابها مستشهدين في الطريق للحرية والاستقلال والسيادة الوطنية الحرة والبناء من اجل عودة الروح إلى الجسد الأمة، وفي كل تلك المراحل كان الأعداء يتفننون في إفشال المسيرة وغاياتها في التقدم على كل الأصعدة ومجالات الحياة؛ وابتكر الأعداء وفق كل مرحلة من مراحل مسيرة الأمة حجرات عثر.. وبث السموم الثقافية.. لجعل شباب ألامه يعلن الولاء إلى (الأفكار الغريبة) بعد إن تم تشتيتهم في (دول الغرب) اثر فرض النزوح ألقسري عليهم من (العراق)؛ وخاصة بعد (إحداث سميل عام 1933)؛ وإشغال شباب الأمة بالأفكار المرفوضة من الواقع (الغربي)؛ الذي رمى بكل ثقله إلى الساحة (الآشورية) بعناوين في الأصل قديمه لدى (المجتمع الغربي) وجديدة في (الساحة الآشورية) والقومية وغير مسموعة من (المجتمع الأشوري)؛ من اجل إيجاد مواطئ قدم وأدوات تعمل بالضد للتطلعات الأمة (الآشورية) الساعية إلى الحرية.. والسيادة.. والاستقلال؛ بشتى وسائل والممارسات اللا أخلاقية؛ ومع كل هذه الممارسات؛ ظل الشباب والشرائح الاجتماعية وكل الأحزاب المنتشرة في الساحة (الآشورية) والمؤسسات الدينية والقومية ترفع الشعارات الحرية وحق تقرير المصير؛ وذلك عبر بثت (روح التوعية) لما جرى بحق ألامه (الآشورية) في (العراق)؛ وخاصة بعد إحداث مذبحة (سميل) عام 1933وما قبلها وما بعدها من مذابح.. وتهميش.. واضطهاد.. وتمييز من اجل إجبارهم إلى الهجرة والنزوح ألقسري؛ من اجل تحريك قضية الأمة في المحافل المحلية والإقليمية والدولية .
ومن هنا لابد لنا إن نسلط الضوء عن معاناة (الشعب الأشوري) في (العراق) اثر تنفيذ سلطات (الدولة العراقية) في عهد الملكية عام 1933 جريمة (إبادة الشعب الآشوري) وإعلان رسميا بقتل وذبح كل (أشوري في العراق) .
ومذبحة (سميل) جريمة ارتكبتها (الحكومة العراقية) في زمن (الملكية) والتي كان يرئسها (رشيد عالي الكيلاني) بعهد الملك (فيصل الأول) عام 1933 بحق (الآشوريين) في شمال (العراق) وذلك في (الثامن ولغاية الحادي عشر من شهر أب عام 1933) حيث تم إبادة جميع أهالي بلدة (سميل) بالإضافة إلى حوالي (ثلاثة وستون قرية آشورية) في لواء (الموصل)؛ وآنذاك كانت (دهوك) و(سهل نينوى) تابعة ضمن هذا (اللواء) – و(اللواء اليوم يسمى اليوم بـ(المحافظة) – حيث تم إبادة أكثر من (خمسة ألاف مواطن آشوري) اعزل، في وقت الذي كان (الشعب الآشوري) يعاني من مأساة التي ارتكبها (العثمانيين) بحقهم في مجاز عرفت باسم (مجازر سيفو) عام 1915 ولغاية 1918 إبان (الحرب العالمية الأولى عام 1914) في (تركيا) والتي راح ضحيتها أكثر من (مليون ونصف مليون آشوري) إضافة على ارتكاب (الأتراك) من مجاز بحق (الأرمن) و(اليونان) حيث تم إبادة (مليونيين ارمني ويوناني) إضافة على ما ارتكبها بحق (الآشوريين) بكونهم من غير (القومية التركية) و(مسحيين) ليس إلا.
وهذه الجريمة التي ارتكبها (الجيش العراقي) بحق (الآشوريين) والتي عرفت بكونها (إبادة عرقية) أتت بعد إخفاق الجيش من إخماد ثورة (الأكراد في شمال العراق) و(التمرد الشيعي في جنوب العراق)، وكان (الآشوريين) بعد موجه الهجرة الجماعية هروبا من مذابح التي كانت ترتكب بحقهم (الدولة العثمانية) في (تركيا)، وكان (الآشوريين) أصلا يسكنون في منطقة (برواري بالا) و(دهوك) و(حكاري) و(وان)؛ وهذه المناطق كانت خاضعة لولاية (الأتراك)، ونظرا لقسوتهم وما كان يرتكبوه من وسائل القمع والاضطهاد بحق (الآشوريين) فان قسم منهم نزحوا باتجاه (روسيا) و(إيران) وسكنوا في منطقة (ارمي) و(همدان) في عام 1918؛ وبعدها تم نقل العديد منهم إلى معسكرات للاجئين في مدينة (بعقوبه – العراقية) ومن هناك نقلوا إلى (الحبانية)، ليقوم الجيش (البريطاني) بتجنيد الذكور من (الآشوريين) في قوات التي عرفت باسم (قوات الليفي) على أساس تدريبهم من أجل تكوين لواء عسكري قادر على حمايتهم لدى عودتهم إلى قراهم؛ وبعد عودة معظم (آشوريي حكاري) إلى قراهم غير أن قيام( ثورة العشرين في العراق) قررت (بريطانيا) استعمال هذه القوات من أجل إخضاع التمرد، فأصبح من تبقى منهم بدون أي قوة دفاعية فعادوا ونزحوا إلى (العراق) مجددا لدى عودة (الجيش التركي) بقياد (كمال اتاتورك) عام 1920، فأعيد توطين معظم (آشوريو حكاري) بعد عام 1925 في مجموعة من القرى في شمال (العراق)، وعندما فشل (العراق) من إخماد (الحركات الكردية) في شمال (العراق) جند البريطانيون (الآشوريين) لقمع أية حركة تمرد تقوم في (العراق)؛ وهذا الأمر زاد ضغينة (العرب) و(الكرد) و(الجيش العراقي) ضد (الآشوريين) – بحسب مؤرخين بريطانيين – وعند انتهاء (الانتداب البريطاني) على (العراق) اعتقد (الآشوريين) بان غياب (بريطانيا) عن (العراق) سيخلق حالة من فوض وصراعات بين قوميات والديانات والطوائف والمذاهب (العراقية) لعدم تجانس المجتمع وفق هوية (الدولة العراقية) الحديثة آنذاك، ولا محال فان مذابح ستنفذ بحق هذه الجهة أو تلك؛ وخاصة إذ علمنا بان السلاح كان منتشرا بيد الكل وليس محصورا بيد الدولة .
