من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي - فريدريك إنجلس6


عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 16 - 04:56     

إذن، تعارض المزاحمة الرأسمال بالرأسمال والعمل بالعمل والملكية العقارية بالملكية العقارية، كما تعرض كلاً من هذه العناصر بالعنصرين الآخرين. وفي الصراع ينتصر الأقوى؛ وللتكهن بنتائج هذا الصراع، يجب علينا أن ندرس قوى المتصارعين. أولاً، الملكية العقارية والرأسمال – وكل مهما بمفرده – أقوى من العمل، لأنه يتعين على العامل أن يعمل لكي يعيش، بينما يستطيع مالك الأرض أن يعيش من ريعه والرأسمالي من فوائده، وعلى الأقل، من رأسماله أو بفضل الملكية العقارية المحولة إلى رأسمال. ومن جراء هذا، لا يبقى للعامل غير الضروري الضروري، لا يبقى له غير وسائل العيش، بينما يتقاسم الرأسمال والملكية العقارية أغلبية المنتوجات. وفضلاً عن ذلك، يزحزح العامل القوي من السوق العامل الضعيف، والرأسمال الكبير الرأسمال الصغير، والملكية العقارية الكبيرة الملكية العقارية الصغيرة. وتؤكد الممارسة صحة هذا الاستنتاج. وإنها لمعروفة أفضليات الصناعي الكبير والتاجر الكبير بالنسبة للصناعي الصغير والتاجر الصغير، ومالك الأرض الكبير بالنسبة لمالك مورغن* واحد وحيد من الأرض. ومن جراء هذا، يبتلع الرأسمال الكبير والملكية العقارية الكبيرة، في الظروف العادية، بموجب حق القوي، الرأسمال الصغير والملكية العقارية الصغيرةن أي يجري تمركز الملكية. وأثناء الأزمات التجارية والزراعية، يجري هذا التمركز بسرعة أكبر بكثير. – وعلى العموم تنمو الملكية الكبيرة بصورة أسرع بكثير مما تنمو الملكية الصغيرة لأنه يُحسَم من الدخل لأجل تكاليف الحيازة في الملكية الكبيرة نصيب أقل بكثير. وتمركز الملكية هذا هو قانون ملازم للملكية الخاصة بقدر ما تلازمها جميع القوانين الأخرى، ولا بد للطبقات المتوسطة أن تزول أكثر فأكثر حتى صبح العالم مقسوماً إلى مليونيرين وفقراء مدقعين، إلى ملاكين عقاريين كبار ومياومين فقراء. ولن يجدي نفعاً أي قانون، أو أي تقسيم للملكية العقارية، أو اية تقسيمات للرأسمال من باب الصدفة؛ فلا بد لهذه النتيجة أن تحل وهي تحل إذا لم يسبقها تحويل العلاقات الاجتماعية تحويلاً تاماً، وتمازج المصالح المتضادة، والقضاء على الملكية الخاصة.
إن المزاحمة الحرة، شعار الاقتصاديين الرئيسي في أيامنا، هي شيء مستحيل، فقد كان الاحتكار ينوي، على الأقل، وقاية المستهلك من الخداع، رغم أنه لم يكن بمقدوره أن يحقق هذه النية. أما القضاء على الاحتكار، فإنه يفتح الباب على مصراعيه أمام الخداع. أنتم تقولون: المزاحمة تنطوي على الوسيلة ضد الخداع، إذ أن أحداً لن يشتري أشياء رديئة، ولكن هذا يعني أنه ينبغي أن يكون كل امرئ خبيراً في كل صنف من البضائع؛ وهذا مستحيل. ومن هنا ضرورة الاحتكار، كما تبين تجارة الكثير من البضائع. يجب أن تملك الصيدليات وما إليها الاحتكار. والبضاعة الأهم – النقود – تحتاج، أشد ما تحتاج، إلى الاحتكار على وجه الضبط. وكلما كانت أداة التداول تكف عن أن تكون احتكار الدولة، كانت تنشب أزمة تجارية! ولذا يعترف الاقتصاديون الإنجليز، بمن فيهم الدكتور ويد، بضرورة الاحتكار هنا. ولكن الاحتكار أيضاً لا يقي من النقود المزيفة. انظروا إلى المسألة من أي جانب كان، فإن كل جانب يعرض من المصاعب قدر ما يعرضه أي جانب آخر. إن الاحتكار يلد المزاحمة الحرة، والمزاحمة الحرة تلد – بدورها – الاحتكار: ولهذا يجب أن يسقطا كلاهما، ومع إزالة مبدأ ولادتهما ستزول المصاعب نفسها أيضاً.

