الكريبكائية المكية والمسخرات الكونية
طلعت خيري
2024 / 7 / 22 - 11:19
قضى الوباء على أصحاب القرية ، فأصبحت مثلا لمن بعدها ، ثم انتقل التنزيل الى الكريبكائية المكية ، ليطلع ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، والدين السياسي لأهل الكتاب ، على المصير النهائي لمن قبلهم من الشعوب ، قائلا الم يروا، يروا رؤية تصورية تاريخية ، وليس جغرافية كاشفة لآثار التدمير، كم أهلكنا قبلهم من القرون ، القرون الشعوب السابقة ، أنهم أي الشعوب التي سبقت ، إليهم ، الى أهل مكة لا يرجعون ، لا يرجعون حالة من الفصل الأخروي ، ما بين الشعوب والأمم ، لقطع الحاضر المكي عن الانتمائية التاريخية للماضي التراثي، وهذا أشبه بقول الله ، تلك امة خلت لها ما كسبت ، ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يفعلون ، فلا تعترف امة ، بأمة أخرى ، لكن متى هذا ، وان كل لما جميع لدينا محضرون ، يوم القيامة
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ{31} وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ{32}
تقسم العلوم الدنيوية الى نوعين ، أولا علوم الماديات أو العلوم الطبيعية ، كالفيزياء والكيمياء وعلوم الأرض وعلوم الفضاء ، وعلم الفلك وعلوم الحياة ، والكيمياء الحيوية ، وعلم الأحياء ، ثانيا العلوم الإنسانية ، كالأدب والفنون واللغات والموسيقى ، والفلسفة والتاريخ والآثار والتراث ، فمثلما للعلوم الدنيوية كتب ، أيضا للآخرة كتب ، كالتوراة والإنجيل والقران ، وتختص في علم الغيب، وغيب الماضي ، والمصير الغيبي ، وعالم الشهادة ، وغيبية الخالق ، والمسخرات السماوية والأرضية ، وعلم الآخرة ، فعندما تطرح الكتب المنزلة آيات الله ، لا يعني ذلك استشهاد علمي ، إنما لاطلاع البشرية على الخالق الحقيقي للمسخرات ، التي استحوذ عليها شياطين الميثولوجيا والدين السياسي مسخرين إياها ، لمصالحهم الاقتصادية والسياسية ، ربط الفكر الوثني الشركي لأهل مكة ، الزراعة الديمية وإنتاج الحبوب بالملائكة بنات الله ، على اعتقاد هن من يسوق المطر على مناطق الزراعة الديمية ، فينبتن الحب ، ولكي يبعد الله مسخراته عن شركائه ، قال وأية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا ، الحب هي محاصيل الأمن الغذائي البشري والحيواني ، كالحنطة والشعير ، فمنه يأكلون
وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ{33}
مصادر أخرى للأمن الغذائي غير زراعة الحبوب ، استحوذ عليها شياطين الملائكة بنات الله ، كمنتجات الأشجار المثمرة التي تعتمد على مياه الأنهر والعيون ، والتي جزء كبير من ريعها ، يهدر على النذور والهدايا وقربانا للإلهة ، مستنزفة دخل الفرد ، باسم الجنة والشفاعة وتكفير الخطيئة ، التربة أساس الحياة على الأرض ، قال الله وجعلنا فيها أي في الأرض ، جنات من نخيل وأعناب ، وفجرنا فيها من العيون ، ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم ، وما عملته أيديهم ، عملية التصنيع للثمار ، كالتعليب والتجفيف والكبس ، أو تحويلها الى عصائر ومربيات ومشروبات كحولية ، أفلا يشكرون
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ{34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ{35}
قطعت البشرية ملايين السنين على الأرض ، محدثة عليها تغيرا حضاريا وصناعيا وزراعيا وعمرانيا واسعا ، فكل شيء فوقها تغير، إلا فطرة الخلق لا زالت بدائية ، وستبقى بدائية الى نهاية الخليقة ، وخاصة في مجال التكاثر ، فمهما تقدمت العلوم في مجال التخصيب البيولوجي ، وتحسين الجينات الوراثية ، والتلقيح الصناعي ، والتهجين النسلي ستبقى بدائية ، لأنها مقتبسة من فطرة تزاوج الكائنات الحية ، قال الله سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض، كالنبات الطبيعي والغابات والزراعة الإنتاجية ، ومن أنفسهم ، ونفس البشرية ذكور وإناث ، ومما لا يعلمون ، لا يعلمون تكاثر أخر بالتزاوج بعيد عن علم الإنسان
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36}