ولهذا وقبيل انتهاء الانتداب (البريطاني) على (العراق) واستقلال (العراق) في عام 1932 طالب بطريرك (كنيسة المشرق الآشورية - مار ايشا شمعون الثالث والعشرون) الذي كان بمثابة زعيم وقائد الأمة (الآشورية) بالحكم الذاتي لـ(لآشوريين) في شمال (العراق) - في وقت الذي كانت منطقة الشرق الأوسط قد وقعت تحت اتفاقية (سايكس بيكو) عام 1916بين (فرنسا) و(بريطانيا) حيث تم تقسيمه وتفتيته، فطالب (بريطانيا) دعم هذا المطلب الذي كان هو جزء من اتفاق بينهم؛ ولكن غير موثق وغير مدون في أوراق رسمية بين الجانبين (الآشوري) و(البريطاني)، وفي نفس الوقت الذي قدم البطريرك (مار ايشا شمعون) هذا الطلب إلى (بريطانيا) عرض هذه القضية (قضية الحكم الذاتي الآشوري) إلى (عصبة الأمم) عام 1932، ولم يكتفي البطريرك بهذا الطلب فحسب بل قدم إلى (عصبة الأمم) في الفترة بين 1931 و 1932 خمس وثائق حدد فيها مطالب (الآشوريين) بالحكم الذاتي في شمال (العراق) قبيل إنهاء الانتداب (البريطاني) على (العراق) .
فاستياء (الآشوريين) من (البريطانيين) قد جاء لأنهم شعروا بخيانتهم وعدم وفاء بعهودهم التي قطعوها لهم بإقامة (حكم ذاتي) لهم مشابه لـ(نظام الملل) في عهد الدولة العثمانية .
فكانت مطالب (الآشوريين) بما رافق آنذاك بمطالب (الأكراد) بحكم ذاتي في شمال (العراق)؛ الأمر الذي اعتبرته (الحكومة العراقية) مؤامرة (بريطانية) لتقسيم (العراق) عن طريق تهييج أقلياته، في وقت ذاته لم يكن (الآشوريين) على ثقة بقدرة (الحكومة العراقية) على حفظ الأمن في عموم (العراق)؛ وان مغادرة (بريطانيا العراق) سيمنح لـ(الأكراد) فرصة لتنفيذ مذابح بحق (الآشوريين) كما حدث خلال (الحرب العالمي الأولى) في (تركيا)، ولهذا قرر بطريرك (كنيسة المشرق الآشورية) قداسة البطريرك (مار ايشا شمعون الثالث والعشرون) المطالبة (بحكم ذاتي للآشوريين في شمال العراق) وسعى لحشد الدعم (البريطاني) من أجل تحقيق هذا الهدف فعرض البطريرك هذه القضية على (عصبة الامم) عام 1932، وللفترة ما بين 1931 و 1932 استلمت عصبة الأمم (خمس وثائق من الآشوريين) حددوا فيها مطالبهم قبيل إنهاء الانتداب (البريطاني في العراق).
وقد جاءت (الوثيقتين) الأولى والثانية في 20 و23 تشرين الأول من عام 1931 من مجموعة من القادة من ضمنهم (البطريرك مار شمعون) حيث طالبوا فيها بنقل اللاجئين إلى دولة تحت سيطرة قوة أوروبية، وفضلوا بذلك دولة (سوريا) التي كانت لا تزال تحت الانتداب (الفرنسي)؛ ولم تعترض (بريطانيا) ولا (العراق) على هذا الطلب غير أنه لم يتطوع أي طرف لتحقيق هذه المطالب.
و جاءت (الوثيقة الثالثة) في 16 حزيران 1932 حيث التقى البطريرك مع قادة الآشوريين في (العمادية) ورفع المجتمعون وثيقة إلى (الحكومة العراقية) و(عصبة الأمم) تدعو إلى الاعتراف بـ(الآشوريين) كملة وطائفة ضمن ملل وطوائف (العراق)؛ وتطالب بإعادة ترسيم الحدود مع (تركيا) بحيث تضم منطقة (حكاري) بالإضافة إلى( العمادية) وبعض أطراف أقضية (زاخو) و(دهوك) و(العمادية)، كما حثت الوثيقة على إنشاء منطقة (حكم ذاتي) لهم تمتد من مناطق (حكاري) الواقعة تحت السيادة (التركية) حينئذ والمناطق الجنوبية المتاخمة لها في (زاخو) و(دهوك) و(العمادية)، كما طالبت هذه العريضة بالاعتراف بـ(البطريرك مار شمعون) زعيما روحيا ودنيويا عليهم وإعطاءه صلاحية لتعيين عضو يمثلهم في (البرلمان العراقي) غير أن (الحكومة العراقية) سرعان ما رفضت هذه المطالب خشية تلقي دعوات مماثلة من قبل مجموعة عرقية ودينية أخرى كـ(الاكراد) و(الشيعة)، لذلك نجد بان رئيس الوزراء آنذاك (نوري سعيد) رفض هذا المقترح بحجة بان (الآشوريين) بعض حصرهم بإتباع (كنيسة المشرق الآشورية) لا يشكلون سوى جزء من مسيحيي (لواء الموصل) ولذا لا يحق لهم المطالبة بمقعد في البرلمان؛ لأنه كان يتواصل مع (مسيحي الكاثوليك) وتحديدا مع بطريرك (الكنيسة الكاثوليكية عمانوئيل الثالث توما) في (بغداد) الذي رفض الخضوع للبطريرك (الأشوري مار ايشا شمعون) وان كنيسته (الكاثوليكية الكلدانية) لا علاقة بما يحدث في الساحة (الآشورية) وكان لقرار هذا البطريرك بمثابة (خيانة) وطعن الأمة (الآشورية)؛ كما رفضت (تركيا) إعادة ترسيم الحدود أو السماح للاجئين بالعودة إلى قراهم .
