البنيةالاجتماعية واثرها على النظام السياسي في العراق بعد العام2003
نجم الدين فارس
2024 / 7 / 19 - 16:11
البنية الإجتماعية و اثرها على النظام السياسي في العراق بعد العام 2003
م.م.نجم الدين فارس حسن a.t. Najmalddin Faris Hassan
قسم القانون – كلية گویژە للدراسات الدينية
Law Department_University College of Goizha
المستخلص
المجتمع العراقي متعدد الأعراق والأديان والطوائف, منقسمةالى مكونين هما المكون الرئيسي والمكون الثانوي. فالعلاقات القبلية والحضارية منتشرة على نطاق واسع، ولكل طرف تأثيره على المجتمع والنظام السياسي، سواء سلباً أو إيجاباً. طوال التاريخ السياسي الحديث، وبعد تشكيل الدولة العراقية، كان الاستقرار السياسي والاجتماعي في تقلبات مستمرة. وقد أدى ذلك إلى تغير الحكومات المتعاقبة، فكل سيطرة لأمة أو قبيلة دينية كانت تثير استياء الآخرين وتخلق صراعاً سياسياً واجتماعياً. فالفئات الاجتماعية في العراق تتصرف كل منها بطموحات وأهداف، مما يطمس الروح الوطنية بينها. فمن ناحية أحدثت اضطرابات سياسية واجتماعية، وأصيب النظام السياسي في العراق بنوع من الشلل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المشرق. كل هذا لأنه لا توجد جماعة دينية أو طائفية أو عرقية متيقِّنة من تعايشها السياسي والاجتماعي مع خصومها. عدّ الجماعات الدينية والطائفية والعرقية الاجتماعية قِوَى في المجتمع العراقي أثرت في النظام السياسي العراقي بناءً على قوتها ومكانتها . البحث يقدم فرضية رئيسة, أن للبنية الإجتماعية في العراق أثراً كبيراً على نظامه السياسي, أن المكونات المختلفة بناءً على تكوينها من ناحية الطبقات والمكونات الإجتماعية متعدده الأطراف ومكوناتها من الناحية القومية والدينية و المذهبية أثرها على النظام السياسي في العراق, وكذلك اثرها على استقراره السياسي والعلاقات الإجتماعية بين مكوناته.
الكلمات المفتاحية:تأثير, البنية الإجتماعية, المكونات الرئسي, المكون الثانوي, التعدد العرقي, التعدد الأديان, النظام السياسي في العراق.
Abstract
Iraqi society is multi-ethnic, multi-religious, and sectarian. It is divided into two components: the main component and the secondary component. Tribal and civilizational relations are widespread, and each party has its influence on society and the political system, whether negatively´-or-positively. Throughout modern political history, and after the formation of the Iraqi state, political and social stability has been in constant fluctuations. This led to the change of successive governments, as every control of a nation´-or-religious tribe aroused dissatisfaction with others and created political and social conflict. Social groups in Iraq each act with ambitions and goals, which erases the national spirit among them. On the one hand, it caused political and social unrest, and the political system in Iraq was struck by a kind of bright economic, political and social paralysis. All this is because no religious, sectarian´-or-ethnic group is certain of its political and social coexistence with its opponents. Religious, sectarian, and ethnic social groups are considered forces in Iraqi society that have influenced the Iraqi political system based on their strength and status. The research presents a main hypothesis, that the social structure in Iraq has a major impact on its political system, that the various components, based on their composition in terms of classes and multilateral social components and their components in terms of nationalism, religion, and sectarianism, have an impact on the political system in Iraq, as well as their impact on its political stability and social relations. between its components.
Keywords: influence, social structure, main components, secondary component, ethnic pluralism, multi-religion, political system in Iraq.
المقدمة:
إن طبيعة العلاقات الإجتماعية في عصرنا تختلف عن العلاقات الإجتماعية من قبلنا، من ناحية التطور وتغيير علاقات الإنتاج بحسب تطور العلاقات البشري في عملية أسلوب الإنتاج. وهذه العلاقة تختلف من مجتمع الى مجتمع آخر, من ناحية التقدم والإزدهار وتغيير العلاقات والروابط الداخلية في المجتمع المعين. وتختلف بحسب تكوين المجتمع أيضا من ناحية تكوين الطبقات والمكونات الإجتماعية، او مجتمع متعدد الأطراف ومكون من الناحية القومية والدينية والمذهبية. وتطور الإرتباط والعلاقة المتبادلة بين الأفراد او المكونات المختلفة او بين المكون الواحد داخل المجتمع المعين. للمجتمع العراقي من المجتمعات المتعددة المكونات مثل بعض الدول التي فيها العديد من المكونات من القوميات والأديان والمذاهب المتفاوتة. عبر التأريخ الحديث الذي يسبب عدم الأستقرار من الناحيتين السياسية والأجتماعية من الجانب السلبي, أو الجانب الأيجابي يقوم بخلق نوع من علاقات وحدة الأمال ومهمات مشتركة. ويقيّم من الجانبين السلبي والأيجابي, واقع المجتمع العراقي ويحاول بأستمرار تكوين نوع من السلطة السياسية الجيدة,التي يعبر الأمال والأهداف الموحدة التي يحتاجها المجتمع المتعدد المكون. وتختلف المجتمعات بحسب الإزدهار والتقدم الإقتصادي وتؤثر في تغيير المجتمع من الناحية الإجتماعية والروابط السياسية وظهور الأفكار والمعتقدات المتقدمة او المختلفة من الناحية السياسية, وتكوين السلطة السياسية وعلاقتها بالأفراد داخل المجتمع وبالعكس تأثير المجتمع على السلطة والأفكار داخل السلطة السياسية في الدولة أو النظام السياسي للمجتمع المعين، ومن هذه الجوانب هناك الرؤى والنظريات المختلفة في ساحة الدراسات الإجتماعية على النطاق الدولي.
أهمية البحث:
تأتي أهمية هذا البحث من معرفة البنية الأجتماعية ومحاولة الفهم الدقيق والأكاديمي لأهمية العملية السياسية, داخل الأنظمة السياسية, وأثرها على النظام السياسي. لأنه في النظام السياسي تحدد البنية الأجتماعية وترابطاتها, ترابطات وقيم النظام السياسي داخل المجتمعات المتفاوتة. وكل مجتمع بحسب كيفية العلاقات والترابطات داخل المجتمع ذو الكون الواحد او متعدد المكونات. ويتبين السلطة والنظام السياسي داخلهما, ويعرض المشاكل والأزمات التي تؤثر في العملية السياسية في النظام السياسي.
مشكلة البحث:
إنَّ النظام السياسي يمارس تاثيراً كبيراً في البنية الاجتماعية، ولكن هل البنية الاجتماعية في المقابل يمكن ان يكون لها تاثير على النظام السياسي, وما مدى هذا التاثير هل يكون ايجابياً ام سلبياً. إنَّ البنية الاجتماعية العراقية تتسم بالتنوع والاختلاف وتعدد الرؤى والمصالح المختلفة, داخل المكون الواحد أو داخل جميع المكونات الأجتماعية والعرقية والدينية والمذهبية فهل لها تاثير تجاه النظام السياسي في العراق. وهنا يثار سؤلان هما: ما تأثير البنية الأجتماعية على المسار السياسي في العراق ؟ هل هو تأثير سلبي أو إجابي في العملية السياسية في ظل المكونات المتعددة في العراق ؟
فرضية البحث:
إن الترابطات الأجتماعية داخل المجتمع العراقي, تتميز عن بعض البلدان التي فيها تعدد المكونات, بخاصية العلاقات الجيدة بعض الأوقات في مكونات المجتمع العراقي. وتقترب العادات والتقاليد بمستوى واحد من الترابطات الأجتماعية, على رغم من وجود الأختلافات في القوميات والأديان والمذاهب. وتمارس, البنية الأجتماعية أثرها على النظام السياسي من جانبين.
1- كثرة الرؤى داخل المكون الواحد من جانب ومن جانب أخر الرؤى المتعددة لدى جميع مكونات المجتمع العراقي, وتأثيرها من الجانب السلبي على الرؤى الوطنية ومسار العملية السياسية وتدفعه نحو الإنقسامات.
2- اذاً لم تتوحد رؤى مكونات المجتمع العراقي تجاه النظام السياسي, فان تاثيرها سيكون سلبا على النظام السياسي, وتدفعه الى عدم الاستقرار ولاسيما أنَّ كل مكون من البنية الاجتماعية في العراق يتصرف حسب مصالحه الضيقة.
الاطار المنهجي للبحث:
بحسب الموضوعات الرئيسية في هذا البحث، التي تقرر حاجة البحث إلى أي منهج من مناهج البحث العلمي. وعلاقة البنية الإجتماعية واثرها على النظام السياسي في العراق. بناء على موضوعات البحث. نضطر الى استخدام منهج تحليل النظم، في العرض والبحث عن علاقة البنية الإجتماعية وأثرها على النظام السياسي الذي يحتاج الى هذا النوع من المنهج في تقديم وعرض بعض الجوانب المؤثرة في كل وحدة من الوحدات المكونة والمترابطة والمؤثرة بعضها على البعض وتحليلها وفق محددات النظام السياسي.
هيكلية الدراسة:
تتكون هذه الدراسة من مقدمة وثلاثة مباحث على النحو الآتي، والخاتمة والإستنتاجات، إضافة الى قائمة بالمراجع المستخدمة في البحث, وهي:
المبحث الأول: الذي يحاول توضيح الإطار المفاهيمي للبنية الإجتماعية وعلاقتها بالنظام السياسي ويتكون من مطلبين.
1-ماهية البنية الإجتماعية
2-علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي
المبحث الثاني: في هذا المبحث نحاول تسليط الأضواء على مكونات البنية الإجتماعية الرئيسية والثانوية للمجتمع العراقي في تقسيمه على مطلبين.
1-مكونات البنية الإجتماعية الرئيسية
2-مكونات البنية الإجتماعية الثانوية
المبحث الثالث: مخصص لتقديم اثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق وتقويمها في المطلبين.
1-أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق
2-تقويم اثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق.
وبعد ذلك تأتي الخاتمة والإستنتاجات، إضافة الى المراجع والمصادر المستخدمة في هذا البحث.
