الصراع الروسي الأمريكي أكبر من أوكرانيا
فهد المضحكي
2024 / 7 / 27 - 11:45
إن رغبة الولايات المتحدة في الهيمنة ورفضها النظر إلى الدول الأخرى على أنها متساوية وجاهزة وقادرة على تحمل مسؤوليات متساوية من أجل السلام والاستقرار هي إجابة مختصرة عن السؤال الذي طرحه أستاذ العلاقات الدولية الروسي اندريه سوشينستوف: لماذا لا يمكن للعلاقات الدولية بين موسكو وواشنطن أن تخرج من مرحلة الأزمة؟ وبحسب تقديره، فإن هذا يؤدي إلى أن الولايات المتحدة تواجه بالضرورة الصعوبات ذاتها في علاقاتها مع الصين والهند وتركيا وبعض حلفائها.
أحد المواقع الإلكترونية التنويرية، نَشر وجهة النظر هذه تحت عنوان «الصراع الروسي الأمريكي ممتد إلى ما بعد أوكرانيا»، ونظرًا لأهميتها، نسلط الضوء عليها.
يقول سوشينستوف في مقدمة حديثه: تفترض الرؤية الروسية والصينية أن السلام هو نتاج تسوية بين مراكز القوى الكبرى، ومن دون اتفاقها المتبادل مع بعضها البعض، ومن دون مساواة، واحترام متبادل، واستعداد كل منهما للاعتراف بمصالح الطرف الآخر، والتمسك بمبدأ المساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فإن السلام مستحيل. بينما تعتقد الولايات المتحدة أن السلام أمر حتمي وليس هناك حاجة إلى بذل جهد خاص للحفاظ عليه. وهكذا تولد الحلول المتناقصة: يرى الأمريكيون أنه كلما زاد عدد الأسلحة، زاد السلام ونظرًا لاختلاف وجهات نظرنا حول ظروف الاستقرار في العالم، لايمكننا إيجاد لغة مشتركة.
ونستخلص من ذلك أن الغرب ليس مستعدًا بعد للتحول إلى مجرد لاعب مساوٍ للآخرين، ولايزال الغرب يعتقد أنه يجب أن يكون مسؤولاً.
يبدو أن المجتمعات قد سئمت من الأزمة الأوكرانية التي طال أمدها، لكن ذلك لم يؤد بعد إلى تحولات كبيرة في الرأي العام في الدول الأوروبية، كما أن إمكانية توفير الذخيرة والأسلحة لم تجف بعد. وروسيا، تدرك جيدًا التكاليف الباهظة، لم تستنفذ قوتها أيضًا. على الأرجح لن يقتصر هذا الصراع على أراضي أوكرانيا.
هل ممكن حدوث تغييرات في العلاقات بين موسكو وواشنطن مع تغيير الإدارة في الولايات المتحدة؟ يقول بصدد ذلك:«أستطيع أن أفترض أن هذا لن يكون له تأثير كبير على الخط الأمريكي تجاه روسيا. ومن المفيد أن ننظر إلى السياسة الأمريكية باعتبارها عاملاً مستقلاً في تخطيطنا، ويتعين علينا أن نفترض أن النخب الأمريكية لا تشكل محاورًا يمكن يعتمد عليه. سوف تتصرف واشنطن في معظم الحالات بشكل عدائي تجاه روسيا، وفي بعض الحالات - بشكل انتهازي ظرفيًا - قد تسعى لجذب موسكو إلى نوع من التفاعل إذا ما وجدت أنّ ذلك يصب في صالحها ولو بشكل مؤقت».
ماذا يعني ذلك ؟ لاتزال هناك مسافة نموذجية بين روسيا والولايات المتحدة في فهم الكيفية التي كان ينبغي أن يكون عليها العالم في القرن العشرين وفقًا لوجهة النظر الأمريكية. رأى الخبراء الأمريكيون أن روسيا جزء من الغرب، وسينتهي بها الأمر حتمًا في المعسكر الغربي نتيجة الأزمات التي مرّت بها، وستصبح الصين خصمًا لها بعد الأزمة الحالية. هذه المجموعة من الأفكار المتناقضة ليست جديدة، وقد كانت حاضرة في السرد الأمريكي منذ أوئل التسعينيات. يقنع الأمريكيون أنفسهم بأن روسيا لم تعد لديها بدائل، لذا فهي ستقبل أي عرض من الولايات المتحدة.
ونظرًا لحقيقة أن الولايات المتحدة لا تزال مركز الانبعاثات الرئيس في العالم، سيظل الدولار العملة العالمية الرئيسة على المدى المتوسط، وهي تعتمد في أغلب الحالات على إدامة حالات الاضطراب في العالم لتأخير تراجعها، وهذا ما تعمل بشكل مجتهد للحفاظ عليه.