اما الطلب أو (الوثيقة الرابعة) فقد جاء في 21 أيلول 1932 والذي وقع عليه 58 من الأعيان ممثلين عن 2395 عائلة (آشورية) ؛ وهذه الوثيقة صدرت من مطران (برواري بالا والعمادية) وبحسب المصادر (البريطانية)؛ ولقد اعترضت هذه الوثيقة على (الوثيقة الثالثة) بحجة أن البطريرك (مار ايشا شمعون) لا يمثل جميع المسيحيين (الآشوريين) وان مسيحي (العراق) باختلاف مذاهبهم لهم ممثلون لدى (الحكومة العراقية) .
وفي اليوم التالي أصدر البطريرك (مار ايشا شمعون) وثيقة وهي (الخامسة) يؤكد فيها على حقوق (الآشوريين) في المطالبة بعودة (حكاري) إلى (العراق) أو توطينهم في المناطق المحاذية لها؛ كما ذكر الحكومة أن (الآشوريين) صوتوا بضم لواء (الموصل) إلى (العراق) في استفتاء عام 1925، وفي هذه الإثناء قرر أتباع البطريرك (مار ايشا شمعون) تقديم استقالتهم الجماعية من اللواء (الآشوري – ليفي) الذي كان تحت السيطرة (البريطانية) ويخدم مصالحها؛ ليتحول هذا اللواء ( الآشوري) إلى ميليشيا مسلحة متمركزة في منطقة (العمادية) في شمال (العراق)؛ كما شرع البطريرك (مار ايشا شمعون) بإعداد خطة يتمركز بموجبها الجيش (الآشوري) المستقيل من قوات (الليفي) في المنطقة الواقعة ما بين مدينتي (هوك) و(العمادية) كي يتسنى لجماعتهم الانضمام إليهم؛ وفي الشهر الرابع من عام 1933 قام أحد ضباط (اللواء الآشوري) الذين قدموا استقالتهم من (قوات الليفي) وهو(مالك ياقو) على قيادة حملة دعائية لصالح البطريرك (مار ابشا شمعون) لإقناع (الآشوريين) برفض دعوة (الحكومة العراقية) بتجنيسهم وإسكانهم في قرى متفرقة من دون التوافق مع زعيمهم الروحي البطريرك (مار ايشا شمعون)؛ وقد رافق (مالك ياقو) أكثر من 200 رجل مسلح مما اعتبرته الحكومة المركزية تحديا لسلطتها بكون أنشطته تسبب في ظهور توترات مع (الأكراد) و(الحكومة العراقية)، فقامت الحكومة بإرسال جيشها إلى منطقة (دهوك) بهدف ردع وتخويف (مالك ياقو) و(الآشوريين) من الانضمام إلى قضيته.
وفي ربيع عام 1933 تم تحشد عدد كبير من (الأشوريين) المسلحين بأسلحة خفيفة؛ الأمر الذي اعتبرته الحكومة المركزية في (العراق) تحديا للسلطة المركزية؛ باعتبار إن هذه القوة المسلحة من (الآشوريين) تسبب أنشطتها في ظهور توترات أخرى في المنطقة الشمالية مع (الأكراد) والحكومة (العراقية)؛ مما اضطرت الحكومة (العراقية) بإرسال جيشها إلى منطقة (دهوك) بهدف:
أولا.. تخويف وردع (الأشوريين) من الانضمام إلى الجيش (الآشوري) خوفا من توسع نطاقهم في شمال (العراق) .
وثانيا.. إرسال رسالة إلى (الأكراد) لمنع أي تمرد قد يقومون به ضد الحكومة المركزية في (بغداد) .
وفي هذه الإثناء اجتمع في (بغداد) المعتمد السامي البريطاني (همفري) ووكيل رئيس الوزراء (جعفر العسكري) ووزير الداخلية (ناجي شوكت)، وبعد أن اطلعوا على مطالب البطريرك (مار ايشا شمعون)، قرروا إصدار تعليمات إلى لواء (الموصل) و (أربيل) بإنذار (الآشوريين)، وإعادة تشكيل مخافر الشرطة في لواء (الموصل) بحيث يتم تجريد كل المخافر من أي عنصر (آشوري)؛ وتم في – ذات الوقت – دعوة البطريرك (مار ايشا شمعون) إلى (بغداد) للتفاوض مع حكومة (حكمت سليمان) في حزيران 1933، ولكن حين تم وصول البطريرك إلى (بغداد) تم احتجازه هناك بعد أن رفض التخلي عن مطالبته بـ(الحكم الذاتي)، وبعدها تم نفيه إلى (قبرص)، ومن هناك توجه إلى (أمريكا) حيث استشهد هناك بعد إن تم اغتياله عام 1975 .