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي
ان مفهوم البنية الإجتماعية من الموضوعات المهمة في علم الإجتماع، لأن السياقات الإجتماعية في حياتنا لا تتكون من خارج العلاقات و الترابطات، لأنه تُبنى وتُصاغ بأساليب متميزة, والتفاعلات والتعاملات يحكمها السلوك واساليبه المنتظمة التي يقيمها احدنا مع الآخر. لآنَّ البنية الإجتماعيةمختلفة عن البنية المادية. وأن المجتماعات الإنسانية في حالة مستمرة من التغير والتحول. انها تبني وتشكل من جديد قوة بين فترة والأخرى.( )
وطبيعة الإنسان والحاجات الضرورية للإنسان يحتاج الى العيش بصورة مشتركة، وكذلك الأفراد مع بعضهم البعض، والقصد من هذا العيش هو حالة عيش الإنسان في جميع انحاء العالم في المجتمعات القديمة وفي الوقت الحاضر. والمكونات القومية والدينية والمذهبية او شرائح الإنسان داخل المجتمع الواحد يسمى البنية الإجتماعية في حالة الترابط وكذلك في التصادمات بينها تسمى البنية الإجتماعية في المجتمع الواحد. وفي هذا البحث يحتاج الموضوع الى مطلبين هما:
المطلب الأول: ماهية البنية الإجتماعية
المطلب الثاني: علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي
المطلب الأول: ماهية البنية الإجتماعية
كل مجتمع من مجتمعات العالم له تركيبة معينة و مختلفة عن الأخر، ويتكون من مجموعة ثابتة نسبياً من العلاقات النموذجية بين الوحداتالتي منها، وحدة معينة وهي الفرد الذي يقوم بحدث معين. وفي حالة البناء الإجتماعي فالوحدة عبارة عن نسق من نماذج العلاقات بين الأفراد. بأن الفرد في معظم علاقاته لا يشترك في هذا البناء ككيان مستقل, وهو جزء مختلف عن الحدث ككل. ودور وحدة النسق في العلاقات الإجتماعية، ويختص بالأفراد الذين يقومون بأدوار يتصل بعضهم بالبعض الآخر.( )
والتعرف على جوهر معنى البنية ضروري، وهنا نضطر الى تقديم بعض التعريفات التي تعبر عن البنية. ونأخذ تعريف (لالاند) للبنية فالبنية عنده" هي ترتيب الأجزاء التي تكون كُلاً في مقابل وظائفها - وتستعمل خاصة، في علم الحياة، للدلالة على التكوّن التشريحي والنسيجي في مقابل الظواهر الفيزيولوجية، وفي علم النفس للدلالة على اندغام العناصر التي تُظهُرهاالحياة العقلية منظوراً اليها من زاوية سكونية نسبياً:مثلاً مختلف مجالات الوعي ومستوياته, أو مستويات هيمنة هذه الأشكال العقلية أو تلك. وفي معنى خاص وجديد, تُقال بخلاف ذلك للدلّ في مقابل اندغام عادي للعناصر, على كل متكوّن من ظواهر متضامنة, بحيث إن كلاَّ منها يتوّقف على الأخرى, ولايمكنه أن يكون ما هو عليه إلا في علاقته معها, وبهذه العلاقة."( ) وهي كل مؤلف من ظاهرات مترابطة بحيث تتعلق كل واحدة منها بالظاهرات الأخرى، ولايمكنها أن تكون ماهي علية(تتبين ماهيتها) الا بعلاقاتها وفي علاقتها مع الظاهرات الأخرى وتفصيل ذلك انَّ البنية أجزاء متكونة لها علاقات فيما بينها من ناحية، وعلاقات مع العناصر المكونة لها من ناحية اخرى. و تتميز البنية بأستقرارها بقدر ما تتميز بعلاقاتها مع البنى الأخرى.( ) والبنية الإجتماعية هي ترتيب أجزاء الأفراد بعضهما مع بعض, لتكوين حالة أو حدث معين مثل التنظيم ودور جسم الإنسان إنَّ كل واحد له دور معين ومنظم مع ادوار أخرى داخل مجتمع معين.
وفي جانب أخر من تعريف البنية يعبر عن هذا التعريف من خلال مقولة البناء ( structure ) وقد خرج (تالكوت بارسونز) من دراسته لهذا المفهوم بنظرية أطلق عليها نظرية البناء الوظيفي للأنساق الإجتماعية، ويرى ان الفرد وهو وحدة اي نسق اجتماعي، كوحدة عاملة مستقلة لها كل الصفات التي تجعله يكافح نحو تحقيق أهداف معينة، والتفاعل عاطفياً أو شعورياً مع الأشياء والحوادث، بدرجات متفاوتة، على ادراك للمواقف التي توجد فيها الأهداف ونفسها و يواصل (بارسونز) عرض نظريته بقوله: ولا يكفي في تحليلنا لتركيب النسق الإجتماعي ان نحلل كل وحدة من أجزائه بطريقة نفسية مستقلة من ناحية شخصية كل وحدة و القيم التي توجهها، و إنما يجب في هذه الحالة أن نلجأ الى التحليل الوظيفي للكل المركب الذي ينشأ عن تفاعل الوحدات، بل إننا لو استبعدنا العلاقات الإجتماعية، يتأثر العمل نفسه بالظروف اللازمة والمحيطة به لتمكين مجموعة من الأفراد للعمل كوحدة متكاملة. ولإشباع الحاجات الوظيفية سواء أكان مصدرها بيولوجياً أم حضارياً أم إجتماعياً أم فردياً، هما ظواهر إجتماعية، وعلى ذلك لا يهمنا مصدر هذه الحاجات إلا من ناحية تأثيره في النسق الإجتماعي و توجيهه نحو حدث معين.( ) والبنية عند (راد كليف براون) تأتي بمعنى الترتيب المنظم للأجزاء, والبناء الإجتماعي عنده عبارة عن ترتيب الأشخاص في علاقات تخضع لنظم معينة.( )
وفي حالة النظم يختلف تنظيم الأشخاص من مجتمع الى مجتمع أخر. وهذه النظرية تختلف عن آراء وأفكار الباحثين والمفكرين الآخرين. وذلك يتفاوت معناه في تعريفات المفكرين. فالأنثروبولوجي (كروبير)، يقول "البنية لا يضيف شيئاً في فكرنا سوى شيء مستحب يعجبنا "ويأخذ عبارة"البنية "بالمعنى الذي يعطيها إياه البنيويون.( ) ويستخدم البنيويون عبارة " البنية" في معنى آخر من الألسنية، بعد تطورها من قبل (فردينان دوسوسور) و(طور جاكوبسون) و(ترويتزكوا) الى ما سمي"الألسنية البنيوية"، ويستعمل (شتراوس) هذا المنهج لتحليل المجتمعات، تحت إسم"الأنثروبولوجيا البنيوية"، وعدّها البنية المعادلة لبنية اللغة. وقوّمها على تركيب رياضي، وليس بالترتيب الملموس والوصفي. ونظرياً هي غير واعية وهي متخفية وراء الظواهر الواعية.( )
وعبرت الكتب الدينية عن البنية بمعان مختلفة مثل ماجاء في الآية (22) من" سورة البقرة "في القرآن يقول : [ الذي جَعَلَ لَكُم الأَرضَ فِراشاً و السَماءَ بناءً و أَنزَلَ مِنَ السَماءِ ماءً فَأَخرَجَ ِبِه مِنَ الثَمَراتِ رِزقاً لَكُم فَلا تَجعَلوا لِلّه أَنداداً وَ أَنتُم تَعلَمونَ ] و في قول آخر في الآية (26) من "سورة النحل" ورد قوله ثاني: [ قَد مَكَرَ الذينَ مِن قَبلهِم فَأَتى اللهُ بُنيانَهُم مِنَ القَواعِدِ فَخَرَ عَليهِمُ السَقفُ مِن فَوقِهِم و أتاهُم العَذابُ مِن حَيثُ لا يَشعُرونَ]. البنى في هاتين الآيتين من السورتين المختلفتين بمعنى البناء ، و لكن يتغير المعنى في الآية (46) من "سورة البقرة"، إذ تأتي بنى مقابل معنى قوم أو جماعة من الناس يقول: [يا بَني إسرائيلَ أُذكُروا نِعمَتي التي انعَمتُ عَليكُم وأَوفوا بِعَهدي أُوفِ بِعَهدِكُم وَإيايَ فَارهَبونَ.] وفي معنى آخر نجد البنية يساوي الأولاد أو الأبناء، كقوله تعالى [ وَصَى بِها إبراهيمُ بَنيهُ و يَعقوبُ يا بُنيَ إنَ اللهَ إصطَفى لَكُم الدينَ فلا تَموتُنَ إلا و أَنتُم مُسلِمونَ. ] ".( )
ومفرد البنية ليس من المفردات الأصلية من علم الإجتماع، بل انتقل اليه من العلوم الأُخرى مثل البايولوجي والهندسة، والجيولوجي، الى علم الإجتماع، وفي بعض الحالات الى علم النفس. ويمكن ان نميز خمسة أنواع من البنى في كل مجتمع هي: البنى الإقتصادية( )، البنى الديموغرافية، البنى الفكرية، البنى الإجتماعية و البنى التأسيسية.
ويرى البعض بأنَّ البنية هي":مجموعة انساق مترابطة وكل من هذه الأنساق تتضمن أنماطا سلوكية عدة, والانماط تتضمن قواعد اجتماعية تنظم تصرفات الأفراد في المؤسسات والتنظيمات والجماعات الإجتماعية. اذن البنية السياسية هي مجموعة الأنساق السياسية في مجتمع معين, وهي نتاج تفاعل مجموعة من الانساق بعضها مع بعض و حصيلة تفاعل الانساق الداخلية مع انماطها المتعددة ".( )
إنَّ هدفنا هو أبراز البنى الإجتماعية في هذا البحث. والمعنى والتفسير للنسق يختلف من مفكر الى آخر. يختلف لدى الغربيين، فهو ليس مثل الشرقيين، ومن مجتمع الى مجتمع آخر يختلف من التكوينات الإجتماعية والسياسية على صعيد الدول. والبنية مجموعة من نسق مترابطة، وتتضمن أنماطا سلوكية عديدة. قواعدها تنظم تصرفات الأفراد مع الأفراد الآخرين وفي المؤسسات المتغيرة والمجتمع. أما البنية السياسية فيها مجموعة من الأنساق السياسية داخل مجتمع معين، وتفاعلات الإنسان المختلفة داخل مجتمع معين وأنماطها المتفاوتة. فالمجتمعات المتفاوتة تختلف في أنساقها وأنماطها لأن كل مجتمع فيه مجموعة من التفاعلات من البنى الرئيسية.
المطلب الثاني: علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي
وبحسب إستنتاج المطلب الأول حول البنية الإجتماعية التي هي مجموعة من النسق المترابطة التي تتضمن قواعدها تنظيم تصرفات الأفراد داخل مؤسسة معينة ولمتغيرة، عن طريق أنماط سلوكية متعددة ويختلف من مجتمع الى مجتمع آخر.
