المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - مواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا للإنقلاب التحريفي و إعادة تركيز الرأسمالية في الصين ، منذ سبعينات القرن العشرين


شادي الشماوي
2024 / 7 / 14 - 21:21     

المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ
الفصل الثالث من كتاب - مواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا للإنقلاب التحريفي و إعادة تركيز الرأسمالية في الصين ، منذ سبعينات القرن العشرين

الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 48 / مارس 2024
شادي الشماوي
https://www.ahewar.org/m.asp?i=3603
مواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا للإنقلاب التحريفي و إعادة تركيز الرأسمالية في الصين ، منذ سبعينات القرن العشرين
-------------------------------------------------------

مقدّمة الكتاب 48

في أواسط خمسينات القرن الماضيّ ، عقب وفاة ستالين ، لمّا حصل الإنقلاب التحريفي في الإتّحاد السوفياتي و صعدت التحريفيّة إلى السلطة و بالتالى صعدت البرجوازية الجديدة إلى السلطة فحوّلت الحزب و الدولة البروليتاريّين إلى حزب و دولة برجوازيّين و أعادت تركيز الرأسماليّة ، ذُهل الشيوعيّون الحقيقيّون بالحزب السوفياتي و ذُهلت الغالبيّة الساحقة من أحزاب و منظّمات الحركة الشيوعيّة و لم تجد نفسها قادرة على فهم ما كان يجرى على أرض الواقع فهما علميّا ماديّا جدليّا لأنّ هذه الإمكانيّة كانت مستبعدة نظريّا و عمليّا فمنذ ثلاثينات القرن العشرين و صياغة الدستور الجديد للإتّحاد السوفياتي، إعتُبر أنّه لا توجد في الإتّحاد السوفياتي الإشتراكي حينها غير طبقتين صديقتين هما البروليتاريا و الفلاّحين إلى جانب الأنتلجنسيا أو المثقّفين الثوريّين أساسا . و لسنوات ما من حزب تمكّن من إدراك كنه و فحوى ما كان يجدّ هناك من إعادة تركيز للرأسماليّة في الإتّحاد السوفياتي غير الحزب الشيوعي الصيني و على رأسه ماو تسى تونغ . فظلّت الغالبيّة الساحقة من الأحزاب و المنظّمات صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة تتّبع عن عمى القيادة التحريفيّة السوفياتيّة بينما وقف عدد لا بأس به من الأحزاب و المنظّمات في البداية مكتوفى الأيدى ، في ذهول و تردّد أمام الصراع الذى كان يشنّه الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفية المعاصرة منذ الخمسينات . لكن هذا الصراع العظيم أتى أكله في بداية ستّينات القرن العشرين حركة ماركسيّة – لينينيّة قطعت في الأساس مع التحريفيّة المعاصرة بشتّى ألوانها كان محورها الشيوعيّون الصينيّون و قامت على عديد الوثائق التي صاغها هؤلاء بإشراف من ماو تسى تونغ و أبرزها " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعيّة العالميّة " الذى نشر سنة 1963 (وهو معروف أيضا ب" رسالة الخمسة و العشرين نقطة " )...
لكن لمّا إستولى التحريفيّون الصينيّون على مقاليد السلطة في الحزب و الدولة و حوّلوهما إلى نقيضهما ، من بروليتاريّين على برجوازيّين ، سرعان ما قام عدد هام من الأحزاب و المنظّمات الماركسيّة – اللينينيّة الحقيقيّة بخوض صراع لا هوادة فيه ضد الخطّ التحريفيّ الصينيّ داخل الصين و خاصّة خارجها . و مردّ هذا البون الشاسع في التعاطى مع الإنقلابين التحريفيّين هو أن الحركة الماركسيّة – اللينينيّة كانت متسلّحة في معظمها بنظريّة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا ، النظريّة التي طوّرها ماو تسى تونغ على أساس التقييم العلمي المادي الجدلي الذى أجراه للتجربة الإشتراكية السوفياتيّة و تجربة صراعات الخطّين صلب الحزب الشيوعي الصيني و بناء الإشتراكيّة في الصين و طبعا قتال التحريفيّة المعاصرة بجميع أرهاطها .
و هكذا حدث تطوّر نوعيّ من إنكار لوجود الطبقات و التناقضات الطبقيّة العدائيّة و الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية و من ثمّة إنكار إمكانيّة إعادة تركيز الرأسماليّة بإعتبار الإشتراكية ماركسيّا و كما بيّنت التجارب مرحلة إنتقاليّة تحتمل التقدّم و التراجع ، تحتمل إمكانيّة العودة إلى الوراء ، إلى الرأسماليّة ، كما التقدّم نحو الشيوعيّة ؛ إلى نظريّة مواصلة الصراع الطبقي في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و الثورة الثقافيّة وسيلة و أداة بيد الشيوعيّين الثوريّين لخوض مثل ذلك الصراع و الحيلولة دون إنتصار الخطوط التحريفيّة و إعادة تركيز الرأسماليّة . و هذه حقيقة موضوعيّة لا يزال يدير لها ظهورهم كافة الإنتهازيّين و منهم بخاصة التروتسكيّين و الخوجيّين بكلّ أصنافهم .
في الصين الإشتراكية عهد ماو تسى تونغ ، و بوجه خاص إبّان الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى التي إمتدّت من 1966 إلى 1976 ، واجه الماركسيّون – اللينينيّون – الماويّون ألوانا من الخطوط التحريفيّة التي كان يتزعّمها ليو تشاوتشى و دنك سياو بينغ و لين بياو و غيرهم . و قبل وفاة ماو بأكثر من السنتين ، خاضوا نضالات عظيمة في شكل حملات سياسيّة ضد " ريح الإنحراف اليميني " الذى قاده دنك سياو بينغ و أمثاله . و حتّى حينما جدّ الإنقلاب التحريفي ، قاوم الماويّون الصينيّون مقاومة شرسة التحريفيّين المستولين على الحزب والدولة وقد سجّل التاريخ أنّ مقاومتهم بلغت المقاومة المسلّحة. و على سبيل المثال لا الحصر، ورد التالى في مقال ريموند لوتا، " المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ 1973-1976"، ( مقدّمة كتاب ، " و خامسهم ماو " ، بانر براس ، شيكاغو ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، 1978 ) :
" فقد إضطرّ [ التحريفيّون ] إلى إرسال جيش التحرير الشعبي إلى شنغاي و بيكين و إلى غيرها من المناطق أيضا . فى مفترق سكك حديدية محوري ، باوتين ، جنوب بيكين ، وجد تقرير إعلامي عن كون آلاف الفرق إلتحقت بالمتمرّدين و حتى الحكّام الحاليّين إعترفوا بأنّهم لم يستطيعوا السيطرة على المعارضة إلاّ فى مارس 1977 .
و كانت إذاعات مقاطعات تذيع فى الخارج بين نوفمبر 1976 و جوان 1977 تكشف أحداثا متواترة من الهجمات ضد المقرّات و المنشآت العسكرية فى بيكين و أعمال مقاومة مسلّحة . و فى بعض المناطق لم تعد من جديد حركة نقل السكك الحديدية إلاّ فى مارس 1977 و وردت تقارير عن إضطرابات فى عديد المصانع الكبرى فى مختلف جهات البلاد . و فى يونان ، وجدت تقارير عن غياب جماعي إحتجاجا على فرض ضوابط و قوانين ما قبل 1966 . و فى المدّة الأخيرة ، تسرّبت تقارير عن الصراعات فى الجامعات . و مع ذلك ، يجب الإقرار بأنّ اليمين ماسك بصلابة بزمام القيادة فى هذه اللحظة .
و جرى طرد نحو ربع اللجنة المركزية ( بما فى ذلك الأعضاء النواب ) إثر الإنقلاب ، 51 منهم كانوا قادة جماهيريّين بارزين من الطبقة العاملة . و عُزل ستّة وزراء مرتبطين بالأربعة من مجلس الدولة و 13 من ال29 قائدا حزبيّا من الوحدات الإداريّة ( محافظات و مناطق حكم ذاتي إلخ ) طُردوا. و حدثت التغييرات الأتمّ فى قسم دعاية اللجنة المركزيّة و وسائل الإعلام المركزيّة التى كانت منذ الأيّام الأولى للثورة الثقافيّة حصنا لليسار بدعم نشيط من ماو تسى تونغ . و أربعة عشر شخصا من الموظّفين الرئيسيّين الذين يحتلّون الآن مواقعا محوريّة فى جهاز الإعلام المعاد بناؤه من الذين أطاحت بهم الثورة الثقافيّة . و توجّه القمع إلى المستويات الأكثر قاعديّة بما أنّه هناك كانت القوّة الأوفر للقوى الثوريّة .
فى مارس 1977 ، أعلم لأوّل مرّة عن إعدامات من خلال ملصقات على الجدران و سنة بعد الإنقلاب دعت إفتتاحية مشتركة بين " يومية الشعب " و " الراية الحمراء " و جريدة جيش التحرير الشعبي إلى " بذل جهود كبرى لنقد " مجموعة الأربعة " و " التحطيم التام لبرجوازيّتهم الحمراء السكتاريّة " ؛ و هذا ليس مؤشّرا فقط عن تواصل المقاومة بل أيضا عن موجة الإرهاب التى تطبّق ضد الجماهير ( و كذلك عن صراع الكتل داخل اليمين ). "
( إنتهى المقتطف )
و نهض الماويّون الحقيقيّون عبر العالم ( ليس جميع الماويّين طبعا فمنهم من تبنّى الخطّ التحريفي لدنك سياو بينغ على أنّه زورا و بهتانا خطّ ماو الثوريّ ) بالواجب الذى دعاهم إلى القيام به ماو تسى تونغ منذ 1965 حيث قال صراحة و بلا مداورة متحدّثا عن إمكانيّة خسارة الصين الإشتراكية و إعادة تركيز الرأسماليّة فيها :
" إذا إفتكّ التحريفيّون مستقبلا قيادة الصين ، على الماركسيّين – اللينينيّين فى كافة البلدان أن يفضحوهم بصرامة و أن يناضلوا ضدّهم و أن يساعدوا الطبقة العاملة و الجماهير الصينيّة فى قتال هذه التحريفيّة ."
( ماو تسى تونغ ، 1965 )
و كمدخل و تلخيص للموقف الشيوعي الثوري دفاعا عن علم الشيوعية الذى طوّره ماو تسى تونغ ذاته كأحد أبرز قادة البروليتاريا العالمية لعقود ، نقترح عليكم ما أعربت عنه مجموعة لا بأس بها من الأحزاب و المنظّمات الماويّة التي عملت موحّدة ضمن " الحركة الأمميّة الثوريّة " من 1984 إلى 2006 – على أنّه وجب التنويه إلى تطوير الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعيّة الجديدة و مهندسها بوب أفاكيان لهذا الملخّص من المواقف و قد جدّ صراع خطّين بشأن نقاط منه و نقاط أخرى صلب الماويّين الذين إنقسموا إلى إثنين أساسا و قد حمل أحد كتبنا المخصّص للغرض عنوان " الماوية تنقسم إلى إثنين ". و قد ورد فى " بيان الحركة الأممية الثوريّة " لسنة 1984 :
" ماو تسى تونغ ، الثورة الثقافية و الحركة الماركسية - اللينينية - الماوية :
لقد شرع ماوتسى تونغ و الماركسيين – اللينينيين فى الحزب الشيوعي الصيني، مباشرة بعد الإنقلاب الذى قاده خروتشوف، فى تحليل ما حصل داخل الإتحاد السوفياتي و الحركة الشيوعية العالمية.و أخذوا فى النضال ضد التحريفية المعاصرة . و فى 1963 ، نشرت الرسالة ذات الخمسة و عشرين نقطة (" إقتراح حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية ") التى أدانت التحريفية بصفة علنية و كاملة ووجهت نداءا لجميع الماركسيين – اللينينيين الحقيقيين فى جميع البلدان.
إنّ جذور الحركة الماركسية - اللينينية- الماوية المعاصرة ترجع بالنظر إلى هذا النداء التاريخي و الصراعات التى صاحبته.
و لقد قام ماو و الحزب الشيوعي الصيني ، محقين كثيرا فى الرسالة ذات الخمسة و عشرين نقطة و الصراعات التى صاحبتها،
- بالدفاع عن الموقف اللينيني بخصوص دكتاتورية البروليتاريا ودحض النظرية التحريفية المزعومة" لدولة الشعب كله ".
- بالدفاع عن ضرورة الثورة المسلحة ورفض الإسترتيجيا المزعومة " للتحول السلمي للإشتراكية "
- بمساندة و تشجيع نموّ الحروب التحررية الوطنية للشعوب المضطهَدة و أظهروا أنه من المستحيل وجود إستقلال فعلي فى ظلّ "الإستعمار الجديد"و فنّدوا الموقف التحريفي المزعوم القائل بتجنب الحروب التحررية الوطنية خوفا من إنخرام "السلم العالمي".
- برسم تقييم عام إيجابي حول مسألة ستالين و تجربة البناء الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي ، ومقاومة التشويهات التى تجعل من ستالين "جزارا "و "طاغية " مع توجيه فى نفس الوقت بعض النقد العام للأخطاء التى سقط فيها ستالين .
- بمواجهة مجهودات خروتشوف الهادفة إلى فرض خط تحريفي على الأحزاب الأخرى ، ونقد توراز و توليوتي ، و تيتو و تحريفيين معاصرين آخرين .
- بتقديم رسم أولي جنيني حول الطرح الذى يشتغل عليه ماو تسى تونغ و المتعلق بالطبيعة الطبقية للمجتمع الإشتراكي و مواصلة الثورة فى ظلّ ديكتاتورية البروليتاريا .
- بالدعوة للقيام بتحليل عميق للتجربة التاريخية للحركة الشيوعية العالمية و جذور التحريفية .
إن هذه المقترحات و بعض الجوانب الأخرى من رسالة ال25 نقطة و الصراعات ، كانت و لا تزال ذات أهمية كبرى للتفريق بين الماركسية - اللينينية و التحريفية . و لقد شجع ماو و الحزب الشيوعي الصيني من خلال هذه الصراعات الماركسيين - اللينينيين على القطع مع التحريفيين و على إعادة بناء أحزاب جديدة بروليتارية ثورية . ومثلت هذه الصراعات قطيعة أساسية مع التحريفية المعاصرة و شكلت أساسا كافيا للماركسيين - اللينينيين يقدرون من خلاله على خوض النضال . رغم ذلك فإن نقد التحريفية لم يذهب بعيدا و لم يتناول العديد من المسائل و برزت بعض وجهات النظر الخاطئة فى نفس الوقت الذى وقع فيه نقد وجهات نظر أخرى . و بالذات لأن ماو و الحزب الشيوعي الصيني و هذه الصراعات لعبوا دورا ذا أهمية كبيرة فى بناء حركة ماركسية - لينينية - ماوية فى العالم فإنه من الحق و الضروري الإشارة إلى المظاهر الثانوية ذات الطابع السلبي لهذه الصراعات و لنضال الحزب الشيوعي الصيني فى الحركة الشيوعية العالمية .
لقد طرحت رسالة ال25 نقطة بخصوص البلدان الإمبريالية الموضوعة التالية :
" و فى البلدان الرأسمالية التى يسيطر عليها الإستعمار الأمريكي أو يحاول السيطرة عليها ينبغى على الطبقة العاملة و جماهير الشعوب أن توجه هجومها بصورة رئيسية إلى الإستعمار الأمريكي ، و أيضا إلى الطبقة الرأسمالية الإحتكارية و القوى الرجعية المحلية الأخرى التى تخون المصالح الوطنية ". إن رؤية الأشياء بهذه الكيفية التى أضرت بتطور الحركة الماركسية – اللينينية فى مثل هذه البلدان قد أخفت حقيقة أن "المصالح الوطنية " فى بلد إمبريالي هي مصالح الإمبرياليين و أن الطبقة الرأسمالية الإحتكارية فى السلطة لا تخون هذه المصالح بل بالعكس تدافع عنها مهما كانت طبيعة التحالفات التى تقوم بإبرامها مع بعض القوى الإمبريالية الأخرى بالرغم من أن هذه التحالفات تشمل لا محالة لامساواة. فى حين أنه وقع تشجيع بروليتاريا هذه البلدان على مزاحمة البرجوازية الإمبريالية لمعاينة من هو قادر أكثر على الدفاع عن مصالح هذه الأخيرة . للحركة الشيوعية العالمية تاريخ كامل مع طريقة رؤية الأشياء هذه و قد حان الوقت للتخلص منها .
و على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني قد أولى إهتماما بالغا لتطوير الأحزاب الماركسية - اللينينية - الماوية المعارضة للتحريفية ، فإن هذه الأحزاب لم تقدر على وضع الأشكال و الطرق الضرورية لبناء الوحدة الأممية للشيوعيين . ورغم كل الإسهامات فى الوحدة الإيديولوجية و السياسية ، فإنها لم تقم بالمجهودات الملائمة لبناء الوحدة التنظيمية على الصعيد العالمي. لقد إهتم الحزب الشيوعي الصيني أكثر من اللازم بالجوانب السلبية (مثل مشكلة المركزية المجحفة خاصة ) التى خنقت مبادرة و إستقلالية الأحزاب الشيوعية أعضاء الكومنترن . وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني كان على حق حين إنتقد نظرية " الحزب الأب " و تأثيرها السيئ على الحركة الشيوعية العالمية و حين أكد على ضرورة مبدأ العلاقات الأخوية بين الأحزاب ، فإن غياب الإطار التنظيمي الذى كان يمكّن من الخوض فى جميع وجهات النظر والوصول إلى أفق موحد ، لم يساهم فى حلّ هذه المشكلة بل زاد من حدتها .
و إن كان النضال ضد التحريفية المعاصرة على المستوى النظرى لعب دورا عظيما فى تجميع الحركة الماركسية – اللينينية - الماوية ، فإن الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ( و التى كانت هي الأخرى فى جزء كبيرمنها ثمرة هذا النضال ضد التحريفية المعاصرة ) جسدت الشكل النضالي الجديد الذى لم يسبق له مثيل فى التاريخ وولدت جيلا جديدا من الماركسيين -اللينينيين – الماويين . فقد إندفع عشرات الملايين من العمال و الفلاحين و الشباب الثوري للنضال من أجل الإطاحة بالمسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي ( المندسين داخل الحزب و أجهزة الدولة ) ومن أجل مزيد تثوير المجتمع بأكمله و مسّوا فى العمق ملايين البشر فى جميع أنحاء العالم كانوا يخوضون نضالا ثوريا و يشكلون جزءا من الإندفاع الثوري الذى إجتاح العالم خلال الستينات و بداية السبعينات .
الثورة الثقافية هو قمة المستوى الراقي فى إلى حدّ الآن ما بلغته دكتاتورية البروليتاريا و عملية تثوير المجتمع . و لأول مرة فى تاريخ الإنسانية ، وجد العمّال و العناصر الثورية الأخرى أنفسهم مسلحين بفهم جيد لطبيعة الصراع الطبقي فى المجتمع الإشتراكي و ضرورة النهوض و الإطاحة بالمسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي و الذين يظهرون لا محالة وسط المجتمع الإشتراكي و خاصة على مستوى قيادة الحزب نفسه ، و بضرورة النضال لدفع التحولات الإشتراكية إلى الأمام أكثر و إجتثاث الظروف المادية التى تولد هذه العناصر الرأسمالية من الجذور .
و قد ساهمت الإنتصارات الكبرى التى بصمت مجرى الثورة الثقافية فى منع إرتداد تحريفي فى الصين طيلة عشر سنوات و أدت إلى تحويلات إشتراكية هامة فى ميدان التعليم و الفن و الأدب و البحث العلمي و فى العديد من الميادين الأخرى فى مستوى البنية الفوقية . و قد عمق الملايين من العمال و الثوريين الآخرين فى خضم المعارك الإيديولوجية و السياسية الضارية للثورة الثقافية وعيهم السياسي الطبقي و إستيعابهم مما جعلهم قادرين أكثر على ممارسة السلطة السياسية . و خيضت الثورة الثقافية على نحو جعل منها جزءا لا يتجزأ من نضال البروليتاريا الأممي فشكلت أرضية تثقيفية للماركسية - اللينينية و للمبادئ الأممية البروليتارية و ما يبرهن على هذا ليس الدعم المقدم للنضالات الثورية عبر جميع أنحاء العالم وحسب و لكن أيضا التضحيات التى قدمها الشعب الصيني لتوفير ذلك الدعم .
و أفرزت الثورة الثقافية قادة ثوريين مثل كيانغ تشينغ و تسينغ سوين كياو إنظموا إلى جانب الجماهير وواصلوا الدفاع عن الماركسية - اللينينية - الماوية حتى أمام الهزيمة القاسية .
قال لينين : " ليس بماركسي غير الذى يعمّم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بديكتاتورية البروليتاريا ". لقد تدعم هذا الشرط الذى طرحه لينين أكثر على ضوء الدروس و النجاحات القيّمة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بقيادة ماو تسى تونغ .
و يمكن لنا القول الآن ليس بماركسي غير الذى يعمّم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بديكتاتورية البروليتاريا و أيضا على الوجود الموضوعي للطبقات و التناقضات الطبقية العدائية و مواصلة صراع الطبقات فى ظل دكتاتورية البروليتاريا طوال مرحلة الإشتراكية و حتى الوصول إلى الشيوعية . و كما قال ماو فإن : " كل خلط فى هذا المجال يؤدى لا محالة إلى التحريفية " .
و قد كانت الثورة الثقافية دليلا حيا على حيوية الماركسية – اللينينية و أظهرت أن الثورة البروليتارية تتميز عن كل الثورات السابقة التى لم تكن قادرة إلا على تعويض نظام إستغلالي بآخر . ومثلت مصدر إلهام لجميع الثوريين فى كل البلدان . لهذه الأسباب ما إنفك الرجعيون و التحريفيون ينفثون سمومهم ضد الثورة الثقافية وضد ماو و لهذه الأسباب أيضا فإن الثورة الثقافية تشكل عنصرا لا يمكن الإستغناء عنه ضمن التراث الثوري للحركة الشيوعية العالمية .
لقد تمكّن التحريفيون داخل الحزب و أجهزة الدولة الصينية، بالرغم من الإنتصارات العظيمة للثورة الثقافية ، من مواصلة إحتلال مناصب هامة و تشجيع خطوط و إجراءات سياسية أضرت بالمبادرات الهشّة لأولئك الذين قاموا بمحاولات إعادة بناء حركة شيوعية عالمية حقيقية . فقد عمد التحريفيون فى الصين الذين كانوا يمسكون بجزء لا يستهان به من الديبلوماسية و العلاقات بين الحزب الشيوعي الصيني و الأحزاب الماركسية – اللينينية - الماوية الأخرى إما إلى إدارة ظهورهم للنضالات الثورية للبروليتاريا و الشعوب المضطهَدة و إما إلى توظيف هذه النضالات لمصالح الدولة الصينية . وهكذا أسندت صفة " المعادين للإمبريالية " لبعض الحكام المستبدين الرجعيين الحقيقيين ، و بتعلة النضال العالمي ضد "الهيمنة " تم إعتبار بعض القوى الإمبريالية الغربية كقوى وسطية و حتى إيجابية فى الظرف العالمي . بعدُ فى ذلك الوقت قد سارت العديد من الأحزاب الماركسية – اللينينية الموالية للصين و التى كانت تحظى بدعم التحريفيين فى الحزب الشيوعي الصيني فى ركب البرجوازية و وصل بها الأمر إلى حد الدفاع ( أو على الأقل عدم مواجهة ) التدخلات العسكرية للإمبريالية أو تحضيراتها للحرب الموجهة ضد الإتحاد السوفياتي البلد الذى وقع إعتباره أكثر فأكثر ك"عدو رئيسي" على المستوى الدولي . وقد إنتعشت تماما جميع هذه التيارات على إثر الإنقلاب الذى حصل فى الصين وما تلاه من قيام التحريفيين بصياغة " نظرية العوالم الثلاثة " و محاولتهم فرضها على الحركة الشيوعية العالمية . و كان الماركسيون –اللينينيون- الماويون على حق عندما دحضوا تشويهات التحريفيين التى كانت تدعى بأن ماو قد دافع عن " نظرية العوالم الثلاثة " . و لكن هذا غير كاف إذ يجب تعميق نقد " نظرية العوالم الثلاثة " بنقد المفاهيم التى تدعمها و بالكشف عن جذور هذه النظرية .
و تجدر الملاحظة هنا أن المغتصبين التحريفيين فى الصين كانوا مضطرّين للتنديد علنا برفاق ماوتسى تونغ فى السلاح متهمينهم بمعارضة " نظرية العوالم الثلاثة ".
إنّ التناقض بين البلدان الإشتراكية والبلدان الإمبريالية هو أحد التناقضات أو السمات الأساسية لعصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية . و على الرغم من أن هذا التناقض قد غاب اليوم مؤقتا بسبب التحولات التحريفية لمختلف البلدان الإشتراكية سابقا ، فإن هذا لا يغير فى شيئ من ضرورة تقييم التجربة التاريخية للحركة الشيوعية بصدد الكيفية التى عولج بها هذا التناقض و التى تبقى مسألة نظرية ذات أهمية : و بالفعل ستجد البروليتاريا يوما ما نفسها أمام ظروف يكون فيها بلد ( أو عدة بلدان ) إشتراكية فى مواجهة سافرة مع أعداء إمبرياليين مفترسين. لقد تمكّن المسؤولون السائرون فى الطريق الرأسمالي، سنة 1976 بعد وفاة ماو، من القيام بإنقلاب دنيئ نجحوا من خلاله فى فسخ الإستنتاجات الصحيحة للثورة الثقافية و طرد الثوريين من قيادة الحزب الشيوعي الصيني و تطبيق برنامج تحريفي فى جميع الميادين و الرضوخ للإمبريالية .
و قاوم الثوريون فى الحزب الشيوعي الصيني هذا الإنقلاب وواصلوا النضال من أجل أن تسترجع القيادة البروليتارية مقاليد السلطة فى هذا البلد . أما على المستوى الدولي فإن العديد من الشيوعيين الثوريين ، فى عدد لا يستهان به من الدول، لم ينساقوا وراء الخط التحريفي لدنغ سياو بينغ و هواو كوفينغ و قاموا بمبادرات ملموسة لتعرية و نقد المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي فى الصين . لقد حيت هذه المقاومة ( فى الصين و كذلك على المستوى الدولي ) للإنقلاب على القيادة الصحيحة لماوتسى تونغ الذى ما إنفك يعمل بدون كلل على تسليح البروليتاريا و الماركسيين – اللينينيين - الماويين بتحليل للصراع الطبقي فى ظل دكتاتورية البروليتاريا وتمكينهم من فهم إمكانية إعادة تركيز الرأسمالية . و قد أمد العمل النظري للقيادة البروليتارية بزعامة ماو تسى تونغ الماركسيين - اللينينيين - الماويين بالعناصر الضرورية لكي يتمكنوا من الفهم الصحيح لطبيعة التناقضات فى المجتمع الإشتراكي و شكّل هذا العمل إضافة هامة للماوية مكنت الحركة الماركسية - اللينينية - الماوية من التهيؤ إيديولوجيا لمواجهة الأحداث الأليمة لسنة 1976 أكثر مما كانت عليه قبل 20 سنة عند حدوث الإنقلاب التحريفي فى الإتحاد السوفياتي بالرغم من أنها تواجه هذه الحالة فى هذه المرة فى غياب دولة إشتراكية فى العالم .
غير أنه كان لزاما أن تكون لعودة الرأسمالية فى بلد يضع بين حدوده ربع سكان العالم و إستيلاء التحريفيين على حزب ماركسي – لينيني - ماوي كان سابقا فى طليعة الحركة الشيوعية العالمية ،إنعكاسات عميقة على النضال الثوري فى العالم و الحركة الماركسية - اللينينية - الماوية . هتفت العديد من الأحزاب التى تنتمى للحركة الشيوعية العالمية، طويلا للتحريفيين و تبنّت " نظريتهم حول العوالم الثلاثة " و تخلت نهائيا عن النضال الثوري . و تمكنت بذلك من زرع الإنهيار فى الوقت الذى خسرت فيه كل ثقة من قبل العناصر الثورية فعرفت هذه الأحزاب أزمة داخلية عميقة أو إنهارت تماما .
و حتى فى صفوف قوى ماركسية- لينينية- ماوية أخرى رفضت الإنسياق وراء القيادة التحريفية الصينية أدى الإنقلاب الذى حصل فى الصين إلى نوع من الإنهيار ووضعت الماركسيية - اللينينيية - الماوية موضع التساؤل من جديد و لقد تعزّز هذا التيار أكثر عندما شنّ أنور خوجة و حزب العمل الألباني حربا شعواء ضد الماوية.
و بالرغم من أنه كان من المنتظر أن تمر الحركة الشيوعية العالمية بأزمة معينة بعد الإنقلاب فى الصين، فإن عمق هذه الأزمة و الصعوبات الكبيرة الناجمة عنها تبرز بوضوح مدى عمق إنغراز أنياب التحريفية بمختلف أشكالها داخل الحركة الماركسية – اللينينية - الماوية حتى قبل سنة 1976 . لذا يجب على الماركسيين - اللينينيين - الماويين مواصلة بحثهم و دراستهم لهذه المسائل للوصول لفهم جيد لجذور التحريفية لا فحسب فى هذه الفترة و لكن أيضا فى الفترات السابقة للحركة الشيوعية العالمية . و يجب عليهم مواصلة المعركة ضد تأثير التحريفيين و فى نفس الوقت الدفاع و السير قدما على أساس المبادئ الأساسية التى أفرزتها الإنفجارات الثورية للبروليتاريا العالمية و الحركة الشوعية على مدى تاريخها . "
( إنتهى المقتطف )
( " علم الثورة البروليتاريّة العالمية : الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة " ، شادي الشماوي ؛ مكتبة الحوار المتمدّن )