وفي هذه الإثناء حاولت الحكومة (العراقية) بإقناع (آشوريي) المناطق الممتدة من (شيخان) إلى (زاخو) بقبول (الجنسية العراقية)؛ إلا إن مطالب (الأشوريين) كانت تتمحور قبل أي شي هو منحهم (الحكم الذاتي) الذي كانت الحكومة (العراقية) ترفضه، لذلك قررت بعض فصائل (الآشورية) المقاتلة في ( 21 أيار ) التوجه إلى (سوريا) أملا في إقناع الحكومة (الفرنسية) بإقامة حكم شبه ذاتي لهم في الأراضي الخاضعة تحت سيطرتها شرقي (سوريا) غير أن (الفرنسيين) رفضوا السماح لهم بالبقاء في (سوريا) وقاموا بمصادرة أسلحتهم؛ فقرر هؤلاء العودة مجددا إلى (العراق) بعد أن اكتشفوا استحالة تقديم مطالبهم في (سوريا)، ولكن الجيش (الفرنسي) المرابط في (سوريا) أبلغ السلطات (العراقية) بأن حوالي 800 (آشوري) مسلح سيعبر الحدود إلى (العراق) من معبر (ديربون) في (الرابع من آب) وحين بدأت هذه القطاعات من المقاتلين (الآشوريين) بالعبور نهر (الخابور) حدثت اشتباكات عنيفة بين الجيش (العراقي) المدعوم بالطيران العسكري وبالأسلحة الثقيلة والمدفعية والجيش (الآشوري) الذين كان مقاتليه قد استعادوا بنادقهم من (الفرنسيين) فانسحب الجيش (العراقي) بعد أن تكبد خسائر فادحة إلى بلدة (ديربون) الحدودية، ويبدو أن (الآشوريين) قد اقتنعوا أن الجيش (العراقي) هو من بادر بإطلاق النار؛ فهاجموا إحدى ثكناته في (ديربون)، غير أن الهجوم لم يسفر سوى عن احتلال أحد المخافر الحدودية تم استعادته بعد أن قام الجيش (العراقي) بشن هجوم موسع ضد (الآشوريين) وبغطاء جوي من قبل الطيران الحربي وبمساعدة الجيش (البريطاني) الذي كان يرسل صور عن تحركات القطاعات (الآشورية) من الجو إلى الجيش (العراقي)، مما اضطر مقاتلون (الآشوريين) وقف القتال بعد إن تكب خسائر جسيمة والعبور باتجاه (سوريا) مجددا؛ معللين سبب عدم استمرارهم في الهجوم لعدة أسباب منها:
أولا.. إن الجيش (العراقي) قد احتمى داخل البلدات ذات الأغلبية (الآشورية) واخذ من أهالي تلك القرى (الأشورية) كدروع بشرية .
وثانيا.. إن قوات (البريطانية) تقدم مساعدات لوجستية إلى الجيش (العراقي) .
لذلك كان خيار المقاتلين (الآشوريين) هو تجنب الاشتباك مع الجيش (العراقي) لنقص ذخيرتهم ولعدم وجود أي طرف أخر يساعدهم ويمولهم؛ ومن جهة أخرى لكي لا تذهب الأسر (الآشورية) ضحية قد يسيء الجيش (العراقي) التصرف معهم؛ لهذا قرر المقاتلون (الآشوريين) وقف إطلاق النار والانسحاب باتجاه (سوريا) .
وبالرغم من توقف إطلاق النار بشكل تام بين الجانبين في (الخامس من آب)، إلى إلا إن ما زيد الطين بله؛ هو إن الصحافة (العراقية) في (بغداد) قامت بتغطية هذه الأحداث بشكل مبالغ .
حيث رصد تصاعد حملة رسمية وشعبية في العاصمة (بغداد) منظمة ضد (الآشوريين) قبيل (مذبحة سميل) , ففي الفترة الممتدة من (الأول إلى الرابع عشر من شهر تموز 1933 ) نشرت أكثر من 80 مقالة رئيسية في الصحافة العراقية والتي كتبت من قبل مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية وكانت جميعها تطالب بالقضاء على (الآشوريين) وإفنائهم .
وانتشرت أخبار وعلى نطاق واسع بين صفوف الشعب (العراقي) عن قيام (الآشوريين) بثورة مسلحة بدعم من (بريطانيا) من أجل تفكيك (العراق) وإعادته تحت السيطرة (البريطانية) مرة أخرى، مما أجج موقف الجماهير (العراقية) ومشاعرهم ضد (الآشوريين)، ومما صاعد نبرة الجماهير في (بغداد) وموقفهم ضد (الآشوريين)هو قيام الحكومة (العراقية) بدعم هذه الآراء من أجل تشتيت الانتباه عن العصيان (الشيعي) الجاري في منطقة (الفرات الأوسط) ولتوحيد موقف (العراقيين) إلى خطر موحد ضد (الآشوريين) بكون تطلعاتهم تهدد امن الدولة؛ ولهذا تم إعلان ((الجهاد ضد الآشوريين)) من قبل (مجلس الوزاري العراقي) الذي كان يرأسه (رشيد عالي الكيلاني) بعد موافقة الملك (فيصل الأول) على هذا الإعلان في صيف سنة 1933.
وخلال شهر آب أعلنت الحكومة العراقية والصحافة وبعض الأحزاب والمنظمات السياسية الحرب على (الآشوريين) وأصدروا الأوامر للتطوع ووزعت السلاح على المتطوعين، كما وجهت الحكومة شكرها وامتنانها للتجار وزعماء بعض العشائر المحلية للجهود التي بذلوها من أجل حماية وصيانة الوطن من (الآشوريين) باعتبارهم مرتزقة وجواسيس وعملاء الاستعمار ؛ كما أصدرت (الحكومة العراقية) أيضاً عشية (مذبحة سميل) أوامرها (بالجهاد) وبمكافئة كل شخص بدينار واحد عن كل (آشوري) يُجلب إلى السلطات الحكومية حيا أو ميتا كما أعلنت الحكومة وبعض رجال الدين الإسلامي، قرارات وفتاوى حللت بموجبها سلب ونهب قرى وممتلكات (الآشوريين) واعتبرت أعمال العنف والمذبحة المرتكبة قانونية وشرعية واتهمت كل من لا يشارك فيها بالخيانة بحق الوطن. وخلال شهر آب من نفس العام ، قبيل وأثناء وبعد المذبحة، نشرت (الصحافة العراقية) أكثر من 230 عمود صفحي ومقالة مهينة جميعها تدعو إلى تخليص البلاد من (الآشوريين) والقضاء عليهم نهائيا، وتم وبإيعاز من المجرم الفريق (بكر صدقي) الذي أمر بقتل كل (آشوري) يتم إيجاده في المناطق التي يتم تمشيطها وإعدام كل من يقبض عليه من (الآشوريين) ابتداءً من يوم السابع من شهر اب عام 1933 وبالرغم من محاولة وزير الدفاع آنذاك (جلال بابان) السيطرة على القوات (العراقية) المتواجدة في الشمال إلا أنها كانت قد أصبحت فعليا خارجة عن سلطة الحكومة.