لكن النظام السياسي" ليس هو الحكومة، ولكنه أوسع منها وأشمل. فالحكومة جزء من النظام السياسي يتعلق بالمؤسسات الرسمية المعنية بصنع وتنفيذ القرارات ومباشرة عمليات التقاضي. ومعنى هذا أنَّ النظام السياسي لا يضم فقط الأجهزة الحكومية، بل يضم أيضا أنماط التفاعل السياسي الأخرى التي تحدث خارج هذه الأجهزة وتؤثر فيها. فهي تتأثر بإتجاهات وتصورات المواطنين وقيم ومصالح شاغلي المراكز الحكومية العليا."( ) وعلاقة البنية الإجتماعية بحسب هذا الرأي مع النظام السياسي و هي العلاقة الجدلية المستدامة في الواقعة المادية و جذورها ترجع الى تأريخ قديم، من تكوين السلطة السياسية داخل المجتمعات القديمة حتى عصرنا هذا.
و"لا يعد النظام السياسي متميزاً حقاً عن مجمل النظام في المجتمع الكلي، فهو أحد مظاهره (أو بالأحرى عدة مظاهر منه). فمن جهة أولى, إنَّ النظام السياسي هو الإطار العام للنظام الإجتماعي، إنَّ تنتظم عناصره المختلفة. ومن جهة أخرى، يتعلق النظام السياسي بصورة خاصة بفئة من هذه العناصر: وهي مؤسسات السلطة، جهاز الدولة ووسائل عملها وكل ما يرتبط به."( ) والنظام السياسي أكبر من السلطة السياسية وفيه تجتمع كافة البنى المكونة للنظام السياسي وجزء منها البنية الإجتماعية، والإقتصادية، والأيديولوجية، والتاسيسية، والسلطة السياسية. في النظام السياسي هي مجموعة عناصر مهمتها الإبقاء على المجتمع من حيث هو كيان حي قائم بذاته، تديره سلطة سياسية. وفي الوقت نفسه، يؤلف كل عنصر من هذه العناصر نظاما فرعياً من النظام السياسي ويمكن أن تعد مؤسسات الحياة الإجتماعية، من عناصر النظام السياسي، والجماعات، والقواعد، والوظائف، والأدوار، التي تتفاعل والإدارة السياسية تفاعلاً وثيقاً.( )
فالنظام السياسي شيء مرتبط بأحد مكوناته الذي هو البنية الإجتماعية وفيها صيغة تنسيق وتنظيم بالنشاطات التي تكون نظاماً له، مثل باقي البنية والنظام الإقتصادي والعسكري والأخلاقي. وفي الوقت نفسه ينظم النشاطات السياسية للأفراد والجماعات. وكما يقول (روبرت دال) إنَّ النظام السياسي هو تركيب دائم للعلاقات الإنسانية ويشتمل على قدر مهم من السلطة والسيطرة والسلطان.( )
وهناك آراء وأفكار متعددة حول علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي. فإن علم الإجتماع السياسي يتمركز في مجال الترابطات بين المجتمع وبين النظام السياسي، وبين البنى الإجتماعية والمؤسسات السياسية. ويضرب (سيمور مارتن ليست) المثال التالي " للتفريق بين ميداني علم الإجتماع و علم الإجتماع السياسي، فيقول " إذا كان إستقرار المجتمع هو المشكلة الرئيسية لعلم الإجتماع ككل، فإن استقرار بنية تأسيسية معينة أو نظام سياسي معين هو موضوع عناية واهتمام علم الإجتماع السياسي. " وهذه الآراء لا تعطي الأولية للمجتمع بالنسبة الى النظام السياسي. لأنَّ العوامل الإجتماعية لا تتحكم في النظام السياسي. ويقول أن المؤسسات نفسها هي بنى اجتماعية، وفي هذه الحالة تكون البنى الإجتماعية هي البنى المستقلة وغير السياسية.( ) أما الرأي الثاني فهو لا يقر وجود مجتمع سياسي ويعتمد على أنَّ النظام السياسي ما هو الا أحدى المؤسسات الأساسية العديدة في المجتمع المدني. وتعريف (جان جاك روسو) للإرادة العامة هو نقطة التحول في هذا الشأن، وأخذت تيارات كل من (لورنز فون شتاين) و(اليكس دوتوكفيل) و(كارل ماركس) أفكارها من رأي (روسو). وتطورت هذه المنهجية في نهاية القرن التاسع عشر، و مطلع القرن العشرين لدى كل من (هربرت سبنسر) و(فلفريد وبارتيو) و(اميل دوركهايهم) و(ماكس فيبر) و(كارل مانهايم). فقالوا(ان السياسة هي قبل كل شيء نشاط إجتماعي)، وأن الواقعة السياسية هي الواقعة الإجتماعية.( ) لأنه لا يوجد نظام سياسي في فراغ، وانما يوجد في بيئة يتأثر بها ويؤثر فيه. أي يتفاعل واقعياً مع النظم الأخرى مثل الإقتصادية والإجتماعية والطبيعية والثقافية. وفي الوقت نفسه يتفاعل مع البيئة الخارجية الإقليمية والعالمية ايضاً.( )
ويتميز النظام السياسي بالعلوية و يملك السلطة العليا في المجتمع. ويتمتع باستقلال ذاتي نسبي، وتأثيره في المجتمع كله أكثر فاعلية من تأثير أي نظام آخر. ولا تعني هذه السلطة بذاتها انفصال النظام السياسي عن البيئة الإقتصادية – الإجتماعية, فهي أساسه وهو البناء الذي يقوم عليها. ويتميز هذه العلوية للنظام السياسي وعناصره وخصائصه (1) بتحديد أهداف المجتمع و مهماته. (2) وتعبئة طاقات المجتمع. (3) ودمج العناصر التي يتألف منها المجتمع أو توحيدها. و(4) المطابقة بين الحياة السياسية. كما هي ممارسة, والقواعد السياسية والقانونية الرسمية, ومع كل هذه الخصائص, فالنظام السياسي له وظيفتان رئيسيتان يؤديها النظام السياسي حصراً هما تحديد أهداف المجتمع وتعبئة الطاقات اللآزمة لبلوغها. ( )
وبحسب كل هذه الأطروحات ، يتميز النظام السياسي بعضه مع بعض عن طريقة المشاركة في المجتمع، أو شكل تركيبة بنية المجتمع، وعلاقتهما بالمشاركة السياسية في النظام السياسي وأحد الجوانب المؤثرة فيها وهي قبل كل شيء التركيبة الإجتماعية للمجتمع التي تحددها ثقافة المجتمع وعلاقتها بالنظام السياسي. وبرغم كل العلاقات الموجودة بين النظام السياسي والبنية الإجتماعية داخل كل المجتمعات البشرية من المتخلفة حتى المجتمعات المتقدمة. فالمجتمعات العشائرية والدينية والقبلية تأثيرها على السلطة السياسية من حيث العدد والقوة ومكانتها وتكوين بنيانها الإجتماعي مقيده بتجمعاتهم العشائرية في المجتمع، وأمسكت الأحزاب الشيعية السياسية الرئيسة بزمام السلطة, وبمباركة المرجعيات النجفية الارستقراطية التقليدية, في محاولة ظاهرية لإرساء قواعد دولة عصرية برلمانية ديمقراطية فيدرالية, في الوقت الذي يعمل عوام الشيعة, ودون وعي منهم, على تقويض اركانها.( ) وهي تختلف عّما يوزع على الطبقات الإجتماعية في المجتمع المتقدم.
استنتج مما سبق, إنَّ البنية الإجتماعية جزء من النظام السياسي والعلاقة بينها جدلية ولايتكون النظام السياسي بدون المجتمع. لكن النظام السياسي يؤدي أدواراً لتحديد أهداف المجتمع وتعبئة الطاقات اللازمة للمجتمع لبلوغ تلك الأهداف، وتنظيم العلاقات داخل المجتمع. وكل هذه الأعمال للنظام السياسي، لايمكن انجازها بدون وجود مجتمع معين. وعلاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي علاقة جدلية ، إذ كل عنصر يتأثر به ويؤثر هو فيه.
المبحث الثاني: البنية الإجتماعية العراقية
العراق دولة متعددة القوميات والجماعات الإثنية، التي عاشت مع بعضها بوئام، وتربطها الوطن المشترك والهوية الوطنية المشتركة.
ونجد مكون الإجتماعي في العراق من الناحية الأخرى واقعاً على حافة منبع فياض من منابع البداوة, هو منبع الجزيرة العربية. فكان العراق منذ بداية تأريخه, يتلقّى الموجات البدوية واحدة بعد الأخرى. فكان بعض تلك الموجات يأتيه عن طريق الفتح العسكري, والبعض الأخر منها يأتيه عن طريق التسلل التدريجي. وكلا هذين النوعين من الموجات لابد يؤثر في المجتمع العراقي, قللاً أو كثيراً, فتنشر فيه القيم البدوية وتحاول التغلغل في مختلف فئاته وطبقاته. نستنتج مما سبق أنَّ المجتمع العراقي واقعُ بين نظامين متناقضين من القيم الإجتماعية, قيم البداوة رؤيته اليه من الصحراء المجاورة, وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم.( )
ويتألف البنية الإجتماعية العراقية من قوميتين رئيسيتين، هما العرب والكورد، فالعرب من المذهبين الشيعي والسني وهم غالبية المجتمع العراقي، يسكنون بشكل رئيسي في وسط و جنوب العراق، وبحسب تعداد تقريبي بعد سنة 2003, ونسبة القومية العربية تبلغ نحو 70-75 % من مجموع السكان. والكورد كثاني أكبر قومية في العراق، يشكلون 20 % من مجموع السكان، والباقي من النسبة هو من الأقليات القومية الصغيرة، مثل التركمان والآشوريين والكلدان والأرمن والإيزيديين والشبك وباقي الأقليات الموجودة في العراق. ويختلفون من حيث اللغة والدين والمذهب.( )
والعراق بحسب تكوينه هو موزايك من القوميات و الأديان و المذاهب. و ينقسم الى البنية الإجتماعية الرئيسية و الثانوية. بحسب الوجود و العدد. إذ فيها ترابطات و علاقات إجتماعية و أسرية و مهمات مشتركة حول الحقوق و العيش المشترك. وقد حاولنا خلال هذا المبحث تقديم مفاهيم البنية الإجتماعية العراقية عن طريق الدراسة أو من خلالها في مطلبين رئيسين هما، المطلب الأول الذي يتناول عرض المكونات و القوميات و الإثنية الأساسية المرتبطة بالبنى الإجتماعية العراقية. و المطلب الثاني, الذي يتناول عرض مكونات البنية الإجتماعية الثانوية في العراق.