حالئذ ، نلمس مدى تهافت أعداء الماويّة و تأكيدهم الزائف و المجافي للحقيقة و الذى يخلط الأوراق عمدا كتكتيك إنتهازي معروف ، معوّلين على الجهل و باثّين سمومهم التحريفيّة و الدغمائيّة المعادية لعلم الشيوعية ، أنّه لا فرق بين الخطّ الماوي الثوريّ و الخطوط التي قاتلها قتالا مريرا و قاسيا لا هوادة فيه لعشرات السنين و من وجهة نظر الثورة البروليتارية العالمية و مزيد التقدّم صوب الشيوعيّة . و من المؤسف بل و المحزن حقّا أنّ أناسا شرفاء كُثر ما إنفكّوا يردّدون كالببّغاء هذه الإفتراءات بدلا من إعمال الفكر و البحث عن الحقيقة و التثبّت من الوقائع و من مضامين الوثائق التاريخيّة و النصوص الماويّة التاريخيّة منها و الراهنة و قد صارت متاحة أكثر من أيّ زمن مضى لا سيما بفضل الأنترنت .
و من كتابنا هذا نرمى إلى بلوغ أهداف ثلاثة أوّلها المزيد من إجلاء حقيقة ما حصل من إنقلاب تحريفي في صين ما بعد ماو تسى تونغ ؛ و ثانيها المزيد من رفع الغشاوة التحريفيّة و الدغمائيّة عن عيون الباحثين حقّا عن الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة و المزيد من دحض خزعبلات أعداء الماويّة ، أعداء الماركسية - اللينينيّة - الماويّة ، أعداء الشيوعيّة الثوريّة ؛ و ثالثها تسليح الرفاق و الرفيقات بفهم أرقى و أعمق للصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية و بمساهمة من أهمّ مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة .
و بطبيعة الحال ، ليس هذا الكتاب الجديد منعزلا عن أعمالنا السابقة الأخرى بصدد الصين الإشتراكيّة الماويّة و إنّما هو لبنة أخرى مكمّلة و متمّمة لها . إنّه متمّم لكتابنا الأوّل بهذا المضمار
- " الصين الماويّة : حقائق و مكاسب و دروس " ،
و ما تلاه من كتب في الغرض عينه :
- " نضال الحزب الشيوعيّ الصينيّ ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية "،
- " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو " ،
- " الماويّة تدحض الخوجيّة ، و منذ 1979 " ،
- المعرفة الأساسيّة للحزب الشيوعيّ الصينيّ ( الماويّ – 1974 )،
- " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية ( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب" الاقتصاد السياسي ، السوفياتي ")،
و الكتاب الذى ألّفناه بمناسبة الذكرى الخمسين للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى و إخترنا له من العناوين
- " الصراع الطبقيّ و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة ".
و من يتطلّع إلى المزيد بشأن موضوع الحال ، الإنقلاب التحريفي في الصين فنحيله أوّلا و قبل كلّ شيء ، على كتابنا الأوّل أو العدد الأوّل من" الماويّة : نظريّة و ممارسة ": " علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسيّة -اللينينيّة - الماويّة "؛ و ثانيا ، على كتيّب باللغة الأنجليزيّة لبوب أفاكيان هو في الأصل نصّ لخطاب إعلان الموقف الرسميّ للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة عنوانه " خسارة الصين و الإرث الثوريّ لماو تسى تونغ " ( منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1978 ) و رابطه على الأنترنت هو
http://bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/Avakian-LossInChina.pdf
و هذا لا يعنى أنّنا أهملنا التناول التقييمي العلمي و النقدي للتجربة الإشتراكية في الصين الماويّة ، بالعكس أولينا الموضوع ما يستحقّ من عناية و الكتب التالية التي نشرنا تندرج فى هذا الإطار :
- " المساهمات الخالد لماو تسى تونغ " لبوب أفاكيان ،
- " ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية ! " لبوب أفاكيان،
-" تقييم علمي نقدي للتجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة والصينيّة : كسب العالم؟ واجب البروليتاريا العالمية ورغبتها " لبوب أفاكيان و
- " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعيّة و الطريق الحقيقيّ للتحرير : تاريخها و مستقبلنا " لريموند لوتا .
كما أنّ هذا لا يعنى أنّنا أهملنا بأيّ شكل من الأشكال الصراعات صلب الحركة الماويّة العالميّة ذلك أنّ عدد الكتب المخصّصة للغرض ( الصراعات حول خيانة حرب الشعب في النيبال و إنقسام الماويّة إلى إثنين و الجدالات حول الخلاصة الجديدة للشيوعية – الشيوعية الجديدة و تطوير الماويّة ...) يشهد على عكس ذلك أي على إيلائنا المسألة الأهمّية اللازمة . و الكتب العديدة التي تجدون عناوينها و محتوياتها في الملحق الثاني لهذا الكتاب و هي متوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن خير دليل على ذلك.
و يقوم كتابنا الجديد هذا على فصل أفردناه لمقدّمات نظريّة صاغها ماويون صينيّون أساسا في سبعينات القرن العشرين بشأن الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية يليه فصل خصّصناه لخلفيّة تاريخيّة لفهم خطّ المؤتمرين الماويّين الأخيرين للحزب الشيوعي الصينيّ و لنموذج من وثائق عديدة لصراع الماويّين صلب ذلك الحزب ضد الإنحراف اليميني لدنك سياوبينغ و أتباعه و أشباهه . و لتكوين فكرة شاملة عن هذه المعركة ، إنتقينا للفصل الثالث قراءة قيّمة للمعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ صاغها ريموند لوتا كمقدّمة لكتابه " و خاسهم ماو " المذكور أعلاه . و قصد تقديم نماذج لا غير من – و ليس جميع - المواقف الماويّة المناهضة للتحريفيّة و الإنقلاب المعيد لتركيز الرأسماليّة في الصين ، إصطفينا للفصلين الرابع و الخامس رسالة مفتوحة بعث بها الحزب الشيوعي الثوري الشيلي و مقالا للحزب الشيوعي الثوري الأمريكي يُعنى بدحض " نظريّة العوالم الثلاثة " التي كانت تمثّل الخطّ العالمي للتحريفيّين الصينيّين . و خيارنا لهذهين النموذجين يُعزى إلى كون هذين الحزبين كانا مبادرين في تجميع الماويّين أحزابا و منظّمات عبر العالم لفضح التحريفيّين الصينيّين و صياغة وثائق و تشكيل منظّمة عالميّة للماويّين الحقيقيّين رأت النور فعلا سنة 1984 ( الحركة الأمميّة الثوريّة التي نشطت موحّدة مذّاك إلى سنة 2006 و التي مرّ بنا ذكر بيانها لسنة 1984 ) .
و إلى ما تقدّم ، أضفنا فصلا من تأليفنا أنف نشره ضمن كتاب من وضعنا ، " الصراع الطبقيّ و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة " ، فيه لخّصنا أهمّ نقاط التمايز بين الماويّة الثوريّة و التحريفيّة الصينيّة الرجعيّة كما بيّنت ممارسة الصراع الطبقي و الأحداث و الوثائق ، قبل الإنقلاب و بعده . و إعتبارا لأنّ الخوجيّين يزعمون معارضتهم للتحريفيّة الصينيّة من موقع ماركسي- لينينيّ ( رغم عدم تفريقهم بين الماويّة و التحريفيّة الصينيّة لدنك سياو بينغ و شنّهم هجوما لامبدئيّا دغمائيّا تحريفيّا مسعورا على ماو تسى تونغ تمّ الردّ عليه في كتابنا " الماوية تدحض الخوجيّة ، و منذ 1979 " ) ، رأينا من المفيد للقرّاء باللغة العربيّة أن يطالعوا أوّلا ملحقا هاما للغاية هو " ماو تسى تونغ : خطاب أمام البعثة العسكريّة الألبانيّة " و ثانيا ، مقال ينقد كتاب أنور خوجا ، " الإمبرياليّة و الثورة " و يعرّى أخطاءه من بدايته على نهايته ؛ و ثالثا ، ملحقا في منتهى الأهمّية هو مقال يُعنى بتوضيح تحريفيّة شخصيّة هامة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني ظلّ يحفّ بها الكثير من الغموض لوقت طويل حتّى لدى الكثير من الماويّين و نقصد شو آن لاي .
و من يتطلّع إلى دراسة تحوّل الصين إلى دولة رأسماليّة – إمبرياليّة ، فعليه/ عليها بكتاب من إنتاجات الماويّين في الهند عنوانه " الصين – قوّة إمبرياليّة – إشتراكيّة جديدة ! جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي " وهو متوفّر باللغة الأنجليزية و باللغة الفرنسية و الرابطان تباعا هما :
- https://www.bannedthought.net/India/CPI-Maoist-Docs/Books/China-Social-Imperialism-CPI-Maoist-2021-Eng-view.pdf
- https://www.bannedthought.net/India/CPI-Maoist-Docs/Books/China-Social-Imperialism-CPI-Maoist-2021-French-20211001.pdf
و المحتويات التفصيليّة لهذا الكتاب 48 ، فضلا عن هذه المقدّمة ، هي :
الفصل الأوّل : مقدّمات نظريّة بصدد الصراع الطبقيّ في ظلّ الإشتراكيّة
( 1 ) قوانين الصراع الطبقي في المرحلة الإشتراكيّة
- لا يمكن تجنّب الصراع الطبقي
- الخلفيّة العالميّة
- صراع كبير كلّ بضعة سنوات
- ليس بوسع الإضطراب إلاّ أن يتحوّل إلى النظام
(2) أتباع الطريق الرأسمالي هم ممثّلو علاقات الإنتاج الرأسماليّة
( 3 ) بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية
الفصل الثاني : المؤتمران الماويّان للحزب الشيوعي الصيني و تحريفية دنك سياو بينغ و أمثاله و أتباعه
( 1 ) تقرير المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني
- خطّ المؤتمر التاسع
- إنتصار سحق طغمة لين بياو المعادية للحزب
- الوضع الراهن و مهامنا
( 2 ) خطّ عام لإعادة تركيز الرأسماليّة – تحليل ل " حول البرنامج العام لكلّ عمل كامل الحزب و كامل الأمّة "
الفصل الثالث : المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ
مدخل الكتاب
فهرس كتاب " و خامسهم ماو "

المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ ( 1973 - 1976)
مقدّمة :
- مسألة لين بياو
- المؤتمر العاشر
- حملة " نقد لين بياو و كنفيشيوس "
- المجلس الوطني الشعبي
- " الأعشاب السامّة الثلاثة "
- نقد "على ضفاف الماء "
- مزيدا من " ريح الإنحراف اليميني "
- نقد دنك سياو بينغ
- الإنقلاب
الفصل الرابع : رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوعي الصيني
الفصل الخامس : إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " : إعتذار للإستسلام
- إستبعاد التحليل الطبقي
- الدفاع عن الإستعمار الجديد
- نظريّة قوى الإنتاج
- الدفاع عن الوطن ، أسلوب " العوالم الثلاثة "
- الخطر الأساسي السوفياتي
- جبهة متّحدة من أجل ماذا ؟
- تاريخ " العوالم الثلاثة "
- الصراع حول الخطّ الأمميّ
- الحزب الشيوعي الثوري و نظريّة العوالم الثلاثة
- نظريّة العوالم الثلاثة و الصراع صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة
- تحليل أعمق
- الدفاع عن ماو تسى تونغ
- خاتمة
الفصل السادس : من صين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية : برنامج دنك الذى طبّق فى الصين بعد إنقلاب 1976 يميط اللثام حتّى أكثر عن الخطّ التحريفي الذى ناضل ضدّه الشيوعيّون الماويّون
1- أهم محطّات التخلّى عن الماويّة
2- خط التعصيرات الأربعة التحريفي يتناقض مع الخط الشيوعيّ الماويّ " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " أو خطّ المؤتمر الحادي عشر يتناقض مع خطّ المؤتمرين التاسع و العاشر
3- خطّان فى فهم السياسة التعليميّة
4- من أدب فى خدمة الشعب و الثورة إلى أدب فى خدمة التحريفيّة و بالتالي البرجوازية
5- من السعي إلى معالجة التناقض بين الرّيف و المدينة إلى تعميق هذا التناقض
6- من صناعة من أجل العمّال إلى عمّال من أجل صناعة ما عادوا يملكونها
7- التنكّر للمفاهيم الماويّة لمواصلة الصراع الطبقيّ فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا
8- نقاط إضافيّة يتناقض فيها خطّ دنك التحريفيّ البرجوازيّ مع الخطّ الماويّ الثوريّ البروليتاريّ
ملاحق الكتاب (4)
(1) ماو تسى تونغ : خطاب أمام البعثة العسكريّة الألبانيّة
(2) كتاب أنور خوجا " الإمبريالية و الثورة " على خطإ من بدايته إلى نهايته
-1- العالم حسب خوجا
-2- أطروحة خوجا حول " العالمين "
-3- خوجا و التحرّر الوطنيّ
- 4 - البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و الحرب العالميّة
- 5 - حرب عالميّة – " سياسة " الصين
- 6 - الدفاع عن الوطن على طريقة خوجا
-7- خوجا و الإتّحاد السوفياتي
المراجع :
( 3 ) إعتاد على مهاجمة خطّ ماو – الدور الرجعيّ الخفيّ لشو آن لاي
( 4 ) فهارس كتب شادي الشماوي
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
الفصل الثالث : المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ
(مقدّمة كتاب " و خامسهم ماو " لريموند لوتا - ، بانر براس 1978 ، شيكاغو ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، أوت 1978 )
http://bannedthought.net/China/MaoEra/GPCR/Mao5/AndMaoMakes5-Lotta-1978-All.pdf

مدخل الكتاب :