وعلى ضوء هذه التطورات المتلاحقة؛ واشتباك (الأشوريين) مع الجيش (العراقي) في منطقة (ديرابون)، صرح الملك (فيصل الأول) تصريحا غير مسؤول جاء فيه :
((... لا يهم كم من (الآشوريين) قد يتعرضون للقتل، ولكن ينبغي أن تتخذ الحيطة لحماية النساء والأطفال، وذلك تحسبا لما قد يسببه ذلك من تشويه سمعة المملكة (العراقية) في المحافل الدولية، وليس لأي اعتبار آخر....)).
ولم يكتفي الملك (فيصل) بهذا تصريح؛ فقد قام شخصيا وعلى رأس حكومته بتأجيج وإثارة العشائر العربية ضد (الآشوريين)، في وقت الذي كان أدلى سابقا بتصريح خطير حين حدد حقيقة موقفه من عموم الشعب (العراقي) بمختلف مكوناته حين قال:
((...لا يوجد في العراق شعب (عراقي) بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة....)) .
ولذلك وخلال مسيرة حكم الملك (فيصل ) في (العراق) لم يحاول بناء جسور المحبة والود والتآخي بين مكونات الشعب؛ بقدر ما حاول الاقتراب من جهة على حساب أخرى؛ وهذا ما زاد من حدة انقسامات بين صفوف أبناء الشعب الواحد في (العراق) قوميا.. ودينيا.. ومذهبيا، ولهذا ما كان يكنه من حقد وكره وضغن باتجاه هذا المكون والذي كشف عنه لاحقا؛ فبعد مضي ثلاث سنوات على مذبحة (سيميل) التي ارتكبها هذا الملك بحق (الآشوريين) نقل عن (نوري السعيد)، حين التجأ إلى السفارة (البريطانية) في أعقاب انقلاب المجرم (بكر صدقي) قال للسفير (البريطاني):
((...سأخبرك بأمر خطير لم أبح لأحد من قبل متعلق أمره بمذابح (الآشوريين) في (سميل) حيث كان الملك (فيصل) هو المسؤول الأول عن تلك المذابح وما حدث إنما كان بناء على توصياته....)) .
وقد اعترف الملك (فيصل الأول) في(برن) العاصمة (السويسرية) قبل وفاته بأيام فصرح:
((...عن أسفه الشديد ليس لاقتراف الجيش جريمة بحق شريحة من شعبه العراقي، والتي بلغت مستوى الإبادة الجماعية، وانه الآن متألم بسبب توسع الحقد والعداء نحوه بعد أن أصبحت أخبار المذبحة، والانتهاكات لحقوق الإنسان على كل لسان فاعترف الملك بالخطأ وأبدى ندمه لما حصل في (سيميل).....)).
علما بأن الملك (فيصل الأول) كان في وقت سابق من عام 1933 وقبل مذبحة (السميل)، قام باستقبال البطريرك (مار إيشا شمعون) في (العمادية) استقبالا رسميا ووعده بكل ما يرغب من أجهزة الدول المدنية والعسكرية مقابل إلغاء رحلته إلى (جنيف)؛ والتي كان مزمع فيها إلقاء كلمة تطالب عصبة الأمم بمنح (الآشوريين) الحكم الذاتي في (العراق) بعد أن تم استهدافهم استهدافا قاسيا من قبل بعض الشوفنيين والعنصريين في المنطقة؛ ولكن حينما سأله (البطريرك) عما سيكون مصير شعبه (الآشوري) تملص من الإجابة..............!
لان ما كان يدور في رأس الملك (فيصل) هو القضاء على (الآشوريين) وتصفيتهم من (العراق)، ولم تكن مقابلته لبطريرك (مار إيشا شمعون) إلا مراوغة سياسية وخدعة ليس إلا.................!
فالملك لم تكن له مواقفه أجابية باتجاه مكونات الشعب (العراقي) بدءا وانتهاء، بقدر ما يتحمل كل المسؤولة التي وقعت ضد (الآشوريين) – كما قلها (نوري سعيد) – لأنه لم يكن نسبه وأصوله (عراقية)، فالذي لا ينتمي لهذا الشعب كيف سيكون أمينا وحريصا على عدم سفك دماء الأبرياء من أبناء الشعب (العراقي)....! وكيف يكون أمينا وفاعلا لوحدة الشعب والعمل على إرساء مبادئ التآخي والأمن والعدالة بين مكوناته ................!
......................؟
فالملك لم يكن (عراقيا) ولم يولد في (العراق)، وكان غريبا عن المجتمع (العراقي)، واعتقاده – كما ذكرنا – بأنه ((..لا يوجد في (العراق) شعب (عراقي) بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة..))، فالذي يكون له مثل هكذا تصورات عن الشعب، كيف سيكون واقع الحال قراراته في الحكم هذا الشعب......................؟
ولهذا لم يبالي ولم يعر أية أهمية بما يصيب هذا المكون أو ذاك، ولم يعمل على وحدة الشعب واستقراره؛ بقدر ما همه هو حكم (العراق) ليس إلا، لذلك لم يستغرب أحدا حين صدر مرسومه ملكي اللا أنساني بقتل جميع (ألآشوريين) في (العراق)، وهم من مكونات الشعب (العراقي)، فان كان حريصا على الشعب (العراقي) ما هدر دم أبناءه بهذا الشكل المريع والبشع الذي تم تنفيذه بحق (الأشوريين) عام 1933 .
ولهذا فان هذا الملك المجرم الغريب عن الشعب (العراقي) اصدر في عام 1933 مرسوما ملكيا ونفذه ابنه الأمير (غازي) ولي العهد، أعلن فيه ((..الجهاد ضد (الآشوريين) وقتل جميع ألأفراد ممن يثبت انتمائهم القومي إلى (الآشوريين) في (العراق)؛ مع حق العشائر (العربية) و(الكردية) في مصادرة ممتلكاتهم وقتل كل (آشوري) يجدونه حيا في (العراق)....)) .