المطلب الأول: مكونات البنية الإجتماعية الرئيسية
" العراق بلد متعدد القوميات و الأديان و المذاهب" هذا الإعلان الرسمي لدستور جمهورية العراق – 2005، من المادة (3). هو الشيء نفسه في الواقع المادي لمكونات العراق المتعددة فيها القوميات و الجماعات الإثنية. و في "مطلع القرن الحالي، لم يكن العراقيون شعباً واحداً أو جماعة سياسية واحدة. و هذا لا تعني الإشارة الى وجود الكثير من الأقليات العرقية و الدينية في العراق، كالأكراد و التركمان و الفرس و الآشوريين و الأرمن و الكلدانيين و اليهود و اليزيديين و الصابئة و آخرين. فالعرب أنفسهم الذين يؤلفون أكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون، الى حد بعيد، من جملة من المجتمعات المتمايزة و المختلفة فيما بينها و المنغلقة على ذاتها ، على الرغم من تمتعهم بسمات مشتركة."( ) و من هنا نقسمهم حول مكان السكن على صعيدين القومي و الديني.
القوميات الموجودة في العراق حسب النسبة:
1- العرب: قومية العرب في العراق تشكل غالبية المجتمع العراقي، و العرب يتركزون بشكل أساسي في وسط و جنوب العراق. واكثريتهم من الدين الإسلام و منه مذهبهم الشيعي و السني، و غالبيتهم شيعية، وهناك قسم منهم يعتقدون بالديانات الصابئية و المسيحية و الأيزيدية و قسم قليل باليهودية، ونسبة أخرى غير مبينة من الديانة.( ) وجميع هؤلاء يعيشون في المدن و الأقضية و القرى و جزء من الصحراء الشمالية و الجنوبية، و بعض منهم يعيشون في شمال و شمال غرب العراق.
2- الكورد : تعد القومية الكوردية ثاني أكبر القوميات في العراق بعد القومية العربية، أمّا السمات و الخصائص التي تميزهم عن العرب، كاللغة و الدين و المنشأ و الجغرافية. فهي من ناحية الأصل و التسمية والجغرافية فقط، أمّا من الناحية الدينية فأغلب الكورد من المسلمين السنة، وهناك أقلية منهم من الشيعة الأثني عشرية و العلوية او العلي الإلهية، و أقليتين صغيرتين من الإيزيدية و المسيحية, إضافة الى الكاكائية... و غيرها من الديانات الأخرى.( ) و يعيشون في شمال و شمال شرق العراق.
3- التركمان : يعد التركمان من الأقليات الإثنية التي تتميز عن الأقليات الأخرى بإختلاف اللغة و الأصل و المنشأ و العادات. فديانتهم توزع على الإسلام من المذهبين الشيعي والسني إضافة الى اعتناق القليل منهم لليهودية والبوذية والزرادشتية و المسيحية. لكن اليوم هناك اقليات مسيحية تركمانية، اما من ناحية المذهب فتبلغ الشيعة التركمانية نحو 45 % والسنة 55 %. أما الديانة القديمة للتركمان الى هي الشامانية فهي(ديانة وثنية). واللهجة التركمانية في العراق تقترب من التركية الحديثة.( ) " و تقع المناطق التي يسكنها التركمان في منطقة من السهول، تفصل ما بين المنطقة الشمالية الجبلية و المنطقة الوسطى و الجنوبية العراقية، وتمتد من تلعفر في الشمال الغربي من العراق الى مندلي في الجنوب الشرقي منه ..."( )
4- الآشوريون و الكلدان ( المسيحيون) : يعد الآشوريون والكلدان من الجماعات الإثنية، التي تتميز بالثقافة واللغة والدين والعادات والسمات الأنثربولوجية الخاصة، وعلى الرغم من أن هذه الجماعات تشترك في عنصري اللغة و الدين، و يدعى كل منها جماعة إثنية قائمة بذاتها. فالآشوريون حالياً، أقلية مسيحية تعيش في إقليم كوردستان العراق. وأما الكلدانيون، فيوجدون في شمال العراق، و يشكلون اليوم أكبر طائفة مسيحية في العراق. و تختلف لهجاتهم و التنوع في الخط السرياني و الكتابة السريانية أيضاً.( ) و يعيشون في مناطق أخرى في العراق، كالموصل، وبغداد والبصرة وكركوك.( )
5- اليهود : قد يُثار الحدث والتساؤل عن يهود العراق وعددهم ضمن البنية الدينية العراقية, لدى البعض, لأنهم طائفة منقرضة.لكن ما يبرر ذلك هو اثرهم الباقي, وروابطهم الممتدة, وعيونهم الشاخصة صوب العراق برغم اليأس الكامل من العودة. وإضافة إلى أموالهم المجمدة, هناك ديارهم وذكرياتهم.( ) عاش اليهود في مناطق مختلفة من العراق, وسكنوا غالبية المدن والعديد من الأرياف, وبحسب احصاء نشرته حكومة الاحتلال البريطاني لسنة1920 عدد اليهود في منطقة بغداد(ولاية بغداد) المجموع كلي(62565), أما في منطقة الموصل(ولاية الموصل) عددهم (14835) وفي منطقة البصرة(ولاية البصرة) عددهم(10088), وبحسب هذا احصاء يبلغ مجموع كلي(87488)نسمة.( ) وقد بلغ تعدادهم عام 1947في العراق كافة (118,000) نسمة, وبعد تهجير الغالبية العظمى منهم إلى إسرائيل من قبل الحكومة العراقية, بلغ تعدادهم (4460)نسمة فقط, بعد الضغوطات عليهم من قبل الحكومة العراقية في سنوات السبعنيات من القرن العشرين, ولن يبق الآ القليل منهم. ( ) وحالياً يبلغ عددهم نحو (381) نسمة, وذلك حسب تقرير مديرية الأمن العامة. وينقسم يهود العراق إلى ثلاث مجموعات هي يهود بغداد والبصرة وكردستان. بعد التاسع من أبريل 2003 هناك عدد من يهود العراق ينظرون في أمر عودتهم, شأنهم شأن المنفيين والمهجرين الأخرين.( )
6_ الصابئة المندائية : جماعة عرقية ودينية تقطن ضفاف دجلة والفرات, وسط وجنوب العراق, عاشت مع سكان المنطقة بسلام, وكانت بعض المهارات على الصناعات اليدوية حكراً على هذه الجماعة لمدة قد تمتد إلى ماقبل العصر العباسي, لأهمية هذا الموقع تعامل معهم الأخرون معاملة يشوبه الحذر. واتخذ المندائيون, على مدى زمن طويل, موقفا صامتا من كشف صمت ومن لغتهم المندائية الغامضة على المحيطين بهم من الأديان الأخرى, من أجل بقائهم.( ) ويرتكزون بشكل رئيسي في منطقة الأهوار و في مدن العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح و الحلفاية وسوق الشيوخ, وتوجد جماعات منهم بأعداد مختلفة في بغداد و الكوت والديوانية وكركوك والموصل, وبسبب الأحداث السياسية و الأقتصادية التي المت العراق في الأونة الأخيرة, وبحسب احصاء النفوس في العراق سنة1932م عددهم(1731)نسمة,أما في احصاء حزيران1935م عددهم(5432) نسمة.( ) أما عدد الصابئين حسب احصاء 1957م (11912) نسمة.( ) اضطر الصائبة المندائيون إلى الهجرة الجماعية إلى البلاد الأوروبية وأمريكا وكندا, بعد أنَّ يبلغ تعدادهم تقريباً اكثر من (70) ألف نسمة في كافة مناطق وجدهم في العراق.( )
ومكونات البنية الإجتماعية الرئيسية في العراق ليست مكوناً واحداً، وتتكون من العديد من المكونات المختلفة في اللغة والعرق والأصل والمكان، لكن في المقومات والعادات القريبة فالعراقيون في مستوى وحدة التقاليد, وإذا كانوا يختلفون في الأديان والمذاهب والمعتقدات، فإنَّ اتحادهم في الآمال والإتقان ومسيرتهم الوطنية، فيه ارتباطات وعلاقات إجتماعية وأسرية ومهمات مشتركة حول الحقوق والعيش المشترك.
المطلب الثاني: مكونات البنية الإجتماعية الثانوية
البنية الإجتماعية الثانوية في العراق موزعة على مناطق وأماكن مختلفة في جغرافيتها. وتقسم الى المناطق التي فيها الطائفة أو مكون معين من موزايكها القومي والديني والعشائري. ومكونات البنية الإجتماعية الثانوية تقسم على صعيد العشائرية والإقليمية و الطائفية الى:
أولاً: البنية الإجتماعية العشائرية :-
العراق مجتمع تعيش فيه جماعات عشائرية في مناطق مختلفة. ولهم إرتباطات وعلاقات متينة بين أفراده داخلها و لها جذور تأريخية عريقة داخل البلد. وهناك من يعيش داخل المدينة وله مكانة إجتماعية مرموقة داخل البلد وكذلك تأثير مباشر وغير مباشر على علاقات السلطة مع المجتمع. في المناطق التي يعيش فيها العرب العراقيون، وكانت هناك هوة واسعة تفصل المدن عن المناطق العشائرية. فالعرب الحضريون وعرب العشائر عالمان منفصلان بإستثناء سكان المدن الواقعة في عمق المناطق العشائرية التي يقنطونها قرب المدن. وروابطهما إقتصادية, ولكن, حتى من هذه الناحية لا يمكن القول أن العلاقة بينهما نشطة. ألآن تجمعهم صلة إقليمية، ولكن معظم الأراضي الزراعية والمراعي في العراق كانت وما زالت تحت سيطرة العشائر, في الوقت الذي لم يكن شعور عرب العشائر تجاه الإسلام بشكل مكثف. وبدون شك هناك سلطة رجال الدين الشيعة على عشائر الفرات الشيعية، وكذلك السلطة نفسها لرجال الدين السنية على عشائر شمال الغرب السنية. ولكن كل عشائر العرب السنية والشيعية لم تكن في التأريخ واعية لكونها عربية. في التأريخ وآنذاك كانت المناطق العشائرية مشتتة، وقد انقسمت فيها الأحلاف العشائرية القديمة و الجديدة.( )
في العراق "أنَّ تعبير"البدو" يشمل هنا ذلك الجزء من السكان الذي يهيم في حيز غير محدود من الأراضي, ويعتمد على الجمل من أجل معاشه, معنى ذلك أنَّ مايدخل في حدود هذا التعريف هو العشائر البدوية الصرفه, وليس العشائر الشبه البدوية التي تعتمد على تربية المواشي من اجل معاشها. هذا من ناحية, ومن الناحيةة الأخرى, فإن جميع الذي يكسبون معاشهم من الرعي أو الزراعة يدخلون ضمن تعريف الجزء الريفي من السكان, مهما اختلفوا في درجة استقرارهم واستيطانهم."( ) والعشائر العربية تقسم الى(فلاحين) و"معدان" و(سكان الأهوار) و"الشاوية"(رعاة الغنم) و(أهل الإبل) والفئة الأخيرة كانت تشكل ألأرستقراطية العشائرية, ورجال القبائل العراقية يقسمون الى مجموعتين. أبناء القسم الأول وهم الذين بقوا محافظين حتى الآن على كل ما كان يتحلى به آباؤهم وأجدادهم رجالاً ونساءً من الأخلاق السامية كحب الحرية والتضحية في سبيلها وإباء الضيم وعزّة النفس والإيثار والحمية، وهم الذين كانوا يقنطون الفرات وشمال بغداد. أما القسم الثاني فهم عرب بعناصرهم ولكنهم بسبب إتصالاتهم مع الحكومات المتعاقبة العربية وغير العربية طوال القرون الماضية، إنحرفوا عن بعض السجايا العربية، ونسوا عاداتهم ومزاياهم الكريمة القديمة، وهم يقطنون بعض مناطق ضفاف دجلة جنوبي بغداد.( )ولكنهم جميعاً يخضعون للعصبية القبلية ولا يعرفون غيرها. فهم كانوا ينظرون الى كل حكومة نظرة عداء لافرق عندهم بين ان تكون أي حكومة, وربما عمد بعض العشائر الى معاونة الجيوش المنتصرة, والى نهب فلول الجيوش المنكسرة بغض النظر عن عقيدة هذه الجيوش أو تلك.( )
إنَّ المناطق الكردية التي يفترض أنَّ يكون فيها الإنسجام الإثني، كان قاطنوها الفلاحين غير العشائريين، وفي الواقع كان يسهل تمييز هؤلاء الفلاحين، بملامحهم و لهجتهم الخاصة، عن المزارعين العشائريين الأحدث استيطاناً وعن افراد العشائر الأخرى وآغاواتهم الذين كانوا يمارسون بشكل عرفي وفي بعض المناطق في الأقل، سلطات حق تقرير الحياة والموت بالنسبة للمساكين. وكان فلاحو كوردستان في تلك الأيام(عرقاً متميزاً تماماً) عن الأكراد العشائريين، فقد كانوا يحسبون أنفسهم السكان الأصليين لهذه المناطق، إنَّ لم يكونوا قد أخضعوا ذات يوم من قبل عشائر رحل جبلية. لاختلافهم في السلطة و العلاقة مع الأرض و الحياة و الزراعة و الرعي.( ) و هم جزء من القومية الكردية المتحضرين الذين يعيشون في المدينة، ومع ذلك تمتد الجذور العشائرية داخل المدينة الكردية في شمال العراق. و في علاقاتهم و المراتب الإجتماعية المتغيرة من جزئيات مع عشيرة اخرى.