حتّى بالنسبة لأبسط المراقبين ، صار من البديهيّ أنّ فى الصين جدّت أحداث كبرى منذ وفاة ماو تسى تونغ . فقد جرت الإطاحة بأربعة من القادة الأبرز للثورة الثقافيّة ، المنعوتين ب " مجموعة / عصابة الأربعة " و تبعت ذلك عملية " تطهير" هامة صلب الحزب الشيوعي و المنظمات الجماهيرية . و الآن يحتلّ الكثيرون من المعارضين العنيدين لسياسات ماو، ربّما الأكثر شهرة منهم هو دنك سياو بينغ، أعلى مراتب السلطة . و وقع تفكيك التجديدات فى التعليم والإدارة و الصناعة و الثقافة و البحث العلميّ و التقنيّ المدخلة خلال الثورة الثقافية ، فى جزء كبير منها . و يقع الإستخفاف بأعمق المسائل التى لفت ماو إليها النظر فى السنوات الأخيرة من حياته لا سيما فيما يتّصل بخطر إعادة تركيز الرأسماليّة و تتعرّض الإجابات المقدّمة لدرء ذلك الخطر إلى الهجوم .
و النقد والتشويهات الشديدة ضد " الأربعة " هي هجمات مقنّعة على ماو تسى تونغ . و بالفعل ، لم تكن المجموعة ، " مجموعة الأربعة " بل كانت " مجموعة الخمسة " بما أنّ هؤلاء الثوريّين كانوا أقرب رفاق ماو فى المعارك وهو قد وضع ثقته فيهم . و واقعيّا لم تكن تلك " مجموعة " أبدا بل كانت نواة القيادة الثوريّة صلب الحزب الشيوعي الصيني .
و اليوم ، الحضّ على النظام و الإنضباط فى الشغل و كافة الأشياء الأخرى من أجل التطوّر الإقتصادي قد حلّت محلّ الخطّ الجوهريّ لماو لمواصلة الثورة و محلّ ندائه " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " . و فى الحقيقة بلغت الثورة الثقافيّة نهايتها كما كتب ذلك حكّام الصين الجدد فى التقرير السياسي المقدّم من قبل هواو كوفينغ فى المؤتمر 11 للحزب سنة 1977- لكن ليس لذات الأسباب التى يريدون منّا أن نقتنع بها . لقد إنتهت نظرا لأنّ المعارضة التى كان ماو يقاتلها إلى آخر لحظات حياته قد إنتصرت و إستولت على قيادة الحزب و الجيش و أجهزة الدولة .
كيف أمكن لشيء مثل هذا أن يحدث ؟ هل هو ببساطة نتيجة مؤامرات و طموحات بعض القادة ؟ هل يثبت هذا أنّ الإشتراكية نظام لا يعمل أو غير ممكن ؟ للقادة أي نعم دور لكنّه لا يتجاوز القوى الإجتماعيّة التى يمثّلونها و الخطوط السياسيّة التى يرسونها و التى يجمعون حولها آخرين . ومثلما يعلّمنا ماركس ، ليست الإشتراكية أملا دينيّا و لا هي نقيّة و لا علاقة لها بما سبق :
" إنّ ما نواجه هنا ليس مجتمعا شيوعيّا تطوّر على أسسه الخاصة ، بل محتمع يخرج لتوّه من المجتمع الرأسمالي بالذات؛ مجتمع لا يزال ، من جميع النواحي ، الإقتصاديّة و الأخلاقيّة و الفكريّة ، يحمل طابع المجتمع القديم الذى خرج من أحشائه " .
( كارل ماركس ، " نقد برنامج غوتا " )
لقد شدّد ماركس و لينين وماو ثلاثتهم على أنّ الإشتراكيّة مجتمع فيه تهيمن الطبقة العاملة غير أنّه مجتمع إنتقاليّ ينطوي على بذور الشيوعيّة التى تكون فيها كافة الطبقات و أسس الإنقسامات الطبقية قد إضمحلّت ، لكن ينطوي أيضا على ندوب الرأسمالية في إستمرار بعض اللامساواة و الإختلافات الإجتماعيّة. إنّه مجتمع يمكن أن يتقدّم نحو الشيوعيّة أو يتراجع نحو الرأسمالية : ليست الإشتراكيّة مجتمعا متحجّرا ثابتا. فالتقدّم الفعلي للمجتمع يرتهن بقدرة الطبقة العاملة على مواصلة القيام بالثورة و مواصلة الحفر التدريجي للأرضيّة التى تولّد الرأسماليّة . و نتيجة هذا النضال ستتحدّد بعد فترة من الزمن طويلة نسبيّا ، فترة تتميّز بإنتفاضات هامّة متكرّرة.
ماذا تعنى مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و لماذا هي مسألة جوهريّة تواجه الطبقة العاملة في السلطة ؟ في ظلّ الإشتراكيّة لا تزال توجد إختلافات مثل تلك التى توجد بين العمّال و الفلاّحين ، بين المدينة و الريف ، و بين العمل الفكريّ و العمل اليدويّ . في الريف الصيني كان يهيمن شكل الملكيّة الجماعيّة عوض ملكيّة الدولة. و بالتالى ، لم يكن الفلاّحون يحصلون على أجور و إنّما يُدفع لهم جزء من قيمة ما يمكن أن تنتجه وحدتهم الجماعيّة . ستكون مستويات الحياة لا متساوية بين الوحدات الفلاحيّة نظرا لأنّ المحاصيل كانت مختلفة حسب خصوبة الأرض و مستوى المكننة إلخ . و في صفوف العمّال في المدن ، كان نظام الأجور حسب العمل ينحو إلى تأبيد اللامساواة بإعتبار أنّ للناس قدرات و حاجيات مختلفة . و في النهاية ، بما أنّه ثمّة أناس مكرّسين رئيسيّا للعمل الإداري و الفكرىّ مقابل العمل اليدويّ ، ستوجد نزعة ضمن هؤلاء الناس لتحويل إدارتهم للوحدات إلى تحكّم شخصيّ فيها .
يمثّل وجود هذه اللامساواة و العوائق حواجزا أمام تحقيق المجتمع الخالي من الطبقات : الشيوعية . هذه هي الظروف المادية التى تولّد برجوازية جديدة . لا يمكن القضاء عليها بين ليلة و ضحاها لكن ينبغى تحديدها و تجاوزها تدريجيّا . و هذا يتطلّب من المجتمع أن يتمّ تثويره بإستمرار في ظلّ قيادة خطّ إيديولوجي و سياسي صحيح - مع الإطاحة بالخطّ التحريفي للذين يبحثون عن الحفاظ على هذه الإختلافات و توسيعها - لمقاتلة محاولاتها الحتميّة للإستيلاء على السلطة . و تعنى أيضا مواصلة الثورة تغيير البناء الفوقي بما في ذلك المؤسّسات الثقافيّة و التربويّة التى تستعملها البرجوازيّة لتخلق رأيا عامّا مواليا لقضيّتها .
يستدعى التقدّم صوب الشيوعيّة بلوغ الوفرة المادية. غلاّ أنّه خلال كامل المرحلة الإنتقالية الإشتراكية سيوجد صراع حاد بشأن الطريق الذى يجب إتباعه في تطوير الإنتاج، و أية طبقة سيخدم و مدى تأثيره على المدى القريب – الذى يمكن أن يؤدّي إلى إرتفاعات مؤقتة في الإنتاج لكن على المدى البعيد يؤدّى إلى إنكماش- على المصالح البعيدة المدى للطبقة العاملة.
وسط الحركة العمّالية وجد من أنكروا كلّ هذا - عناصر قياديّة في الأحزاب الشيوعيّة . و بالنسبة لهم ، عندما تمسك الطبقة العاملة بالسلطة و تركّز الملكيّة الإشتراكيّة لوسائل الإنتاج ، ترتهن مهام الثورة و يرتهن مصيرها بتطوير قوى الإنتاج . بشكل أو آخر ، هؤلاء التحريفيّين أو أتباع الطريق الرأسمالي كما يسمّيهم ماو تسى تونغ يؤكّدون على أنّه مع التغيير في الملكية ، تكفّ الطبقات و يكفّ الصراع الطبقي عن الوجود . إنّهم ينكرون أنّ الطبقة العاملة ينبغى أن تواصل الثورة و تذهب بها إلى النهاية ، عميقا في كافة مجالات المجتمع . يرى التحريفيّون الإشتراكيّة ليس كمرحلة خلالها يجب على الطبقة العاملة أن تقاتل تأثير الطبقات المستغِلّة ، و أن تجاوز الإختلافات التى تبقى - سواء فيما يخصّ الدخل أو التقسيم الإجتماعي للعمل - و أن تدرك مهمّتها التاريخية في القطع مع علاقات الملكيّة و الأفكار الماضية و إستئصالها . إنّهم يحدّدون الإشتراكيّة بقدرتها على الإنتاج أكثر و بأكثر فعاليّة . بالنسبة لهم ، تتميّز الإشتراكيّة ليس بتحوّل الطبقة العاملة إلى سيّدة المجتمع و سعيها الواعي إلى القضاء على جميع العراقيل التى تقف دون التحويل التام للمجتمع . بالعكس ، تتميّز بمستوى محدّد من الإنتاج و التقنية .
لقد أكّد ماو تسى تونغ أيّما تأكيد على أنّ الصراع الموضوعي في المجتمع بين الرأسماليّة المتداعية و الشيوعيّة الناشئة ينعكس داخل الحزب الشيوعي و يتركّز فيه . في الصين تركّز هذا الصراع حول مسألة ما هو الطريق الذى ينبغى أن يتّبعه الشعب الصيني - المثابرة على الثورة و على هذا الأساس يتمّ تطوير الإنتاج و توسيعه أو ربط التطوّر جميعه بالتطوّر الاقتصاديّ . الثقة في الربح و الأخصّائيين و المساعدة الخارجيّة و ربّما لاحقا ، بعد إرساء القواعد الماديّة و المرور من هناك إلى تثوير العلاقات بين الناس و مؤسسات المجتمع و تفكير الناس. في الظروف الخاصّة للصين ، تلخّص هذا الصراع في التالى : هل يمكن لبلد متخلّف مثل الصين أن يتّبع خطى البلدان الرأسماليّة الأكثر تطوّرا و هل يجب لبلوغ نفس الوضع أن تستعمل نفس الطرق و الأساليب أم هل أنّه على الطبقة العاملة واقعيّا أن تنجز قفزة في التاريخ و تغيّر المجتمع برمّته ؟
لقد إحتدّ هذا الصراع داخل الحزب الشيوعي الصيني و كان ماو يدافع ليس فقط عن أنّه من الضروريّ السير في طريق مواصلة الثورة عبر مراحل إذ تمّت هزيمة الرأسمالية ، بل كان يدافع كذلك عن أنّ ذلك ممكن . ليس الأمر سهل المنال - لأنّه أصعب من التشبّث بالطرق الرأسماليّة و قوّة العادة - بل لأنّ التسلّح بفهم طبيعة هذا الصراع يمكّن من إستنهاض الجماهير للنضال من أجل تحقيق الشيوعيّة . و الثورة الثقافيّة مثال حيّ عن ذلك. وقد أطلقها ماو في 1966 و قادها من البداية إلى النهاية ، أشارت إلى الطرق و الوسائل التى سيكون بحوزة الطبقة العاملة أن تبقي على هيمنتها و تعزّزها وتتقدّم نحو الشيوعيّة .
لأوّل مرّة في تاريخ الثورة البروليتاريّة ، وقعت معالجة مشكل منع إعادة تركيز الرأسمالية - رغم أنّ ذلك لم يحصل بصفة نهائيّة كما أشار إلى ذلك ماو - وهو ما دفع بحركة الطبقة العاملة إلى مستوى أرقى . و كون الطبقة العاملة هُزمت في 1976 لا ينقص من قيمة هذه التجربة نظرا لأنّ الثورة الثقافيّة شقّت طريقها عبر تناقضات و صعوبات لم تشهدها الثورة البلشفيّة بالضبط مثلما أنّ الثورة البلشفيّة حوّلت إلى شيء من الماضي عوائق إفتكاك السلطة و تعزيزها و هو أمر لم تقم به قبل ذلك كمونة باريس . لقد لخّص ماو تسى تونغ التجارب و الدروس الحيويّة لسيرورة مواصلة الثورة هذه ، و توفّر الماركسية – اللينينية - فكر ماو تسى تونغ [ اليوم الماركسيّة - اللينينيّة - الماويّة – المترجم ] أساس معالجة الطبقة العاملة العالميّة للمشاكل الجديدة التى تظهر مع تواصل الصراع من أجل تحرير الإنسانيّة .
لقد فتحت الثورة الثقافية فجوة كبرى في حجج التحريفيّين الذين يدافعون عن أنّه لا يمكن إيجاد أي شيء جديد و مغاير نوعيّا بالنسبة للطبقة العاملة و أنّ الصين ينبغى أن تتأقلم مع الطرق القديمة للتطوّر . بيد أنّ التغييرات الناجمة عن الثورة الثقافيّة إصطدمت بمعارضة عنيدة من قبل قوى شديدة البأس - مركزة داخل الحزب الشيوعي - عارضت بشراسة الطريق الإشتراكي و تآمرت لإعادة تركيز النظام القديم . أشار ماو إلى أنّ لخطر إعادة تركيز الرأسمالية قاعدة إقتصاديّة ضمن نواقص المجتمع الإشتراكي و تناقضاته و قاعدته السياسيّة في السلطة و التأثير الإيديولجيّ الممارس من طرف موظّفين سامين في الحزب يشجّعون خطّا تحريفيّا . و مثلما كرّر مرارا عندما إستولى هؤلاء على السلطة كان من المتوقّع أن يعاد تشكيل المجتمع وفق مصالحهم و نظرتهم الطبقية - و بذلك ستحاول زمرة من المستغلّين أن تحوّل الجماهير إلى حيوانات جرّ غير واعية .
و كان نضال سنوات 1973-1976 إستمرارا للنضالات التى نضجت في السنوات الأولى من الثورة الثقافية لمّا صمدت الطبقة العاملة بنجاح في وجه محاولات إعادة تركيز الرأسماليّة و حقّقت تغييرات هامة للمجتمع . بيد أنّه مثلما أكّد على ذلك ماو ، يتطلّب الأمر عددا أكبر بكثير من هكذا ثورات و بالضبط لأنّ ما تناضل من أجله الطبقة العاملة لم يكن فحسب المزيد من الطعام على طاولتها و إنّما عالم جديد بالكامل .
لقد كان إنقلاب 1976 مفاجأ و جاءت موجة الأكاذيب التى صاحبته بشأن الأربعة على حين غفلة بالنسبة للكثير من الناس في العالم قاطبة . و قد ظهر كذلك إضطراب بفعل أنّ الحكّام الحاليّين لا زالوا يدافعون قولا عن ماو و تعاليمه ( بالرغم من أنّه يصبح أعسر فأعسر عليهم أن يقولوا صراحة بأنّهم لن يأخذوا كلّ ما قاله مأخذ الجدّ – أو " دغمائيّا " ) ، غير أنّ تحليلا لما حدث منذ فترة المؤتمر العاشر للحزب في أوت 1973 يشير بوضوح إلى أنّ صراع الخطّين داخل الحزب قد إحتدّ و بلغ أوجه مع إيقاف الأربعة و هزيمة القوى الثوريّة .
ليس برنامج الذين هم في السلطة الآن جديدا مطلقا ذلك أنّ نقاطه الرئيسيّة كانت نقاطا هامّة في البرنامج التحريفيّ في الصين منذ تأسيس الجمهوريّة الشعبيّة و كانت منتشرة و معروفة على نطاق واسع خلال كافة الفترة منذ المؤتمر العاشر للحزب بما أنّ هذه القوى التحريفيّة كانت تبحث عن خلق رأي عام من أجل محاولاتها الإطاحة بالثورة . و حيث إكتسبت ميزة إستطاعت أن تطبّق الكثير من سياساتها . و فى عديد المرّات دخلت في صراع شديد آملة عزل الثوريّين و سحقهم .
لقد كان صراعا معقّدا و عسيرا فيه قاد ماو الثوريّين وقدّم لهم الإرشاد و كان الأربعة في الصفوف الأماميّة للذين كانوا يبحثون عن دعم مكاسب الثورة الثقافيّة و الدفاع عنها و تعزيزها في أوساط الطبقة العاملة . و مع ذلك ، إثر وفاته ، تمكّنت القوى المعارضة لماو و الإشتراكيّة من مراكمة القوى من أجل مواجهة حيويّة تحوّلت في الأخير إلى مواجهة حاسمة .
و يتضمّن الكتاب الموضوع بين أيديكم مجموعة من الوثائق جمعناها لتكوين صورة عن تطوّر صراع الخطّين في الصين في السنتين الأخيرتين من حياة ماو و كذلك عن المواضيع المثارة و القوى المشاركة . و هي مصدر ثمين للمعلومات حول المسائل المفاتيح التى كانت موضوع نقاش و حول نظرة ماو و المقرّبين منه – وانغ شوان – إن ، تشانغ تشن - شياو، تشانغ تشنغ و ياو وان يوان أبرز ممثّليهم - لمهمّة بناء حركة لمقاومة تأثيرات أعداء الثورة و هجماتهم و محاولاتهم إعادة تركيز النظام القديم .
و علاوة على ذلك ، يقدّم الكتاب أفكارا هامة عن تطوّر نظرة ماو تسى تونغ لطبيعة الثورة الإشتراكيّة . و في جانبه الأكبر ، يضمّ مقالات نظريّة هامة بإعتبار أنّ الأمور الأهمّ التى ينبغى التشديد عليها في هذا الصراع ليست ربّما عادات تشانغ تشنغ في اللباس و إنّما الخطوط السياسيّة المتعارضة و القوى الطبقيّة التى يمثّلونها .
و ينقسم الكتاب إلى خمسة أجزاء تتناسب مع مختلف فترات هذا الصراع و مراحله ذات الحدّة المتصاعدة . و تعكس النصوص جميعها في هذه الأجزاء أساسا خطّ ماو تسى تونغ و " الأربعة " بصدد المسائل المتنوّعة المعنيّة...و بالعكس ، تنطوي ملاحق هذا الكتاب على وثائق معارضة لوجهة نظر ماو تسى تونغ ." الثمرة المرّة للماوية "( وثيقة 5) وثيقة من الإتّحاد السوفياتي و بقية الوثائق تتمحور حول خطّ دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ و آخرون إتّحدوا لمعارضة خطّ اليسار...
هذه المجموعة من الوثائق أردناها أن تساعد الذين يهتمّون بتغيّرات الأحداث في الصين و الذين يرغبون في أن يفهموا تجارب الثورة الثقافية الصينية و يتعلّموا منها و يدركوا رهان المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ. و قد أضفنا مدخلا كخلفية للأحداث التى أدّت إلى الإنقلاب المعادي للثورة في 6 أكتوبر 1976.
فهرس كتاب " و خامسهم ماو "

Contents
Preface

INTRODUCTION

Mao Tsetung s Last Great Battle (1973-1976)
Raymond Lotta

BACKGROUND TO THE STRUGGLE

TEXT I
Report at the Central Study Class .
Wang Hung-wen
TEXT 2
The Laws of Class Struggle in the Socialist Period.
Chi Ping
TEXT 3
Report to the Tenth National Congress of the Communist Party of China .
Delivered by Chou En-lai
TEXT 4
Report on the Revision of the Party Constitution
Delivered by Wang Hung-wen

CRITICIZE LIN PIAO AND CONFUCIUS

Introduction

TEXT 5
Carry the Struggle to Criticize Lin Piao and Confucius Through to the End
TEXT 6
Dare to Think and Do
TEXT 7
Study the Historical Experience of the Struggle Between the Confucian and Legalist Schools
Liang Hsiao
TEXT 8
The Philosophy of the Communist Party is the Philosophy of Struggle
Chiang Yu-ping
TEXT 9
Working Women s Struggle Against Confucianism in Chinese History
TEXT IO
To Develop Industry We Must Initiate Technical Innovation
Kung Hsiao-wen
TEXT II
Has Absolute Music No Class Character?
Chao Hua
TEXT 12
A Decade of Revolution in Peking Opera
Chu Lan
TEXT 13
History Develops in Spirals
Hung Yu
TEXT 14
Speech at Peking Rally Welcoming Cambodian Guests
Wang Hung-wen



FOURTH PEOPLE S CONGRESS AND THE DICTATORSHIP OF THE PROLETARIAT CAMPAIGN

Introduction

TEXT 15
Report on the Work of the Government
Delivered by Chou En-lai
TEXT 16
Report on the Revision of the Constitution
Delivered by Chang Chun-chiao
TEXT 17
Study Well the Theory of the Dictatorship of the Proletariat
TEXT 18
On the Social Basis of the Lin Piao Anti-Party Clique
Yao Wen-yuan
TEXT 19
On Exercising All-Round Dictatorship Over the Bourgeoisie
Chang Chun-chiao
TEXT 20
Fighting With the Pen and Steel Rod
TEXT 2I
Socialist Big Fairls Good

CRITICIZE WATER MARGIN

Introduction

TEXT 22
Unfold Criticism of "WaterMargin"
TEXT 23
Criticism of "WaterMargin"
Chu Fang-ming
TEXT 24
On Teng Hsiao-ping s Counter-Revolutionary Offensive in Public Opinion (Excerpts)
Hung Hsuan

CRITICIZE TENG AND BEAT BACK THE RIGHT DEVIATIONIST WIND

Introduction

TEXT 25
Two Poems
Mao Tsetung
TEXT 26
Reversing Correct Verdicts Goes Against the Will of the People
TEXT 27
Counter-Revolutionary Political Incident at Tien An Men Square
TEXT 28
Communist Party of China Resolutions
TEXT 29
Firmly Keep to the General Orientation of the Struggle
TEXT 30
A General Program for Capitalist Restoration
Cheng Yueh
TEXT 31
Criticism of Selected Passages of "Certain Questions on Accelerating theDevelopment of Industry"
TEXT 32
Comments on Teng Hsiao-ping s Economic Ideas of the Comprador Bourgeiosie
Kao Lu and Chang Ko
TEXT 33
A New Type of Production Relations in a Socialist Enterprise
TEXT 34
Fundamental Differences Between the Two Lines in Education
TEXT 35
Repulsing the Right Deviationist Wind in the Scientific and Technological Circles
TEXT 36
What Is the Intention of People of the Lin Piao Type in Advocating "Private Ownership of Knowledge"?
Liang Hsiao
TEXT 37
A Reactionary Philosophy That Stands on Its Head
Hung Yu
TEXT 38
From Bourgeois Democrats to Capitalist-Roaders
Chih Heng
TEXT 39
Capitalist-Roaders Are the Bourgeoisie Inside the Party
Fang Kang
TEXT 40
Capitalist-Roaders Are Representatives of the Capitalist
Relations of Production
Chuang Lan
TEXT 4I
Talks Concerning "Criticizing Teng Hsiao-ping and Repulsing Right Deviationist Wind"
Chang Chun-chiao
TEXT 42
Deepen the Criticism of Teng Hsiao-ping in Anti-Quake and Relief Work
TEXT 43
Proletarians Are Revolutionary Optimists
Pi Sheng

BIOGRAPHICAL MATERIAL ON THE FOUR

APPENDICES

DOCUMENTS FROM THE RIGHT

Introduction

APPENDIX I
On the General Program of Work for the Whole Party and Whole Nation
APPENDIX 2
Some Problems in Accelerating Industrial Development
APPENDIX 3
On Some Problems in the Fields of Science and Technology
APPENDIX 4
TwoTalks byTeng Hsiao-ping
APPENDIX 5
The Bitter Fruit of Maoism
Y. Semyonov
APPENDIX 6
Speech at Special Session of UN General Assembly
Teng Hsiao-ping
APPENDIX 7
A Complete Reversal of the Relations Between Ourselves and the Enemy
Hsiang Chun
APPENDIX 8
CPC Central Committee Circular on Holding National Science Conference
APPENDIX 9
To Each According to His -York: Socialist Principle in Distribution
Li Hung-lin
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ ( 1973 - 1976)
(مقدّمة كتاب " و خامسهم ماو " لريموند لوتا - ، بانر براس 1978 ، شيكاغو ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، أوت 1978 )

مقدّمة :