ونظرا لعدم وصول أخبار عن (إعلان الجهاد) ضد (الآشوريين) إلى المقاتلون (الآشوريين) الذين عبروا نهر (الخابور) باتجاه (سوريا) فان الكارثة وقعت بحقهم حين أراد قسم ليس بالقليل من هؤلاء المقاتلون العودة إلى عائلاتهم في (العراق) بعد وقف القتال بينهم وبين الجيش (العراقي)؛ إلا إن الجيش (العراقي) كان تحت إنذار وكان يرصد كل المعابر الحدودية؛ وحين تم لهؤلاء المقاتلون (الآشوريين) دخولهم حدود (العراق) صدرت أوامر من قبل قيادة الجيش (العراقي) بإلقاء القبض عليهم وإعدامهم رميا بالرصاص دون سابق إنذار؛ وبإيعاز من المجرم ( بكر صدقي) الذي كان يرأس قطاعات الجيش، وبعدها أمر فرقة من الجيش (العراقي) بتمشيط المنطقة من شمالي مدينة (الموصل) إلى مدينة (العمادية) وباتجاه نهر (الخابور) المحاذي لحدود بين (العراق) و(سوريا) وإعدام كل من يقبض عليه من (الآشوريين) ابتداء من (سابع آب)، وبالرغم من محاولة وزير الدفاع آنذاك (جلال بابان) السيطرة على القوات (العراقية) المتواجدة في الشمال؛ إلا أنها كانت قد أصبحت فعليا خارجة عن سلطة الحكومة، كما شهدت مدن (زاخو) و(دهوك) عمليات قتل واسعة النطاق استهدفت (الآشوريين) بمساعدة من السلطات المحلية، ففي مدينة (دهوك) تم نقل (الآشوريين) بشاحنات عسكرية إلى خارج المدينة حيث تمت تصفيتهم بإطلاق النار عليهم؛ ومن ثم دهسهم بالشاحنات للتأكد من قتلهم، وخلال هذه الفترة حدثت عمليات سلب ونهب أثناء المجازر استهدفت قرى (الآشورية) من قبل العشائر (الكردية) بتحريض من قائمقام (زاخو) آنذاك، فهربت النسوة والأطفال إلى مدينتي (سميل) و(دهوك) كما تم نهب القرى الواقعة في أعالي الجبال من قبل بعض العشائر (الكردية)، وشارك كذلك بعض (الايزيديون) في أعمال النهب وخصوصا في قرى (شيخان)، كما تم نهب قرى أخرى في (العمادية) وقامت الحكومة بتحريض العشائر (العربية) في مدينة (الموصل) وضواحيها؛ فشاركوا هؤلاء بنهب واسع النطاق للقرى (الآشورية)؛ وقد حثهم في ذلك الجفاف الذي أدى لنفوق أعداد كبيرة من ماشيتهم في أوائل الثلاثينات؛ فقاموا بالإغارة على القرى الواقعة على سفوح الجبال شمال شرق (سميل) ونهبها.
وقد اختلفت مستويات النهب من سلب محتويات البيوت والماشية في بعض القرى إلى حرق قرى بأكملها في مناطق أخرى، فكانوا هؤلاء الغوغائيون يجبرون النسوة وأطفالهم الفرار إلى القرى البعيدة؛ بينما يقتادون الرجال ويسلمونهم إلى للجيش (العراقي) حيث كان يتم إعدامهم على الفور، وقد نهب خلال شهر آب من عام 1933 أكثر من (ثلاثة وستون) قرية (آشورية)، معظمها استوطنت لاحقا من قبل (الأكراد) بعد أن أفرغت من ساكنيها .
وفي خضم هذه الفوضى والانفلات الأمني حدثت أسوأ المجازر في بلدة (سميل) التي تبعد حوالي 12 كم عن مدينة (دهوك)، وهي المدينة التي اتخذت منها تسمية (يوم الشهيد الأشوري)، ففي ( 7 آب ) – كم ذكرنا – دخلت قوة عسكرية بقيادة قائمقام (زاخو) إلى البلدة وطلبت من الأهالي تسليم أسلحتهم، كما أعلمهم بأن يحتموا بمخفر الشرطة وأنهم سيكونون بأمان ما دام العلم (العراقي) يرفرف فوقه، في وقت الذي كانت البلدة قد شهدت موجه من نزوح أهالي القرى المجاورة إليها فتم وصول الآلاف من الأسر (الأشورية) الذين نزحوا إليها بعد استهداف قراهم، كما قامت العشائر (العربية) و(الكردية) المحيطة بالمنطقة بالاستيلاء على المحاصيل الزراعية والماشية من البلدة وقطع المياه عنها بعد إن تم سلب بيوتهم، وحين تم استياء الأسر (الآشوريين) من الذين احتموا في المخفر البقاء فيها؛ طلبوا العودة إلى قراهم، ولكن قائمقام رفض طلبهم ومنع مغادرتهم المخفر، عندها دخل ضابط في الجيش (العراقي) وبرفقة فرقة مدرعة إلى البلدة وأمر بقتل جميع من يتواجد هناك دون رحمة وشفقة؛ لتبدأ المجزرة في البلدة بشكل فوضوي لا مثيل له في تاريخ (العراق) الحديث، ويسرد (ستافورد) وهو عقيد (بريطاني) الذي كان ملحقا عسكريا في الجيش (العراقي) في مدينة (الموصل) ما حدث بعدها:
((....استمرت المجزرة بحق (الآشوريين) فترة من الوقت، وكان ضحاياهم في وضع عاجز ولم تكن هناك أي فرصة لتدخل طرف ثالث في الأمر لإنقاذهم، فقد تم نصب الرشاشات المدفعية في شبابيك الغرف التي احتمى بها الرجال، وبعد جمع أكبر عدد ممكن منهم تم إطلاق النار حتى لم يبق أحد واقفا، وفي حالات أخرى ظهر التعطش الدموي للجنود بشكل فعال، فقاموا بسحل الرجال وإطلاق النار عليهم وضربهم حتى الموت، ومن ثم ألقي بهم في كومة الجثث المتزايدة....)) .