وبرأيه، فيما يتعلق بأوكرانيا،يفكر الأمريكيون من حيث الخدمات المصرفية الاستثمارية ويقولون بشكل مباشر إن أوكرانيا أداة رخيصة إلى حد ما، قادرة على تحقيق هدفين: إضعاف روسيا، وقمع أي صوت في أوروبا تطالب بالاستقلال الإستراتيجي عن الولايات المتحدة.
خلال العامين الماضيين، وجدت الولايات المتحدة أن طريقة التعبئة هذه رخيصة للغاية. في الواقع أصبحت العلاقات الروسية الأوروبية غير منظمة، وتم تدمير خط أنابيب الغاز الرئيس الذي يربط أنظمة الطاقة الروسية والأوروبية، وتم عسكرة أوروبا الشرقية، وتم إعطاء قوة دافعة للمجتمع الصناعي العسكري الأمريكي، والنشاط الاقتصادي المرتبط به. كما أن الكثير من المؤسسات الاقتصادية المهمة في أوروبا تتدفق إلى أراضي الولايات المتحدة. لقد ربح الاقتصاد الأمريكي نتيجة هذه الأزمة، بينما خسر الاقتصاد الأوروبي الكثير.
ما هي أهداف الولايات المتحدة في الأزمة الأوكرانية؟ يعتقد أنهم بحاجة إلى روسيا الضعيفة التي فقدت السيطرة على وسائل النقل والمواد والاقتصاد والطاقة وأي موارد أخرى تحتويها مساحتها الأوراسية الكبيرة. تعتزم الولايات المتحدة إخراج روسيا من القوى الخمس الكبرى في العالم وجعلها ثانوية من الناحية الإستراتيجية.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تتواصل تدريجيًا إلى استنتاج مفاداه أن أوكرانيا، باعتبارها أداة لاحتواء روسيا، لم تعد موردًا رخيصًا - فالموارد العسكرية والمادية والبشرية لأوكرانيا على وشك الاستنفاد، مما يجعل الحفاظ على قدرة الدولة الأوكرانية على البقاء أمرًا صعبًا. أصبحت الحرب التي خلقها الأمريكيون أكثر تكلفة على نحو متزايد بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. حصلت الولايات المتحدة على جميع مزاياها بالنسبية في السنة الأولى من الصراع، وبدأت تكاليف الحفاظ على حدة الصراع بالازدياد - ويميل ميزان الفوائد والتكاليف بالنسبة للولايات المتحدة تدريجيًا نحو كونه غير قابل للاستدامة.
لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى روسيا باعتبارها رصيدًا إستراتيجيًا يتلاشى. كانوا ينتظرون اللحظة التي غادرت فيها روسيا الدول الخمس للتعامل مع الصين.
لماذا رفضت الولايات المتحدة التفاوض مع موسكو نهاية عام 2021، ودفعت أوكرانيا نحو إنهاء عسكري للأزمة، ثم منعتها من التفاوض مع روسيا؟ لقد اعتقدوا أن تحقيق نصر سريع على روسيا أمر ممكن التحقيق، وأن الدول الـ 52 التي جمعتها الولايات المتحدة في تحالف حول أوكرانيا، ومواردها المادية، وترسانتها، وأصولها الاستخباراتية، وكوكبة الأقمار الصناعية، وإمدادات الأسلحة، والمعلوماتية، والسياسية وأي دعم آخر سوف تكون كافية لهزيمة روسيا.
الخلاصة كما يراها: لم تقم الدول الغربية بتقييم الإمكانات الروسية وإمكانات تحالفها بشكل معقول، حيث تبين أن الأهداف قصيرة المدى المعلنة لا يمكن تحقيقها. وهم يعتقدون أن الدولة التي يمثل اقتصادها 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لا يمكنها أن تقاتل بمفردها ضد التحالف الكبير بأكمله. ولكن إذا كانت الدول الغربية تخصص ما بين 65% إلى 80% من ناتجها المحلي الإجمالي في قطاع الخدمات، وليس في الصناعات الثقيلة والقطاعات المرتبطة بالأسلحة، فسوف ينشأ موقف، حيث تنتج روسيا وحدها قذائف مدفعية أكثر من كل الدول الغربية. وهذه مفارقة لم تأخذها الولايات المتحدة بعين الاعتبار.
من الضروري النظر إلى المواجهة الروسية الأمريكية على أنها مواجهة طويلة الأمد. وسوف تستمر حتى بعد أن تدرك الولايات المتحدة أن أوكرانيا أصبحت غير ذات أهمية كأداة.
ونتيجة لذلك، ستنقل الولايات المتحدة مركز النشاط المناهض لروسيا إلى دولة أخرى، مثل أوكرانيا، ستكون مستعدة للتضحية بنفسها والعمل كطليعة في الحرب ضد روسيا.
لن تتوقف الولايات المتحدة عن كونها قوة ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لروسيا، وبالتالي، كما يقول، لا يمكننا تحمل عدم أخذها بعين الاعتبار في التخطيط الروسي. أصحاب القرار في روسيا بحاجة إلى النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها تهديدًا دائمًا، والاستعداد لحقيقة أن المواجهة الروسية معها ستكون طويلة.