الأسير الفلسطيني و عزيمة المقاومة


عصام محمد جميل مروة
2024 / 8 / 1 - 17:47     

عندما نتحدث عن معاناة الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الصهيوني الذي بدأ منذ البداية لإنشاء بوادر دولتهِ العنصرية والمُشينة في كامل اوصافها وتماديها في القتل والذبح والابادة الدموية لكل مواطن او مواطنة سواء كانوا في حالة ميئوس من صحتهم البدنية نتيجة حصار المخيمات والتجمعات و الحشود الشعبية للمدنيين في حالات الهروب والفرار من رصاصات الغدر التي بدأتها قوات الاحتلال البريطانية في منحها للمستوطنين اليهود والصهاينة المتعطشين لشرب دماء العرب وطردهم من الاراضي المترامية الاطراف التي عاشوا عليها منذ قرون طويلة.
السجون والمعتقلات والزنازين والجزر البعيدة واعتبارها مكاناً غير لائق للحيوان فكيف يستطيع متابعة العيش والبقاء حياً اذا ما تم نفيهِ الى مجاهل خارجة عن انسانية الانسان وتبدو وحشتها اخطر من الاخطار المحيطة في انقطاعها سنوات عن ملاقاة البشر .
غوانتنامو في جزيرة نائية في كوبا بعدما تفككت افغانستان ودولة العراق ،مطلع الألفية الثالثة في قتامتها ودمويتها البائسة ، كانت هناك معتقلات سياسية دعمتها قوات الجيوش الامريكية كأنتقام لما تعرضت لَهُ الولايات المتحدة الامريكية في 11 ايلول عام 2001 بعيداً عن قرارت احترام حقوق الانسان والبشر من الذين يتم توقيفهم في ساحات القتال.
فكانت معتقلات غوانتنامو وابو غريب التي ادمت المآقي في حُزنها على تعامل السجينات الخبيثة مع نزلاء الزنازين في العراق ، وصمة عار جديدة وسخت سمعة كل ادارات الدفاع عن الحقوق المدنية للبشر داخل سجون ومعتقلات حديثة هي نفسها تبقى نسخة طبقة الاصل عن قيام السلاح الغربي الامريكي والاوروبي في ترويع السكان من العبيد في مجاهل افريقيا وفي جنوب امريكا اللاتينية بعد فتح صيغة جديدة لحمل ونقل العمال لتقديم الخدمات للأسياد .
كما هناك سيرة ذاتية تعلقت بذهن كل المعتقلين في العقود الماضية بعد نشوء دولة العدو الصهيوني .
فكانت المئات من الألاف لدى الشعب الفلسطيني قد دخلوا المعتقلات والسجون الصهيونية المُشبعة في ثقلها العنصري حينما يُرغم المُعتقل اجباراً على القيام بتواقيع على ملفات اتهام عسكري ، وتنفيذ عمليات جهادية وفدائية ، قد ادت الى مقتل كثيراً من جيش العدو في التجمعات والمستوطنات الاستعمارية منذ بداية الارهاب وفرضهِ على السجناء في حالات لا انسانية ، هناك اسماء كبيرة المعتقلات في إسرائيل.
سجن عسقلان ، و عوفر الرهيب ، وبئر السبع ، وغزة الكبير ، والرملة ، وسجن النقب "" سيدي تيمان - في النقب "" ، والدامون ، في تلك المعتقلات هناك توقيفات ادارية بعد إستدعاءات لكبار السن والنساء والزوجات ومحاسبتهم وسؤالهم عن تواجد الابناء والاحفاد وامكنة الاختباء .
كما شاهدنا العديد من التقارير التي وثقت بالعين المجردة لإستشهاد اكثر من 36 معتقلاً من قطاع غزة اخيراً ،وكانت فضيحة تعرية الاجساد للأبرياء ونقلهم كالنعاج على مدرعات وناقلات جند وتكديسهم فوق بعضهم البعض ، والمشهد الافظع بعد خلع غطاء الرأس عن النساء اللواتي تم ايقافهن في منازل مدنية اثناء الغارات والقصف العنيف . وليس هذا وحسب بل كُن يخضعن لتفتيش مناطق حساسة تخدش وتعذب الضمائر الحية بعد شياع الاخبار ،كُثر مَن لاقوا حتوفهم تحت ادوات التعذيب في صحراء النقب بعد اساليب "" تعذيب غير لائقة اطلاقاً في سردها خوفاً من خدش حساسية شعور السجناء "" ، الذين فضحوا دنائة المرتزقة والخدم لتلبية حاجات مدراء السجون .
هناك معتقلات ما زالت سمعتها السيئة تُروى في الكتب والروايات التي يكتبها السجناء بعد تحريرهم رغم طول المدة والزمن ، لكن الذاكرة زاخرة لدى البعض في تفسير عبر امثلة وروايات كانت تحدث في معتقل انصار جنوب لبنان بعد اجتياح عام 1982 حيثُ كانت إسرائيل تزج بكل الشباب الذين زادت اعمارهم عن الاربعة عشرة عاماً في معتقل انصار والخيام والريجي وتضعهم تحت اشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة مما ادى الى سقوط العشرات من المرضى الذين تم تجفيف شفاههم التي تحتاج الى مياه .في مدينة النبطية ونقلهم عبر شاحنات الى فلسطين المحتلة وزجهم في غرف مكدسة للأجساد فوق بعضها ، داخل سجن عتليت.