وهكذا تمت مجزرة (سميل) بقتل أكثر من (خمسة ألاف إنسان أشوري ) في (ثلاثة وستون) قرية (آشورية) بدون رحمة وشفقة وبوحشية لا مثيل لها؛ ونظرا لبشاعة الموقف والجريمة (الإبادة الجماعية) التي نفذت بحق (الآشوريين) العزل في يوم ( السابع من آب ) عام 1933 في (العراق)، وهو اليوم الذي اختارته الأمة (الآشورية) يوما لاستذكار شهدائها؛ ليس من الذين تم إبادتهم في مدينة (سميل) فحسب بل لاستذكار كل قوافل الشهداء الذين سفكت دمائهم على مذابح الحرية والحقوق القومية والوطنية، ولهذا يعتبر (يوم الشهيد الآشوري) ذكرى تخليد أرواح الشهداء الذين سقطوا على مر العهود والى يومنا هذا بسبب حملات الإبادة العرقية الجماعية التي ارتكبت ضد امتنا (الأشورية) من قبل القوى الغازية لأرض (آشور) في (العراق)، وما زالت أبنائنا يستشهدون على أرض الآباء والأجداد وهم يناضلون من اجل نيل حقوقهم المشروعة وفي حقهم في تقرير المصر والحرية، فالشهادة أصبحت حقيقة ثابتة في حياة كل فرد وعائلة من أبناء هذه الأمة، وكان امتنا رغم التضحيات الجسام التي قدموها في هذه المعارك؛ كتب لـ(آشوريي) إن تكون تربة (العراق) معطرة بدماء شهداء هذه الأمة، رغم إن امتنا (الآشورية) منذ فجر تاريخهم على ارض الرافدين (العراق) قدموا قوافل من الشهداء ثمنا لكرامة الأمة وحريتها؛ بعد إن تكالبت عليهم قوى الغدر والأعداء والاستعمار (الفارسي) و(العثماني) و(البريطاني) مدعومين ببعض القوى المحلية المعايدة لامتنا وأرادوا تدمير امتنا وتشتيتها وتمزيقها، وأمام هذه التحديات التي واجهت الأمة (الآشورية) في (العراق) والذين منها تشتتوا في (تركيا) و(إيران) و(سوريا) و(لبنان)، واليوم تشتتوا في كل إنحاء العالم؛ وقف (الآشوريين) بوجه كل هذه المخططات التي كان يرسمها العدو بهدف تحطيم معنويات مقاتلي الأمة بتمزيق أوصالها؛ ومع ذلك خاضوا مناضلين ومناضلات الأمة أشرس معارك الشرف من اجل الاحتفاظ بهوية الأمة (الآشورية) على ارض الآباء والأجداد في (العراق) .
نعم أن الأمة (الآشورية) تعرضت لمجازر (الإبادة العرقية) على مدى عصور طويلة وما زالوا سائرين في طريق التضحية والنضال يقدمون أرواحهم فداء لامتهم وحرية أبنائهم، لان ثقافة الشهادة تجسدت في أعماقهم وكيانهم تأكيدا على تمسكهم بتاريخهم الحضاري والوطني والقومي، من اجل تحقيق المشروع القومي للأمة (الآشورية) بإقامة كيان مستقل على أرض الإباء والأجداد في وادي الرافدين (العراق) الحالي، فالشهادة والتضحية إنما هو إيمان الإنسان (الآشوري) بكل طوائفهم ومذاهبهم الكنسية في العيش والوجود على أرضهم التاريخية في (العراق) بالحرية والكرامة، ولهذا فان استمرار أبناء الأمة في الكفاح والنضال من أجل تحريرهم من الطغيان وجرائم الأنظمة الاستبدادية والمنظمات الإرهابية، ومن كافة أنواع الممارسات القمعية وجرائم القتل والتهجير والتطهير التي يتعرضون لها على يد القوى العنصرية والشوفينية في المنطقة، فان نضال الأمة سيستمر لحين تحيق أهداف الأمة في الحرية وحق تقرير المصير .
ولذا فان في ذكرى (يوم الشهيد الأشوري) بقدر ما نتذكر شهدائنا، نستذكر كل ما مضى في تاريخ الأمة (الآشورية) وما حدث في الأزمنة الماضية – القريبة والبعيدة – حيث تعرضت وتتعرض الأمة (الآشورية) إلى اقسي أنواع الاضطهاد والتميز والعنف والبطش والقتل والخطف والابتزاز والتشريد ألقسري والنزوح وعمليات التطهير العرقي وديني والقومي والاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم، وفرض مشاريع عنصرية على مواقعهم التاريخية بهدف أحداث التغيير الديمغرافي لها لإنهاء وجودهم والقضاء عليهم كليا، وعلى كل ما حدث ويحدث فان إرادة الأمة (الآشورية) وعزيمة أبنائهم في الصمود والتحدي والنضال ما زال مواكبا مع الإحداث؛ لنتخذ منها دروس وعبر لمواكبة مسيرة الأمة نحو الحرية والاستقلال، لأنهم اثبتوا عبر كل مراحل التاريخ بأنهم لن يخضعوا ولن يستسلموا وإنهم مستعدون لتقديم شهيد تلو شهيد من أجل الحرية والكرامة، فامتنا رغم كل ما ارتكب بحقها من مجازر وإبادة جماعية قدموا نموذجا مشرقا بالصمود.. والصبر.. والنضال.. من اجل الحرية وحق تقرير المصير؛ وظلوا يناضلون ويضحون ولم يبخلوا بدمائهم عند اشتداد المحن ليقدموا لامتهم أثمن ما لديهم وهو فداء النفس لتحرير الأرض والإنسان من العبودية والاستغلال .
فذكرى (يوم الشهيد الآشوري) هو تاريخ متجدد؛ هو تاريخ حي؛ هو أمانة ووصية يجب أن نعيد قراءته ونقرأه كل مرة قراءة جديدة من أجل شحذ الهمم واستثمار قيمته التاريخية لاستنهاض إرادة الأمة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل؛ والمضي قدما نحو البناء والتقدم؛ لكي يدرك أجيال الأمة بأن المستقبل لا يبنى إلا بالعمل والعلم والإرادة والتضحية؛ لان الوصول إلى الحقوق وتحقيق الأهداف لا يكون إلا بالتضحيات .
