من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-العلاقات الجنسية والصراع الطبقي- ألكساندرا كولونتاي2
عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 18 - 22:15
العلاقات الجنسية والصراع الطبقي
ألكساندرا كولونتاي2
ترجمة ضي رحمي . مركز الدراسات الاشتراكية
إلى جانب أوجه القصور السابق ذكرها للنفس المعاصرة – الفردانية المتطرفة، والنرجسية (الأنا) التي أصبحت عبادة – ازدادت “الأزمة الجنسية” حدة بفعل اثنين من الخصائص السيكولوجية للإنسان الحديث:
1- فكرة امتلاك الشريك في الزواج.
2- الاعتقاد بعدم تكافؤ الجنسين، واختلاف قيمتهما في كل شيء، وفي كل المجالات، بما في ذلك المجال الجنسي.
الأخلاق البرجوازية، بنمطها الأسري الفردي الانطوائي القائم كليًا على الملكية الخاصة، رسخت بعناية لفكرة أن أحد الشريكين يجب أن “يمتلك” الآخر تمامًا، ولطالما نجحت في ذلك. إن فكرة “الامتلاك” تنتشر الآن أكثر مما كانت عليه في ظل النظام القبلي لعلاقات الزواج. وخلال فترة تاريخية طويلة في ظل رعاية “القبيلة”، لم تذهب فكرة امتلاك الرجل لزوجته (رغم أنه لم يكن هناك شكٌ في أن الزوجة من ممتلكات الزوج) إلى ما هو أبعد من مجرد الحيازة المادية البحتة. كانت الزوجة ملزمة بالإخلاص الجسدي للزوج – لكن روحها كانت ملكًا لها. حتى أن الفرسان اعترفوا بحق الزوجة في أن يكون لها معجبين وأصدقاء أفلاطونيين وبحقها في تلقي كلمات الإطراء و”الغزل” من الشعراء، ومن فرسانٍ آخرين.
والبرجوازية هي التي رسخت وعززت مفهوم الملكية المطلقة لـ “الشريك” امتلاكًا عاطفيًا فضلًا عن امتلاكه المادي، وبالتالي اتسع مفهوم حق الملكية ليشمل الحق في امتلاك كامل لعالم الطرف الآخر الروحي والوجداني. ولهذا عُزز هيكل الأسرة وحُرص على ضمان استقراره في الفترة التي كانت تكافح فيها البرجوازية للهيمنة، وهو المفهوم الذي سلمنا به بوصفه موروثًا أُعد للتعامل معه باعتباره من الثوابت الأخلاقية المطلقة التي لا تتغير! لقد ذهبت فكرة “الملكية” إلى ما هو أبعد من حدود “الزواج الشرعي”، فمفهوم الأسرة يصدّر نفسه كمقوم حتمي من بين معظم أشكال الحب “الحر”.
والعشاق المعاصرين مع كامل احترامهم للحرية، غير مقتنعين بفكرة الإخلاص الجسدي وحده لشريكهم في الحب. وللتخلص من التهديد الحالي بالوحدة وللأبد، نشن بمنتهى القسوة والفظاظة “هجومًا” على عواطف من نحب بشكل لن تستوعبه الأجيال القادمة. ونتمسك بحقنا في معرفة كل الأسرار المتعلقة بوجود الشريك، فالعاشق العصري قد يغفر الخيانة الجسدية بشكل أسهل من الخيانة “الروحية”، فهو ينظر للشعور بأي عاطفة خارج حدود العلاقة “الحرة” على أنها انتقاصٌ من سعادته الشخصية، فالمحبين في علاقاتهم دائمًا ما يكونوا مفرطي الحساسية تجاه طرف ثالث.
