ن أجل ثقافة جماهيرية بديلة - حول الطبقة العاملة - عبدالسلام المدن منظمة 23مارس. المغرب 3


عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 23 - 14:30     

الأشكال الاجتماعية الثلاثة للطبقة العاملة
إن هذه الأشكال الثلاثة تحددها المواقع الثلاثة، التي تحتلها الطبقة العاملة في الانتاج والعمل، وهي:
أ) الانتاج الصناعي والزراعي: إن هدف هذا النوع من الانتاج الرأسمال، هو انتاج بضاعة.. والبضاعة هي بضاعة لأنها قابلة للتبادل بالمال، أي أنها تملك قيمة تبادلية. لكن ليس كل بضاعة تملك بالضرورة تلك القيمة التبادلية، فلكي تملكها يتعين عليها حتما أن تكون ذات مفعول نافع، أي أن تكون لها قيمة استعمالية، والبضاعة تستمد قيمتها الاستعمالية هذه... مفعولها النافع هذا، من المفعول النافع لعمل العامل الذي أنتجها أصلا. أي أن العامل هو الذي نقل إليها قيمتها الاستعمالية. وهذا يعني أن المفعول النافع للعمل ينسلخ عن نشاط العامل لكي يتجسد في شكل الشيء بضاعة. وعندئذ يصبح المفعول النافع جزءا من وجود الشيء-البضاعة، وملازما لها أينما حلت ورحلت، ولا ينفصل عنها إلا إذا ألغت وجودها ذاته، أي في لحظة الاستهلاك. لكن ماذا يحدث حينما لا يتجسد المفعول النافع للعمل في شكل شيء-بضاعة ؟
ب) الانتاج الخدماتي: حينما لا يتجسد ذلك في شكل شيء-بضاعة، فإنه يتجسد في شكل آخر مختلف هو شكل خدمة-بضاعة. والخاصية الجوهرية لهذا الشكل الجديد، هو أن عمل العامل يتم تقديمه مباشرة للمستهلك بدون التوسط بلحظة الشيء-البضاعة. بمعنى أن الانتاج والاستهلاك يتمان في نفس اللحظة.
من حيث الجوهر إذن، ليس هنالك فرق بين الانتاج الخدماتي والانتاج الصناعي-الزراعي، لأن الفرق يمس فقط أسلوب الاستهلاك، باعتبار أن كلا النشاطين معا هما أنشطة منتجة: منتجة للقيمة ولفائض القيمة. ولهذا السبب فإن ماركس يعتبر الشيء-البضاعة هي نفسها خدمة، مادامت في الأصل ليست سوى مفعولا نافعا لقيمة استعمالية. من هنا تأكيده على أن القيمة الاستعمالية هي جوهر واحد، سواء اتخذت شكل البضاعة أم شكل العمل.
ولكي نجعل هذه الفكرة ملموسة أكثر، يتعين علينا مقاربتها بنوع من التفصيل.
لنأخذ مثال عمال المطاعم. إن عمل هؤلاء يتوزع بين من يطبخ، ومن يهيء، ومن يغسل الصحون، ومن يقدم الوجبة إلى الزبون الجالس إلى طاولة المطعم. ما هو الفرق بين هذا النوع من العمال المتواجدين بكثرة، في معظم مطاعم المدن الكبرى وفي مطاعم الفنادق السياحية، وبين عمال صناعة السردين وصناعة المواد الغذائية المعلبة الأخرى، والمسماة بالمنتوجات المصنعة ؟
على صعيد الانتاج ليس هنالك أي فرق، فكلا النوعين ينتج بضاعة ذات مفعول نافع. وعلى صعيد العلاقة الاجتماعية ليس هناك أيضا أي فرق، لأنهما معا ينتجان قيمة وفائض قيمة. والفرق الوحيد، هو أن العمل الأول، يقدم بضاعته للاستهلاك الفوري في شكل وجبة غذائية مباشرة، بينما الثاني يتركها للاستهلاك المؤجل. ومن هذه الزاوية، فإن الفرق بينهما لا يتعدى الفرق القائم بين انتاج البرنامج التلفزي، الذي ينقل حيا للاستهلاك الفوري، وبين البرنامج الذي يتم تسجيله وتأجيل استهلاكه.
لنأخذ مثالا آخر: عاملات الفنادق السياحية. من بين الأعمال التي يقمن بها، ترتيب سرير النوم في غرفة الفندق. إن هذه العملية التي تقوم على تجميع مواد السرير لاعطائها شكلا معينا، لا تختلف في شيء عن العديد من عمليات التجميع الموجودة في المعامل الصناعية، فعاملة الفندق التي ترتب السرير، تنتج هي الأخرى بضاعة ذات مفعول نافع، يستهلكها الزبون الذي ينام فوق ذلك السرير.
إن الرأسماليين الذين يملكون الفنادق السياحية، يستمدون ثرواتهم من استغلالهم لقوة عمل عمال البناء الذين شيدوا الفندق من جهة، وقوة عمل عمال وعاملات الفندق الذين ينتجون خدمات يومية، من جهة أخرى.
ولنأخذ الآن، مثال عمال معامل تنظيف الملابس. إن عمل هؤلاء العمال الذين ينتجون خدمات نظافة الملابس المستعملة، لا يختلف عن عمل العمال الذين يقومون بنفس الأعمال في معامل صناعة الملابس.
ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لعمال تنظيف العمارات الضخمة التي تتواجد فيها مكاتب الشركات، أو أية بنايات كبرى أخرى. إن عمال النظافة هؤلاء، هم أيضا عمال منتجون. إنهم ينتجون يوميا الخدمة - النظافة التي بدونها يستحيل على تلك المكاتب أن تكون قابلة للاستعمال: ومن خلال إنتاجهم لبضاعة الخدمة - النظافة، فإنهم ينتجون للرأسمالي الذي يشغلهم فائض القيمة.
وإذن لا فرق بين العامل الذي يبني العمارة الضخمة، والعامل الذي ينظفها يوميا، فكلاها ينتجان فائض القيمة للرأسمالي.
ولننتقل إلى الظاهرة الجديدة التالية. لقد كثر في المدة الاخيرة عدد صالونات الحلاقة للنساء، وهذه الصالونات الكبرى، يتجاوز عدد العاملين فيها عشرة عمال وعاملات. وإلى جانبها ظهرت أيضا مدارس لتكوين العمال والعاملات الحلاقين.
إن العمل داخل هذه الصالونات يشبه العمل في المعامل الصناعية من حيث علاقات الانتاج، فالرأسمالي أو الرأسمالية التي تملك (أو تكتري) الصالون، تكون في نفس الوقت مالكة لوسائل الانتاج، أي كل الأدوات والمواد الضرورية للحلاقة والتجميل، إن هذه الأدوات تشكل إذن الرأسمال الثابت. والحلاقات اللواتي يشغلن تلك الأدوات، ينتجن بضاعة ذات مفعول نافع هي الخدمة - الحلاقة، لكن السعر الذي تدفعه الزبونة مقابل تلك الخدمة، لا يحتوي فقط على القيم المعوضة للرأسمال الثابت والرأسمال المتحول (أجرة العاملة الحلاقة)، وإنما أيضا على قيمة جديدة هي فائض القيمة الذي يذهب إلى جيب الرأسمالية صاحبة الصالون.
ما قلناه عن هذه الأمثلة من الانتاج الخدماتي الرأسمالي، يمكن قوله أيضا عن جميع الأمثلة المشابهة مثل: العامل بواب العمارة، والعامل حارس مستودع السيارات أو الدراجات، وعامل إصلاح السيارات أو أجهزة الراديو والتلفزيون وغيرها، وعامل النقل، وعامل المقهى، والبارمان، والعاملة في قاعة السينما... الخ.
ما نريد التأكيد عليه مما سبق، هو أننا في تحديدنا للطبقة العاملة، يجب ألا ننطلق من نوع العمل الذي تقوم به، أي من العمليات الخاصة لصرف قوة العمل. ذلك أن الذي يهم الرأسمال هو فقط الشكل العام لقوة العمل: قدرتها على إنتاج فائض القيمة للرأسمالي، ولا يهمه إن كان مصدر ذلك الفائض هو العاملة المضيفة في الطائرة التي تسهر على خدمة المسافرين الحجاج إلى بيت الله، أو العامل البارمان الذي يعمل في بيت الشيطان، أو العامل الصناعي الذي ينتج وسائل تقريب المؤمنين من الله ومن الشيطان معا.
ما يهم الرأسمالي إذن، هو حامل الفرق بين السعر الذي يدفعه من أجل التمكن من مزج العمل ببضائع أخرى، وبين السعر الذي يجنيه من تلك البضائع، بصرف النظر عن شكل البضاعة، إن كانت شيئا-بضاعة أم خدمة-بضاعة.
إن التمييز بين الشيء-البضاعة والخدمة-البضاعة، هوعمل له قيمة فقط عند رجال الاقتصاد والإحصاء، لا عند الرأسماليين "العمليين".
ولنطرح الآن هذا التساؤل: هل العمال المغاربة المهاجرون الذين يعملون في مصانع أوربا، محسوبون على الانتاج الصناعي أم على الانتاج الخدماتي ؟
بالطبع هم محسوبون على الانتاج الصناعي بالنسبة للرأسمالي الذي يشغلهم في معامل سيارات رونو وبوجو. لكنهم بالنسبة للرأسمالي التجاري المغربي، فهم محسوبون على الانتاج الخدماتي لأنهم ينتجون مداخل للتجارتين الداخلية والخارجية معا، باعتبار أن دخلهم (أجرتهم) لا ينفقونه كله في بلاد الغربة، بل يحولون جزءا منه إلى الوطن، ولهذا فهم من جهة يقدمون خدمة جلى للتجارة المغربية الداخلية (عن طريق مشتريات ذويهم وأهلهم القاطنين في المغرب)، وهي خدمة جلى فعلا بالنسبة لمجتمع يتميز بضعف القدرة الشرائية لمواطنيه. ومن جهة ثانية، فعامل المهجر يتسلم دخله بالعملة الأوربية، ولذلك فهو لا يمكن أهله في الداخل من شراء حاجياتهم، إلا بتحويل العملة الأوربية إلى الدرهم المغربي، مما يسمح لخزينة الدولة عبر وظيفة الصرف، بالاحتفاظ بتلك العملة الاوربية التي تستعملها للتجارة الخارجية مع البلدان الأوربية.
يتبع