و(يوم الشهيد الآشوري) هو يوم تتجلى في روحه أسمى معاني التضحية والفداء بكونه يوم تقف (الأمة الآشورية) وقفة احتراما واعتزازا لمن قدموا أرواحهم فداء لأمتهم ونصرة للحرية وحق تقرير المصير والكرامة وإعلاء لقيم السلام والعدل والأمن والأمان، بكون (الشهيد) رسم غايته دفاعا عن حرية الأمة وسيادتها وحماية أمنها واستقرارها ونماءها لينعم أبنائها بالأمن والأمان والحرية والسلام؛ لتبقى راية (الأمة الآشورية) مرفوعة عزيزة شامخة تنعم بالأمن والطمأنينة والرخاء؛ ومن اجل هذه الأهداف قدم الشهداء الأمة دمائهم الطاهرة فداء للواجب الدفاع عن حقوق الأمة ليبقى عطاءهم وذكراهم في وجدان وقلوب (شعب الآشوري) .
ولهذا تبقى تضحيات الشهداء خالدة وتبقى سيرتهم المضيئة نبراسا يستلهم منه الجميع قيم الولاء والانتماء والبطولة والثبات على الحق.
وفي (السابع من شهر اب) كل عام تتجدد ذكرى ذلك اليوم الذي اقره (الاتحاد العالمي الآشوري) كيوم لشهيد (الآشوري) لتبقى استشهاد (الآشوريين) في (مذبحة السميل) وما قبلها وبعدها خالدة في نفوس الجميع؛ عرفانا بما قدمه هؤلاء الشهداء الأبرار، الذين أدوا مهامهم وواجباتهم القومية والوطنية وحملوا الأمانة بكل صدق وإخلاص، وضربوا أروع الأمثلة في البطولة والفداء في سبيل حرية الأمة وأهدافها في حق تقرير المصير؛ فادوا واجبهم تجاه وطنهم وأمتهم يكل وفاء وإخلاص .
وتأتي هذه الذكرى القومية اليوم لتتجدد معها مشاعر الفخر والتقدير والامتنان ورد الجميل، ليس لهؤلاء الأبطال البواسل فحسب، وإنما كذلك لأسرهم، فهم بالنسبة للشعب (الآشوري)؛ فان كل شهيد من هؤلاء الأبطال هو شهيد لكل بيت (آشوري)؛ وإن أُسر الشهداء ضربوا أروع الأمثلة في من الحب والوفاء والصبر والتضحية من اجل أمتهم بثباتهم ووطنيتهم العالية؛ فهم رمز الحرية والسلام، كما تستذكر اليوم (الأمة الآشورية) في كل بقاء المعمورة المواقف البطولية الخالدة لهؤلاء الأبطال البواسل والشهداء الأبرار الذين تصدروا مقدمة الصفوف في مواجهة مختلف التحديات والتهديدات الأمنية التي واجهت (الأمة الآشورية) وعلى مستوى التهديدات الأمنية المحلية والإقليمية والدولية، حيث استطاعوا أن يقدموا نموذجا مشرقا ومشرفا لامتهم؛ الأمة التي أثبتت بطولاتها ومعدنها الأصيل صاحبة أعظم حضارة في التاريخ وهي حضارة وادي الرافدين (الحضارة الآشورية)؛ كما جسدت أسمى معاني التضحية في الذود عن قيمها الأصلية في اللغة.. والتراث.. والحضارة.. وشكلوا على الدوام حائط الصد في مواجهة مختلف التهديدات؛ وعلى مدى تاريخها قدمت (الأمة الآشورية) ملايين من الشهداء الأبرار الذين تطيبت الأرض بدمائهم الطاهرة الزكية، وباتوا رموزا للشهامة والرجولة والإقدام، وعنوانا للفداء والتضحية يزدان بها جبين الأمة (الآشورية) ووطنها في (بلاد الرافدين – العراق)، وكانوا بحق أبطال الأمة؛ كونهم سطروا أروع معاني البطولة والوفاء والولاء الصادق، وقامت على تضحياتهم دعائم المسيرة الحضارية للأمة (الآشورية) التي تقف شامخة رغم كل الصعوبات التي تواجهها اليوم بالاستهداف والقتل والتهجير القسري واغتصاب أراضيها في (وادي الرافدين) وطن (الأمة الآشورية)، وستبقى الأمة عزيزة قوية يحفها السلام والأمن والأمان والاستقرار والرخاء مهما اشتدت المحن والأزمات؛ ومهما حاولا الأعداء تشتيت الأمة وتفريقها في دول الشتات، فان صمود وبسالة أبنائها وكفاح ونضال أبناء الأمة (الآشورية) الشجعان الذين يحملون الأمانة بكل إخلاص وعزيمة صادقة سينتصرون لا محال مهما طال زمن اغتصاب الأرض في الوطن (آشور) وتشتيت الأمة في الشتات .
فالشهادة من أجل مصير الأمة وأمنها وسلامها وحقها في الحرية والسلام وتقرير المصير هي أسمى درجات البذل والفداء ومحل فخر واعتزاز، لتبقي قصصهم المشرفة التي سُطرت في صفحات التاريخ (الأمة الآشورية) المجيد مثالا للأجيال في البذل والعطاء والبطولة والتضحية.
فالشهادة والتضحية من اجل قضايا الأمة بمعانيها نتزود ونستلهم عبر تاريخ أمتنا الحافل بدروس الشهادة والملاحم البطولية وأن نكون أكثر صلابة وأشد تصميما وأقوى عزيمة على التمسك بحقوقنا والتشبث بأرضنا وبمبادئنا ندافع عنها مهما كانت الظروف والضغوط والتحديات ونتحلى بالكفاءة والإخلاص والتصميم والشجاعة وروح التضحية لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل ومتابعة المسيرة النضال والكفاح بمختلف الأشكال حتى نسترد حقوقنا القومية وندحر كل أشكال العنف والتميز والاضطهاد الذي يمارسه الأخر ضد تطلعات الأمة في الحرية وحق تقرير المصير؛ فندحر كافة أشكال الإرهاب لحين إن نتمكن من استعادة ما اغتصب من حقوقنا وما احتل من أرضنا في وادي الرافدين (العراق)، ولابد للأمة إن تدرك بان ليس لها خيار لاسترداد حقوقها إلا بالكفاح.. والصمود.. والمقاومة.. والشهادة في سبيل حرية الأمة وحقها في تقرير المصير، وان السير في هذا الطريق (طريق الشهادة) هو الذي يعيد.. ويحيي كتابة تاريخ الأمة؛ بشروق شمس الحرية للأمة (الآشورية) .