من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - حول الطبقة العاملة - عبدالسلام المدن منظمة 23مارس. المغرب 4
عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 24 - 16:16
ج) النشاط الخدماتي غير المنتج: من المميزات الجوهرية للاقتصاد الرأسمالي الامبريالي، هو التطور الهائل لوسائل الانتاج، وبالتالي القدرة على إنتاج حجم عظيم من فائض القيمة. ولذلك فإن المهمة التي تنتقل إلى موقع الصدارة بالنسبة لهذا الاقتصاد، ليست إنتاج فائض القيمة بل تحقيق فائض القيمة المتوفر، أي تحويل البضاعة إلى مال. من هنا يبرز داخل ذلك الاقتصاد، الرأسماليون الذين لا يستثمرون رساميلهم من أجل إنتاج مزيد من فائض القيمة، بل من أجل تحقيق فائض القيمة المتوفر. وهؤلاء الرأسماليون هم الرأسماليون التجاريون. إن الوظيفة الجوهرية إذن للرأسمالي التجاري، هي تحويل القيمة وفائض القيمة إلى مال.
ومن المميزات الجوهرية للاقتصاد المغربي، هو انفتاحه الكبير على الاقتصاد الامبريالي. ولذلك فإن بعض الرأسماليين المغاربة الذين يعلمون جيدا بأن الأسواق الخارجية، تغوص وتموج بما لذ وطاب من البضائع التي تبحث عن مستهلك، لا يرون الحاجة إلى تحمل عبء إعادة إنتاجها محليا، بل إنهم يفضلون استثمار رساميلهم في استيراد تلك البضائع وتسويقها في الداخل.
إن هذه المهمة تتطلب فتح محل تجاري كبير، ولتشغيله لابد من العمال والعاملات.
هل يمكن اعتبار هؤلاء العمال والعاملات بروليتاريين ؟
لنتمعن جيدا في هذا النوع من النشاط الاقتصادي. بالطبع إن الرأسمالي يجني أرباحا وفائض قيمة من أعماله التجارية تلك، وإلا لما اضطر إلى فتح ذلك المحل. إنه يتصرف إذن ظاهريا كأي رأسمالي صناعي أو خدماتي منتج: فهو يحول أمواله إلى رأسمال ثابت (البناية ومستلزماتها، ثم البضائع التي يراد بيعها)، وإلى رأسمال متحول (أجور العمال والعاملات) وهو أيضا ينتظر من وراء مزج العمل - البضاعة بالشيء - البضاعة، إنتاج قيمة وفائض قيمة. لكن هل حقا ينتج ذلك ؟ أبدا. إنه لا ينتج ولوجراما واحدا من القيمة أو فائض القيمة.
لكن إذا كان عماله وعاملاته لا يتجون أية قيمة أو فائض قيمة، فما فائدتهم ؟ فالمسألة إذن تبقى معلقة: من أين يأتيه فائض القيمة الذي هو مبرر وجوده ؟
إنه يأتيه من فائض القيمة الذي ينتجه العامل الصناعي. وهذا معناه أن الرأسمالي التجاري المغربي، يتقاسم مع الرأسمالي الصناعي الأوروبي، فائض القيمة الذي ينتجه الأخير في معمله. كيف ذلك ؟
لو أراد الزبون المستهلك أن يشتري البضاعة مباشرة من المعمل الذي أنتجها، لاشتراها بسعر أقل من سعر التاجر الذي أضاف إليها رأسماله الثابت ورأسماله المتحول، لكي ينقلها من المعمل إلى المحل التجاري ويدخل عليها كل مغريات العرض. وبما أن وظيفة التاجر وظيفة ضرورية بالنسبة لنمط الانتاج الرأسمالي، فلذلك فإن القيمة الفعلية للبضاعة ليست هي قيمتها في المعمل، بل قيمتها وهي في المحل التجاري. لكنها حينما تصبح في المتجر، فإنها يضاف إليها العمل الفائض لعمال وعاملات ذلك المحل التجاري، وهو عمل فائض لأنهم لا يتقاضون عنه أي مقابل (باعتبار أن الأجرة تغطي فقط العمل الضروري).
وإذن فإن استحواذ الرأسمالي التجاري، على فائض عمل عاملاته وعماله، هو الذي يمكنه من أخذ نصيبه من فائض القيمة المادي الفعلي الذي ينتجه العامل الصناعي (باعتبار أن هذا الأخير، لا يشتري البضاعة التي تدخل في استهلاكه وبالتالي في تحديد أجرته، بقيمة المعمل ولكن بقيمة المتجر) .
من هنا يتضح بأن دور عمال المتجر، هو التوسط للرأسمالي التجاري (عبر استيلائه على فائض عملهم)، من أجل تقاسم فائض القيمة - مع الرأسمال الصناعي - الذي ينتجه العمال الصناعيون. بعبارة أخرى، إن الرأسمال التجاري المغربي يستغل العمال الأوربيين عن طريق استغلاله للعمال المغاربة.