لئن وُجد سؤال تركّزت فيه مختلف وجهات النظر و الخطوط صلب الحزب الشيوعي الصيني فى السنوات 1973-1976 فهو سؤال كيفية تقييم الثورة الثقافية . و أسباب ذلك تتقوّم في شقّين . الشقّ الأوّل هو أنّ الثورة الثقافية لم تنته بعدّ حتّى و إن صار شائعا خارج الصين أنّها إنتهت فى 1969. و الشقّ الثاني هو أنّ التغييرات المدخلة تحوّلت إلى محور صراع حاد على كافة مستويات الحزب و المجتمع فكانت القوى الثوريّة تسعى للحفاظ على هذه التغييرات و توسيعها بينما كانت القوى اليمينيّة تحاول أن تحدّدها و تقوّضها و فى الأخير تلغيها .
تفرز الثورات الكبرى و كذلك التغييرات و التقدّم ردّ فعل إذ أنّ الطبقات المطاح بها لا تسلّم أبدا بالمصير الذى آلت إليه . و أكثر من ذلك مثلما أثبتت ذلك الثورة الصينيّة ، مع تواصل تقدّم الثورة البروليتاريّة نحو إجتثاث اللامساواة و الإنقسامات فى المجتمع الطبقي ، يكفّ البعض عن المضيّ قدما مع المهام الجديدة الطارئة . ثمّة شيوعيّون لا سيما بعض قادة الحزب يحاولون إيقاف الثورة و يشرعون فى معارضتها و يتحوّلون إلى هدف للثورة بما أنّهم يمسكون جزءا من السلطة . إنّهم ثوريّون و شيوعيّون إسما فقط . لذلك أفرزت الثورة الثقافيّة صراعات و إستقطابات جديدة .
و مثلما جرت الإشارة إلى ذلك ، فإنّ الموقف إزاء الثورة الثقافية بات حجر الزاوية فى الموقف من هيمنة الطبقة العاملة. ولا داعى لقول إنّ ماو كان جدّ واضح بصدد هذه المسألة . ففى 1969 شرح :
" يبدو أنّنا لم ننه الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لأنّ قاعدتنا ليست صلبة . حسب ملاحظاتي ، ليس فى كلّ و لا فى الغالبية الغالبة ولكن فى غالبيّة كبيرة من الحالات ، ليست القيادة بأيدى ماركسيين حقيقيين و لا حتى بأيدى جماهير العمّال..."
بكلمات أخرى ، إن لم تحدث هذه الثورة كانت السلطة ستفقد لصالح التحريفيّين . و إضافة إلى ذلك ، هي " لم تنته " ! فبعد سنتين و نصف السنة ، قال ماو :
" ننشد الأممية منذ خمسين عاما و قد وجد فى حزبنا أناس حاولوا عشر مرّات زرع الانشقاق ، فى رأيى هذا يمكن أن يتكرّر عشر مّرات ، عشرين ، ثلاثين مرّة أخرى .ألا تعتقدون ذلك ؟ أنا أعتقد ذلك على كلّ حال . ألن توجد صراعات حين ندرك الشيوعية ؟ أنا ببساطة لا أعتقد ذلك . إنّ الصراعات ستستمر حتّى حينها ، لكن فقط بين الجديد و القديم و بين الصحيح و الخاطئ ."
ما كان ماو يشدّد عليه فى السنوات التالية مباشرة لإعصارات الثورة الثقافية هو أنّ مسألة هل أنّ الثورة ستحافظ على مسارها - هل أنّ الصين ستظلّ على الطريق الإشتراكي - لم تحلّ بأيّ شكل من الأشكال و أنّ بالفعل صراعات هامة ستستمرّ فى الإندلاع و نتيجتها ستحدّد بقاء الثورة من عدمه . لم تكن هذه الصراعات مجرّد مناورات دفاعيّة او نزاعات صلب الطبقة العاملة . كانت الثورة الثقافيّة حدثا غير مسبوق فى التاريخ سجّل لأوّل مرّة أن فى المجتمع الإشتراكي نهض نضال ثوريّ جماهيري ضد العناصر الإستغلالية الجديدة التى ظهرت فى هياكل الحزب و الدولة . لكن النتائج كانت أبعد من الإطاحة بهذه القوى و إسترجاع اجزاء المجتمع التى إفتكّت السلطة فيها من أيدى الثوريّين .أثناء هذه النضالات ، أنجزت تغييرات هامة فى طبيعة مؤسسات المجتمع و فى سيره ( بالفعل ، كان هذا هو الضمان الوحيد لأن تثابر الطبقة العاملة على ذلك) و جرى تحدّى التأثير الإيديولوجي للبرجوازيّة القديمة منها و الجديدة على كافة الأصعدة .
تجسّدت ثمار الثورة الثقافية فى ما أضحى يسمّى " الأشياء الجديدة " أو" الأشياء الإشتراكية الجديدة ". وهي تشمل إلتحاق العمّال و الفلاّحين و الجنود بالجامعات و إرسال الشباب المتعلّم إلى الريف و اللجان الثورية فى المصانع لتعويض إدارة فرد واحد و مشاركة كوادر الحزب فى العمل المنتج و أعمال مسرحية ثوريّة نموذجيّة و شبكة واسعة من المستشفيات بأسعار زهيدة أو مجانيّة و ظهور " الأطبّاء ذوى الأقدام الحافية " ( أطبّاء مدرّبين من ضمن الفلاّحين و يعيشون معهم ) و هكذا. و كانت هذه " الأشياء الجديدة " تضرب فى العمق تأثير الرأسماليّة و جعلت من الممكن أن توسّع الطبقة العاملة سيطرتها على مؤسسات كالجامعات التى كان يديرها " الثقات الأكاديميون " و التى كانت تنتج مثقّفين و مختصّين منقطعين عن الجماهير و عن الحركات الجماهيرية سواء حركات الصراع الطبقي أم الصراع من أجل الإنتاج . و لهذا بالضبط أفرزت هذه الإجراءات معارضة شديدة .
مسألة لين بياو
فى 1969 ، فى الفترة التى تحدّث فيها ماو مرّة أخرى عن ضرورة مواصلة الثورة ، كان يتشكّل صراع هام ضد لين بياو ، وزير الدفاع و نائب رئيس الحزب ، الذى توصّل لأن يعلن نفسه الخليفة الرسمي لماو . لقد ترأس ليو تشاوتشي بيروقراطيّة متخندقة وقعت متابعتها و وقع القتال ضدّها من خلال النهوض السياسي للثورة الثقافيّة . جوهريّا ، إستغلّ لين بياو هذا الإضطراب ليملأ الفراغ الذى خلّفه نقد العديد من الكوادر و الموظّفين و عزلهم و حلّ منظّمات جماهيرية قديمة . فكانت قاعدة سلطة لين بياو رئيسيّا الجيش و بحث عن ملئ هذه المواقع الشاغرة برجاله . و حدث الصدام الهام الأوّل مع لين بياو بشأن مسودّة التقرير السياسي الذى أعدّه هو و أتباعه للمؤتمر التاسع للحزب سنة 1969 طارحا فى الأساس أنّ الثورة الثقافية قد حقّقت أهدافها و أنّه حان الآن وقت دفع الاقتصاد . و قد حثّ لين بياو على تمرّدات حيث تجرّأ آخرون على قطع الطريق أمامه و شجّع التحريفيّة حيث كان رجاله فى الموقع المناسب للقيام بذلك . و إستعمل الجماهير كمجموعة ضغط لأغراضه الخاصّة بيد أنّه لم يتردّد فى قمعها بعد تحقيق غاياته .
لقد نقد ماو لين بياو بشدّة و إضطرّ إلى إعادة كتابة التقرير للتشديد على الأهمّية المتواصلة للثورة الثقافية و أبعادها . و تجدر الإشارة إلى أنّه فى فترة 1969-1971 قد تحقّقت أرقام قياسيّة فى إرتفاع الإنتاج الصناعي فى ظلّ خطّ ماو تسى تونغ و " القيام بالثورة مع رفع الإنتاج ". و هذا المبدأ يعنى أنّ السياسة يجب أن تكون فى مصاف قيادة الإقتصاد و أنّه فقط بإستنهاض النشاط الواعي للجماهير من الممكن حقّا إطلاق العنان لقوى الإنتاج و تغيير العالم وفق مصالح الطبقة العاملة . مثلا ، تعرقل الضوابط و القوانين التى تسجن العمّال فى موقع أو وظيفة و تجعل التحديث التقنيّ أو الإدارة من إختصاص قلّة يتمّ إختيارهم ، تعرقل تطوّر القوى المنتجة لأنّها تطفئ مبادرة الجماهير و نشاطها و حتّى تشجّع على العداء فيما بينها ، على غرار النزاعات حول إستعمال الآلات . هناك عراقيل ينبغى كسرها غير أنّ هذا لا يمكن القيام به إلاّ عن طريق إستنهاض الجماهير تحديدا لأنّ مثل هذه العراقيل تمثّل مواصلة تأثير البرجوازيّة .
و مع تطوّر الصراع ، واصل لين بياو تشديده إلى أبعد الحدود على مشاركة الجيش فى قيادة الصين . و كان ماو يعمل على التقليص من دور الجيش و تركيز الدور القيادي للحزب على أساس إعادة بنائه . و مع تصاعد الضغوطات على الجبهة السوفياتية و المواجهات الجدّية التى حدثت فى أفريل 1969 ، شجّع لين بياو التصالح مع الإتّحاد السوفياتي و التعويل عليه من أجل الحصول على الأسلحة الثقيلة . و إعتبر ماو أنّ التصالح مع السوفيات لم يكن أكثر من إستسلام لهم . و كذلك عارض لين بياو أيّ نوع من إعادة الإعتبار للكوادر و الموظّفين الذين تعرّضوا للنقد أثناء الثورة الثقافية بما أنّ ذلك بمثابة شتيمة لطموحاته فى أن يمسك الجيش و أتباعه عموما بالهيمنة على قطاعات حيويّة و يحتكرونها.
الرغبة فى السلطة و خداع لين بياو لم يكونا نتيجة أي صنف من جنون العظمة . فهذه الطرق أفرزها خطّ سياسي - خطّ تحريفي - فى عدم الثقة فى الجماهير لتغيير العالم . فى الإجتماع العام الثاني للجنة المركزية التاسعة المنعقد فى صائفة 1970، كانت قوى لين بياو تخفق الراية الحمراء بتشنّج لمعارضة الراية الحمراء – مادحة " عبقرية " ماو لتحوّله إلى إيقونة بينما كانت تخطّط لتركيز نفسها فى مواقع شتّى . حينها كان لين بياو يهاجم بشكل سافر مكاسب الثورة الثقافيّة و تغييراتها ناعتا مشاركة الكوادر فى العمل المنتج ب" إصلاح الأعمال الشاقة " و مصرّحا بأنّ سياسة إرسال الشباب إلى الريف لم تكن سوى " بطالة مقنّعة ". حسب رأي لين بياو كان الإقتصاد يغرق دون أمل و الجماهير قد عانت بعدُ بما فيه الكفاية . و ما هي ليست فى حاجة إليه و ما لا يهمّها هي السياسة ، فالشيء الوحيد الذى كان يشغل بالها هو الأكل على طاولة و الخشب من أجل المدفأة . و قد مثّل ذلك محاولة سافرة لإستغلال الغضب و الحنق فى صفوف قطاع من الشباب لا سيما أولئك ذوى المستوى الأعلى من التعليم و الكوادر و الناس المتخلّفة ضمن الجماهير و تشجيعهم لمهاجمة " الأشياء الجديدة " بإعتبارها تذهب ضد برنامجه التحريفيّ .
و نظرا لكونه فى كلّ مرّة كان يكشف أكثر و يعزل ، إضطرّ لين بياو للقيام بمحاولة إنقلاب عسكري فى سبتمبر 1971. وقد مثّلت مسألة لين بياو صدمة للصين إذ حدثت فى وقت كانت تجري فيه محاولات تعزيز جزء من مكاسب الثورة الثقافيّة و فى وقت أخذ فيه الجناح اليمينيّ الذى كان عرضة للهجوم يستعيد أنفاسه من الضربات القويّة لسنوات بداية الثورة الثقافيّة و كان يعيد تجميع شتاته و ينظّم الهجمات المضادة . و فضلا عن ذلك ، تسبّبت محاولة الإنقلاب و كون الوجه الأبرز فيها كان الرجل الذى عيّن خليفة لماو فى خوف كبير لدى الجماهير الشعبيّة ما جعل الأمور تضطرب خاصّة داخل الجيش و أثيرت كذلك تساؤلات حول الثورة الثقافيّة بموجب انّ لين بياو كان وثيق الصلة بها .
و مع هذا برزت ضرورة إعادة تنظيم الجيش و الدفاع عن الثورة الثقافيّة . بيد أنّ الوضع سمح بفجوة سرعان ما إستغلّها اليمين بإسم تحقيق النظام و الاستقرار . بالنسبة لماو كانت المهمّة هي التوجّه للحزب و للجيش و النضال ضد تأثير لين بياو و مواصلة ترسيخ التغييرات المكتسبة بفضل الثورة الثقافيّة. و مع ذلك فى نفس الوقت، أخذ الكثير من الذين كانوا فى السابق متّفيقين مع الثورة الثقافيّة ، بإسم معارضة لين بياو، يقاتلونها أكثر فأكثر .
مؤقّتا جمّع الصراع ضد لين بياو فى الفترة التى بدأت مع نهاية 1968 و إشتدّت فى 1969 قوّتين داخل الحزب الشيوعي الصيني . هناك اليسار الذى كان يرأسه ماو و كانت قاعدته قادة الثورة الثقافيّة . و القوّة الأخرى هي الحرس القديم فى مركز الحزب و مجلس الدولة و المراتب العسكرية الجهوية و المركزية التى كانت تمثّل قطاعا مأثّرا و قويّا عدديّا . و كان هؤلاء ملتفّون حول شو آن لاي و القادة المقرّبين منه . و قد وقع نقد مئات الكوادر و أطيح بهم فى أثناء الصراع ضد ليو تشاوتشى . لكن ثمّة فى الحزب العديد من الذين رغم أنّهم كانوا بالأساس يدافعون عن سياسات ليو تشاوتشي ، لم يكونوا مباشرة فى معسكره و تجنّبوا أكثر النقد شدّة. و آخرون كانوا يعلنون مع الثورة الثقافيّة إلاّ أنّهم كانوا يفعلون ذلك لإنقاذ جلدهم و هكذا لم يقبلوا بحال فى الواقع بمبادئها الأساسيّة .
و العديد من الذين عارضوا أو الذين كانوا على الأقلّ بلا حماس فى مساندتهم للثورة الثقافيّة ، خاصة ضمن مجلس الدولة ، كانوا تحت حماية شو آن لاي . و شمل هذا أناسا مثل لي سيان- نيان، يو تشولي ( الذين منذ فترة قصيرة كانوا مشاركين فى التخطيط و المالية و لفترات إرتبطوا بليو تشاوتشى وقياداته فى هذه المجالات ) و غيرهم . و لم تكن هذه " الحماية " خاطئة فى جميع الحالات لكنّها كانت كذلك فى بعضها .
و شو آن لاي ذاته كان متّفقا مع الثورة الثقافيّة – إلى حين و إلى درجة معيّنة . لقد وُجد طابع ديمقراطي برجوازي فى كافة مسيرته ما يشرح كون دوره فى الثورة الثقافيّة كان سلبيّا . فقد مثّل شو آن لاي قوّة رئيسيّة بين الكوادر القديمة التى تحدّد أرقى هدف لنضال الشعب الصيني سيكون بناء البلاد دولة عصريّة .عندما كان الإقطاعيّون ملاك الأراضي و الإمبرياليّون الأجانب يعرقلون ذلك قاتلوهم و أحيانا قاتلوهم ببسالة . لكن عندما إستولوا على السلطة نزعوا إلى إعتبار النضال السياسي قد تحقّق بعدّ و إنتهى و حاولوا وضع التطوّر الإقتصادي فوق كلّ شيء . و ما كان ذلك ليعني سوى تطوير إقتصاد برجوازي بما أنّ مخطّطاتهم كانت تعتمد على التقنية الأجنبيّة و الأخصّائيّين فى موقع القيادة ، و الإبقاء على العمّال و الفلاّحين فى مواقعهم مثل حيوانات الجرّ . فى أواسط الستينات ، إستنتج شو آن لاي أنّ الدفاع و بناء الإقتصاد الصيني مرتبطان بالتصالح مع الغرب و التحالف معه . و هذا لم يكن يراه كمناورات تكتيكيّة و إستغلال للإنقسامات صلب معسكر العدوّ بل كتوجّه إستراتيجيّ بواسطته تضمن الصين " إزدهارها ".
بتردّد و عن مضض ساند شو آن لاي الحركات الجماهيريّة فى الخمسينات و الستّينات و لكنّه لم يتّحد أبدا حقّا معها و لم يقدّم لها القيادة . شأنه فى ذلك شأن البرجوازيّين الديمقراطيّين الآخرين ، كان يرى مثل هذه الحركات كشيء يعرقل تحويل الصين إلى بلد قويّ و عصريّ . ولئن كان شو آن لاي متردّدا فى بداية الثورة الثقافيّة ، فإنّه مع مزيد تطوّرها عارضها بنشاط . و ساهمت حمايته لعديد اليمينيّين لمّا سقط ليو تشاوتشى فى تطوّر القيادة العامة للبرجوازية الجديدة التى كانت تعتبر أكثر فأكثر شو آن لاي السياسي البرجوازي التام كأوّل راع لها. و يشير كيل التحريفيّين الذين يحكمون الصين حاليّا المديح لشو آن لاي بينما ينتقدون خطّ ماو بالضبط إلى أنّ شو آن لاي إلى حينها و ربّما حتّى سنة 1949 كان يشجّع مصالح اليمين و يحميها.
بالنسبة للقوى الثوريّة ، مثّل لين بياو فى فترة 1969-1970 أخطر تهديد لمكاسب الثورة الثقافيّة بما أنّه إتّضح أنّه لا ينزع فقط نحو وضعها جنبا و إفتكاك السلطة بل كان أيضا فى موقع أقوى يخوّل له القيام بذلك فى المدى المنظور. و بالنسبة للقوى التى تجمّعت حول شو آن لاي ، كان لين بياو يمثّل التهديد الأكثر مباشرة نظرا لأنّ برنامجه يعنى كنس الجميع بإستثناء رجاله الخاصّين .
لذلك دخل اليسار و الحرس القديم لليمين فى تحالف لمعارضة لين بياو و مباشرة فى إرتباط بذلك لتحقيق تغيير فى التشديد على مسألتين سياسيّتين مركزيّتين هما أوّلا ، مسألة تقليص دور الجيش فمن ال170 عضو لوقت كامل للجنة المركزية التاسعة ، 74 كانوا ممثّلين عن جيش التحرير الشعبي و 38 منهم كانوا قادة أو مفوّضي مناطق . كان ينبغى إيقاف النزعة نحو " المملكات المستقلّة " و كذلك الموقع المهيمن فى المنظمات الجماهيريّة و فى الحزب . و ثانيا ، هناك إعادة توجيه السياسة الخارجيّة بإعتبار التهديد السوفياتي المتصاعد. و ستتحوّل إدارة ما نجم عن ذلك من " إنفتاح على الغرب " و تأثيره على الصراع الطبقي ّالمحلّي إلى محور صراع حاد بين القوّتين . و نظرا لأنّ هذه الوحدة كانت بعيدة عن أن تكون مطلقة و أنّها لم تعارض كذلك القوى التى كانت حول شو آن لاي بأيّة طريقة و موقف لين بياو القائل بأنّه ينبغى التشديد رئيسيّا على تطوير الاقتصاد ؛ سرعان ما تحوّل هذا إلى عقيدته المنتشرة بضجّة . خلاصة القول ، كانت كلّ من هذه القوى ضد لين بياو لأسباب مختلفة و ستستعمل الحملة ضدّه لأغراضها خاصّة ؛ كان الثوريّون يقومون بذلك لفضح الخصائص المعادية للثورة - بالأساس اليمينيّة - لمفهوم لين بياو و برنامجه ، و كانت القوى اليمينيّة تستغلّ هذا الهجوم ضدّه لتنعت الثورة الثقافية ب" اليسراوية " و لتعبيد الطريق للتخلّص منها و كذلك للتخلّص من الثورة بأسرها.
و بالضبط عقب سقوط لين بياو ، وقع عزل 32 جنرالا محوريّين كانوا يحتلّون مراتب عليا. و وقع إبعاد 25 جنرالا إلى الجهات و المحافظات فى بدايات 1973. إنّ الضرر الذى ألحقه لين بياو بالجيش و بالحزب كان فادحا جدّا. و على ضوء هذا وعلى ضوء التهديد السوفياتي، صار من الضروري إدخال تعديلات على الحزب والجيش وإعادة تأكيد سلطة الحزب. و فى هذا الإطار كذلك ، أضحى من الضروري إعادة الإعتبار لمزيد من الكوادر- بما فى ذلك بعض الذين إقترفوا أخطاء خطيرة . لماذا توجّب الذهاب إلى هذا الحدّ البعيد و إلى أيّة أسس كان يمكن إعادة الإعتبار للأشخاص سيكون مشكلا خلافيّا هاما بين المعسكرين. و قد كان العديد من هؤلاء الكوادر يُبطنون حقدا دفينا و يبحثون عن الإنتقام من الذين يعتبرونهم أساؤوا معاملتهم على أيدى الجماهير خلال الثورة الثقافية التى بدت لهم قليلة الفعاليّة و خطيرة . ( خطاب وانغ شونغ - وان فى القسم المركزي للدراسة . النصّ 1 ، يتحدّث ، ضمن أشياء أخرى، عن هذا المشكل ).
كان اليسار يدافع عن أنّه يتعيّن إرجاع بعض الأشخاص لكن يجب أن يتمّ ذلك على أساس المبادئ و النقد الذاتي و مساندة الثورة الثقافيّة . و إرجاع بعض الأشخاص لم يكن يتعلّق فقط بإعطائهم فرصة إثبات جدارتهم بل يتعلّق كذلك بكسب القاعدة الإجتماعيّة للكوادر التى يمكن أن تدفع لمعكسر العدوّ لو أنّ " قادتهم " لم يمنحوا فرصة تقديم مساهمتهم . إجمالا، كان من الصحيح إرجاع بعض الأشخاص و من الضروريّ أيضا. و مع ذلك، ما كان أبدا من الممكن التخلّي عن المبادئ .
فى 1972، أضحت وحدة القوى الثورية و القوى التى يرأسها شو آن لاي متزعزعة أكثر و أضعف. نقد اليمين لين بياو على أنّه " يساريّ متطرّف" و بإسم إعادة تركيز عادات الحزب التى داسها ، دعا إلى إعادة عديد الناس تمّت سابقا الإطاحة بهم . بفعل طابعها الجماهيري ، بلا شكّ أدّت الثورة الثقافية إلى تجاوزات . و قد إضطهد لين بياو أناسا أبرياء. إلاّ أنّه كان من اللازم نقد العديد من الناس و الإطاحة بهم ، و كان من اللازم إدخال تحويرات و تغييرات كبرى - لم يكن ممكنا الحصول عليها إلاّ بالنضال الثوري - إن كان للطبقة العاملة أن تحافظ على هيمنتها و أن تواصل الثورة . و بالنسبة لليمين ، غدت عمليّة التصحيح تعنى ليس تعزيز أجهزة سلطة الحزب و الجيش على أساس الثورة الثقافيّة بل إعادة تركيز عدد من الممارسات التى ألغتها هذه الثورة .
أمست النقاشات أوسع فأوسع فى 1972 - فى مجال التخطيط الإقتصادي حول كيفيّة ممارسة المبادرة فى المستويات المحلّية ، و فى مجال الإدارة الصناعيّة حول فعالية عدّة أشكال فى مكان العمل مثل تلك المتّصلة بالقيادة السياسية و إدماج التقنيين فى العمل المنتج . و طرحت مسألة الإنضباط و ضوابط العمل من قبل اليمين و هذه المسائل فى حدّ ذاتها لا تنقصها الأهمّية . و مورس تجريب مستمرّ و صار من اللازم التقييم : بالفعل لم يقع تعزيز الكثير من الممارسات الأوّلية فى السنوات الأولى من الثورة الثقافيّة فى عديد الوحدات ، إلى سنة 1972، ما يوفّر لنا فكرة عن المقاومة التى واجهتها. بيد أنّ اليمين لم يكن يتحدّث عن صيانة هذه المكاسب و تعزيزها - و على هذا الأساس مزيد تحسينها - كان يضع فعاليّتها موضع سؤال . و فى مارس 1972 تحدّث حتّى عن إعادة إرساء إدارة الفرد الواحد . و الذين عارضوا محاولاته لإعادة الإعتبار للكوادر دون تمييز كانوا ينعتون ب" يساريّين متطرّفين ". فى النقاشات حول إصلاح الأجور ( ظلّت مسألة دون حلّ فى السنوات الأولى من الثورة الثقافية ) شدّد اليمين على تجنّب فكر المساواة و ظلّ يطرح فكرة صلوحية الحوافز الماديّة .
و شرعت القوى التى يقودها شو آن لاي تتّحد حول برنامج ربط كلّ شيء بالتطوّر الإقتصادي مع وضع المختصّين و الخبراء فى موقع القيادة و إعادة الإعتبار على نطاق واسع و منح سلط واسعة للكوادر" المحنّكة " التى كان اليمين يحاجج بأنّها ضرورة إذا ما أريد للصين التقدّم . و فى صائفة و خريف 1972، إشتدّت على جبهة التعليم ما سُمّي لاحقا ب" ريح خبيثة ". كان هذا الهجوم الأوّل الحقيقيّ ضد تجديد هام من تجديدات الثورة الثقافيّة . و صيغت مقالات تشتكى من تدنّى المستوى الأكاديمي منذ أن طبّقت السياسات الجديدة فى القبول و التدريس . و تحت تأثير اليمين وضغطه ، جرى تقويض بعض التغييرات التى أوجدتها الثورة الثقافيّة.
فى مدرسة 21 جويلية ، فى مصنع آلات شنغاي حيث وضع العمّال و الطلبة و الأساتذة نظام إمتحانات لإلغاء أعباء النجاح و الفشل ، صارت تقدّم إمتحانات كإنقلاب على سياسات إصلاح التعليم لا يسمح فيها بإستعمال الكتب و نقاش الأسئلة و لا حتّى الجلوس إثنين معا فى نفس الطاولة . كان هذا فى تعارض مباشر مع ماو الذى قال إنّ الإمتحانات يجب أن تعلّم لا أن تكون هجوما فجئيّا على الناس . و فرق الدعاية العمّالية التى قال ماو إنّها ينبغى أن تكون عنصرا دائما فى التعليم العالي ، تقلّصت أهمّيتها فى الكثير من الجامعات.
وضع شو آن لاي يده بما فيه الكفاية لإعطاء دفع لهذه " الريح ". و يعترف له الحكّام الحاليّون للصين بكونه حاول إثارة مسألة " مستوى التعليم " فى 1972 واقفا حجر عثرة على ما يبدو أمام مسار الأربعة . قيل إنّه كان يعمل وفق تعاليم ماو و الواقع هو العكس بالضبط . ما كان ماو يطرحه كان معروفا جدّا و فى النقاش حول التعليم فى 1975-1976 ، تقدّم ماو بصراحة ليساند مواصلة الثورة فى التعليم ( وهو موضوع سنتطرّق له لاحقا ).
خطّة عمل اليمين كانت التشديد على " اليسراوية " على انّها العدوّ الرئيسي للثورة حتّى يبدو مشكل لين بياو أنّه كان مبالغته فى الحماس الثوري ؛ مصوّرين بطريقة غير مباشرة الثورة الثقافية على أنّها " يسراوية " و كارثة مطلقة بما أنّها حسب حججهم أنشأت أناسا لا أقلّ من لين بياو . و على هذا الأساس ، مرّوا إلى الهجوم : حقيقة إستفادوا كثيرا من تطوّر حملة الحزب لنقد لين بياو إلى نهاية 1972.
و تناول اليسار مسألة لين بياو فى تلك الفترة قائما بنقد ودراسة لنظرية العبقريّ التى تقوّض دور الجماهير فى القيام بالثورة. و كان هذا جزءا من مجهود ربط حركة التصحيح وسط الحزب مع نقد التحريفيّة . و فى أوت 1972، فى مقال معنون " قوانين الصراع الطبقي فى المرحلة الإشتراكية " (نص2) يجرى شرح أنّ " الصراع بين البروليتاريا و البرجوازية فى المرحلة الإشتراكية كالأمواج فهو بالتالى أحيانا يرتفع و أحيانا ينخفظ . و بالمعنى الزمني يجد تعبيره فى صراع هام كلّ بضعة سنوات ". و المقال ، إضافة لملاحظته حتميّة الصراعات الهامّة كلّ بضعة سنوات ، يوجّه ضربة كذلك للذين يروّجون لخطّ تحريفيّ فى صراع لكن لا يتمّ إكتشافهم ، فيخرجوا إلى السطح من جديد . ما كان اليسار يقوله كان بديهيّا . ما كان يلخّصه ليس التاريخ الماضي و لين بياو و إنّما أيضا الوضع الراهن حينها .
أخذت الوحدة التى كانت تشكّلت فى معارضة لين بياو تتصدّع بوضوح و القوتان المتجمّعة حول ماو على اليسار و المتجمّعة بصورة عريضة حول شو آن لاي على اليمين ، كانتا تدخلان فى أشدّ النزاع . و مثّلت " الريح الخبيثة " على الجبهة التعليميّة و سلسلة إعادة الإعتبار لأشخاص و أوجها إعادة الإعتبار لدنك سياو بينغ فى أفريل 1973 ، دنك الذى كان الشخص رقم إثنين من مسؤولي السلطة الذين جرى نقدهم أثناء الثورة الثقافية ، مثّلت إشارات مأساويّة عن قوّة اليمين .
لم يكن دنك يساو بينغ ليعود دون دعم قويّ من شو آن لاي الذى بحث من البداية عن إطلاق العنان لدنك سياو بينغ ضد اليسار. مقولة شو آن لاي الكنفشيوسيّة " الإنتباه و رعاية " الناس والمؤسسات الذين تعرّضوا للنقد أثناء الثورة الثقافيّة و التكبّر غير المحدود لدنك تماشيا جيّدا مع حاجيات اليمين فى إندفاعه نحو السلطة . على الأرجح أنّ ماو قبِل بعودة دنك و لو أنّ ذلك لم يكن دون إحترازات قويّة و دون شكّ عن معرفة تامّة بأنّ دنك سينتهى إلى العودة إلى ما كان يقوم به على الدوام أي تنظيم قوى حول خطّ سياسي مناهض لماو . و على الأرجح أنّ موافقة ماو على إعادة الإعتبار لدنك الذى مثّل لمدّة طويلة عدواّ لدودا للين بياو مرتبطا بالحاجة المباشرة لإنجاز نقلة هامّة لثماني قادة عسكريّين جهويّين . لكن عودته و ما تلاها من صعود سريع دليل على قوّة اليمين و تعزيز له .
بالنسبة للثوريّين ، بات بديهيّا أكثر فأكثر أنّ اليمين قد إفتكّ المبادرة ما يتطلّب هجوما مضادا. و فى نهاية 1972 و بدايات 1973 ، نجح اليسار فى الصراع من أجل أن يكون الحكم على لين بياو بأنّه يمينيّ من نفس صنف ليو تشاوتشي . و وضع مقال ظهر فى ديسمبر 1972 كنفيشيوس كهدف للنقد معتمدا على نواياه إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء . و فى مارس ، نشر فى الصحافة مفهوم " الأشياء الجديدة " الإشتراكية ، إلى جانب أهمّية الدفاع عنها. و فى شنغاي و بيكين ، إنعقد المؤتمر النقابي الأوّل منذ بدايات الثورة الثقافية و وجّه نقدا حادا للإقتصاديّة / للإقتصادويّة ( إستراتيجيا تضييق نظرة العمّال إلى الإنشغالات الأكثر مباشرة بالأجور و مسائل إقتصادية أخرى و سياسة الحوافز المادية . و قد ظهرت هذه المسائل خلال نقاش إصلاح الأجور سنة 1972).
و مع تقدّم سنة 1973 ، أقيمت تحضيرات لمؤتمر للحزب يصدر حكما نهائيّا حول موضوع لين بياو و يرسم المسار المستقبلي للثورة . و بصفة خاصّة ظهرت كمسألة هامة مسألة تقييم الثورة الثقافية و الذين عارضوها و حطّوا من قيمتها . و طرحت مسألة أين سيوجد ممثّلو المعسكرين فى هياكل الحزب .