نستنتج مما سبق, تشكل العشائر ركناً من تركيبة المجتمع العراقي, وقد برز دورها في التأريخ السياسي الحديث إبان ثورة العام 1920, حيث كان لزعمائها اليد العليا في التصدي للاحتلال البريطاني أنذاك. وبعد مرور أكثر من ثمانية عقود من ذلك التأريخ, عادت الأضواء لتتسلط من جديد على هذه العشائر. حيثُ حاولت قوات الاحتلال الأمريكي مرةً أخرى خلق توازنات جديدة: الصحوة القبلية مقابل الصحوات الطائفية, ومليشيات جديدة مقابل المليشيات القديمة, وفي 16تشرين الثاني عام 2008 تم تأسيس"مجلس أمراء قبائل العراق" من العرب والكرد والتركمان والمسيحيين والصائبة والأيزيدية ليضمن التقاليد العشائرية والأعراف و"العصبيات" القبلية, وفق "المصلحة الوطنية العليا" و"الديمقراطية التوافقية". وقد وجد البيان التأسيسي التأييد من قبل الحكومة العراقية. وأخيراً تم تأسيس دائرة شؤون العشائر في وزارة الدخلية وتعيين وزيراً للدولة لشؤون العشائر في وزارة نوري المالكي الثانية.( )
ثانياً : على الصعيد الإقليمي :
يوزع العراق الى أقاليم مختلفة بحسب الارتباطات ونمط العيش. ولكن في كل إقليم, يوزع السكان على مناطق مختلفة من اللغات والتكوينات, ففي المناطق التي يعيش فيها الأكراد, هناك ثلاث لهجات من اللغة الكردية، فمثلاً في السليمانية هناك اللهجة الهورامانية والسورانية. وكل فئة تعيش في مناطق مختلفة ولها مميزات جزئية بينها في الترابطات وبعض العادات وحتى في ممارسة الطقوس الدينية. أما في محافظة دهوك واربيل فالكرد يختلفون في لهجتهم الكردية, إذ يوزعون على السورانية والكرمانجية الشمالية، والسليمانية من أكثر المدن المنفتحة وفيها مثقفون كثيرون ورواد بعض الحركات الدينية والشعبية والفكرية مثل مدينة بغداد بالنسبة للوسط و جنوب العراق.
اما في مناطق جنوب ووسط العراق، فان العرب يختلفون في معتقداتهم المذهبية ويوزعون على الوسط السني والجنوب الشيعي، المتحضرين وعشائرهما.وكان زعماء المجتمع العربي في مدينة البصرة من السنة في حين كانت أكثرية سكان المدينة من الشيعة. ورجال الدين الشيعة كانوا يشغلون موقعاً ليس قليل الأهمية. وفي مدن أخرى عديدة في الجنوب _ ولكن ليس في المدن الشيعية المقدسة _ وكان العنصر السني, الذي شكل أقلية دوماً, متفوقاً إجتماعياً و كان يتألف إلى حد كبير من التجار وملاكي الأراضي الأغنياء _ في المناطق الجنوبية وكان جميع الفلاحين من الشيعة. وكذلك الأمر في منطقة الحلة, إذ كان أكثر مزارعيه العشائريين شيعة.
أما أهل المدن فكانوا يختلفون بعض الاختلاف عن العشائر في هذا الِشأن, فلقد كانت لديهم ثلاثة مستويات من العصبية القبلية. فالفرد الحضري يتعصب قبل كل شيء لمحلته ازاء المحلات الآخرى من بلدته, حيث تكون المحلة بالنسبة لة كالعشيرة بالنسبة للبدو والريفيين, بيد أنَّ عصبيته المحلية هذه قد تتحول الى عصبية أوسع نطاقاً وهي التي نسميها بالعصبية البلدية, ويحدث ذلك حين يهدد البلدة خطر عام, وفي سبيل الدفاع عن البلدة تقف صفاً واحداً تجاه العدو المشترك. أما المستوى الثالث من العصبية عند اهل المدن فهو المستوى الطائفي, وهو يظهر عندما تثار قضية طائفية أو تأتي اغزو البلاد دولة تنتمي الى احدى الطائفتين.( )
وفي بغداد أيضاً, تمتعت الطائفتان بالمساواة العددية تقريباً, وكانت العائلات المسيطرة إجتماعياً سنية. أما في مناطق الأهوار, فقد سيطرت العشائر السنية على الفلاحين الشيعة, وكذلك على أهل الغنم الشيعة. أما في المدن, فإنها نبعت من السيطرة السنية.( )
وفي محافظة الأنبار يشكل العرب الغالبية العظمى منها, ويليهم الأكراد بنسبة قليلة مع مجموعة من التركمان, وجميعهم من الأسلام السنة, وكان بعض من الأرمن والسريان والمسيحين معهم وأشخاص غير معروفة هويتهم الدينية, مع عدد قليل من الصابئة واليهود.( ) وكان العرب في الأنبار مرتبطون بالصحراء و يعيشون على الرعي والزراعة والتجارة.
إنَّ العادات والأعراف في المناطق والأقاليم المختلفة داخل العراق, تكاد تكون قريبة وهناك مستوى واحد من نمط العيش والكرم داخل البلد.مع الأختلاف في حالة التحضر والتخلف, داخل المجتمع العراقي, والناس الساكنون داخل المدن, بعضهم متحضرون من اصحاب الشهادات واصحاب نوع من الثقافة الوطنية.
وفي كل اقليم ومنطقة يختلف محتوى ومستوى عيش الناس مع المدينة أو منطقة مع منطقة أخرى. لكنهم في الهموم الرئيسية متساون في القيم والأعراف. وفي مجال الصناعة والزراعة والتجارة والإزدهار تختلف كل المدن والقرى في الإقاليم عن المناطق المختلفة في العراق.
ثالثاً : على الصعيد الطائفي :
يتميز العراق بتنوعه الديني و المذهبي، ومع أن المسلمين يمثلون غالبية سكان العراق، فإنَّ هناك أقليات دينية أخرى وهم المسيحيون واليهود والإيزيديون، والكاكائية والصابئة, وبحسب احصاء الجهاز المركزي للإحصاء العراقي لسنة2016 يشكل المسلمون 92 % من مجموع السكان. أما بقية الأديان الأخرى فإنها تشكل 8 %.( ) والمسلمون بدورهم ينقسمون بين السنة والشيعة. ويمثل الشيعة اليوم جزءاً كبيراً من المجتمع العراقي، وخاصة في الجنوب، ويشكلون الغالبية العظمى في محافظات: بابل، وكربلاء، وواسط، والنجف، والقادسية، والمثنى، وذي قار، وميسان والبصرة. أما السنة فإنهم يشكلون الغالبية العظمى في الوسط والشمال في محافظات: دهوك، ونينوى، والسليمانية، وكركوك، وأربيل، وديالى، والأنبار، وصلاح الدين وفي بغداد.( )
ومن جانب آخر فإنَّ المسيحيين منقسمون أو متشردون في المحافظات الشمالية وبغداد. مثل اليهوديين والصابئيين في العراق. لكن تأثيراتهم ليست مثل تاثيرات المذهبين الشيعة والسنة في العراق على العلاقات الإجتماعية وتكوين الطباع للمجتمع المعين مثل المجتمع العراقي. وهذا لايكون بصورة مطلقة.( ) فالملاحظ أنَّ المسليمين في العراق في نزاعهم الطائفي كانوا ينسبون كل فريق منهم الى الرجل الذي يعتبرونه رمز عصبيتهم الطائفية فيقال إنَّ هؤلاء (ربع علي) وأولئك(ربع عمر), وكل فريق منهم يتصور نفسه كأنه عثيرة الرجل. وهم يتحمسون له كما تتحمس القبائل عند القتال تحت راية شيخها الكبير.( )
ومكونات البنية الإجتماعية الثانوية، ليست مكونا معدوما عن التأثير على البنية السياسية العراقية ولكن بحسب منطقتها ووجودها وترابطاتها في المجتمع العراقي، فكل مكون ومنطقة أو اقليم أو طائفة معينة من المجتمع العراقي له تأثير على البنية الإجتماعية في مكانها ومناطقها بحسب قواها الإجتماعية وارتباطاتها الداخلية في المكونات الثانوية.
