1من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - حول الطبقة العاملة - عبدالسلام المدن منظمة 23مارس. المغرب


عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 21 - 20:48     

حول الطبقة العاملة 1
الفقيد عبدالسلام المودن قيادي في منظمة 23مارس

1. مفهوم الطبقه العاملة
ليس كل عامل أو شغيل أو كادح، ينتمي بالضرورة إلى الطبقة العاملة، بالمعنى البروليتاري العلمي للكلمة، ماذا يعني إذن مفهوم الطبقة العاملة ؟
لننطلق من المثال التالي: إن الخياط الذي يصنع لباسا لزبون، فهو يخلق منتوجا نافعا. وهذا المنتوج النافع يتقمص شكل بضاعة يتم تبادلها بالمال، من أجل سد نفقات الخياط الخاصة ووسائل معيشته.
لكن الرأسمالي الذي يجمع في معمله الخاص عددا من الخياطين، الذين يوجدون تحت أوامر وتصرف الرأسمالي، فإنه يصنع علاقة اجتماعية. وفي إطار هذه العلاقة، الاجتماعية، فإن الخياط لا ينتج الآن مجرد ألبسة، بل ينتج أشياء تتعدى بكثير الألبسة: إنه ينتج ذاته كعامل بروليتاري من جهة، وينتج مشغله كرأسمالي من جهة أخرى.
وإذن ما هو الفرق بين الحالتين ؟ ما هو الفرق بين الخياط قبل الاشتغال عند الرأسمالي، والخياط بعد الاشتغال عند الرأسمال ؟
في كلتا الحالتين ليس هناك أي فرق في نوعية العمل الذي يقوم به الخياط هنا وهناك: فالخياط هو دائما يعمل ويكدح بقوة عمله من أجل إنتاج الألبسة - البضاعة. لكن الفرق، كل الفرق... إن الفرق الجوهري يكمن في أهداف ومرامي قوة عمل الخياط. في الحالة الأولى، لقد ظل الخياط خارجا عن إطار علاقات الانتاج الرأسمالية، ولذلك كان يصرف قوة عمله لحسابه الخاص. أما في الحالة الثانية، فلقد أصبح منخرطا في علاقات الإنتاج الرأسمالية، ولذلك فإن الأجرة التى يدفعها الرأسمالي للخياط، لا تعني مجرد قدر مالي يتم تبادله بعمل الخياط، بل تعني قدرا من المال يتم مبادلته بعمل الخياط، بهدف تملك القيمة التي فاضت عن مصاريف الانفاق الاصلية التي دفعها الرأسمالي في بداية عملية الانتاج، اي القيمة المستخرجة من عمل الخياط. إن هدف العمل المأجور للخياط إذن، هو الاستحواذ على فائض تلك القيمة. ولأن المال الذي يدفعه الرأسمالي للبروليتاري في شكل أجرة، مقابل قوة عمل هذا الأخير، هدفه استثمار قوة عمل العامل، فإن ذلك المال لا يبقى مجرد مال بل يصبح رأسمالا. لكن ليس كل رأسمال قادرا على إنتاج فائض القيمة. لأن الرأسمال الذي يتم انفاقه في المواد الأولية وأدوات التجهيز وما شابهها، لا يضيف أية قيمة للمنتوج النهائي، بل هو فقط يحتفظ بقيمته الأصلية.
لهذا السبب فهو يسمى رأسمالا ثابتا. إن الرأسمال الوحيد الذي له قدرة إضافة قيمة جديدة على القيمة الأصلية، هو الرأسمال الذي يُدفع في شكل أجرة للعامل. ولهذا السبب فهو يسمى رأسمالا متحولا. أما سر هذه القدرة فيكمن في الخاصية التالية: إن قوة العمل تتميز بقدرتها على الاستمرار في العمل، حتى بعد أن تتجاوز حدود ما تستهلكه من مواد ضرورية لتحريكها كقوة عمل. وهذا معناه أن عمل العامل ينقسم إلى قسمين.
العمل الضروري الذي يأخذ عنه العامل أجرة لسد وسائل عيشه الضرورية، والعمل الفائض الذي يذهب إلى جيب الرأسمالي في شكل فائض القيمة.
والخلاصة أن الخياط بوصفه كادحا، لا يمكن أن يصبح بروليتاريا إلا بعد أن يدخل في علاقة اجتماعية مع الرأسمالي، أساسها بيع قوة عمله بالرأسمال المتحول.