المؤتمر العاشر :

كان من البديهي أنّه ثمّة صراع حاد بشأن هذا المؤتمر . لم يجر الإحتفال رسميّا بذكرى تأسيس الحزب فى جويلية ، و مرّ يوم الجيش فى أوت تقريبا عاديّا . و لم تشر الصحافة إلى إجتماع أخير للجنة المركزية للإعداد للمؤتمر العاشر . لكن أكثر دلالة عن شدّة الصراع كانت سلسلة المقالات فى الصحافة التى يهيمن عليها اليسار مباشرة قبل الدعوة إلى المؤتمر إذ نشرت رواية لتشانغ تياتشان ، طالب من كمونة فى محافظة لياونين كيان : عوض أن يتقدّم إلى إمتحان ، إحتجّ على الإجراءات غير العادلة و على طبيعة إمتحانات القبول . لقد تمّ الترويج لهذا المقال كمثال لمقاومة محاولات التخلّص من تحديثات الثورة الثقافيّة .
و ظهرت مقالات فى جويلية و أوت تدافع عن الأعضاء الجدد فى الحزب و عن الكوادر العمّالية كقوّة حيويّة فى صفوف الحزب . كما جرى الدفاع عن مدارس 7 ماي التى شوّهها لين بياو بما هي مكاسب دائمة للثورة الثقافيّة . و كانت هذه عادة مزارع إليها يتوجّه دوريّا كوادر لإنجاز عمل منتج - جمع محاصيل عملهم الخاص للحصول على غذاء و إنشاء بناءات صغيرة - و دراسة الماركسيّة – اللينينيّة . و شُرحت أهمّية تحقيق الثورة فى البناء الفوقي بصورة مستفيضة فى الصحافة . بكلّ هذا ، ُجد تصاعد دعم مكاسب الثورة الثقافيّة فى إرتباط بلا شكّ بالصراع الدائر فى المسار نحو المؤتمر . كان اليسار يفضّل على الأرجح أن يتأجّل المؤتمر لبعض الوقت لأجل مراكمة القوى . و كان اليمين على الأرجح يريد إنهاءه فى أسرع وقت ممكن بما أنّ اليسار بدأ هجوما مضادا.
و مثّلت نتائج هذا المؤتمر إنتصارا عاما لليسار . فالخطّ المتبنَّى فى المؤتمر كان خطّا ثوريّا رغم أنّ مسألة الأشخاص و الخلافة ، لم تحلّ بصورة مرضية . وبالفعل ، على هذا الصعيد ، وُجد توازن قوى لا يمكن إنكاره.
لقد عالج التقرير السياسيّ المقدّم للمؤتمر العاشر المسائل الهامة للخطّ محلّ الصراع فى صالح القوى الثوريّة . ومدح الثورة الثقافيّة و إستشهد بتصريح ماو لسنة 1969 و القائل بأنّه " على الأرجح سيجب علينا القيام بثورة أخرى بعد بضعة سنوات " و نعت لين بياو بالتحريفي ذى الخطّ الناجم عن نظرة ليو تشاوتشي فى المؤتمر الثامن و المعتبر أنّ التناقض الرئيسي فى الصين كان بين تقدّم النظام الإجتماعي و قوى الإنتاج المتخلّفة . و كان هذا التلخيص عموما مركزيّا بالنسبة لأفق المؤتمر و سيعارضه دنك سياوبينغ مرّة أخرى ب " البرنامج العام " لسنة 1975 ، هو و هواو كوفينغ و اليمين كلّه .
و كذلك لفت التقرير الإنتباه إلى المخاطر الكامنة فى السياسة الخارجيّة الجديدة التى رسمها المؤتمر التاسع و التى كان شو آن لاي أكثر من إرتبطت به إرتباطا وثيقا . فقد أعرب التقرير عن أنّ : " اليوم ، في الصراع على الصعيد العالمي كما على الصعيد الداخلي ، يمكن أن تظهر كذلك نزعات مشابهة لتلك التي ظهرت في الماضي و التي تتمثّل في نسيان الصراع الذى من الضروري خوضه ضد البرجوازيّة عندما نقيم وحدة معها أو إلى نسيان أنّه لا يزال من الممكن في ظروف معطاة تحقيق الوحدة مع البرجوازيّة بعد القطيعة معها . "
و مع أنّه جرت الإشارة إلى الإنحرافين ، إنحراف تغييب الصراع و إنحراف تغييب التحالف ، فإنّه بوضوح جرى التأكيد على الأوّل بما أنّ الصين كانت تقوم ب" إنفتاح نحو الغرب ". و كان التقرير يدافع عن مبدأ " السير ضد التيّار" و أكّد دعم الأشياء الإشتراكية الجديدة و دافع بحماس عن سياسة تركيز الإندماج الثلاثي للكوادر القديمة و الكوادر من الكهول و من الشباب كإجراء لتكوين مواصلين جددا للثورة .
و توسّع تقرير وانغ وانغ - وان حول القانون الأساسي الجديد ( نص 3) في بعض هذه المواضيع . و جرى التشديد على المبادئ الثلاثة " ممارسة الماركسية وليس التحريفية ، العمل من أجل الوحدة لا من أجل الإنشقاق، و العمل بصراحة و نزاهة ، لا حبك المؤامرات و الدسائس " ، الذى صاغه ماو بالضبط إثر الصراع ضد لين بياو، و الرئيسي هو " ممارسة الماركسية و ليس التحريفية ". لكن لم يتبسّط هذا التقرير فى المبادئ التى ينبغى على أعضاء الحزب مراعاتها فقط ، بل حذّر أيضا من مشاكل و ممارسات خاطئة . و ألمح ، على الأقلّ ، إلى " نزعات ضارة " ل" الدخول من الباب الخلفي" وهو بذلك يحيل على إستغلال نفوذ موقع الكوادر الذين يستعملون الطرق الملتوية كي يُقبل أبناءهم بالجامعة أو كي يجنّبوهم الذهاب للعمل فى الريف . و حذّر بشدّة من الكوادر القياديّة التى كانت تقمع النقد .
كان ماو بداهة المسؤول عن تضمين مبدأ " السير ضد التيّار" فى القانون الأساسي ّ. وهذا ينمّ عن شيئين إثنين . أوّلا، وجود تيّار محافظ قويّ نوعا ما ، و ثانيا وقوف ماو ضدّه . و لا يمكن رؤية مسألة قمع النقد إلاّ على ضوء ذلك. و مثّل موقف تقييم الثورة الثقافيّة المجيدة فى هذا القانون الأساسي ضربة للمسؤولين المحافظين من ذلك التيّار و الذين كانوا يشدّدون على إيقاف الثورة الثقافيّة .
كيف يفسّر أنّ شو آن لاي الذى لم يكن مطلقا متحمّسا للثورة الثقافية فى تلك السنوات هو الذى قدّم التقرير السياسي لهذا المؤتمر بما يحتويه من إندفاع ثوري عام ؟ بداية ، التقرير ذاته لم يكن قد كتبه شخص واحد ، بل كان نتيجة صراع حاد . و قاد ماو الصراع لتضمين التقرير دروس الثورة الثقافيّة و آفاقها . و كما أشار هذا التقرير ، قد قدّم لين بياو تقرير المؤتمر التاسع للحزب ، التقرير الذى يذهب تماما ضد الخطّ الذى كان هو ذاته ينظّم القوى حوله .
و فوق ذلك ، زاقع تجسّد خطّ صحيح فى تقرير المؤتمر العاشر يعبّر نوعا ما عن أساليب المعسكرين فى الصراع الدائر . كان اليمين يستخفّ بالتحديثات فى مجال التعليم و يحاول جعل التركيز يتمّ على نظام الإختصاصات و على الربح فى القيادة فى المصانع ، مشيّدا قوّته فى أجهزة الحكومة و باثّا الشكوك حول الثورة الثقافية . و مع ذلك ، لم يكن مستعدّا و لا كان من مصلحته أن يواجه ماو و اليسار برمّته مواجهة مباشرة بهدف فرض تبنّى خطّ تحريفيّ . كان يعلم أنّ ماو كان فى منتهى الإستعداد و القدرة على التصدّى لمحاولات إعادة صياغة كاملة للخطّ العام . من الممكن أن يضطرّ اليسار إلى عقد مساومات بشأن بعض المسائل لكن ليس حول الخطّ العام . لم تكن قوّة اليمين تكمن فى خوض الصراع الإيديولوجي المفتوح بما أنّ التمسّك بالمبادئ ليس ميزة الذين يبحثون عن تقويض الثورة .
و أبعد من هذه العوامل ، كان من المهمّ بالنسبة لليسار أن يتلو شو آن لاي التقرير فهو نقطة لقاء القوى اليمينيّة الموجودة و الناشئة . كان من المهمّ أن يسجّل أنّه نعت موقف لين بياو القائل بأنّ المهمّة الرئيسية هي تطوير الإنتاج ب" زبالة تحريفية " نظرا لأنّ لهذا الخطّ قبول واسع سنة 1973 مع توفّر التقنية الغربيّة حينها ؛ و التهديد السوفياتي المتزايد و ثمان سنوات من الصراع الطبقي المحتدم و صدمة قضية لين بياو لا زالت حاضرة فى الأذهان . كان من المهمّ أن يساند شو آن لاي المفاهيم الثوريّة نظرا لكونه مع إحتداد الصراع سينزع إمّا إلى التمسّك بها أو إلى معارضتها بصفة مفتوحة . و على هذا النحو يتمّ إرساء أسس فهم الجماهير لدور شو آن لاي و موقفه فى الصراع من وجهة نظر الخطّ السياسي .
و علاوة على ذلك ، كان يحاول أن يكسب من يمكن كسبه بما فى ذلك شو آن لاي إلى الخطّ الصحيح . و بكلمات أخرى ، كان يجرى الدفاع عن خطّ و يجرى تدريب الجماهير عليه . و عندما يُهاجم ، سيكون من شأنه أن يخلق رأيا عامّا لمواصلة التصدّى لأعدائه . لم يكن هذا فقط مبدأ ماو عموما فى النضالات الماضية : كان بصورة خاصّة فعّالا فيما يتعلّق بشو آن لاي الذى كان يتمتّع بسلطة و سمعة كبيرتين في صفوف قطاعات كبرى فى الحزب و الملايين ضمن الشعب الصيني الذين إتّبعوا مثل ليو تشاوتشي و لين بياو فى الستّينات .
و تطلّب توزيع المواقع المفاتيح فى صفوف الرتب الحزبيّة مساومة كبيرة . فمسألة الخلافة كانت معقّدة و لم تكن لا لليسار و لا لليمين الأفضليّة الحاسمة فى هذه المواقع . كان تشانغ تشن- تشياو السكرتير العام لرئاسة المؤتمر لكنّه لم يعيّن نائبا لرئيس اللجنة المركزيّة للحزب . وانغ تشوان - وان رُقّي إلى موقع رقم ثلاثة فى الحزب – وهو صعود صاروخي لم يكن ليحصل إلاّ بدعم من ماو- مرفوقا فقط بتشانغ ( دون حساب ماو) من اليسار فى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي . و نظرا لأنّ وانغ يعتبر حديث العهد نسبيّا ، كان اليمين يعتبر أنّه بإمكانه عمليّا و ببساطة عزله كشخص رئيسي . و كانت تشانغ إلاهة الإنتقام منذ زمن و ترقيتها لم تكن مقبولة لديهم .
و وُجد ضمن اللجنة المركزيّة عدد أكبر من ممثّلى المنظّمات الجماهيرية التى تطوّرت خلال الثورة الثقافيّة ، لكنّها ضمّت أيضا عشرين من الأعضاء القدامي للجنة المركزيّة أطيح بهم خلال الثورة الثقافيّة و على رأسهم أناس مثل دنك سياوبينغ و تان تشان - لين (وزير فلاحة سابق ) ؛ علاوة على دخول أناس جدد إلى اللجنة المركزية وقع نقدهم و تجريدهم من رتبهم أثناء الثورة الثقافية . و كان هذا مؤشّرا على قوّة شو آن لاي و إلحاحه بإستمرار على إرجاع الكوادر ذات التجربة بهدف " الحكم الجيّد للبلاد ".
لماذا لجأ ماو إلى الأربعة و وضعهم فى الواجهة ؟ أوّلا ، لأنّهم قد أثبتوا صلابتهم فى خضمّ الثورة الثقافيّة التى نهضوا فيها بدور متميّز و رئيسي . فقد مثّلت عاصفة جانفى 1967 فى شنغاي التى إرتبط بها تشانغ و ياو و يانغ مباشرة أوّل إستعادة للسلطة خلال هذا الصراع و نموذجا لبقيّة البلاد . وحّد العمّال صفوفهم و أطاحوا بلجنة الحزب لبلدية شنغاي و بالأجهزة الإداريّة التى كانت تحت سيطرتها التحريفيّة . تلك كانت المرّة الأولى التى عُولجت فيها مسألة الإطاحة بأتباع الطريق الراسمالي من مواقع سلطة بحركة جماهيرية مباشرة . و قد ساهمت تشانغ تشنغ مساهمات كبيرة على الجبهة الثقافيّة التى، ينبغى أن نضيف ، كانت حقل معركة حاسمة و عسيرة للغاية بالنسبة للطبقة العاملة لأنّ الفنّ كان منذ زمن حصنا للطبقات المهيمنة القديمة .
كان على الأربعة أن يناضلوا كذلك من أجل الدفاع عن مكاسب الثورة الثقافية فى السنوات التى كانت الخلافات تتوسّع بين ماو و شو آن لاي حول كيفيّة التعاطي مع الأمور إثر نتائج مسألة لين بياو . فقد مورست ضغوط قويّة للتخفيض من نسق الثورة الثقافيّة أمام الإطاحة بلين بياو و التهديد السوفياتيّ المتصاعد و المحاولات الواعية للتحريفيّين داخل الحزب للعمل ضد تغييرات الثورة الثقافيّة و قلبها لا سيما لمّا عاد الكثير منهم إلى مواقعهم .
برز الأربعة كأكثر الناس الموثوق بهم للمضي قدما بالنضال . كان من الممكن كسب العديد من الكوادر القديمة ذات المراتب العليا لكنّه ما كان يمكن التعويل عليهم ليشكّلوا الطليعة فى مواصلة النضال . لقد رأى ماو الأربعة كنواة لقيادة ثوريّة صلب الحزب و عمل لتوفير الظروف المناسبة لتتطوّر مثل هذه القيادة و لضرورة متابعة النضال ضد اليمين .

حملة " نقد لين بياو و كنفيشيوس " :