المبحث الثالث: أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق و تقويمه
عبر تأريخ العراق الحديث، فإنَّ البنية الإجتماعية العراقية التي شاركت في الثورات المتعددة في العراق قد تصطف داخل الإئتلاف العشائري أو في الأحزاب والحركات الإجتماعية المختلفة ضد المعتدي أو الإحتلال البريطاني مرتين والسلطات الحكومية الموالية للسياسات الخارجية، فالبنية الإجتماعية العراقية هي البنية المشاركة والفعالة وصاحب الرؤى الوطنية.
وبعد حربي الخليج في أواخر القرن العشرين، وحرب الخليج الثالثة في اوائل القرن الحادي والعشرين وبعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إعلان سيطرة القوات الأمريكية على بغداد في 9/4/ 2003، فإنَّ أولى السلطات التي أدارت شؤون العراق، كانت سلطة (الإئتلاف الموحدة) التي كانت تمتلك الصلاحيات الكاملة بحسب قوانين الحرب والإحتلال العسكري المتفق عليها في الأمم المتحدة. وبقرار الحاكم المدني للعراق. شكل مجلس الحكم في 22 تموز عام 2003 وامتد الى 1 حزيران 2004. لمدة عام واحد فقط وتألف من (25) شخصية عراقية تمثل أحزابا وتكتلات عراقية، كوردية، وعربية، سنية وشيعية، اسلامية وعلمانية مختلفة. أما رئاسة المجلس فكانت تتم بالتناوب بين (12) من الأعضاء لمدة شهر.( ) وبعد ذلك رزح العراق تحت وطأة النزاع بين قوى الطوائف والجماعات، في داخل كل منها أو قوى عابرة لها. وفي تنافس جماعي على ((الحصص)) و((المنافع)). ومع إعادة بناء الأمة وتشكيل هيكلية الدولة, والإستقرار، تنافس مختلف أطراف النزاع من أجل السيطرة على "اعادة" توزيع الموارد الإجتماعية – الإقتصادية، وعلى أدوات السلطة السياسية، ومع اختلاف الأطراف وأهدافهم المختلفة، تستخدم شتى الأساليب في التصارع حول الموارد و السلطة.( ) واثر البنية الإجتماعية أو المكون أو أكثر من ذلك على النظام السياسي في كل بلد من بلدان العالم، ايجاباً أو سلباً وهو جزء من العلاقة بين البنى والسلطة السياسية للنظام السياسي، وهي تتكون داخل البنية إلإجتماعية المعينة في كل بلد من العالم، لأنه ليس هناك وجود للسلطة السياسية دون البنية الإجتماعية. ولقد حاولنا في هذا المبحث توضيح مفاهيم أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي وتقويمه من خلال مطلبين. المطلب الأول: يتناول تأثير البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق. والمطلب الثاني يتناول: تقويم أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق.
المطلب الأول: أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق
البنية الإجتماعية العراقية في مكوناتها, هي البنية الفعالة في الحركات السياسية والإجتماعية كانت مؤثرة على السلطة السياسية أو النظام السياسي، على مر التأريخ القديم والحديث داخل العراق. وبعد الحرب العالمية الأولى، سيطر البريطانيون على ثلاث ولايات عثمانية هي- بغداد والبصرة والموصل -ولم تكن لديهم سياسة معينة حول كيفية تحديد مستقبل تلك الولايات.
وخلق تنوع مصالح البريطاني في الولايات، بعد الإتفاقيات والمعاهدات بينهم وبين الحكام الجدد في العراق. وضعاً سياسياً جديداً أحدث تغييرات على جميع أوجه الحياة في العراق، وأدت الإجراءات السياسية والادارية الجديدة فيما بعد الى خلق نظام جديد من الولاءات والإنتماءات. وكان هدف بريطانيا هو خلق هيمنة سنية مؤسساتية على المجموعات العرقية والطائفية و اللغوية المختلفة في المناطق الجغرافية الثلاث، التي تم توحيدها بشكل اصطناعي، وهو خلق مجتمع عراقي موحد ومتجانس. "لعلني لاأغالي إذا قلت أنَّ الشعب العراقي في مرحلة الراهنة هو أكثر شعوب العالم, أنَّ لم يكن أكثرها, ولعاً بالسياسة وانهماكاً فيها. فكل فرد فية تقريباً هو رجل سياسة من الطراز الأول. فأنت لاتكاد تتحدث الى بقال أو عطار حتى تجده يزن لك البضاعة وهو يحاورك في السياسة أو سيسألك عنها. وقد يحمل الحمال لك البضاعة فيحاول في الطريق أنَّ يجرك الى الحديث في السياسة وهو يزعم أنه لو تسلّم مقاليد الأمور لأصلح نظام الحكم بضربة واحدة."( ) وواجهت محاولة فرض تغييرات جذرية كهذه على مجتمع غير متجانس صعوبات بالغة، وبقي شيوخ ورؤساء العشائر الكورد في معارضتهم التقليدية لسلطات الحكومة المركزية التي كانوا يعدونها تهديدا لسلطاتهم المحلية. ومن الصعب جداً على سكان هذه المناطق، تقبل فرض نظام سياسي جديد عليهم مبني على الإسلوب الغربي، او تقبل فكرة الملكية الدستورية. وفرض هذه الأمور من قبل البريطانيين ، قوبل بعدم الرضا من قبل هؤلاء وعلى جميع المستويات الإجتماعية. ( ) "إنَّ أبناء الجيل الجديد لم يعودوا يتأثرون بالمواعظ الدينية كما كان يفعل أباؤهم من قبل, بل هم أخذوا يتأثرون بمواعظ من نوع مستحدث هي تلك التي تمطرهم به المدارس ووسائل النِر والدعاية الحديثة كالصحف والازاعات والاحزاب وما أشبه. لكن يعاد تأثير ويعاظ الدينية على الجيل الحاضر."( )
ويمكن أنَّ نعرض في هذا المطلب تقسيم البنية الإجتماعية على الصعيدين القومي والديني وذلك من خلال تشكيل الدولة أو النظام السياسي المبني على اساس التقسيم الفعلي بين المجتمعات المختلفة. واهميتها في مجرى العلاقات الإجتماعية والسياسية القائمة خلال تلك الحقبة. وفي حال التحالفات المؤقتة داخل العشائر نفسها وبين الكونفدراليات العشائرية قصيرة المدى, مثلاً بين العشائر الشيعية والساسة البغداديين.
وبالنسبة للمجتمع الكوردي في العراق، فبرغم وجود الشعور القومي القوي، فإنَّ الخلافات الداخلية لم تكن اقل من التي كانت تدب في المجتمع الشيعي, وفي المجتمع الكوردي هناك خلافات بين العشائر من جانب وبين اهل المدن وسكان الأرياف من جانب آخر. وكانت التحالفات بين المجتمعات العراقية المختلفة نادراً ماتحدث. وكل مكون كان يشعر في داخله بخوف من سلطة المكون الآخر في المجتمع العراقي. ففي المناسبات كانت المكونات المختلفة داخل العراق تقوم
بالمقاومة ضد الدولة، خوفاً من إبعاد دورها الإجتماعي من الناحية القومية والدينية والمذهبية.( )
"وفي الحقيقة ان موقف القبائل (او القوم أو الطائفة الدينية والمذهبية) في العراق بعد أنَّ شهدت فيه القبيلة ولادة جديدة، يمكن ان يكون عاملاً حاسماً إذا حدثت تغيرات جذرية فيه. وقد تمحض بعض هذه القبائل (او القوم أو الطائفة الدينية والمذهبية) دعمها للحكومة المركزية مقابل تمتع زعمائها بمكانة و"الأسياد الأولى بالرعاية" وانتهاج سياسة تتيح لهم توزيع الموارد على أتباعهم."( )
"ان الهيئات الإجتماعية، وبالأحرى المجتمعات، المتعددة والمتنوعة، تشترك جميعها في عنصر اساسي وهو وجود تنظيم سياسي. وتتنوع المجتمعات المختلفة من ناحية الوقت والمكان. وتكون المجتمعات طوائف تأريخية تتغير بتأثير الوسط الإجتماعي. غير ان المجتمع السياسي في كل مكان، بدءاً من العشيرة الى الإمبراطورية، ومن التيوقراطيات الى الدول الحديثة. يعرض خصائص اساسية متماثلة."( )
وفي سنة 1991 بعد انتهاء حرب الكويت وحسمها من قبل قوات التحالف، حدثت انتفاضة اذار/مارس سنة 1991, أثر الوضع الدنيء المعيشي والإضطهاد، ومع انها كانت انتفاضة عفوية وغير منظمة في اصلها، ولكن انتشارها في الجنوب الشيعي ثم في الشمال الكردي لاقى بدرجة ما تحفيزاً من بلدان اجنبية ومن فصائل المعارضة العراقية في الخارج.( ) وبعد ذلك فرضت الحرب على العراق التوجه الى المكونات الأساسية لهوية سكان العراق الشيعة، فاختارت التشديد على العناصر القبلية والعروبية و المذهب الشيعي العراقي واخلاص الشيعة للدولة العراقية.( )
وقبل عام (2003) كانت سلطة الدولة بأيدي جماعة أثنية/أو طائفة دينية سائدة, أو بأيدي قبيلة واحدة تهيمن على الجماعة الإثنية. وبعد عام (2003) طالبت جماعات إثنية معينة (وخاصة الكرد) بقدر من السيادة على ارضها، داعية الى أقامة دولة فدرالية و اعتراف دولي بمكوناتها.( )
الآن كما في السابق، يلوح واقع الإثنية في العراق السياسي، وتندفع جماعات إثنية معينة, الى اعتزاز هويتها لطرح مطالب بتقاسم السلطة مع باقي الجماعات الإثنية الأخرى والحاكمة. وهذا صحيح عندما تكون جماعات إثنية صغيرة خاضعة لهيمنة جماعة إثنية ثالثة تتقاسم معها رقعة إقليمية واحدة، مثل الجماعات الإثنية – الدينية كالآشوريين أو الكلدانيين أو التركمان الذين كثر توترهم في علاقاتهم مع الكرد و العرب.( ) ان الشعب العراقي منشق على نفسه وفيه الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب متعدد الإثنيات أخر(باستثناء لبنان) وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الإنشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه, حيث يتاح لكل فئة أنَّ تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية.( ) وبعد ما جاهدَت كل المكونات داخل العراق, وخاصة العرب والكورد والتركمان، الذين يؤثرون على هوية العراق وشكل النظام السياسي. وتكوين الحكومة العراقية المؤقتة في 3/3/ 2005 و حلت الحكومة الإنتقالية برئاسة السياسي الكوردي، بمعنى ان رئيس الجمهورية من حصة الأكراد والنائيبين السني والشيعي من القومية العربية ، و نواب لرئاسة الوزراء وهم من الشيعة والسنة من القومية العربية مع أحد الأكراد.( ) وأثرت المكونات الرئيسية مثل الكورد والعرب من السنة والشيعة على النظام السياسي وتوجهاته واستقرارهُ على مدى تأريخ العراق الحديث سلباً أو اجاباً حسب المراحل التأريخية. وبَعد المرحلة الإنتقالية من سنة 2004 حصلت كل المكونات الرئيسية والثانوية في العراق على مكان في العملية السياسية والسلطة والحكم إثر النضال والحركات في التأريخ على الرأي وتمحور جماهيرهم حولهم لفرض بعض من حقوقهم على السلطة السياسية والنظام السياسي متعدد القوميات والإثنية. يحجزون مكانهم كل بحسب قدرته وقواهما الإجتماعية والسياسية في النظام السياسي للعراق ومع ذلك أثر الدولة العظمى والإقليمية على التوجهات السياسية والنظامية في النظام السياسي وتشكل التوتر وعدم الإستقرار السياسي والأمني في العراق عن طريق الأحزاب والقوى المتشكلة من القوميات والإثنية الدينية والمذهبية.