ولابد أننا جميعًا قد لاحظنا هذا الوضع الغريب لاثنين وقعا في الحب حديثًا ومتعجلين، قبل أن يتعرفا على بعضهما البعض بشكل صحيح، لممارسة حقهم في معرفة كل العلاقات التي مر بها الطرف الآخر حتى الآن، متعجلين للتفتيش في أعمق زوايا حياة شريكهم. اثنان لم يعرفا بعض بالأمس، وفي لحظة ما من الإثارة الحسية المتبادلة، يتعجلون لتملك قلب أحدهما الآخر. يريدان أن يشعرا أن هذه النفس الغريبة الغامضة، بخبراتها السابقة التي لا يمكن محوها، هي امتدادٍ لذواتهم.
لكن، فكرة أن الزوجان ملكية خاصة لبعضهما البعض مقبولة تمامًا، لدرجة أن باستطاعه زوجين شابين، كان لكل منهما بالأمس حياته الخاصة المنفصلة، أن يفتحا اليوم رسائلهم أحدهم الآخر دون استحياء، ليجعلا من كلمات شخص ثالث هو صديق لأحدهما فقط ملكية مشتركة، ونادرًا ما يعد ذلك أمرًا غير مشروع. لكن هذا النوع من “الألفة” يمكن أن ينشأ بين المحبين فقط بعد قضائهم فترة طويلة من حياتهم معًا. وعادة ما يحل نوع خادع من التقارب بديلًا عن الشعور الصادق، وهذا الخداع ينشأ عن الفكرة الخاطئة القائلة بأن العلاقة الجسدية بين شخصين هي أساس كافي لتأصيل حقوق ملكية أحدهما الآخر عاطفيًا.
معايير مزدوجة
“التفاوت” بين الجنسين – عدم المساواة في حقوقهم، التقييم غير المتكافئ لخبراتهم الجسدية والعاطفية – هي الخاصية الأخرى الخطيرة التي تشوه نفسية الإنسان المعاصر، وهي السبب في تعميق “الأزمة الجنسية”.
ازدواجية الأخلاق الكامنة في كل من المجتمع القبلي والبرجوازي، سممت على مدى قرون نفسية الرجال والنساء. وهذه الممارسات جزءٌ لا يتجزأ منا والتخلص منها أكثر صعوبة من التخلص من الأفكار المتعلقة بتملك الأشخاص التي ورثناها عن الأيديولوجيا البرجوازية فقط.
فكرة عدم تكافؤ الجنسين، حتى في مجال الخبرة الجسدية والعاطفية، يعني أن نفس السلوك سوف يُنظر له بشكل مختلف وفقًا لفاعله، رجلٌ كان أم امرأة. وحتى أكثر البرجوازيين “تقدمًا”، الذي يرفض نظام الأخلاق الحالي برمته، بسهولة سيجد نفسه متلبسًا بإصدار أحكام مختلفة حول سلوك واحد على حسب جنس فاعله.
مثال واحد بسيط يكفي، فلنتخيل رجل متعلم من مثقفي الطبقة الوسطى، ناشط في الحياة السياسية والاجتماعية – باختصار “شخص مميز”، أو ربما يكون “شخصية عامة” – يشرع في مضاجعة طاهيته (وهو ليس بأمرٍ نادر الحدوث)، وربما قد يتزوجها زواجًا شرعيًا. هل يغير المجتمع البرجوازي موقفه ونظرته حيال هذا الرجل؟ هل يلقي الحدث بظلال شك، ولو بقدر ضئيل، على مزاياه الأخلاقية؟ بالطبع لا. الآن نتخيل حالة أخرى، امرأة محترمة من المجتمع البرجوازي –شخصية اجتماعية، باحثة، أو طبيبة، أو ربما كاتبة، كلهن سواء – توددت إلى خادمها، واستكمالا للفضيحة تزوجته. كيف سيتجاوب المجتمع البرجوازي مع سلوك المرأة “المحترمة” حتى الآن؟ سوف يُنظر لها بمنتهى “الازدراء”، بالتأكيد!
ولنتذكر، سيصبح وضعها أسوأ كثيرًا لو أن زوجها، الخادم، وسيم، حسن المظر، أو يمتلك “صفات بدنية” أخرى مميزة. “واضح تمامًا لماذا سقطت” هكذا سيتشدقون، وهكذا ستصبح هدفًا لسخرية البرجوازية المنافقة.
يتبع