عقب المؤتمر العاشر ، شرع اليسار فى إفتكاك المبادرة . تحدّثت إفتتاحية " يومية الشعب " فى 25 سبتمبر عن الحاجة إلى إنشاء قوات مسلّحة محلّية بقيادة حزبية بروليتاريّة تكون مرتبطة وثيق الإرتباط بالحزب و قادرة على خوض الصراع الطبقي . و جرى الدفاع عن سياسات إرسال الشباب المتعلّم إلى الريف و عن الصراع صد نزعات التهرّب من هذه الخدمة عبر العلاقات الأسريّة ، فى ترويج لتبادل رسائل بين آباء و أبناء من لياونينغ . لكن الهجوم المضاد الأبرز كان حملة " نقد لين بياو و كنفيشيوس ".
فى الفترة السابقة للمؤتمر أخذت تظهر كمّية كبيرة من المقالات حول كنفيشيوس إلاّ أنّ الحملة ذاتها لم تتّخذ شكلها النهائي إلاّ بعد المؤتمر . ففى فيفري 1974، أعلن : " يتعمّق صراع سياسي جماهيري لنقد لين بياو و كنفيشيوس أطلقه و يقوده قائدنا العظيم الرئيس ماو ، فى كافة مجالات الحياة ". و وقع التشديد على : " أن يكون المرء ناشطا أو سلبيّا تجاه هذه المسألة المحورية لنقد لين بياو و كنفيشيوس إختبار لكلّ رفيق قائد...من الضروري ربط هذا النقد بالصراع الطبقي الراهن و الصراع بين الخطّين و المثابرة على الثورة و معارضة التراجع و دعم حماسي للأشياء الإشتراكية الجديدة التى تظهر". ( تشديد الناشر ، أنظروا النصّ الخامس) إنّها الرصاصة الخامسة التى أطلقها ماو تسى تونغ فى الصراع ضد مراكز القيادة العامة البرجوازية لشو آن لاي و دنك سياو بينغ .
ما هي المحاور الرئيسية لهذه الحملة و لماذا إتّخذت الشكل الذى إتّخذته ؟ بادئ ذى بدء ، المرحلة التاريخية التى يقع فحصها هي مرحلة تعويض دكتاتوريّة طبقة ملاّك العبيد بطبقة الإقطاعيّين . كانت تلك حقبة هامة فى تاريخ الصين حيث سجّلت تغيّرا تاما نسبيّا فى الأنظمة الإجتماعيّة . ( فى الصين لم تستطع البرجوازيّة أن تحدث تغييرا مشابها فى شكل ثورة ديمقراطية نظرا لضعفها ، و ألقي على عاتق الطبقة العاملة قيادة هذه الثورة و إنجازها ). و ترافق صعود طبقة الإقطاعيّين للسلطة بصراعات طويلة و حادة ضد ملاك العبيد المتداعين و ممثّليهم السياسيّين و الإيديولوجيّين . و مع حدوث ذلك ، وُجد صراع من فترة إلى أخرى إمتدّ لقرون عدّة بين طبقة ملاك العبيد و طبقة الإقطاعيّين حول من سيحتفظ بالسلطة .
و بالنسبة للبروليتاريا فى السلطة و مهمّتها التاريخية هي القضاء على الإستغلال و الطبقات ، كان ذلك درسا عمليّا بمعنيين . كان يبيّن أنّه حيث للطبقة المطاح بها بعض القوّة ستحاول إعادة تركيز نظامها ، و أنّ قدرة الطبقة الجديدة على الحفاظ على سلطتها و توسيعها يرتهنان بإرادتها و قدرتها على المضيّ إلى النهاية فى تغييرات مؤثّرة و إتّخاذ الإجراءات الأكثر حزما ضد من يريدون إعادة النظام القديم . و الشخصيّات البارزة فى هذه الحملة تشمل تشانغ يانغ و تشن شي جوانغ . كان تشانغ موظّفا إستحدث نظام البلديّات الإقطاعيّة و الحكم على النطاق الوطنيذ عبر مهام ممركزة مقابل العادة القديمة للنظام العبوديّ و تسليم مناطق لحكّام محلّيين كان بمستطاعهم أن يفعلوا ما يعنّ لهم . و أدخل تشانغ يانغ كذلك إصلاحا زراعيّا هاما سمح بتطوير أسرع للفلاحة. القانونيّون ( مثلما سمّوهم لأنّهم كانوا يدافعون عن فكرة تعويض الهيمنة العبثية لملاك العبيد بقوانين تتماشى و المجتمع الإقطاعي) هم الذين كانوا يناضلون من أجل إنجاز مثل هذه الإصلاحات و الدفاع عنها . و تشن شي جوان واصل الإصلاحات التى شرع فى تطبيقها تشانغ يانغ و ذاد عنها . هو من حرق كتب كنفيشيوس الذى قام بكلّ ما كان بوسعه لإنقاذ المؤسسات القديمة فى ظلّ النظام العبودي . و على نحو أكثر بروزا حرق وهم إحياء كافة العلماء الذين عارضوا الإصلاحات و رغم أنّ ما كان يدافع عنه هو إصلاحات الطبقة الإقطاعيّة ، فإنّها قد دفعت تطوّر المجتمع غصبا عن مقاومة ملاك العبيد و ممثليهم السياسيّين .
و غنيّ عن البيان أنّ كنفيشيوس كان معلّما بالنسبة لأتباعه الذين كانوا يعملون فى الريف. مع اعتلاء الطبقة الإقطاعية الناشئة مركز مسرح التاريخ ، شجّع كنفيشيوس شعارين حوالي السنة 500 قبل الميلاد : " إعادة إحياء الدول المضمحلّة وإعادة تركيز العائلات التى إنقطع تسلسلها وإعادة توظيف الموظّفين المغضوب عليهم". فكان هذا بداهة نداءا لإعادة ما هو متداعي ، بكلمة ، لإعادة تركيز النظام القديم . و المبدأ الفلسفي الذى إستند إليه هذا هو " التطوّع " و " اللطف " . إنّه أصدر امرا للعبيد أن يضعوا جانبا خلافاتهم من أجل مصيرهم المشترك و أن يتّحدوا للدفاع عن نظامهم المحاصر راميا ببعض الفتات إلى الجماهير. و موجّها إلى الجماهير، مثّل ذلك محاولة بديهيّة لطلب الخضوع و الطاعة .
لكن كنفيشيوس كان أكثر من " حكيم " تأمليّ . كان ناشطا معاديا للثورة يخفى خيانته إخفاء خبيثا – بتضليله عبر الحديث عن الصراحة و الإنشغال بالمصلحة العامة . فقد خان وعدا للفلاّحين الذين تمرّدوا. و لاحقا ، بإعتباره وزيرا للعدل و نائبا للوزير الأوّل لدولة لو فى الصين القديمة ، قتل شاو شنغ مو الذى كان جمّع عددا كبيرا من الأتباع من أجل الدفاع عن الإصلاحات . كان كنفيشيوس طاغية تنكّر بنفاق بلباس فيلسوف اللطف و الوسطيّة .
كانت تعاليم كنفيشيوس الغذاء الإيديولوجي و نقطة تجميع القوى الرجعيّة فى الجزء الأعظم من تاريخ الصين. و لين بياو ذاته قد تبنّى مبادئ كنفيشيوس و حتّى شرع فى تدريب إبنه على عقيدة كنفيشيوس بهدف إعداده لمواصلة السلالة الملكيّة لين . نظريّته عن العبقرية ليست سوى إمتدادا ضحلا لمقولة كنفيشيوس بأنّ فقط من هم فى المناصب العليا هم العلماء . و كانت لتقديس كنفيشيوس للسلطة و إستخفافه بالذين يعملون يدويّا تأثيراته الملموسة بقوّة فى الصين . و بهذا الصدد ، كانت الحملة مرتبطة بالصراعات المستمرّة ضد الإرث الكنفيشيوسي . مثلا، عديد المقولات و الأمثلة الشعبيّة التى تشتم المرأة جذورها كنفيشيوسيّة . و تركّز النظر أثناء الحملة على مظاهر الحفاظ على تبعيّة المرأة . و إنطبق هذا على تمثيل الأبناء فى مهام القيادة و النزاعات فى المناطق الريفية و العادات فى المزارع و الزواج و تقسيم العمل المنزليّ .
و كان الهدف السياسي الرئيسيّ للحملة هو قوى إعادة النظام القديم التى كانت تمدح القديم و تستخفّ بالأشياء الإشتراكية الجديدة ، أناس مثل لين بياو الذى كان يدّعى أنّ الأمور ذهبت إلى الأقصى ( معبّرا عن عقيدة كنفيشيوس " الوسطيّة " ) تحت تأثير حركة الجماهير و أنّه لا يمكن أن ينشأ أي شيء إيجابي عن كلّ هذا. و غاية الحملة كانت تسليح الجماهير لتدرك خطر إعادة النظام القديم و محاولات اليمين الإنقلاب على الأحكام الصحيحة بصدد الثورة الثقافيّة . و قد إستخلص معناها المعاصر من التشابه التاريخي مع محاولات إعادة النظام القديم التى قام بها الممثّلون السياسيّون لطبقة ملاك العبيد . فكان ذلك بمثابة هجوم مضاد قويّ ضد جهود اليمين فى تحدّى إصلاحات الثورة الثقافيّة و تغييراتها و إعادة الإعتبار لكوادر تبيّن أنّها متذبذبة .
لقد تميّزت هذه الحملة بطابع تعليمي عام . و كان الهدف منها خلق رأي عام مناهض لمقترحات اليمين و جعل الجماهير تدراك خطورة الوضع . فى بداياتها ، لم يكن هدف الحملة شنّ صراع فوريّ من النوع الذى ميّز السنوات الأولى من الثورة الثقافيّة عندما أُطيح بالكوادر القياديّة و إنّما كان الحفاظ على مكاسب في إرتباط بجهود مواصلة الثورة الثقافيّة و تعزيزها . فى مصانع شنغاي ، فى نفس الفترة التى كانت تتطوّر فيها هذه الحملة ، حدث صراع هام حول النسب التى وضعت مرّة أخرى فى المصاف الأوّل نسبة للنشاط السياسي و أعيد إدخال الحوافز الماديّة لرشوة العمّال الذين يعملون و ينسون جميع الأشياء الباقية رئيسيّا الثورة . و فى أماكن أخرى ، رفعوا شعار " أين هي مطارق كوادرنا ؟ " للإحتجاج على أنّ فى الكثير من الوحدات عاد فيها الإداريون إلى السلوك المتكبّر و إلى رفض إنجاز العمل المنتج . كانت هذه بوضوح صراعات ضد التراجع عن مكاسب الثورة الثقافيّة .
و إلى ذلك هناك محاور أخرى . الفكر الجهوي و المحلّي تواصل و أثار مشكلا جدّيا على الجبهة العسكريّة بمعيّة محاولات بعض الكتاب العامين للمحافظات معارضة الخطّ الموحّد للحزب فجرت مهاجمتهم بواسطة الدفاع عن سياسات التوحيد لتشي جوان. و طالت الحملة كذلك مسألة الخيانة الوطنية : هكذا مثّل أتباع كنفيشيوس خلال حكم السلالة الملكية هان الشرقيّة الذين أخفوا إستعداداتهم للحرب و مقاومة أرستقراطية رجعية لملاك العبيد بالشمال ، كذلك تآمر لين بياو ليضع الصين تحت مظلّة حماية السوفيات - ما يعنى لا أقلّ من الإستسلام أمامهم .
و بنظرة إستذكارية لهذه الحملة ، يمكن رؤية أنّ ماو و اليسار الذى كان هو يقوده لم يكونا يطرحان ببساطة مسألة إعادة النظام القديم فى المطلق بل كانا يشيران و يوجّهان إصبع الإتّهام إلى موظّفين حقيقيّين معنيّين ، بواسطة إستعمال التشبيه و المقارنة . كانت تلك عادة قديمة فى السياسة الصينيّة و طريقة شائعة للنقاش و الجدال داخل الحزب الشيوعي الصيني . فى هذه الحال ، كان اليسار يشير بنجاح إلى شو آن لاي و دنك سياو بنغ و آخرين فى معسكره . هل يمكن التقليل من أهمّية كون الحملة كانت لنقد كنفيشيوس رغم ما أشرنا إليه سابقا من أنّ هذا جزء من ذاك ؟
لقد كان كنفيشيوس كما يمكننا أن نعلم من عديد المقالات ملازما الفراش بفعل مرض عضال . و رغم المعرفة الواسعة الشهيرة جدّا ، نجد أنّه " روى و لم يكتب ". و المقارنات و التلميحات بارزة جدّا و شو آن لاي و دنك سياو بينغ هم الكنفيشيوسيّين المعاصرين . كان شو آن لاي اليميني الرئيسي أو على الأقلّ الحامي الرئيسي لليمين وسط الحزب وهو أكثر من أيّ كان المسؤول عن إعادة الكثير من الموظّفين غير التائبين المغضوب عليهم إلى مواقعهم ."عادات شو " ( وهي سلالة ملكيّة قديمة ) كانت تمثّل البرنامج السياسي للكنفيشيوسيّين وهي تحيل على سياسة التمييز الصارم بين الموقع الإجتماعي لملاّك العبيد و الموقع الإجتماعي للعبيد ، و على الحفاظ على رتبة و لقب كلّ واحد من الأرستقراطيين ملاّكى العبيد. إسم شو كان يكفى ليثير الشكوك بالنسبة لمن يقع الهجوم عليه ، لكن مضمون هذه العادات كان بوضوح مشابه لسياسات شو آن لاي : برنامجه المكثّف لإعادة الإعتبار للكوادر القديمة للحزب و الدفاع عنها . دوق شو كان يعتبر رمزا رجعيّا فى فترة كنفيشيوس و مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك ، كنفيشيوس ذاته كان نائب وزير أوّل وهو تلميح بديهي لدنك سياو بينغ . لقد أوضح اليمين من يرمز إلى الإضطرابات التى دفعوا إليها إثر وفاة شو لمّا رفعوا شعار" ليقسط تشن شى جوان" الذى كان يمثّله بالنسبة لليسار كما بالنسبة لليمين ماو تسى تونغ ّ.
ما أعطى قوّة و فعالية لصورة كنفيشيوس هو كونه كان منافقا و محتالا فى الوقت الذى كان يتحدّث فيه عن الإستقامة و اللطف . كان شو آن لاي بالضبط هذا النوع من الشخصيّة - منافق و يقدّم نفسه على أنّه حكيم و على أنّه حامي الشعب . كان يتآمر ضد الثورة . لعلّه يبدو من غير القابل للتصديق أنّ شو آن لاي ، إنسان كان منذ زمن طويل مرتبطا شعبيّا بماو و كانت له صفات ثوريّة متميّزة ، يستطيع أن يعمل كقائد لمركز القيادة العامة المعادي للثورة فى الحزب : لكن شو كان نموذجا لفئة كاملة من موظّفي الحزب و قادته الذين إلتحقوا بصفوفه تحرّكهم طموحات وطنيّة و حتّى ربّما شريفة ( بمعنيي الكلمة ) لكنّهم كانوا يعتبرون مواصلة الثورة شيئا يحمل الضرر أكثر من المنفعة و تهديدا لأمنهم و موقعهم . من المؤكّد أنّ أناسا مثل شو قد لعبوا دورا إيجابيّا فى النضال فى فترة أو أخرى – لا سيما فى المراحل الأولى من الثورة الديمقراطية الجديدة - لكن خطّ التمايز بين الثورة و الثورة المضادة بعدُ لم يكن جوهريّا بين إرادة النضال من أجل الإستقلال و القضاء على الإقطاعية فى الصين و بين مواصلة الثورة و الدفاع عن الثورة الثقافيّة . كان شو آن لاي كنفشيوسي بإمتياز ، يعمل من أجل إعادة النظام القديم فى كلّ مظاهره بتعلّة التحكّم فى الذات و الإستقامة .
نبعت حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس من النقاط المبدئية التى لم يكن ماو يستطيع القيام بمساومة حولها فى المؤتمر العاشر: أنّه ينبغى الدفاع عن الثورة الثقافيّة و أنّ اليمين هو العدوّ الرئيسي و أن لين بياو كان يمينيّا و أنّ " الذهاب ضد التيّار مبدأ ماركسيّ ". لا يجب أن نفاجأ بأن تكون القوى المتجمّعة حول شو ، التى يقع تحدّى تيارها ، لم تنهض أبدا بأيّ نوع من الأدوار الفعّالة فى هذه الحملة – إنّهم من البداية يرغبون فى حملة ضد كلّ ما أطلقوا عليه تسمية "يسراوية " لين بياو . و الطابع الخافت و نوعا ما الإنتقائي لحملة لين بياو و كنفيشيوس تحدّد بأنّ هذه الحملة مثّلت الطلقة الأولى لما سيصبح بوضوح صراعا طويل الأمد مثلما سيغدو بديهيّا من الإستقطاب القوي فى المؤتمر العاشر. كانت هناك حاجة إلى تطوير الصراع بشكل شامل و تدريجيّا خلق رأي عام بحيث إن حدثت مواجهة تكون فى ظروف أكثر مواتاة للثوريّين .
تميّز الوضع القائم فى بدايات 1974 بإستعادة اليسار لزمام المبادرة . لكن المسألة التى كانت تشقّ صفوف الحزب لا زالت هي الثورة الثقافيّة و كانت هذه الأخيرة تتداخل أكثر فأكثر مع الصراع حول الخلافة . لقد أدان اليمين لين بياو ليدين الثورة الثقافيّة و الكثير من الموظّفين الذين عادوا للسلطة شرعوا فى مهاجمة سياساتها . و مع تطوّر الحملة ضد لين بياو و كنفيشيوس ، سيشنّ اليمين حملة تشويهات ضد الثورة الثقافيّة محمّلا إيّاها مسؤولية المشاكل و الصعوبات التى وُجدت فى مختلف القطاعات . و فى الوقت نفسه ، حاول تعزيز موقعه فى الحكومة المركزيّة . من جهة ، سمح ذلك لليمين بتطبيق سياساته ( كانت وزارة التجارة مثلا تقريبا برمّتها تحت سيطرته و كان بإمكانه إدخال سياسات تجاريّة جديدة . وقد قطع مع الممارسة الصارمة للحفاظ على التوازن التقريبي بين الواردات و الصادرات و عقد إتفاقيّات بعيدة المدى متضمّنة دفع إرباح مقنّعة ) و من جهة أخرى ، إستطاع أن يرفع من حجم قواه و طرد اليسار . و أعيد دنك إلى المكتب السياسي فى جانفي 1974.
و بالمقابل كان اليسار يبنى حركة سياسية فى صفوف الجماهير . إلاّ أنّه فى صائفة 1974 ، تمكّن اليمين من الهيمنة من جديد و عطّل حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس . كان اليمين يتّهمها بالتسبّب فى الصعوبات فى الإنتاج و دفع العمّال ضدّ بعضهم البعض . و شدّد اليسار على ربطها بالإنتاج . و جاء فى تقارير العديد من الوحدات تسجيل إرتفاع فى الإنتاج عندما نقد العمّال فكرة كنفيشيوس عن انّ الموهوبين وحدهم يمكنهم الحكم و رُبط هذا بإرساء علاقات أكثر رفاقيّة بين العمّال و الإداريّين ما ساهم أكثر فى القضاء على تقسيم العمل بينهما .
و إحتدّ الصراع على الجبهة الثقافيّة بصورة معتبرة فى نهايات 1973 و بدايات 1974. و أحدثت عروض فى الصين لفرق سنفونيّة أجنبيّة جدالا كبيرا. لم يُعارض اليسار هذه الزيارات فى حدّ ذاتها إذ كانت المسألة بالنسبة له هي بأيّ معنى و على أيّ أساس ينبغى تنظيم مثل هذه العروض أو هل أنّ مثل هذا التبادل الثقافي يجب أن يعترف بأنّه مظهر من المبادرات الدبلوماسية الضروريّة نحو الغرب و لو أنّه يزيد من التأثير البرجوازي . على ما يبدو شو آن لاي هو الذى كان مسؤولا عن إقامة التحضيرات لهذه الزيارات و كان اليمين عموما يحثّ الخطى ليفتح الأبواب أمام الثقافة البرجوازيّة . ردّا على ذلك كتبت تشانغ تشنغ ، أو الذين كانوا يعملون تحت قيادتها ، مقالات تحلّل طبيعة الموسيقى الكلاسيكية الغربية ( أنظروا النصّ 11). مثل هذه الموسيقى كالسوناتا و السنفونيّة بلا عنوان التى يفترض أنّها فوق الزمان و المكان ، هل يمكن أن تعتبر دون دلالة و لا مضمون طبقي؟ لقد وقع شرح أنّ هذه الموسيقى كانت برجوازيّة و يجب نقدها ، و لو أنّه يمكن تمثّل شيئا من الشكل تمثّلا نقديّا .
لم تكن تلك النقاشات بصدد الموسيقى الكلاسيكيّة تمارينا أكاديميّة فارغة . مثلما شدّد على ذلك ماو بصفة مستمرّة دور البنية الفوقية – ليس فقط السياسة بل أيضا الثقافة و الإيديولوجيا إلخ - هام عموما فى المجتمع الإشتراكي و أحيانا يكون هذا الدور حاسما . لقد ظلّت عديد مجالات البنية الفوقيّة حصونا للبرجوازيّة. و إستعمل اليمين تأثيره فى حقول معيّنة كالأدب والفنّ ، لينشر الإيديولوجيا الرجعيّة و يخلق رأيا عاما مواتيا له. و إذا لم يواجه مثل هذا التأثير مواجهة مباشرة قد يقوّض و يخرّب القاعدة الإقتصاديّة الإشتراكيّة. لهذا من الضرورة الملحّة بالنسبة للطبقة العاملة أن تحتلّ كافة مظاهر البنية الفوقيّة و تغيّرها.
و فى الآن نفسه ، يشمل هذا المسألة المهمّة للغاية ألا وهي مسألة ما هي السياسة الصحيحة إزاء المثقّفين- بصورة خاصة العاملين فى الحقل الثقافي لوقت كامل - الذين تحاول البرجوازيّة أن تدرّبهم كعنصر من قاعدتها الإجتماعيّة . و المثقّفون هم الأكثر نزعة نحو تقديس هذه الموسيقى . و معهم ينبغى الصراع ، على هذا الأساس حاثينهم على المساهمة فى الثورة عاكسين صور البروليتاريا و فهمها للعالم - مستوعبين بصفة نقديّة ما هو مفيد من الماضي و من البلدان الأجنبيّة .
كان اليسار يتطرّق إلى هذه المسألة فى إرتباط ب" الإنفتاح على الغرب " و الأخطار الكامنة فى المبادرات الضرورية المتّخذة من قبل الحكومة الصينيّة تجاه بعض العلاقات مع البلدان الرأسماليّة . و النقطة التى كان يقع التشديد عليها ليست إن كان من الخطإ التعامل مع الغرب كقوّة مضادة للتهديد السوفياتي ، بل أنّ ذلك لا يمكن أخذه كتصريح لإبتلاع كلّ شيء - الثقافة البرجوازية و كلّ تأثيراتها الهدّامة . و هذا التقديس للثقافة البرجوازيّة كان يترافق مع استخفاف بالفنّ البروليتاري الجديد - على غرار الأوبيرا الثورية - و إعاقة تطوّره . و إن وُجد أدنى شكّ فى ما تؤدّى إليه الثقافة البرجوازيّة ، كان اليسار يشير إلى مثال المنتج السينمائيّ الإيطاليّ ميشال أنجلو أنتونيوني الذى إقترح بوضوح إنجاز فلم وثائقي موضوعي عن الصين لم يكن سوى هجوم شامل على الإشتراكيّة حتّى و إن صوّر بفنّ و ذكاء .
كان اليمين جريئا جدّا على الجبهة الثقافيّة التى كانت تحت سيطرة اليسار، إلى درجة أنّه أنتج أوبيرا عنونها " الصعود ثلاث مرّات إلى قمّة الدوراثنيرو" وهي رواية جديدة وقحة لأوبيرا ذات إسم مختلف قليلا ، " النزول ثلاث مرّات من قمّة الدوراثنيرو" التى إستعملها ليو تشاوتشى للترويج لسياساته فى مجال الفلاحة. كان كما لو أنّ اليمين يرفع القفاّز وهو يقول: " إلى الجحيم الثورة الثقافيّة بأسرها ". و بمناسبة الحديث عن الأوبيرا، ليس أقلّ من هواو كوفينغ شارك فى إنتاج ثمّ تصوير أوبيرا فى جويان كانت تصوّر الحياة الدراسيّة إسمها " أغنية البستاني". و نقد اليسار بشدّة هذه الأوبيرا فى أوت 1974 لمحاولتها الإستخفاف بالطلبة و تقييم الأساتذة كما لو انّهم يفهمون كلّ شيء .
فى هذا الوقت ، طفقت قوى شو آن لاي تترجم كرهها للثورة الثقافيّة فى برنامج محدّد أكثر صار عنوانه " التعصيرات الأربعة ". و فى نفس الوقت ، بذل مزيد الجهود عبر كثير من عمليّات إعادة الإعتبار و الترقية لدعم أجنحته و توفير ورثة خلفاء مقبولين . و لم يكن اليمين كتلة واحدة بلا إختلافات . كانت تشقّه عقليّة الإقطاعات و النزاعات المميّزة لأمراء الحرب. و حصلت خلافات سياسيّة داخله حول درجة التنازلات أمام الإتّحاد السوفياتي و حول مدى سرعة الإرتماء فى أحضان الغرب إلخ غير أنّ اليمين كان واضحا و مصمّما فيما يخصّ نقيضه - ماو و اليسار الذى يقوده . و ما كان يوحّد اليمين هو إلحاحه الذى لا يكلّ على ألاّ يطبّق الأربعة خطّ ماو و ألاّ يطوّروه . و أهمّ رموز هذا اليمين هم شو آن لاي و دنك سياوبينغ، الأوّل كان قوّته الموحّدة و نقطة إلتقائه الرئيسية و الثاني كان القاتل المأجور لليسار .
من هي القوى المتحالفة فى المعسكر الذى يقوده شو آن لاي؟ أوّلا هناك أناس مثل شو آن لاي ، لي سيان- نيان، ياشيان- يينغ و آخرون قد حماهم شو فى مجلس الدولة . كان هؤلاء على الأرجح متذبذبين خلال الثورة الثقافيّة حاولوا فى ظروف حرجة أن يعرقلوها . و كان هذا بيّنا أكثر فى التيّار المضاد فى فيفري 1967 الذى تورّط فيه كلّ من ياشيان - يينغ و لي سيان- نيان . كانت تلك محاولة لوضع حدّ للثورة الثقافية قبل أن تنتج الكثير من الحساسيّات.
و شو آن لاي ذاته ، على ما يبدو ، كسبه ماو ليوافق على الثورة الثقافيّة . منذ 1956-1957 كفّ شو آن لاي عن القيام بواجباته و عارض عمليّا الإنتفاضات الكبرى التى أدّت إلى القفزة الكبرى إلى الأمام رغم أنّه لاحقا غيّر موقفه و ساندها. هكذا لا نستغرب أن يقول ماو إنّه كان أقلّيا أحيانا ضمن الحرس القديم للجنة المركزيّة فى الفترة السابقة للثورة الثقافيّة . و الدعم الممكن لشو آن لاي كان بلا شكّ مشروطا بوضع بعض الحدود لأبعاد الثورة الثقافيّة و بضمانات أن يقدر على الحفاظ على بعض النظام . لكن الإنتفاضات المستمرّة و المجزرة التى خلّفها لين بياو على الأرجح قد أقنعته بأنّ إعتقاد ماو بأنّ الثورة الثقافيّة ستستمرّ بأشكال متنوّعة و بدرجات مختلفة من الحدّة كانت غير حذرة و لا علاقة لها بضرورة المرور إلى بناء الإقتصاد الصيني و بالتالى تعزيز دفاعه .
تحديدا كيف حدثت هذه القطيعة مع ماو هي بالطبع مسألة تأمّل نظري لكن السياسات المرتبطة بذلك و القوى التى لجأ إليها شو آن لاي – و دنك سياو بينغ أبرزها - وضعته مباشرة فى معسكر الرجعيّة . كان شو آن لاي سياسي متوقّد الذكاء و داهية ، ليس لأنّ البرجوازيّة جعلتنا نعتقد أنّه واقعيّ بل لأنّه هو ذاته قد تعلّم شيئا من صراع الخطّين الذى حدث داخل الحزب الشيوعي الصيني . كان مستعدّا لإستغلال السمعة التى كان يتمتّع بها و لتشجيع الوصوليّة لدى الكثير من كوادر الحزب ، إلى جانب الشعور ب" العودة إلى الحياة العادية " التى كانت بلا شكّ موجودة لدى بعض القطاعات من الجماهير و كذلك فى صفوف عدد هام من الكوادر والمثقّفين .
بإختصار ، كان هذا الذى يبدو متنازلا يجسّد عكس كلّ ما كانت تمثّله الثورة الثقافيّة – وهذا إلى حدود معيّنة يعطى الحقّ للإستخفاف المراكم ضد الثورة الثقافيّة من قبل الحكّام الحاليّين الذين يمثّل لهم شو نموذج الشيوعي " ذى العقليّة العمليّة ".
فى معسكر شو آن لاي لا توجد فقط عناصر غير مبالية من بين الكوادر و المثقفين الذين يحميهم و كذلك عناصر غير تائبة أتباع الطريق الراسمالي على غرار دنك سياوبينغ . و ثمّة أيضا فى هذا المعسكر أناس كتشى تانك-كوى ، وانغ تونغ-سنغ و هواو كوفينغ.تشى و هواو كانا قد قبرا فى المراحل الأولى من الثورة الثقافية( فى 1966 ، هوجم هواو على أنّه " ملكي" و عزل من السكريتارية العامة ليونان) لكنّه عاد بسرعة ليدعم الثورة الثقافية حتى لا يكون ضحيّة لها. لم يكن هؤلاء الناس أنصارا مناضلين للثورة الثقافية بل كانوا مستفيدين منها . لقد حطّمت الثورة الثقافية مسيرة عدد ليس بالقليل من الموظّفين السامين بالحزب و جعلت ممكنا صعود كوادر من رتب أدنى. لقد إستفادوا من بعض تغييرات الثورة الثقافية و احيانا كانوا يدافعون عنها . كان لهؤلاء بعض المصلحة فى الإعتراف بشرعيّتها .
إلتحق هواو كوفينغ بمجلس الدولة سنة 1971-1972 ليشتغل تحت إمرة شو آن لاي إلى جانب أناس مثل وانغ تونغ- سنغ فى شبكة الأمن كجزء من فريق البحث فى قضيّة لين بياو . كانا جزءا من الحرس الجديد الذى لم ينهض بدور هام لا فى دعم الثورة الثقافيّة و لا فى الدفاع عنها لكن حساسيّتهم السياسيّة كانت أساسا يمينيّة . إنّهم يتنازعون بشكل مختلف حول مسائل خاصة حسب المصالح الخاصة ، كيف تأثّر على مسيرتهم و ما هو ميزان القوى و مع ذلك بشأن المسألة الجوهريّة للتوجّه الذى ينبغى أن تتّبعه الأمور إثر وفاة ماو و ظهور الأربعة كنواة قيادة لمواصلة سياساته ، إصطفّوا إلى جانب القوى الرجعيّة .
المجلس الوطني الشعبي :