المطلب الثاني: تقويم أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق
أثرت البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق بعد إصدار مجلس الأمن الدولي في جلسته 4987بتأريخ في الثامن من حزيران / يونيو 2004، قراره رقم 1546 عن طريق توجيه نص الرسالتين الى رئيس مجلس الأمن من قبل رئيس وزراء الحكومة المؤقتة للعراق, الدكتور إياد علاوي, ووزير خارجية الولايات المتحدة, كولن باول, في 5حزيران / يونيو 2004.( ) الذى يرمي الى إخراج العراق من مظلة الإحتلال، وقد حدد مجلس الأمن يوم 30/ حزيران/ 2004 كموعد لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة كاملة المسؤولية والسلطة في العراق. وعدم أتخاذ أي إجراءات تؤثر على مصير العراق. اكد مجلس الأمن في قراره، حق الشعب العراقي في تقرير مستقبله بحّرية، وممارسة كامل السلطة على موارده المالية والطبيعية. وبعد ذلك في 31/ 1/ 2005 تمخضت عنها جمعية وطنية إنتقالية تتولى جملة مسؤوليّات منها تشكيل حكومة إنتقالية, وصياغة دستور دائم تمهيداً لقيام حكومة منتخبة انتخاباً دستورياً بحلول 31/ 12/ 2005.( )
وكان احد تأثيرات البنية الإجتماعية هو حصول الإستفتاء وقبول وتعيينهم في المادة 144من الدستور العراقي – 2005.( ) "بعد قراءة نصوص وبنود الدستور دون التصويت عليه، وانما تم الإتفاق عليه من قبل الكتل السياسية والمفاوضين تاركين للشعب الحكم عليه من خلال استفتاء عام 15/10/ 2005 ودخل الدستور العراقي خير (حيز )نفاذ في 20/5/ 2006. وحصل على نسبة 80 % تقريباً من أصوات الشعب العراقي."( ) ومعلوم ان المشاركة في الإستفتاء سجلت ارتفاعاً ملحوظاً إذ (63 % من الناخبين المسجلين)، بالقياس إلى الإنتخابات التأسيسية(58 %)و انتهى الإستفتاء بإقرار الدستور بنسبة 78 % من أصوات المقترعين. ومع هذه النسبة العالية من التأييد لن تخفى حقيقة الرفض الكاسح للدستور في المحافظات ذات الطابع السني، وهو رفض يشي بالفشل في بلورة اجماع وطني شامل. من جانب كما يشي من جانب آخر بالميل إلى " تصويت الإنتقام ", وهذا بدوره ينزع, ويا للمفارقة. الى تقوية الميل للمشاركة في العملية السياسية بوسائل سلمية، دستورية، أي عن طريق المؤسسات لا المسدسات.( )
إنَّ عملية مشاركة الشعب في الإستفتاءات الشعبية مع وجود البرلمانات يقلل من اهمية وهيبة المجالس البرلمانية ونفوذها, فضلاً عن أنَّ الرأي النهائي لها يُتخذ من مشاريع لا يعود إليهم وإنما إلى عامة الشعب. مع تزايد الشكوك في جدية الإستفتاءات ونزاهتها، وتزييف إرادة المستفتين عن طريق مختلف الوسائل والأساليب في سبيل التصويت. ومن جانب آخر بتزيف نتائج الإستفتاء وذلك بالتلاعب بتلك النتائج من قبل السلطات المنظمة لعملية الإستفتاء. إن الإستفتاءات الشعبية تأتي نتائجها غالباً لمقاومة كل تجديد أو تغيير، نظراً لتأثير الشعب العادي بآراء رجال الدين و المحافظين الذين يرفضون دائماً التجديدات والتغييرات.( )
كل هذه العيوب في الإستفتاء العراقي مع رفض المكون العرب السني له، إذ أوصوا بالتصويت ب(لا) على مسودة الدستور في حال عدم تعديل النقاط المتعلقة بالفدرالية, اما بالنسبة للمرجعية الشيعية فقد أوصى السيستاني بالتصويت ب(نعم) مع الكورد. واعلن في 25/8/ 2005 نجاح مسودة الدستور التي طرحت على الإستفتاء بموافقة 68.40 % من الناخبين العراقيين.( ) بعد مشاركة 58 % من الناخبين في انتخابات 31 كانون الثاني 2005 وفي أجواء مشحونة بالعنف، وأسفرت الإنتخابات عن بروز كتلتين نافذتين, ومتعارضتين في الجمعية التأسيسية وهي الكتلة الكردية (27 % من الأصوات) التي احتلت 75 مقعداً و الإئتلاف العراقي الموحد أي الكتلة الإسلامية الشيعية (48 % من الأصوات) التي احتلت 140 مقعداً من 275 مقعداً في الجمعية. وكانت أولى ضحايا استقطاب العنف والطائفية التي خيمت على الأجواء وما تزال، هي قائمة اياد العلاوي، التي يمثل الكتلة الشيعية الكبرى في التيار الوسطي, نحو 13 % من الأصوات. و40مقعداً من مجموع 275 مقعداً.. وثانية ضحايا الإنتخابات والعنف كانت الجماعات السنية, التي قاطعت باختيارها بقرار واع, أو عن طريق العنف والتهديد من دخول المعركة بشكل مؤثر. واخيرا احتلت الكيانات السياسية الممثلة للأقليات الدينية والإثنية مواقع هامشية نتيجة تفتتها بالذات.( ) وكل هذه التطورات السياسية, في حال غياب اي مكون من مكونات المجتمع العراقي, وإعادة توزيع مقاليد السلطة السياسية والثروة العامة، تعمق الإنقسام الطائفي وتصعد أزمة خطوط المواجهة المذهبية. وفي حال بروز الهويات الإثنية والدينية مبلغاً من الشمول فإنها تزيح الهويات السياسية الإيدولوجية واشكال التعبئة الحديثة المعروفة.( )
وفي ضألة المشاركة السنية (طوعاً أو خوفاً، والناجمة عن التهويل على حد سواء) في انتخابات كانون الثاني 2005، عانت المناطق السنية ضعفاً حاداً في التمثيل, فيما فاز الشيعة بتمثيل مفرط في المجلس الوطني التأسيسي الأول. وعّزز هذا الوضع الشعور بالتوزيع غير المتوازن للسلطة. وخاصة بين القوى السنية.( ) وسواء على المرجعية الشيعية، بإعداد قائمة انتخابية موحدة أو لم نعلم. تحولت بشكل متجرد الى طرف منحاز. وحرمت جمهور الشيعة قبل غيره من تطوير ملكته الديمقراطية باختياره القادة، وعزلهم ومحاسبتهم. وهذه سابقة غير حميدة، فالسياسة فن دنيوي فيها من الأهواء والمصالح المبتذلة، ما لايجوز ربطه بمكانة دينية سامية.( )
وبحسب التوزيع أو الإنقسام الإثني والديني الذي يربأ بأي تطبيق لمبدأ الولاية في الصيغة الإيرانية – فالدولة الدينية في العراق اليوم هي محض انتحار سياسي.( ) وتقسيمات بنى النظام السياسي الذي انتجه الأمريكيون على أساس تقسيم (50 +1) للشيعة و 20 % للأكراد و 20% للسنة والباقي تمثيل الكلد والآشور والتركمان. ومن خلال التقسيم الطائفي, فإنَّ الحالة السياسية السائدة في العراق الجديد على اقتسام السلطة بحسب المكونات الأساسية للشعب العراقي وليس بحسب النتيجة الإنتخابية. ولكن حسب التوزيع القومي والمذهبي ف(العرب الشيعة ، والعرب السنة, والكورد) ومن ثم توزيع المناصب الأساسية للمؤسسات الدستورية على تلك المكونات. أسس على اساس المحاصصة ولا سند لها في الدستور العراقي الدائم.( ) ونتجت عن العملية السياسية سلطة سياسية ونظام سياسي قائم على مبدأ المحاصصة الطائفية والفئوية والقومية، الأمر الذي أدى الى فقدان الهوية العراقية الجامعة وتغليب الأنتماء المذهبي والعرقي وتحول الولاء الى الطائفة والعشيرة، بحيث أصبحت ألأحزاب والقوى العراقية اشبه بالطوائف الحزبية أو الأحزاب الطائفية. النظام السياسي يتقلص في طموحاته ومشروعاته تحت قيادة هذه الطوائف.( )
ومع توزيع مناصب ومراتب الحكومة بين الأطياف العراقية، لا يبعد فقدان الهوية العراقية، لكن إذا كان هناك شيء أثبت ان من الصعب إعادة بنائه في العراق, فهذا الشيء هو تقاسم السلطة.( ) ونكتفي بما جاء في القرأن:[ لَو شاءَ رَبُكَ لَجَعَلَ الناسَ أُمَة واحِدَة و لا يَزالونَ مُختَلفينَ ].( )
إنَّ توزيع المناصب ليس لمصلحة الشعب العراقي بل هو أمر تتطلبه مصالح السياسيين من الأطياف والإثنيات والقوميات والمذاهب والأديان داخل العراق وليس لفائدة المجتمع العراقي.
