من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - حول الطبقة العاملة - عبدالسلام المدن منظمة 23مارس. المغرب 2
عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 22 - 15:28
2. الصيرورة التاريخية لتشكل الطبقة العاملة
لقد رأينا في الفقرة السابقة، بأن النجار والفلاح مثلا، قبل أن يصبحا بروليتاريين كانا في الأصل منتجين مستقلين عن العلاقات الرأسمالية. إن الأصل التاريخي للبروليتاريا إذن، هو الطبقة الوسطى الحرفية في المدن وجماهير الفلاحين في البوادي، بشقيهم معا: الفلاحون الأحرار، والفلاحون الخاضعون لعلاقات الإنتاج الاقطاعية.
وبما أن الفلاحين يشكلون الأغلبية الساحقة في المجتمع، فيمكن القول بأن الفلاحين هم الخزان الاحتياطي الضخم للأصول التاريخية للبروليتاريا.
لكن لكي يمكن للفلاح والحرفي أن يتحولا إلى بروليتاريين، يجب أن يتم تجريدهما من كل وسائل انتاجهما، بحيث يصبحان لا يملكان سوى قوة عملهما، التي يضطران لبيعها إلى الرأسمالي من أجل تأمين شروط عيشهما.
إن تاريخ تشكل الطبقة العاملة، هو إذن تاريخ انفصال الفلاحين والحرفيين عن وسائل انتاجهم. ومن أجل تحقيق ذلك الانفصال، عمد الرأسمال في المغرب إلى شتى الأساليب، كان أبرزها: 1، أسلوب العنف الذي استعمله الرأسمال الاحتكاري الأوربي في المرحلة الكولونيالية، من أجل تدمير علاقات الانتاج ما قبل الرأسمالية وانتزع الأراضي من الفلاحين. 2، مزاحة منتوجات الحرفيين بالمنتوجات المصنعة الرأسمالية. 3، اثقال كاهل الفلاحين بالديون الربوية والتجارية، لارغامهم على بيع أراضيهم بأبخس الأثمان. 4، انفتاح الاقطاعيين المغاربة على نمط الانتاج الرأسمالي، وتحويل فلاحيهم إلى عمال زراعيين.
لقد لاحظنا في الفقرة السابقة، بأن الرأسمال ليس مجرد مال يتم مبادلته بالعمل، ولكنه مال يتم مبادلته بالعمل بهدف انتاج فائض القيمة والاستحواذ عليها من قبل مالك الرأسمال. وفي كل الحالات التي يتم فيها مبادلة المال لذلك الغرض، فإن ذلك يقود إلى خلق علاقات اجتماعية جديدة هي العلاقات الرأسمالية. وحينما تصل تلك العلاقات إلى درجة من التوسع، فإنها بدورها تقود إلى خلق الطبقات الاجتماعية، الجديدة، من هنا فإن الصيرورة التاريخية المؤدية إلى خلق المجتمع الرأسمالي، ليست شيئا آخر سوى ذلك التوسع في العلاقات الرأسمالية القائم أساسا على فصل المنتجين الصغار المباشرين عن وسائل انتاجهم، ومن ثم تعريضهم للبلترة.
في البلدان الأوربية المتطورة وفي الولايات المتحدة الامريكية، لقد بلغت صيرورة التبلتر أوجها، بحيث لم يعد الفلاحون يمثلون سوى 4 % أو أقل، من مجموع السكان، زد على ذلك أن معظمهم أصبحوا عمالا زراعيين. إن هذه البلدان إذن، قد استنفذت بالكامل خزانها الاحتياطي التاريخي من اليد العاملة، الذي كان يتكون من الفلاحين. ولذلك فإن المصادر البديلة التي لجأت إليها من أجل إمداد التراكم الرأسمالي بما يحتاجه من قوة عمل، هي المصادر الثلاثة:
1) فلاحو بلدان المحيط، مثل الفلاحين في المغرب العربي وإفريقيا، والفلاحين الأمريكيين الجنوبيين وخاصة المكسيكيين والبورتوريكيين، والهنود والباكستانيين، وكذا فلاحي جنوب أوربا مثل البرتغاليين والاسبان والطليان والأتراك واليونانيين. ولقد كانت الحاجة جد ماسة لهؤلاء الملايين من الفلاحين المتبلترين، في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والتي تميزت بنمو متسارع للتراكم الرأسمالي...
2) الخزان الاحتياطي الضخم الذي تمثله النساء..
3) الاستفادة من قانون التراكم الرأسمال نفسه: ذلك أن تطور المكننة والانتاجية، يؤدي حتما إلى الاستغناء عن جيوش هائلة من العمال، بحيث يتم تسريحهم ورميهم في الشوارع كعاطلين. إن هؤلاء العمال يمثلون إذن، جيشا احتياطيا صناعيا في خدمة الاستثمارات الرأسمالية الجديدة.
وفي المغرب أيضا، لقد عرفت حركة البتلرة (بغض النظرعن طبيعتها) مستوى عاليا من التطور. فالفلاحون الذين كانوا يمثلون في مطلع القرن حوالي 90% من السكان، لم يعودوا يمثلون في الوقت الحاضرسوى 56%. وهذه النسبة نفسها حتما ستهبط بالتدريج، لأن ذلك يدخل في صلب القوانين الموضوعية التي تحرك الرأسمال التبعي، ولا أحد بمقدوره وقف ذلك الهبوط مادام ذلك الرأسمال هو المتحكم في البلاد والعباد.
إن الانتقال من وضع اجتماعي إلى آخر... من علاقات ما قبل رأسمالية إلى علاقات رأسمالية، يعني عدة أشياء. إنه يعني الانتقال من العمل المستقل إلى العمل المسخر لخدمة الرأسمال، ويعني تحول الإنتاج التبادلي البسيط إلى الإنتاج التبادلي الرأسمالي، وتحول العلاقة بين الناس إلى علاقة بين الاشياء، كما يعني الانتقال من الانتاج المشتت إلى إنتاج المقاولات الرأسمالية.
يتبع