وتبقى سيرة السجون محفورة داخل زعماء دخلوا الى ظلمات الزنازين بعد الاختلاف في المواقف السياسية الاساسية خصوصاً عندما قال "" الاسير المحرر نيسلون مانديلا "" ، ان الحرية دقيقة منها كافية لسرد اعوام كثيرة فظيعة في طيات لياليها اللئيمة والخبيثة التي قادتها ثلة من السجانين الذين كانوا يجعلون الاسرى وتعذيبهم لتمرير الوقت والتسلية .
ليس بعيداً تعرف الناس حتى داخل سوريا بعد الربيع العربي الى دراسة جدية عن نوعية المعتقلات والسجون التي مازالت اثارها في "" سجن صيدنايا - وسجن تدمر "" ، ومراكز الرعب والتحقيق في التوقيف الاداري داخل مكاتب المخابرات في مراكز "" المزة الشهيرة"" ، التي انطبق عليها المثل الشعبي الذي يقول "" الداخل اليه مفقود وإن كان هناك مَن يخرج فهو مولود "" .
واذا ما شاهدنا الافلام التي نقلتها السينما المصرية في السبعة عقود الماضية ما بين النكبة الكبرى، والنكسة التي اشعلت القلوب حيثُ كان الإشهار في افلام تركت اثاراً و اوجاعاً مؤلمة واضحة عن الاعتقال والسجن والزنازين المُظلمة ، كان تجسيدها في افلام مُنعت من الرقابة تتحدث وتروى اهوال غوغائية وفجور وظلامية غير متوقعة لدى طبقات المجتمع ،"" فيلم ما وراء الشمس - والكرنك - وإحنا بتوع الاوتوبيس - واعمال مسرحية كبيرة عن حرية التعبير والمعتقد والممارسة اليومية للشعوب "" .
كما كانت روسيا ترسل كبار المسؤولين الى سيبيريا حيثُ هناك الجليد والبرد القارس، الذي يعطل عمليات تقدم المخ البشري مما يؤدي الى اتلاف الاعصاب والخضوع الى تواقيع اجبارية على نصوص الاختلاف . ولكننا قرئنا عن احراق السجون في اميركا اللاتينية بعد تدخل المخابرات الاميركية غداة الانقلاب في التشيلي حيثُ انتشرت المعتقلات بلا حسيب او رقيب ، وكان يومياً هناك ضباط يموتون تحت اجهزة التعذيب التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ، وشهدنا منذ عقدين اثار اخبار معتقل "" باغرام في كابول افغانستان "" ، تحت حماية القواعد العسكرية الامريكية التي كانت تزج بمن يخالف تدخل امريكا او الاشتباه في تورطهِ بعمليات سبتمبر الشهيرة التي كانت فاتحة لشهية المخابرات في التفنن بأساليب غير مسبوقة لإنتزاع اعترافات الاسرى تحت أرجل و بساطيل وهراوات وادوات كهربائية ممنوعة أصلاً في ميثاق حقوق السجناء التابع لحماية الانسان .
في العودة الى الاسرى الفلسطينيين داخل المعتقلات هناك 135 شهيداً لم يتحملوا التعذيب مما ادى الى وفاتهم وترك جثثهم في العراء وتركها للكلاب الشاردة عقب حرب الطوفان الاخيرة . ودفنهم في منطقة تحمل الارقام مما يجعل اهل الشهيد في حيرةٍ حول هوية الجثمان الذي يُسلم لهم عنوة ، وتحت الترهيب والترغيب الممنهج ، لا سيما في ظروف انتقال من منطقة الى أخرى ايام القصف المتواصل ، ولم تكن ادارات السجون تراعي حرمات السيدات خصوصاً اللواتي كُن وضعن حديثاً ورغم ذلك يتم اعتقالهن ، وزادت الاعداد عن 350 سيدة ، وطفل رضيع ، وهناك مَنْ تم وضع الايادي الغليظة على الافواه وكتم بكاء الرضع ، مما ادى الى فقدان حاسة التنفس ، وموتهم وقُيدت التقارير لأسباب تعسفية حسب ادارات السجون التي لا تسمح بمقاضاة عمليات حماية الاطفال والنساء رغم الموت الُمعمد في منع الرضاعة او تقديم المياه والطعام والدواء .
الاسير الفلسطيني و مسيرة الخطوات المتلاحقة في متابعة المشوار لا يقتصر على فضح الكيان الصهيونى المُتكبر ، بل الاصرار المعنوي كان ومازال وسوف يبقى شعاراً ازلياً وراء متابعة المسيرة لفك أسر اكبر سجينة في التاريخ فلسطين الخالدة .
عصام محمد جميل مروة ..
اوسلو في / 30 تموز - يوليو / 2024 / ..