ولكن من جانب أخر, إنَّ الإيمان بالتعددية الأثنية والسياسية, في المجتمع العراقي هو أحد الجوانب الأيجابية فيه لأن المجتمع العراقي يتعامل تعاملاً سليماً مع الاختلافات والتنوعات والتعدديات التقليدية والحديثة الموجودة في المجتمع, تعاملا لايكبت ويقمع هذه التنوعات وانما ينظمها ويحترمها ولا يتعالى على حقائقها.و انما يتعاطى معها وفق سياق حضاري قوامه التسامح مع حق التعدد. فالتعددية في جوهرها هي اقرار بالحرية والأختلاف, والتعايش السلمي في اطار الحرية والأختلاف والتنوع من غير ضرر ولا اضرار. والتعددية ليست نقيضةً للوحدة, ولا عقبة في طريقها, ولا تجزئة للدولة. بمعنى التنوع في اطار الوحدة, اي عدم رفض الوحدة والتعددية وإنما نبحث عن العلاقة بينهما.( ) وقد وفرت عملية كتابة الدستور فرصة فريدة لإعادة بناء الدولة العراقية, من حيث هي النظام للحكم ومن حيث هي أمة – دولة (مشاركة كل الجماعات الأثنية والدينية والثقافية على قدم المساوات). وتفتح هذه الفرصة الباب أمام ضمان مستقبل ومصالح كل الجماعات الأثنية والدينية ببلورة رؤية مقبولة وموحدة, من شأنها أن تسهم في إرساء السلام والإستقرار.( ) ونتج عمّا سبق اقرار تكوين الدولة الفيدرالية في العراق والإنتخابات الحرة مع استفتاء عن الدستور العراقي الموحد والفيدرالي سنة- 2005. هذا جانب من النتيجة الإيجابية للتنوع الأثني والمذهبي والديني في العراق, الذي تعيش فيه المكونات عيشاً مشتركاً.
الخاتمة
من خلال ما تقدم خرجت الدراسة بمجموعة من الاستنتاجات والمقترحات الآتية:
اولا: الإستنتاجات
من خلال دراستنا لعلاقة البنية الإجتماعية العراقية بالنظام السياسي وأثرها المتبادل بين المتغيرات وانعكاساتها التي تتأثر بالتعدد والتنوع القومي والديني والمذهبي. داخل المجتمع العراقي واثرها على العلاقات بين مكوناتها ودوامة السلطة السياسية الموحدة في العراق، ويمكن ان نعرض ذلك عن طريق عدد من النقاط الآتية:
1- إطار وماهية البنية الإجتماعية الذي هو نسق من العلاقات والترابطات داخل مجتمع معين. وبحسب المجتمع يمكن أن يحددها الترابطات والنسق من العلاقات والتفاعلات بين الأفراد داخلها.
2- علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي، هي علاقة جدلية ولا يمكن انشاء النظام السياسي دون المجتمع لأنَّ كل علاقة اجتماعية محكومة بعدد من القوانين والترابطات داخلها في نظامها الخاص، وفي المقابل فالنظام السياسي يتضمن العلاقات والترابطات والقوانين والتنظيمات السياسية الخاصة بهِ.
3- البنية الإجتماعية العراقية تتكون من البنى الرئيسية والثانوية، وبعض البنى الثانوية موجودة داخل البنية الرئيسية مثل الأديان التي يؤمن بها بعض الأفراد والجماعات داخل مكون قومي معين، لأن المجتمع العراقي مجتمع أو موزايك من الأقوام والأديان والمذاهب المختلفة.
4- تأثيرات البنية الإجتماعية العراقية تحدد بحسب القدرة وكثرة قوى المكون المعين. ولايقل تأثيرات البنية أو المكونات الأخرى التي ليست الأكثرية في المجتمع العراقي. وليس لها تأثير على النظام السياسي مثل القوى الإجتماعية الكبرى.
5- بحسب تقويمنا، فالنظام السياسي في العراق ليس نظاماً موحداً، وتؤثر المكونات على عدم استقراره وتوحيدهُ، وتوزيعات المناصب ليست عن طريق العملية الديمقراطية، وتوزع عن طريق المحاصصة الطائفية والقومية، وهي تضع دولة العراق على حافة الإنفكاك والتلاشي.
ثانياً: المقترحات
من الإستنتاجات التي يقدمها البحث, أنَّ البحث يحتاج الى مقترحات يؤثر على تحول مكونات المجتمع العراقي, من الرؤى والأفكار والأراء الضيقة التي تنبع من الطائفية والإثنية الى رؤى وطنية تخدم المجتمع العراقي وتكوين دولة المواطنة, عن طريق عدد من النقاط المقترحة فيمايأتي:
1- تطبيق المواد الدستورية الذي يعيد الهيبة الى جميع مؤسسات الدولة بحسب الدستور لسنة -2005, وترسيخ حقوق جميع المكونات الإجتماعية العراقية.
2- تخلي المكونات عن الرؤى الإثنية والطائفية والدينية والمذهبية وتجسيد الرؤى الوطنية داخلها.
3- اعادة البناء الاقتصادي (الصناعة – الزراعة) والاجتماعي بالشكل العلمي وتوفير فرص العمل والعيش الكريم والمساواة والعدل للمجتمع العراقي كلهمن شمالهِ الى جنوبهِ.
4- تقديم التعليم المعاصر والمتقدم الى جميع أبناء البلد, ومكافحة الأمية المنتشرة بين أبناء المجتمع من قبل الحكومة الفدرالية دون تمييز.
5- تخلي الأحزاب والمكونات عن المحاصصة في الإدارة والسلطة السياسية, وتعيين الأفراد ذوي القدرة والكفاءة الادارية والسياسية في مؤسسات الدولة في المكان المناسب.
قائمة المراجع :
اولاً:القرأن الكريم
ثانياً: دساتير الدول:
2- دستور جمهورية العراق – 2005.
ثالثاً: موسوعات:
3- اندريه لالاند: موسوعة لالاند الفلسفية, ت.خليل احمد خليل, ط2,منشورات عويدات, بيروت, 2001.
4- عبدالوهاب الكيالي: موسوعة السياسة, الجزء الأول, ط3, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بغداد, 1986.
5- جماعة من الأساتذة السوفييت:موجز القاموس الإقتصادي, ت.مصطفى الدباس, دار الجماهير, دمشق, 1972.
رابعاً: الكتب:
6- اسحق نقاش: شيعة العراق ، ت: عبدالإله النعيمي، ، ط الثالثة، دار المدى ، بغداد ، 2014.
7- انتوني غدنز بمساعدة كارين بيرسال: علم الإجتماع ( مع مدخلات عربية ) ، ط4 ، ترجمة و تقديم: فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت ، تشرين الأول 2005.
8- حنا بطاطو: العراق ، ثلاثة الكتاب، ت. عفيف الرزاز، منشورات فرصاد، تهران ، 2005.
9- رشيد الخيون:الأديان و المذاهب بالعراق ،ط2، منشورات الجمل، بيروت – بغداد ، 2007.
10- شاكر الأنباري: ثقافة ضد العنف: إطلالة على عراق ما بعد الحرب، معهد الدراسات الإستراتيجية ، بغداد – اربيل – بيروت ، 2007.
11- صادق الأسود: علم الإجتماع السياسي : أسسه و ابعاده ، كلية العلوم السياسية. جامعة بغداد، العراق، 1990.
12- صالح جواد كاظم, علي غالب العاني: الأنظمة السياسية، العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، 1990.
13- عبدالحميد لطفي: علم الإجتماع ، ط 7، دار النهضة العربية، بيروت ، لبنان ، 1977.
14- عبدالقادر محمد القيسي: الإستفتاء الشعبي و أثره في النظام السياسي، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2012.
15- عبدالله إبراهيم: علم الإجتماع ( السوسولوجيا)، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2006.
16- عزيز قادر الصمانجي: التأريخ السياسي لتركمان العراق، دار الساقي، بيروت، 1999.
17- علي الوردي: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي, دار الحوراء, بغداد, 2005.
18- علي الوردي: لمحات إجتماعية من تأريخ العراق الحديث, دار الراشد, بيروت, ط2, 2005.
19- فالح عبد الجبار – هشام داود (محررا الكتاب): الإثنية و الدولة، ت: عبدالإله النعيمي، (العصبية و السياسة الكردية من منظور اجتماعي – تأريخي ) حميد بوز ارسلان ، معهد الدراسات الإستراتيجية ، بغداد – بيروت ، 2006.
20- فالح عبدالجبار و أخرون : مأزق الدستور : نقد و تحليل ( متضادات الدستور الدائم ) ، معهد الدراسات الإستراتيجية ، بغداد – بيروت ، 2006.
21- فارس كمال نظمي: الأسلمة السياسية في العراق رؤية نفسية, مكتبة عدنان ,بغداد, 2012.
22- فريق ابحاث: التحرير و الإشراف اللغوي : حسين بن حمزة ( فريق ابحاث) : ديناميكيات النزاع في العراق – تقييم استراتيجي ، معهد الدراسات الستراتيجية ، بغداد –اربيل- بيروت ، 2007.
23- كردستان سالم سعيد: أثر التعددية الإثنية على الوحدة الوطنية في العراق، مركز كردستان للدراسات الإستراتيجية ، السليمانية، 2008.
24- كمال المنوفي : اصول النظم السياسية المقارنة، شركة الربيعان للنشر و التوزيع ، الكويت، 1987.
25- الليدي دراوور:الصابئة المندانيون, ت.نعيم بدوي, وغصبان رومي, مطبعة الارشاد, بغداد, 1969.
26- ليورا لوكيتز: العراق و البحث عن الهوية الوطنية ، ت: دلشاد ميران ، دار اراس للطباعة و النشر ، اربيل ، 2004.
27- محمد سلمان حسن: التطور الإقتصادي في العراق, المكتبة العصرية للطباعة و النشر, بيروت, بلا تأريخ.
28- مصطفى عثمان أحمد : إشكالية ممارسةالسلطة في المراحل الإنتقالية - دراسة مقارنة بين العراق و جنوب افريقا (رسالة ماجستير غير منشورة تقدم الى مجلس كلية القانون و السياسة بجامعة السليمانية )، السليمانية ، سنة 2017.
29- موريس دوفرجية : علم الإجتماع السياسة، ت: سليم حداد ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت ، 1991.
30- يوسف رزق الله غنيمة: نزهة المُشتاة في تأريخ يهود العراق, مطبعة الفرات, بغداد, 1924.
خامساً:المحاضرات
31- رشيد عمارة : محاضرة البنية الاجتماعية ألقيت على طلبة الماجستير كلية القانون والعلوم السياسية, قسم العلوم السياسية جامعة التنمية البشرية – جامعة السليمانية, الكورس الثاني للعام الدراسي 2019-2020.
سادساً:رابطالألكترونية
32-https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/NO4/381/14/PDF/NO438114.pdf?Open Element
-33 العشائر العراقية الدور و التأثير و السلوك السياسي و الإنتخابي.West Asia Research Center
https://alkhanadeq.org.Ib/static/media/uploads/212332f297a57a5a743894a0e4a801fc3/files
34-https://www.marefa.org/إحصائية-الجهاز-المركزي-للإحصاء-العراقي #العراق-ديموغرافيا