نحو نهايات 1974 ، بدأت التحضيرات للمجلس الوطني الشعبي . فجاء اليمين للمجلس بقدر من السلطة إذ تعزّزت قاعدته نوعا ما مع عودة عديد الكوادر إلى مواقعها و لم يكن الإقتصاد يسير كما جرى التوقّع ما زوّد اليمين بحجّة أنّ الأشياء كانت تخرج عن نطاق السيطرة . هذه الحجّة عن إنهيار الإقتصاد تظهر رأسها المرّة تلو المرّة . كانت حجّة عتيقة بما فيه الكفاية بما انّ اليمين كان يرفع فزّاعة الفوضى و تداعي الإقتصاد بشكل كبير إبتدءا من القفزة الكبرى إلى الأمام سنة 1958 التى شهدت تنظيم الفلاّحين فى كمونات و تغيير مشهد البلاد بمشاريع صناعيّة و مشاريع بناء كانت تعتمد على مبادرة الجماهير. بالنسبة لليمين ، كان أفق أن ينتج الفلاّحون الفولاذ أو أن يتخلّص العمّال من الضوابط و القوانين الإضطهاديّة يساوى أسوأ صنف من الفوضى . أمّا النظرة الثوريّة ، نظرة اليسار ، فكانت نعم لإطلاق العنان للحركات الجماهيريّة لدفع الإنتاج و سيؤدّى رفع المستوى التقنيّ للعمّال و الفلاّحين لا محالة إلى بعض التفكّك و المشاكل لكن الفوائد على المدى البعيد أكثر من أن تبرّر هذه الصعوبات - التوزيع الجغرافي العقلانيّ للصناعة و نشر المهارات و المساهمة الأكثر مباشرة للجماهير فى توجيه الاقتصاد . كالعادة وضع اليمين عراقيلا و حرف هذه الحركات ، لكن لاحقا عندما بدأت بعض مشاريع البناء مثلا فى الإنتاج غيّروا مواقفهم ووثقوا بها قائلين " أنظروا لقد أعدنا تركيز النظام الذى جعل كلّ هذا ممكنا ".
إن كان نجاح الثورة يُقاس بمعيار النتائج الإقتصاديّة المباشرة عندئذ يمكن أن يكون من الأفضل إستدعاء الرأسمال العالميّ لإستغلال و تطوير الموارد ( شيء يبدو أن حكّام الصين الحاليّين على وشك الإقدام على فعله). فيما يخصّ هذا يمكن للمرء أن ينتقل إلى أندونيسيا التى فى أواخر الستّينات و أوائل السبعينات حقّقت نسبة نموّ بحسب الفرد الواحد أعلى من تلك فى الصين . لكن منذ متى يرسم الشيوعيّون إستراتيجيّتهم و مبادئهم الأساسيّة وفق ما يحدث فى سنة أو عدّة سنوات ؟
ببساطة تمثّل محاولات الحكّام التحريفيّين لتعليل تحديثاتهم على أساس وجود إضطرابات فى الإقتصاد تفكيرا دائريّا . فاليمين هو الذى يحثّ على سلوك نشط لسياسات برجوازية ( مثلما عرضنا سابقا ) . و إستنهض اليسار الجماهير لتخوض نضالات كبرى لمنع اليمين من فرض هذه السياسات و لاحقا عاد اليمين ليقول " أنظروا ، نحتاج هذه السياسات لإعادة النظام و التقدّم بالإقتصاد " . أمّا بالنسبة للحالة الصحّية للإقتصاد ، رغم أن نسبة النموّ قد تراجعت إلى 4 بالمائة فى 1974 ، فإنّه فى الفترة الممتدّة من 1964 إلى حينها ، إرتفع الإنتاج الصناعي ب 190 بالمائة . و النقطة الأهمّ كانت أنّ الجماهير كانت مشاركة أكثر فى توجيه الإقتصاد ما وفّر أسس معالجة صعوبات الإنتاج لفائدة الطبقة العاملة و على المدى البعيد سيؤدّى ذلك إلى نموّ أسرع و نموّ إشتراكي .
كان الصراع السياسي و المناورات شديدين جدّا فى المجلس الوطني الشعبي الرابع مثلما كان فى المؤتمر العاشر للحزب . فى الإجتماع العام الثاني للجنة المركزية المنعقد قبل المجلس الشعبي بقليل عُيّن دنك سياو بينغ رئيسا للمجلس العسكري الأعلى للجيش و عُيّن تشانغ تشن- تشياو رئيسا لقسمه السياسي . لم يشارك ماو فى هذا الإجتماع و لم يشارك كذلك فى المجلس الشعبي و مثلما تشير تعليماته حينها لم يكن راضيا على التوجّه الذى كانت تتّبعه الأمور .
قدّم شو آن لاي التقرير الرئيسيّ حول عمل الحكومة ( النصّ 15) ؟ رئيسيّا ، دافع خطّ التقرير عن البرنامج الثوري لليسار. و قيّم الثورة الثقافيّة على أنّه سيكون لها تأثير بعيد المدى و أكّد على حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس و الأهمّ هو أنّه صرّح بأنّ " المهمّة الرئيسية " مرتبطة بدعم الأشياء الإشتراكية الجديدة . كما شدّد التقرير حتّى على موضوع جوهريّ بالنسبة لليسار هو صراع القانونيّين ضد الكنفيشيوسيّين أي الصراع التاريخيّ ضد العاملين على إعادة النظام القديم . من سوى ماو تسى تونغ كان قادرا على أن يفرض تضمين هذا فى التقرير بما أنّ شو آن لاي و دنك سياوبينغ من الصعب أن تكون لهما علاقة ما بهذه الحملة إلاّ كأهداف لنقدها و القيام بما فى وسعهم لعرقلها ؟
علاوة على ذلك ، يقول التقرير: " أكّد الرجعيّون فى البلاد و الرجعيّون الأجانب أنّ الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى تشوّش بلا شكّ تطوّر إقتصادنا الوطني ، لكن الأحداث دحضت الآن أقوالهم دحضا قويّا ". ( بالضبط ليس سرّا من يقفون وراء ذلك) . و يشدّد التقرير على أنّ " الثورة الإشتراكيّة محرّك قويّ لتطوير قوى الإنتاج الاجتماعية ". و فى النهاية ، إقترح التقرير سيرورة من مرحلتين من التعصير تتوّج ب" إقتصاد صيني يسير فى الصفوف الأولى للعالم " سنة 2000.
بالفعل ، صادق التقرير على مقياس المسألة المفتاح لمغزى الثورة الثقافيّة و الأشياء الإشتراكية الجديدة و على المهمّة الرئيسيّة أي توسيع نطاق حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس " وفق مبدأ جعل الماضي يخدم الحاضر".
و فيما يتّصل بمسألة التعصير ، على نحو هام ، لم يستطع شو آن لاي أن يجد تصريحا حديثا لماو فى علاقة بهذا المخطّط . وقد أصدر ماو سنة 1974 توجيها بدفع الإقتصاد الوطني لكن شو آن لاي إضطرّ للتبشير بمخطّطاته للتعصير مركّزا على تصريح لماو سنة 1964 فى المجلس الوطني الشعبي الأخير لسنة 1964. لم يكن ماو يعارض التعصير لكنّه – مثلما سيبيّنه الصراع بصورة حتّى أجلى – يعارض تحويل التعصير إلى مهمّة عامة تواجه الشعب الصيني .
كانت هذه هي ظروف المواجهة الوشيكة بين القوى التى يرأسها شو آن لاي و تلك التى يرأسها ماو : ما هو الرئيسي ، التعصير أم الصراع الطبقي ؟ فى تقرير دستور الدولة ، تشانغ تشن- تشياو ( نصّ 16) شرح أنّ إدخال حقّ الإضراب فى الفصل 13 جاء بإلحاح شخصيّ لماو . لماذا ؟ لأنّه رغم أنّ ماو يعترف بملاءمة الوحدة و الإستقرار، لم يغيّب أبدا عن نظره بأيّ معنى خوض الصراع الطبقيّ . بوضوح كبير لم يكن مع رأي أنّه حان وقت كبح الصراع الطبقي فى حدّ ذاته أو بإسم التعصير.
و مثلما يقرّ بذلك الحكّام الحاليّون ، قضّى ماو ليلة دون نوم قبل إنعقاد المجلس الشعبيّ الرابع و طرح توجيها بدراسة دكتاتورية البروليتاريا. و بُعيد إنهاء المجلس بياناته ، أصدر ماو من ضمن تصريحات أخرى التصريح التالى :
" لماذا تحدث لينين عن ممارسة الدكتاتورية على البرجوازية ؟ من الضروري أن تكون هذه المسألة واضحة. فغياب الوضوح بهذا الصدد يؤدى إلى التحريفية . يجب أن تكون الأمة بأسرها على علم بهذا ".
ثمّ تحدّث ماو عن النظام الإشتراكي قائلا :
" فى كلمة ، الصين بلد إشتراكي . قبل التحرير كانت تشبه أكثر البلدان الرأسمالية. و حتى الآن ، يمارس نظام سلّم الأجور ذى الثماني درجات و التوزيع حسب العمل و التبادل النقدي و فى كل هذا تختلف قليلا جدا عن المجتمع القديم . نقطة الإختلاف هي أن نظام الملكية قد تغيّر ." " حاليا تمارس بلادنا الإنتاج السلعي و نظام أجور غير عادل كذلك ،على غرار ما فى سلّم الأجور ذو الثماني درجات ، و ما إلى ذلك . فى ظل دكتاتورية البروليتاريا لا يمكننا إلا أن نحدد مثل هذه الأشياء . لذلك إذا توصّل أناس من أمثال لين بياو إلى السلطة سيكون سهلا جدا بالنسبة لهم أن يركزوا النظام الرأسمالي. لذا علينا أن ندرس أكثر الأعمال الماركسية – اللينينية . " " قال لينين : " يولّد الإنتاج الصغير الرأسمالية و البرجوازية بإستمرار، كلّ يوم ، كلّ ساعة ، عفويّا و على نطاق واسع " . و هذا يحدث أيضا مع جزء من الطبقة العاملة و جزء من أعضاء الحزب . فى صفوف البروليتاريين كما فى صفوف موظفي الأجهزة الرسمية هناك من إندمجوا فى نمط العيش البرجوازي ".
لقد أصدر ماو هذه التعليمات لأنّه رأى أنّ اليمين بدأ يتحرّك بجسارة و أنّه من الضروريّ تحدّيه على الجبهة النظريّة . و قد تركّز الصراع الطبقيّ بالتحديد حول فهم لماذا يجب على البروليتاريا أن تمارس دكتاتوريّتها . ما كان يشغل بال ماو هي المهام الضروريّة لبناء الإقتصاد التى كانت تفرز تأثيرات برجوازيّة قويّة و أنّ اليمين كان يستعمل التعصير لتصفية الثورة . مثلما عبّر عن ذلك دنك سياو بينغ : " التكثيف من العمل بشدّة و التقليل من الحديث ". لذا شدّد ماو أكثر على النضال ضد التحريفيّة .
محوريّ بالنسبة لخطّة ماو هو نشر مقالين عن القاعدة الإجتماعيّة لزمرة لين بياو المعادية للحزب بقلم ياووان – يوان و عن الدكتاتورية الشاملة ضد البرجوازيّة بقلم تشانغ تشن- تشياو ( نصوص 18 و 19) ، قاما بتحليل مهمّ لطبيعة المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكيّة . و كون هذان المقالان حملا إمضاءات يعنى أنّهما سيؤخذان مأخذ الجدّ و أنّ صراعا هاما يلوح فى الأفق . و هذا يشبه نشر ماو لمقال ممضى من قبل ياو فى 1965 الذى مثّل الطلقة الأولى للثورة الثقافيّة . و إعتبر مقالا تشانغ و ياو سنة 1975 هجوما مضادا هاما ضد التحريفية التى كان اليمين يروّج لها لا سيما فى علاقة بالمجلس الوطني الشعبي الرابع . كان اليمين يدافع عن أنّ المركزيّ فى تطوير الصين و الحفاظ عليها كبلد إشتراكي يكمن فى المسمّاة " التعصيرات الأربعة ". و كان اليسار يردّ بأنّ النموّ الإقتصادي فى حدّ ذاته ليس ضامنا لتقدّم الإشتراكيّة . و مثلما عبّر تشانغ عن ذلك عند تحليل تجربة الإتّحاد السوفياتي ، " لا يجب أن ننسى أبدا هذه التجربة التاريخية ل" إرسال أقمار صناعيّة للفضاء و رمي الراية الحمراء أرضا ". و تبع ذلك بتحليل عميق يبيّن أنّ ذات أرضيّة المجتمع الإشتراكي تولّد علاقات رأسماليّة و عناصر برجوازيّة جديدة تمثّلها و بالتالى من المركزيّ للحفاظ على الثورة أن نواصل دكتاتوريّة البروليتاريا و أن نخوض صراع الطبقات ضد البرجوازيّة .
و من الأشياء المحوريّة التى كان يقع تحدّيها هي فكرة أنّ القاعدة الإقتصاديّة الضعيفة للصين تجعل من غير الممكن تقييد الحقّ البرجوازي فى التوزيع . و نظام الأجر حسب العمل المبذول الذى رغم تقدّمه الكبير نسبة للإستغلال واقعيّا يكرّس اللامساواة بما أنّ حاجيات الناس و قدراتهم متباينة . ( فى الندوة حول الأجور المنعقدة فى خريف 1975، دافع دنك سياوبينغ عن أنّ الظروف الماديّة لا تسمح بتقليص الإختلافات فى الأجور ).
و فضلا عن ذلك ، كان اليسار يدافع ، فى إنسجام مع تصريحات ماو ، عن أنّه إذا لم يقع إصلاح مستمرّ لعلاقات الإنتاج و تقليص مستمرّ للإختلافات فى الأجور ، ستنمو الرأسماليّة بسرعة ما يسمح للعناصر البرجوازية الجديدة بالمزيد من الثراء و تقوية تحكّمها فى سيرورة الإنتاج و المجتمع ككلّ . كان اليسار يشدّد على أنّ وجود شكل الملكية الجماعيّة لم يكن كافيا لضمان هيمنة العمّال و التقدّم صوب الشيوعيّة – الهام هو المضمون الحقيقيّ للملكيّة - هل أنّ العمّال هم الذين يتحكّمون حقّا فى المؤسّسات وهل أنّ الخطّ القائد يضيّق و يقلّص أو يوسّع الإختلافات و اللامساواة . لا يمكن لدكتاتوريّة البروليتاريا أن تقف فى نصف الطريق ، و لا فى مستوى معيّن من الملكيّة و لا فى قطاعات معيّنة فقط . يجب أن تمارس الطبقة العاملة الدكتاتوريّة الشاملة و على المدى البعيد إذا ما أُريد الإطاحة بقوّة البرجوازية و تاثيرها السياسي و الإقتصادي و الإيديولوجي و إذا ما أُريد للمجتمع أن يتقدّم . لا يمكن تحقيق هذا إلاّ بواسطة مواصلة الثورة . و الذين ينكرون الإعتراف بهذا ليسوا شيوعيّين حقيقيّين.
" الأعشاب السامّة الثلاثة " :

و بطبيعة الحال ، لن يفعل اليمين شيئا ممّا ذكر أعلاه . إنّه يتّبع وصفة شو آن لاي للتعصير فوق كلّ إعتبار . و إستعدّ دنك سياوبينغ الذى كان الوزير الأوّل فى المهام العمليّة لهجوم مضاد . و جوهريّ كان إستعمال اليمين لأجهزة الحكومة المركزيّة التى كان يحتلّها اتباعه . فمن حوالي 30 تسمية للمركز سنة 1975، عشرون كانوا من الكوادر التى أعيد لها الإعتبار. أهداف اليمين من وراء إرجاع أتباعه أفواجا أفواجا مع نهاية 1974، صارت الآن جليّة .
شجّع دنك سياوبينغ عقد ندوات فى فترة ماي إلى أكتوبر سنة 1975 لصناعات التعدين و للدفاع الوطني و الفلاحة و التعليم و العلم و التقنية و الشؤون العسكرية . حسب الملصقات على الجدران ، قد حضر لستّ ندوات منها أو ندوات مشابهة لها. كانت هذه الندوات موافقة على " البرنامج العام " الذى صيغ تحت إشرافه فى صائفة 1975. ( أنظروا الملحق 1) و كان البرنامج وصفا صريحا – و إن كان تحريفيّا بصورة سافرة - لما يعنيه برنامج اليمين للتعصير. و فى صميم هذا وجد وضع تطوير الإقتصاد الوطني فى مصاف قيادة كلّ الباقي و كذلك إصلاحات و تعديلات هامّ ( و فظيعة ) فى كافة مجالات الصناعة و الفلاحة و الماليّة و التجارة و التعليم و غيرها.
و الحجّة الأساسية المعروضة هي انّ الإنتاج قد شهد عرقلة و تراجعا كبيرين من قبل الهياكل الإدارية الجديدة و الضوابط و القوانين المعقولة التى ناضل من أجلها العمّال و شهد إضطرابا بفعل الحملات السياسيّة و التعليميّة فى المصانع و أنّ فقط الإجراءات الأكثر حزما ، الموصوفة ب" التعديلات " ستسمح بتقدّم الإنتاج بخطى سريعة. و مرشد هذه " التعديلات " هو ما سمّاه دنك سياو بينغ " مسألة أجهزة القيادة ". و هذا يعنى التخلّص من أناس معيّنين - من الثوريين. و هو أمر مفهوم " إذا أراد فرض طرق إداريّة من فوق إلى تحت و تشجيع خطّ تحريفي يصبح بالتالى من الحاسم وجود أناس مناسبين يكونون متشبّعين بهذا الفهم فى المكان المناسب يعنى فى أجهزة القيادة . ( للمس نظرة مشابهة بوضوح لزعيق دنك سياوبينغ حول الحركات السياسية التى تخرّب الإنتاج ننصح القرّاء بإلقاء نظرة على التعليق السوفياتي – الملحق 5) الذى يطرح نفس تحليل دنك سياو بينغ : أنّ الإشتراكيّة فى الصين فشلت لأنّ الجماهير صارت مختلّة وينبغى وضعها من جديد فى موقعها . رغم أنّ التناقضات بين الحكّام التحريفيّين الصينيّين و حكّام الإتّحاد السوفياتيّ حادة جدّا و تمثّل نزاعات وطنيّة برجوازيّة ، فإنّ المشترك بين هؤلاء التحريفيّين هو الكره و الإستخفاف اللامحدودين الذين يكنّونهم للجماهير و للثورة و لخطّ ماو تسى تونغ ).
أخذ " البرنامج العام " ثلاثة توجيهات صدرت عن ماو تسى تونغ فى أزمنة مختلفة فى 1974 بشأن تطوير الإقتصاد و تشجيع الإستقرار و الوحدة و دراسة دكتاتورية البروليتاريا و مزجَها فى كلّ " متداخل لا يتجزّأ " كبرنامج لل25 سنة التالية ، بمعنى أنّه سيكون مرشدا ل " التعصيرات الأربعة ". و قد عرف هذا ب" إتّخاذ التوجيهات الثلاثة كعلاقة مفتاح " و كان المراد منه وضع حدّ للصراع الطبقي مثلما سيشير إلى ذلك ماو لاحقا. لقد أعاد " البرنامج العام " إحياء تلخيص لي بياو ك" يسراويّ" و تحدّى الصيغة الموجودة فى التقرير المقدّم إلى المجلس الوطني الشعبي الرابع بأنّه " فقط حين نقوم بالأمور الجيّدة للثورة ، نقوم بأشياء جيّدة فى الإنتاج " و سخر من الحملة ضد كنفيشيوس . و صوّر اليسار على أنّه باث للإضطرابات و كتلوي ؛ و بالأساس توجّه بدعوة لمهاجمة الكوادرر الثورية والتخلّص منها و الوقوف ضد الأشياء الإشتراكية الجديدة . هذه هي " التعديلات" التي يرغب فيها التحريفيّون إلى درجة كبيرة .
و يتوجّه تقريران آخران أحدهما عن الإدارة و التخطيط الصناعي و آخر عن العلم و التكنولوجيا ( الملاحق 2و3) مباشرة ضد تحديثات الثورة الثقافية فى هذه المجالات . و لو نظرنا إلى هذه الوثائق مجمّعة لرأينا أنّها تقترح مخطّطا لتطوير إقتصاد غير مختلف جوهريّا عن الذى نقد بسببه دنك خلال الثورة الثقافيّة . إنّه يعنى الإرتباط بإقتناء التقنية المتقدّمة من الخارج و التفريط فى الموارد الطبيعيّة مقابل ذلك ، و إعادة فرض الإدارة المركزيّة عموما و قواعد الإنضباط و القوانين المتشدّدة للضغط على العمّال حتّى أكثر . إنّه يمثّل " الأعشاب السامة الثلاثة " و حسب ما يعترف به الحكّام الحاليّون للصين ، كان هواو كوفينغ قد شارك مباشرة فى إعداد التقرير حول العلم و التكنولوجيا و كذلك كانت له علاقة بالتقريرين الآخرين .
فى مجال العلم و التكنولوجيا ، إحتجاج التحريفيّين هو التالي : " ما هو الخطّ التحريفي فى البحث العلمي ؟ هل يمكن أن يقدّم لنا أحد جوابا ؟ " والمراد بالطبع هو أنّ العلم هو العلم و كيف يمكن للسياسة أن ترتبط به . حسنا، الخطّ التحريفيّ فى العلم لم يكن بأيّ حال غير قابل للتعرّف عليه . هواو كوفينغ و غيره قد جسّدوا هذا الخطّ فى " مسودّة تقرير حول العلم و التكنولوجيا ". فجوهر تقريره هو أنّه توجد بون جدّيّ بين العلم و التكنولوجيا فى الصين و بين المعايير الدولية و أنّ السياسة التى أرسيت خلال الثورة الثقافيّة ك " البحث بأبواب مفتوحة " - وهو يشمل الدراسة و العمل فى المخبر مع البحث و العمل فى علاقة بالعمل المنتج و التجربة العلميّة لدى الجماهير- قد " طبّقت بلا تمييز". و يمرّ التقرير تاليا ، إلى قول إنّ البحث العلمي و ليست التجارب و التحديثات و لا النشاط الواعي لجماهير هو العامل المرشد فى دفع الإنتاج . و على هذا الأساس ، إقترح تركيز ظروف جديدة بحيث يستطيع العلماء و التقنيّون إجراء بحوثهم دون أن يؤثّر عليهم الدور المهيمن للسياسة البروليتاريّة .
ما كان اليمين ينادى به هو العودة إلى إعطاء الأولويّة للمفكّرين البرجوازيّين الذين تسمّيهم السلطات من الصنف الأوّل و كان فى حياتهم تبديد للوقت لأنّه كان عليهم أن يخرجوا و يتقاسموا معارفهم مع الآخرين و يربطوا عملهم بالحاجيات الملموسة للإشتراكيّة فى الصين تحت قيادة الحزب - واضعين البحث التطبيقيّ فى المصاف الأوّل - و متعلّمين من الحركات الجماهيريّة للعمّال و الفلاّحين . يكيل تقرير هواو كوفينغ مديحا للأخصائيّين و الخبراء لأجل تعزيز عزل المثقّفين عن الجماهير .
حسب هؤلاء التحريفيين ، لم يكن العلم إنتاجا لحركات الجماهير و التجربة الجماعية و إنّما كان ملكية خاصة للأفراد.لم تكن المعرفة العلمية سلاحا يستعمل لتغيير العالم بل سلعة تعطى الحق لمن إمتلكها فى رتبة و موقع و شهرة. لم يكن هذا الخطّ هجوما مباشرا ضد ماو الذى صاغ سياسة " تقاسم المعرفة مع الشعب الكادح و مطالبة المثقفين بإنجاز العمل اليدوي" فحسب ، بل سيكون له – وله الآن و الخطّ يطبّق فى الصين- مفعول إخماد نار النشاط العلمي و تشويهه إعتبارا لأنّه غير نابع من حاجيات حقيقية للجماهير الشعبية ، و إنّما من البحث عن الربح و الإعتراف بالقيمة الذاتية.
لا يوجد دليل أفضل عن مفاد كلّ هذا من مديح اليمين لبعض علماء الرياضيّات المنحطّين الذين كانوا يصارعون بيأس ما سمّي نظرية غولدباخ و تطبيقاتها العمليّة قليلة جدّا إن كانت لها تطبيقات أصلا ، لكن قيمتها لدى أوساط المثقّفين البرجوازيّين تبدو لا متناهية . و هكذا نجد مقالات تعبّر عن الإعجاب بهذه الأرهاط التى تخسر فرضيّا كلّ دقيقة من النهار مغلقة على نفسها الأبواب تدرس لتكتشف النظريّة التى لن تسمح لنا بفهم أنّ 8 تساوى 3 مع 5 . هذا هو نموذج العمل العلميّ المشجّع عليه فى الصين الآن . ليس نموذج العلماء الذين يختلطون بالجماهير . و حتّى لا يظلّ هناك أيّ شكّ فيما يخصّ المكافأة التى تنتظر هؤلاء الناس ، أعاد الحكّام الحاليّون للصين نظام الرتب و الترقيات النظاميّة . و حسب توصيات مسودّة التقرير، ينبغى أن تتمّ إعادة العاملين فى الحقل العلميّ إلى المخابر، أفواجا أفواجا من المصانع و من الريف .
تميّز هذا الهجوم اليميني بتوزيع هذه الوثائق و بعقد هذه الندوات و الهجمات و عمليّات العزل للكوادر الثوريّة ( طرد حوالي 2000 كادر الأكثر شبابا ، و غالبيّتهم قد صاروا قادة أثناء الثورة الثقافيّة فى منطقة بيكين بين نهايات 1973 و توزيع هذه الأعشاب السامة فى 1975) . كان دنك و حلفاؤه فى مجلس الدولة يمارسون مباشرة الصنصرة ضد ماو . و لا فى مكان واحد ، مثلا، من نقاش مبادئ الأجور فى التقرير عن الصناعة هناك إشارة و أقلّ حتّى إتفاق مع تجيهات ماو الصادرة قبلا تلك السنة عن أنّ وجود نظام الأجور ذى الثمان درجات يسهّل إعادة تركيز أناس مثل لين بياو للنظام الرأسمالي إن صعدوا إلى السلطة .
كان دنك سياو بينغ فى وضع جيّد متكبّر و ينشر التحريفيّة بوقاحة . كان يتباهى بكونه لم يكن يخشى نشره مثل هذه الأفكار المضادة للثورة . و كان يدعو الآخرين ليتسلّحوا من أجل " الإنتباه للإنتاج " بما انّه كان يعتقد بأنّه ليس موضوعا ممنوعا فى حين أنّه عمليّا كان يرفع راية الإنتاج فوق كلّ إعتبار - لا سيما الثورة . يمكن أن نقول شيئا من هذا القبيل : كان دنك سياو بينغ غليظا فى تحريفيّته فى حين كان شو آن لاي مهذّبا فى تحريفيّته .
وقد لقيت حملة دراسة دكتاتورية البروليتاريا و التصدّى للتحريفيّة و منعها تعبيرا عنها فى ممارسات و تجارب جديدة فى نقد الحقّ البرجوازي و التضييق عليه فى مختلف القطاعات و فى الإلغاء التدريجي للظروف التى تولّد الرأسمالية كما كان يشدّد على ذلك اليسار . وقد إقتُرح كنموذج المعهد الفلاحي شاويانغ فى لياونينغ فى سنة 1975 كمثال يحتذى لإنجاز تحديد الحقّ البرجوازي فى التعليم ( النص 34 ). و ما كان يميّز معهد شاويانغ هذا هو أنّه يقع فى منطقة ريفيّة و أنّ غالبيّة الطلبة يعودون إلى الكمونات. و بالعكس حتّى فى هذه الفترة ، كانت العديد من المدارس الفلاحيّة مقامة فى المدن و عدد هام من الطلبة لا يرجعون إلى الريف بعد الدراسة . و كان برنامج الدراسة فى شاويانغ يعكس الحاجيات الحقيقية لتطوّر الإشتراكيّة فى الريف و يشدّد على الإندماج الأوثق للأساتذة و الطلبة و الفلاّحين فى العمل و الدراسة . و كانت المسائل السياسيّة تلقى الأولويّة فى العناية .
و بذلت أيضا جهود للحدّ من التأثير الهدّام للأسواق الريفية - حيث تتواصل التجارة الخاصة - و كان يتمّ الإستشهاد بالسوق الكبرى الإشتراكيّة التجريبيّة فى محافظة ليانينغ كنموذج منه يجرى التعلّم . و فى مقال صدر فى " يومية الشعب " ( النص 21) الذى كان يشرح التأكيد على ضرورة تناول هذه المسائل ، كان يطرح : " فى فترة الإشتراكية ، من الحتميّ أن يوجد الحقّ البرجوازي – مثل الحقّ فى الأسواق... و سياسات الحزب تسمح له بالتواجد. بيد أنّه لا ينبغى تزويده بالأكسيجين و لا السماح له بالنمّو دون قيود " . ثمّ وصف الجهود المبذولة لتركيز أنواع من الأسواق تحدّد الحقّ البرجوازي فى مجال التبادل و إلى درجة معيّنة فى الإنتاج .
و لم يتلقّ اليمين هذه النماذج بحماس . فإنعكس إحتداد الصراع داخل الحزب على المجتمع بأسره سنة 1975 فى صراعات هامّة و حصلت إضطرابات فى المصانع فى أنحاء عدّة من البلاد . و كان نطاق الصراع يتّسع فى كلّ مرّة أكثر فى 1974 مع تطوّر الحملة ضد لين بياو و كنفيشيوس وصارع العمّال للتصدّى لمحاولات تقليص مدى مساهمتهم فى الإدارة و مشاركة الكوادر فى العمل . لكن الآن بدأ الصراع يتحوّل إلى صدام مفتوح أكثر فى صفوف القيادات العامة داخل الحزب . فى هنغساو ، في صائفة 1975، إندلعت نزاعات هامة فى نحو 25 مصنعا و دُعي الجيش لإعادة تركيز النظام .
و لو أنّ المحاور المحدّدة للصراع ( يبدو أنّ ظروف العمل و مشاركة الكوادر فى العمل كانت فقط جزءا من ذلك) و القوى الممثّلة لها محلّيا لم تكن واضحة المعالم تماما ، فإنّ آفاق صدام حملة دكتاتورية البروليتاريا و الهجوم المضاد بقيادة دنك سياوبينغ كان بلا شكّ مساهما فى ذلك و كذلك هو الحال بالنسبة للوجوه الرئيسيّة للمعسكرين . إتّهام الأربعة بالتسبّب فى الإضطرابات يتجاهل أنّ اليمين كان يسعى لأن يقطع الطريق أمام مختلف الحملات و أن يستعملها لأغراضه الخاصّة السياسيّة المعارضة . و زيادة على ذلك ، كان من مصلحة اليمين أن تظهر إصلاحات الثورة الثقافيّة غير فعّالة ما كان يعنى تخريب تطوّر الأشياء الجديدة و خلق إضطرابات . اليمين هو المسؤول الرئيسيّ أمّا اليسار فأحدث إضطرابات حيث كان من الضروريّ الدفاع عن المكاسب التى كان اليمين يهاجمها . تلك كانت نضالات عادلة لا يمكن أن تمثّل عوائقا أمام الإشتراكيّة بقدر ما هي إفتكاك للسلطة من أيدى الثورة المضادة .
واحدة من المحاولات الأكثر جماعيّة و تركيزا للتخلّص من إنتصارات الثورة الثقافيّة جدّت على الجبهة التعليميّة . و هذا مفهوم نظرا لكون النظام التعليميّ حلقة ضروريّة فى هيمنة طبقة على طبقة أخرى - و هذا مفهوم نظرا لكون النظام التعليمي حلقة ضروريّة فى هيمنة طبقة على طبقة أخرى - إنّه يشكّل نظرة الأجيال الجديدة . لكن اليمين لم يكن يسعى فقط للتراجع عن السياسات و إنّما كان كذلك يوجّه دعوة للمثقّفين و الأساتذة الذين كانوا عرضة لنقد شديد خلال النضالات فى الحقل التعليميّ و الذين كانوا عنصرا هاما فى القاعدة الإجتماعيّة التى كان يمكن أن يستنهضها اليمين . فى جويلية ، قام شوجيونغ- سين، وزير التعليم المعيّن حديثا ، بجولة و أطلق ما فى جعبته ضد سياسات مثل التعليم ذى الأبواب المفتوحة الذى وفقه يقضى الطلبة وقتا فى المصانع و فى الريف كجزء من الدراسة . فنقد " تراجع" المستوى الأكاديمي ( وقبله بقليل ، كان معلّمه، دنك سياوبينغ، قد تحدّث مشيرا إلى جيل كامل من " المثقّفين المعوّقين " نتيجة الإصلاحات التعليميّة ). و التشكّى من " التراجع" و من أن " الأشياء لم تعد تسير جيّدا " هي التعبيرات الأوضح . و طبعا ، طالما أنّ هذه الأشياء الجديدة موجودة فمستويات الإمتياز البرجوازي محكوم عليها ب" التراجع ".