لقد تسربت المزاحمة إلى جميع علاقاتنا الحياتية وأنجزت الاستعباد المتبادل الذي يتواجد فيه الناس حالياً. والمزاحمة هي تلك الآلية الجبارة التي تدفع المرة تلو المرة إلى النشاط نظامنا الاجتماعي بسبيل الشيخوخة أو بسبيل الهرم أو بالأصح انعدام النظام، ولكن التي تبتلع في الوقت نفسه قسماً من قواه المستضعفة في حال توتيرها كل مرة. إن المزاحمة تسود على نمو البشرية العددي، وهي تسود كذلك على تطورها الأخلاقي. إن من يلم، ولو نوعاً ما، بإحصاءات الإجرام، الإجرام سنوياً، والذي تلد به أسباب معينة جرائم معينة. إن انتشار النظام المصنعي يؤدي في كل مكان إلى تفاقم الإجرام. ومن الممكن التكهن سلفاً بما يكفي من الدقة، سواء بالنسبة لمدينة كبيرة أم بالنسبة إلى مدينة صغيرة، - كما لم يكن ذلك من النادر في إنجلترا – بالعدد السنوي للاعتقالات والجرائم الجنائية، وحتى بعدد جرائم القتل، وعدد جرائم السرقة مع العنف، وعدد السرقات الصغيرة وإلخ.. إن هذا الانتظام يبرهن أن الإجرام أيضاً توجهه المزاحمة، وإن المجتمع يخلق الطلب على الإجرام، وإن هذا الطلب يلبيه عرض مناسب؛ وإن الثغرة التي تتشكل إثر عمليات الاعتقال أو النفي أو الإعدام التي تطال عدداً معيناً من الناس، يسدها في الحال من جديد أناس آخرون، مثلما كل نقص في السكان، يسده في الحال قادمون جدد، وبتعبير آخر نقول إن الإجرام يضغط على وسائل العقاب مثلما يضغط السكان على وسائل الشغل. وإني لأترك لقرائي القول إلى أي حد من العدالة تمضي معاقبة المجرمين في هذه الظروف، ناهيك عن جميع الظروف الأخرى. فهنا يهمني أمر واحد فقط، هو أن أثبت انتشار المزاحمة في ميدان الأخلاق أيضاً وأن أبين أي درك من الانحطاط ساقت الملكية الخاصة الإنسان.

في نضال الرأسمال والملكية العقارية ضد العمل، يملك العنصران الأولان في وجه العمل أفضلية خاصة أخرى، هي مساعدة العلم، لأن العلم أيضاً موجه في ظل العلاقات الراهنة ضد العمل. مثلاً: الاختراعات الميكانيكية جميعها تقريباً، وبخاصة آلات هارغريفس وكرومبتون واركرايت لغزل القطن، قد استدعاها نقص قوة العمل. إن الطلب المشتد على العمل قد استتبع دائماً اختراعات زادت كثيراً من قوة العمل وقللت بالتالي من الطلب على العمل البشري. وإن تاريخ إنجلترا منذ 1770 حتى أيامنا دليل متواصل على هذا. والاختراع الكبير الأخير في غزل القطن - المول* - قد استتبعه الطلب الخارق على العمل وارتفاع الأجور، وقد ضاعف عمل الآلات، وخفض بالتالي العمل اليدوي إلى النصف، وحرم نصف العمال من العمل، وخفض بالتالي أجور النصف الآخر؛ وقضى على اتفاق العمال ضد الصناعيين ودمر البقية الأخيرة من القوة التي كانت لا تزال تتيح للعمل أن يصمد في الصراع غير المتكافئ ضد الرأسمال. (قارن الدكتور يور. ""فلسفة المانيفاكتورات""، المجلد 2). صحيح أن الاقتصادي يقول إن الآلات نافعة للعمال في آخر المطاف لأنها ترخص الإنتاج وتخلق بالتالي لأجل منتوجاتها سوقاً أوسع، وإن الآلات تؤمن على هذا النحو، من جديد، وفي آخر المطاف، شغلاً للعمال الذين بقوا بلا عمل. صحيح تماماً. ولكن لماذا ينسى الاقتصادي هنا أن إنتاج قوة العمل تضبطه المزاحمة، وأن قوة العمل تضغط دائماً على وسائل الشغل، وأنه سيظهر بالتالي، من جديد نحو الزمن الذي لا بد أن تحل فيه هذه المنافع، عدد فائض من المتزاحمين الذين يفتشون عن عمل، وأن المنفعة تمسي بالتالي شبحاً، بينما الخسارة – الحرمان المفاجئ من وسائل العيش بالنسبة لنصف العمال وهبوط أجور النصف الآخر – ليست البتة شبحاً؟ لماذا ينسى الاقتصادي أن تقدم الاختراعات لا يتوقف أبداً وأن هذه الخسارة تتأبد بالتالي؟ لماذا ينسى أن العامل لا يستطيع أن يعيش – في ظل تقسيم العمل، المتعاظم إلى ما لا نهاية له بفضل حضارتنا – إلا إذا كان بوسعه أن يجد مجالاً لبذل قواه على آلة معينة للقيام بعمل جزئي معين؛ وأن الانتقال من شغل إلى آخر، جديد، مستحيل تماماً على الدوام تقريباً بالنسبة للعامل الراشد؟
ومع دراسة تأثير الإنتاج الآلي، أصل إلى موضوع آخر، أبعد، هو النظام المصنعي؛ ولكن لا رغبة عندي ولا وقت للانصراف هنا إلى بحثه. ولكني آمل في أن تسنح لي الفرصة عما قريب لكي أحلل بالتفصيل لاأخلاقية هذا النظام الكريه وأفضح بلا هوادة نفاق الاقتصاديين الذين يبرزون هنا بكل لمعانهم.
انتهى
كتبه إنجلس في أواخر 1842 – كانون الثاني (يناير) 1844.
صدر في مجلة ""Deutsch- Franzosische Jahrbucher"" سنة 1844.
التوقيع: فريدريك إنجلس.
يصدر حسب نص المجلة
النص الأصلي بالألمانية