هناك إذن بالطبع اختلاف مهم، بين العامل الصناعي والعامل التجاري. فالأول منتج والثاني غير منتج. الأول مرتبط بالرأسمال المتحول، الذي هو سبب في إنتاج قيمة وفائض قيمة. والثاني مرتبط بالرأسمال المتحول، الذي هو نتيجة لقيمة وفائض قيمة موجودتين مسبقا، ويراد فقط تحقيقها.
لكن رغم هذا الاختلاف المهم، فإن الاثنين يلتقيان حول نقطتين حاسمتين، تجعلان من العامل التجاري عاملا بروليتاريا شأنه في ذلك شان العامل الصناعي أو الزراعي أو الخدماتي المنتج.
وهاتان النقطتان هما: أولا، إن العامل التجاري عامل مأجور يبيع قوة عمله للرأسمالي التجاري، ليس بالمال في شكل دخل من أجل خدمة خاصة (كما هو الحال مثلا في العلاقة بين الرأسمالي وخادمه في البيت)، ولكنه يبيعها للرأسمال المتحول بهدف استثمار الرأسمال المقدم في عملية الشراء.
وثانيا، إن قيمة قوة عمله (أجرته)، يتم تحديدها، شأنها في ذلك شأن جميع الأجور الأخرى، انطلاقا من الحد الضروري لكلفة إنتاجها وإعادة إنتاجها، وليس انطلاقا من العمل الكلي الفعلي الذي يقدمه العامل التجاري.
من هنا، فكما أن العمل المجاني للعامل الصناعي، يخلق مباشرة فائض قيمة للرأسمال المنتج، فكذلك إن العمل المجاني للعامل التجاري يجلب جزءا من ذلك الفائض للرأسمالي الغير منتج.
نصل الآن إلى نوع آخر من رأسماليي القطاع الخدماتي الغير منتج. فهناك بعض السادة الرأسماليين، الذين لهم فلسفة خاصة في الوجود. إنهم لا يريدون أن يكونوا رأسماليين منتجين، لأن الساحة تعج بالمنتوجات. ولا يريدون أن يكونوا رأسماليين تجاريين، لأن هذا الصنف قد انتشر هو الآخر وفقد من مغرياته. إلا أنهم مع ذلك، يصرون على أن يكون لهم نصيب، في توزيع فائض القيمة، الذي ينتجه غيرهم. إن المسألة التي يطرحونها إذن على أنفسهم، هي التالية: كيف يمكن لهم تحويل اتجاه جزء من فائض القيمة المتوفرة داخل المجتمع (أو خارجه)، لصالحهم الخاص، بدون أن يكونوا لا من الصنف المنتج ولا من الصنف التجاري ؟
لقد أعطوا حلا لهذه المسالة، وكان حلهم هو جعل المال نفسه بضاعة. لذلك فبدل أن يفتحوا محلا تجاريا لعرض المنتوجات المصنعة، فقد فتحوا مؤسسة بنكية لعرض الأموال في وجه عشاق هذا النوع من البضائع، وما أكثرهم.
إن قرض المال لطالبيه، هو إذن سلاح الرأسمال المالي لصيد جزء من فائض القيمة. لكن بأية قدرة قادر، يكون للمال المقروض سحر الرفع من قيمته، لا لشيء إلا لأنه غادر صندوقه الآمن لفترة من الوقت.
إن المال في حد ذاته، ومهما كان سحره، فإنه لا يمكنه أن يضيف أي شيء لقيمته الأصلية، تماما كما يقول المثل الفرنسي، بأن أجمل امرأة لا يمكن أن تعطي إلا ما تملك.
إن المال البنكي هو في حقيقته رأسمال. وبصفته تلك، فإنه كأي رأسمال آخر، ينقسم إلى رأسمال ثابت ورأسمال متحول. والرأسمال الثابت بالنسبة للبنك، هو المال نفسه المعد للقرض والبناية ومواد التجهيز، من صناديق محصنة لايداع المال، وآلات الكتابة والورق والهاتف والإنارة والماء وغيرها.
والرأسمال المتحول هو أجور الموظفين البسطاء، الذين يقومون بشتى اعمال النشاط البنكي. بالطبع إن الموظف الذي يراقب ويحصي الودائع عند التسليم والتسلم، ويسجل الحسابات، فإنه لا ينتج أية قيمة أو فائض قيمة، ولا يضيف أي شيء إلى قيم البضائع الممثلة بالأوراق النقدية أو أرقام الشيكات وغيرها، التي يتداولها بين يديه صباح مساء.
لكنه من ناحية أخرى، ينتج عملا فائضا مجانيا للرأسمال المالي. وهذا العمل المجاني هو أصل الفائدة التي يحصل عليها البنك من خلال عملية القرض. والتي تمثل جزءا من فائض القيمة الذي يتم إنتاجه في المكان الحقيقي المؤهل لذلك وهو المصنع.
وهنا تعترضنا هذه المشكلة النظرية: هل يصح فعلا اعتبار موظف البنك الصغير أو موظفة البنك الصغيرة، عمالا بروليتاريين ؟
يتبع