من هنا فنحن إذا ما طرحنا هذا التساؤل: ما هو الوضع الاجتماعي للخياط ؟ فإن هذا التساؤل لا معنى له، لأننا نتكلم في المجردات. وقديما قال هيجل (ثم كرر من بعده كل من ماركس ولينين)، بأن الحقيقة المجردة لا وجود لها... فالحقيقة هي دائما عينية. كذلك فإن الخياط المجرد لا وجود له، لأن الخياط هو دائما يعمل في شروط ملموسة محددة.
وهذه الشروط هي التي تحدد وضعه الاجتماعي. فإذا كان يعمل خارج أطر العلاقات الرأسمالية، فإنه يكون كادحا مستقلا. أما إذا كان يعمل داخل ذلك الإطار، فإنه يكون عاملا بروليتاريا.
يتبين إذن مما سبق بأن نفس العمل، يمكن أن تكون له مضامين متناقضة، وفق الشروط التي يتم فيها. فالنجار الذي يعمل في حانوته لحسابه الخاص، يتحول إلى نقيضه... إلى بروليتاري بمجرد أن يصبح مشتغلا في معمل لرأسمالي.
والفلاح الذي كان يعمل في قطعة أرضه الخاصة، يصبح بروليتاريا في ضيعة الرأسمالي الزراعي. كذلك هناك فرق جوهري بين الميكانيكي الذي يصلح لي سيارتي في محله الخاص، وبين الميكانيكي الذي يصلحها في أحد معامل الاصلاح الرأسمالية. بين أن أحلق رأسي عند حلاق الحومة، أو أن أحلقه في إحدى صالونات الحلاقة الكبرى، في الدار البيضاء، بين أن أشتري سلعة من حانوت صغير، أو اشتريها من إحدى العاملات في أحد المحلات التجارية الكبرى في الدار البيضاء. بين أن أطلب من ابن جاري تنظيف باب شقتي في العمارة التي أسكن، وبين أن أطلب من إحدى شركات التنظيف بأن ترسل إليّ أحد عمال النظافة... الخ.
إن الخياط والنجار والفلاح والتاجر الصغير والحلاق والميكانيكي، وما شابههم، ينتمون خارج إطار العلاقات الرأسمالية، إلى طبقة اجتماعية محددة هي الطبقة الوسطى أو البورجوازية الصغيرة. والخاصية الجوهرية لهذه الطبقة هي التالية:
فهي لا يتم تشغيلها من طرف الرأسمال كيدٍ عاملة ماجورة، كما أنها من جهتها لا تعمل على تشغيل عمال مأجورين لصالحها، وإن فعلت، فإنما تفعل ذلك بطريقة ثانوية وهامشية. ولهذا السبب، فهي لا موقع لها في التناقض بين العمل والرأسمال.
واضح إذن أن التمييز الذي وضعناه، بين الكادح البورجوازي الصغير والكادح البروليتاري، لا يقوم على أساس الدخل وإنما على أساس علاقات الإنتاج: هل هي من طبيعة رأسمالية أم لا. وهذا معناه إمكانية وجود كادحين لهم دخل أقل من دخل بعض البروليتاريين، بدون أن يترتب عن ذلك بالضرورة انتماؤهم للبروليتاريا، ماداموا كادحين مستقلين يوجدون خارج إطار العلاقات الرأسمالية.
ولنتوقف الآن قليلا عند الملاحظة التالية:
توجد فئة واسعة من الكادحين، الذين يعملون كخدم في بيوت الرأسماليين. في أي إطار يمكن تصينف هؤلاء الخدم ؟ هل يمكن اعتبارهم بروليتاريين ؟
بالطبع لا. والسبب هو التالي: إن الأجرة التي يدفعها الرأسمالي للخادم، لا يدفعها في شكل رأسمال متحول وإنما في شكل دخل. أي أن مال الرأسمالي، لا يتم انفاقه على قوة عمل الخادم بهدف الحصول على فائض القيمة، وبالتالي المساهة في رفع رأس المال، بل يتم إنفاقه فقط من أجل أن يقوم الخادم بانجاز الخدمات التي يعتبرها السيد الرأسمالي ضرورية لراحته. من هنا فإذ هذا الدخل الذي ينفقه الرأسمالي عل قوة عمل الخادم، لا يختلف في شيء عن الدخل الذي ينفقه نفس الرأسمالي، من أجل شراء أغذيه وألبسة وكل ما طاب له من وسائل المتعة واللهو. إنه الدخل غير المنتج، لأنه لا يصرف في شروط الإنتاج: الرأسمال الثابت أو الرأسمال المتحول.
فالخادم الذي يعمل إذن في بيت الرأسمالي، والذي يتقاضى جزءا من دخل الرأسمال غير المنتج، يوجد بالتالي خارج إطار العلاقات الرأسمالية. ولذلك فهو لا يعتبر عاملا بروليتاريا، بل فقط عاملا كادحا.
يتبع