ينتقل التنزيل الى الظواهر الطبيعية ، والمسخرات الكونية ، التي هي جزء لا يتجزأ من الحياة على الأرض ، قلنا تكاثر الكائنات الحية على الأرض قائم على التزاوج ، بينما اختلاف الظواهر الطبيعية كالليل والنهار، قائم على لانفصال ما بين الضياء والظلام ، وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، نسلخ نفصل عنه الضياء ، فإذا هم مظلمون
وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ{37}
كانت البشرية تعتقد ان الشمس تدور ، والأرض ثابتة ، وبعد صعود الإنسان الى القمر، والنظر الى الأرض من جانب أخر ، تبين أنها تدور حول نفسها حركة يومية ، وحول الشمس حركة فصلية ، بما ان الحركة الفصلية السنوية أطول من الحركة اليومية للأرض ، فالإنسان لا يشعر بدورانها المنتظم ، فيعتقد أنها مستقرة ، بينما يشعر بدوران الشمس ، ولو وقفنا على أي كوكب أخر غير الأرض ، سنشعر بنفس الشعور بالاستقرار ، ودوران الكوكب الأخرى من حولنا ، الأرض الكوكب الوحيد الذي يكشف تفاصيل الكون بكل وضوح ، فما نقله الإسلام السياسي عن استقرار الشمس تحت عرش الرحمن لا صحة ، النظام الكوني قائم على استقرارية الجري ، الذي لا يمكن إدراكه إلا من على الأرض ، والجري المستقر هو قطع مسافة في زمن ثابت ، والشمس تجري لمستقر لها ، مستقر لها لا يعني التوقف عن الحركة ، إنما استقرارية جري الشمس في المدار المخصص لها ، ذلك تقدير العزيز العليم
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{38}
من الصعب قديما ادارك حجب الأرض لنور الشمس كليا عن القمر، مع نهاية كل شهر قمري ، فالقمر ظاهرة فلكية مرئية لها منازل مختلفة الشكل والزمن ، فكلما كبر حجم المنزلة طال زمن ظهورها ، قال الله والقمر قدرناه منازل ، تبدأ من اليوم الأول ، بظهور تصاعدي في الشكل الى منصف الشهر، ثم يتناقص الشكل تنازليا الى نهاية الشهر ، حتى عاد كالعرجون القديم ، قال المفسرون العرجون القديم ، الطلع المقوس الذي يحمل ثمار التمر ، تفسير غير منطقي لان الشكل المقوس سواء ان كان قديم أو جديد هو نفس الشكل ، الحركة الفلكية للقمر في السماء حركة متعرجة ، لأنها تتغير تصاعديا الى منتصفة، ثم تتناقص تنازليا ، فتظهر منازله بعد ذلك في الليل والنهار ، حتى عاد الى عرجه الأول القديم ، العرجون جاءت من التعرج أو العروج
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ{39}
النظام الكوني للمسخرات الفلكية ، قائم على أقطار المسافات والمدارات ، وانعدام الجاذبية ، فلا تتأثر حركة الكواكب بعضها البعض ، ولقد جعل خالق الكون لكل كوكب مدار فلكي، لا يخرج عنه ، ثم جعل لكل منهما ، حركة فلكية مدارية ثابتة السرعة ، لمنع التسابق ، قال الله لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر، أي تلحق بالقمر ، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون، يسبحون لا تعني كالسباحة بالماء ، إنما كل كوكب يؤدي وظيفة سبحانية طوعية أزلية لا يحيد عنها الى يوم القيامة
لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{40}
كان لغرق قوم نوح عبرة في اخذ الحيطة والحذر من خطر الفيضانات ، وعبرة للناجين في كيفية صناعة السفن، فما حمله فلك نوح من مؤمنين وحيوانات الإنتاجية ، علم البشرية على صناعة أنواع مختلفة من المراكب والقوارب ، بما ان أهل الكتاب ينحدرون من ذرية ممن حملنا مع نوح ، ذكَّر التنزيل الكريبكائية المكية والدين السياسي لأهل الكتاب ، بفضل الله على أسلافهم ، قائلا وأية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ، من مثله ، أشكال مختلفة من وسائط النقل البحري ، وان نشأ نغرقهم ، نغرقهم بتأثير فيزيائي لمسخرات أخرى لم تكن في الحسبان ، فلا صريخ لهم ، لا مسعف لهم ، ولا هم ينقذون ، لن يتدخل الله لإنقاذهم ، إلا رحمة منا ، ومتاعا الى حين ، إلا إذا أراد الله تأخير هلاكهم ، الى وقت أخر
وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ{41} وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ{42} وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ{43} إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{44}