نقد "على ضفاف الماء " :

إزاء ريح الإنحراف اليميني الذى كان يعصف ، قام ماو فى أواسط أوت بهجوم مضاد . فأصدر توجيها يدعو فيه إلى نقد رواية صينية كلاسيكية " على ضفاف الماء ". ميزة الكتاب كما أشار ماو " تكمن بالتحديد فى تصوير الإستسلام ". لماذا كان من المهمّ نقد هذه الرواية ؟ لأنّها " تستعمل كمادة تدريس للمثال السلبيّ لمساعدة الشعب كافة على التعرّف على الإستسلاميّين ". و كان ماو ، مثلما جرى فى الحملة ضد كنفيشيوس و إن بشكل أحدّ ، يشرع فى خلق رأي عام عبر مقارنة تاريخيّة . فى هذه الحال ، سونغ شتيانغ ،الشخصية الرئيسية فى الرواية يلتحق بصفوف الفلاّحين الثائرين و يمسك بالقيادة. و بعد إظهار مقاومة خلال فترة زمنيّة يستسلم أمام الإمبراطور و يقف ضد الفلاّحين الثائرين .
بديهيّا ، ينمّ ذلك عن أمرين إثنين . أمر يتّصل بالعلاقة بين التحريفيّة و الخيانة الوطنيّة. سيؤدّى خطّ تحريفيّ يضع الأخصّائيّين موضع القيادة و يثق فى مساعدة الخارج لبلد فقير كالصين ، فى النهاية إلى تبعيّة و إستسلام . كذلك ، لن تؤدّى سياسة تسوية مع العدوّ الخارجي إلاّ إلى كارثة . كانت مسائل الإقتصاد و شؤون السياسة الخارجية و أيضا إستعمال الموارد الطبيعيّة الصينيّة و المحادثات التجاريّة و المفاوضات الحدوديّة مع السوفيات دون شكّ معنيّة لأنّ فى تلك السنة حصل تحرير - بتعليلات إفتراضية - لعديد طيّاري هيلوكبترات سوفياتية وقع أسرهما وهو أمر سمح به دنك سياو بينغ .
كان ماو كذلك يتطرّق لمسألة وجهات النظر المتعارضة بصدد التعاطي مع خطر حرب خطّط لها السوفيات بصورة خاصة. هل يعنى ذلك برنامجا شديدا من التصنيع و التجارة الخارجيّة يحذف أهمّية الصراع الطبقي بهدف عدم السماح بأن لا يتداخل مع تطبيق هذا البرنامج ؟ هل ستُعزّز الصين بفرض النظام و أيّ نظام ؟ كان ماو ينظر للأمور بطريقة مغايرة . و إن كان تحسين التسليح و القفزات الكبرى فى الإقتصاد هامين و إن كان من الضروريّ القيام ببعض المساومات مع بعض الإمبرياليّين و الرجعيّين نظرا للوضع العالمي المتغيّر ، فإنّ القاعدة الأصلب الممكن على أساسها للصين أن تدخل فى حالة حرب لا تكمن فى السعي إلى تركيز نوع من السلم الإجتماعي بل فى تعبئة الشعب لخوض الصراع الطبقي و على هذا النحو يواجه الأعداء من الداخل و من الخارج . و أيّة إستراتيجيا أخرى ستفضى إلى الهزيمة .
ليس بوسعنا هنا أن نقوم بتحليل عميق للسياسة الخارجيّة الصينيّة فى ظلّ ماو ، لكن من الواضح أن نقد " على ضفاف الماء" يكشف أنّ ماو لم يكن يفكّر فى أيّ نوع من التحالف الكبير مع القوى الغربيّة كجزء أساسيّ من الإعدادات الصينيّة للحرب. و النقد اللاحق لدنك سياوبينغ لعدم تمييزه بين الإمبريالية و الماركسية يشير بالتحديد إلى تلك القوى التى كانت تعير القليل من الأهمّية للإختلافات بين مصالح الطبقة العاملة و مصالح القوى الأجنبيّة الرجعيّة . وضع الصين تحت كلاكل قوّة عظمى الآن و ربّما غدا و هذا الخضوع بإسم الأمن القومي لن يؤدّيا إلاّ إلى الإستسلام . إلى هذا كان ماو يشير.
أمّا بالنسبة ل" نظرية العوالم الثلاثة " التى تُلصق بماو ، فيمكن أن تكون صدرت عنه بعض التلميحات إلى تجمّعات معيّنة من البلدان لتحليل بعض النزاعات الثانوية فى العالم ، بيد أنّه لم يقترح مطلقا ذلك كتعويض للتحليل الطبقي داخل هذه البلدان و لخوض الصراع الطبقي . و هذا بيّن إنطلاقا من عدّة أمثلة .عندما تمّ تبنّى دستور الحكومة الجديدة الصينيّة من قبل التحريفيّين فى المجلس الوطني الشعبي، تحوّل تحليل" العوالم الثلاثة " إلى حجر زاوية او الموازي العمليّ للأمميّة البروليتاريّة . و من الدال أنّ دستور الحكومة الأخيرة المتبنّى و ماو على قيد الحياة ، لم يتضمّن مثل هذه الصيغة . و من المهمّ أنّ هذا التحليل ل" العوالم الثلاثة " لم يطرح كإستراتيجيا كبرى لماو إلاّ بعد وفاته . كإستراتيجيا و كما يطرحها حكّام الصين الآن ، تجعل نظرية " العوالم الثلاثة " من التحالف بين الصين و مختلف الحكومات الرجعيّة نقطة إنطلاق السياسة الخارجيّة . إن هذا الخطّ يمحى الماركسيّة و الثورة و يعلن الدفاع عن الصين و " التعصيرات الأربعة " كأساس لكلّ هذا ، الواجب المقدّس و الأعلى ليس للصين فحسب بل للثوريّين فى كافة أنحاء العالم .
تتّهم القيادة الحالية لبيكين الأربعة بأنّهم قد تعرّضوا بالشتم لنظرية " العوالم الثلاثة " . كلّ تاريخ الأربعة يتلخّص فى قتال البرجوازية فى الصين و التصدّى للإستسلام و كذلك تدافع تصريحات متنوّعة بهذا المضمار ( وهو بطبيعته موضوع حسّاس) و متوفّرة ، تدافع جميعها عن كون هواو كوفينغ و جماعته على حقّ فى إتّهامهم للأربعة بأنّهم ليسوا موافقين على هذه النظريّة . فى خطاب وانغ جوان - وان أمام بعثة كمبوديّة ( النص 14) الملقى أسبوعا قبل خطاب دنك سياوبينغ فى الأمم المتّحدة ( الملحق 6 ) الذى طرح هذه النظريّة لأوّل مرّة ، دعا وانغ إلى مواصلة دعم النضالات الثوريّة و قال إنّ ماو :" فى المدّة الأخيرة، قد ذكّرهم ب" إنّنا شيوعيّون وعلينا أن ندعم الشعب و عدم دعم الشعب يمثّل خيانة للماركسيّة ". و بالطريقة ذاتها ،أثناء حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس ، لفت الأربعة النظر إلى الخطّ التحريفي ل" تصفية النضال ضد الإمبرياليّين و الرجعيّين و التحريفيّين المعاصرين وتقليص الإعانة والدعم للنضالات الثوريّة و للشعب فى مختلف البلدان". ( النصّ 13). و مثل هذا النقد ينطبق بجلاء على النضالات التى خيضت حينها.
الأساسي فيما كان ماو يشدّد عليه من خلال حملة نقد " على ضفاف الماء " هو التحذير من المغالطين مثل سونغ شيانغ الذى إندسّ فى صفوف الثورة لا لشيء إلاّ ليخونها . هؤلاء الناس شأنهم شأن سونغ شيانغ كانوا يقاتلون الموظّفين الفاسدين لكن لا يقاتلون الملك . بكلمات أخرى ، كانوا مع بعض التغييرات لكنّهم لم يكونوا مع الثورة تماما و بصفة متواصلة . لم يثابروا على الصراع الطبقي و فقط إلى هذا الحدّ ثمّ يخونون . و صدفة - و ربّما ليس صدفة - كانت له سوابق إقطاعية و هذا المعطى من سيرة حياته فيه تلميح مبطّن للكوادر الموقّرة و" القديمة " مثل شو آن لاي الذين لم يريدوا قتال الإمبراطور- البرجوازية فى كافة أشكالها و مراحل تطوّرها .
لقد مثّل نشر تعليقات ماو حول "على ضفاف الماء " قرعا للجرس تحذيرا من أنّ صراعا كبيرا يتراءى فى الأفق و أنّ هناك أخطار و خونة خبثاء داخل صفوف الثوريّين و هزيمتهم تقتضى أشدّ الحذر. حان وقت الشروع فى البحث عنهم . لن يكون مفاجئا بعد ذلك ألاّ يجد حكّام الصين الحاليّين ما يقولونه أو قليل يقولونه له أهمّية بشأن هذه الحملة .
مرّة أخرى ، ظهرت طرق القيادات العامة المتنازعة و برامجها التى حولها تجمّع المتعاطفون معها و بوضوح كبير . كان اليسار يستعمل تأثيره فى وسائل الإعلام و ماو رئيسه و كان يبحث عن تعبئة الرأي العام ضد خطوط اليمين مبادرا بهذه الحملات للتربية السياسيّة التى كانت مع تطوّرها ستفرض أن يظهر إلى الضوء و على نطاق واسع مشجّعو الخطوط اليمينيّة. و البرنامج الذى كان اليسار يجمّع الناس حوله هو خطّ مواصلة الثورة و وضع الصراع الطبقي فوق كلّ المهام الأخرى . و كان اليمين يلجأ إلى طرق بيروقراطية - مضاعفة عدد أنصاره و ترسيخهم فى مواقع الحكومة و الحزب و الجيش - و كان يهدّد ب " تعديلات" ضد الذين لا يوافقونه على ذلك .
و أمثال هواو كوفينغ قد ظهروا عبر الثورة الثقافيّة إلاّ أنّ تجربتهم كانت بقدر كبير إداريّة ( كان هواو مرتبطا بلي سيان – شيان لبعض الوقت ) و كانوا جزءا من معسكر اليمين و إن لم يكونوا كذلك على الدوام و بصورة لصيقة و صلبة. وجدت نزاعات و خلافات صلب هؤلاء ، لكن ما كان يوحّدهم هو معارضتهم لبرنامج مواصلة الثورة . و بالخصوص ، ظلّوا معارضين لأفق أن يمسك خلفاء ماو بمقاليد السلطة داخل الحزب لأنّ ذلك كان سيعنى وضع الصراع الطبقي فوق الإنتاج و فى قيادته. و البرنامج الموحّد لهذا المعسكر هو " التعصيرات الأربعة " أي التعصير فوق كلّ إعتبار.




مزيدا من " ريح الإنحراف اليميني " :

فى أكتوبر 1975 ، قام اليمين بهجوم هام آخر فى " ندوة التعلّم من تاتشاي" ( وهي فرقة عمل فلاحيّة رفعها ماو نموذجا وطنيّا أواسط الستّينات نظرا لتمكّنها من تجاوز الصعوبات و الكوارث الطبيعيّة و حصولها على مردود عالي من خلال التعبئة السياسيّة للجماهير ضد تأثير التحريفيّة و الإيديولوجيا البرجوازيّة ) و كان تقرير هواو كوفينغ جزءا من الريح اليمينيّة التى كانت تشتدّ . و أهمّية هذه الندوة و التقرير تكمن فى أنّها كانت التعبير الأوّل الهام لخطّ التعصير فوق كلّ إعتبار الذى حاول التعبير عنه شو آن لاي بلا نجاح فى تبنّيه فى المجلس الوطني الشعبي فى بدايات تلك السنة. تبعات خطّ التعصيرات هذا صارت أكثر بديهية و كانت ندوة تاتشاي تلك مؤشّرا لما كان يدور فى ذهن اليمين بصدد الإقتصاد. قيل إنّه وُجد صراع حاد فى تلك الندوة و ورد تقرير بأنّ شيانغ تشنغ قد وصفت تقرير هواو كوفينغ - و ليس دون سبب وجيه - بأنّه تحريفيّ . بالكاد أشار التقرير إلى الثورة الثقافيّة و تناول الصراع الطبقيّ لتلك الحقبة أساسا كعمليّة تطهير نهائيّ تتمثّل فى القضاء على القلّة من المخرّبين المحتالين الباقين و غالبيتهم يوجدون خارج الحزب . إنّه الموضوع ذاته الذى ينطوى عليه " البرنامج العام " من بدايته إلى نهايته : حقّقنا إنتصارات كبرى و آن الأوان لتكريس أنفسنا لمسألة إنجاز " التعصيرات الأربعة " .
ذكر خطاب هواو كوفينغ تصريح ماو بأنّ البلاد تمارس بعدُ النظام السلعي و نظام الأجور ذى الثمان درجات لكنّه حذف منه الإستنتاج " سيكون من السهل جدّا على أناس مثل لين بياو إعادة تركيز النظام الرأسمالي إذا صعدوا إلى السلطة. لذلك علينا دراسة المزيد من الأعمال الماركسية-اللينينية ! " و بحذفه لذلك ، يفقد توجيه ماو دافعه الأساسيّ . و ألمح إلى مسألة تحديد الحقّ البرجوازي فقط عرضيّا و بوجه خاص لم يتحدّث قطّ عن تقليص الإختلافات بين فرق الإنتاج . ذو دلالة هي دعوة تقرير هواو كوفينغ إلى تعديلات فى الحزب على مستوى المحافظة - حارفا إنتباه الناس عن الصراع فى المستويات العليا . لم يكن موضوع الندوة أهمّية المكننة الفلاحيّة و لا أهمّية تعصير الصناعة و العلم و التكنولوجيا والدفاع . كان موضوعها كيف تتمّ مقاربة التطوّر الإقتصادي و هل أنّ الثورة ستكون فى مصاف القيادة . و لم يدع خطاب هواو كوفينغ شكّا فيما يخصّ أين يتموقع و تحوّل إلى سلاح محوريّ ليد اليمين .
و فى نفس الشهر ، كتب أعضاء من اللجنة الثوريّة لتشنغيوا يشتكون من تراجع نوعيّة التعليم بسبب تحديثات الثورة الثقافيّة مثلما فعل ذلك شو يونغ- سن قبل ذلك فى جويلية . فأرسل ماو هذا النقد الكتابيّ إلى الطلبة و إلى إدارة الجامعة و نادا إلى فتح نقاش كبير حول الخطّ فى التعليم . كان ماو يعلم أنّ هذا سيدفع إلى صراعات هامة و سيثير أسئلة هامة بشأن من يقف خلف كلّ هذا و ما سيأتي . كيف سيتموقع الناس بشأن هذه المسألة الحيويّة للثورة فى التعليم ، سيتوضّح أكثر أين سيتموقعون بصدد المسائل الأخرى المبدئية الجوهريّة . لقد قال ماو بهذا المضمار : " المسألة المعنية فى شتانغ - جوا ليست مسألة معزولة و إنّما تعكس الصراع الحالي بين الخطّين ".
عطّل اليمين و بتعبير أدق خرّب فى الصيف حملة دكتاتورية البروليتاريا و أخذ يشنّ بدوره هجوما . نقد " على ضفاف الماء " و النقاش على الجبهة التعليمية مثّلا ردّ ماو على المبادرات الأجرأ فأجرأ لليمين . و على وجه الخصوص أشعلت " اللخبطة " على الجبهة التعليميّة كما سمّيت النار ضد " ريح الإنحراف اليميني" فى نوفمبر.
شارك الأربعة على نطاق واسع فى هذا الصراع على جبهة التعليميّة و كانوا جزءا رئيسيّا فيه . تحدّث تشانغ تشن- تشياو فى تشنغزا مدافعا عن مبدأ قيادة الطبقة العاملة للتعليم و عن مواصلة إصلاح نظام الإمتحانات و عن أهمّية مزج الممارسة الإجتماعيّة و البحث مع الدراسة . بديهيّا ، هنا صرّح ب" تكوين مستغلّين و مثقّفين أرستقراطيّين يحملون وعيا و ثقافة برجوازيّين أم تكوين عمّال بوعي لكن دون ثقافة ؟ ما الذى تفضّلون ؟ أنا أفضّل عمّال بوعي لكن دون ثقافة على مثقّفين أرستقراطيين لديهم ثقافة ". و هذا التصريح يهاجمه الآن حكّام الصين الحاليّين كما لو أنّ تشانغ تشن- تشياو كان يعتقد بأنّ العمّال لا يحتاجون إلى ثقافة . ما كان يشير إليه هو أنّهم ليسوا فى حاجة إلى الثقافة الفئوية و المعادية للعمّال ، الثقافة التى كان اليمين يشكو من محاصرتها ، و أنّ الوعي السياسي هو المعيار الرئيسيّ فى المعاهد و المخابر و المصانع و فى كلّ مكان .
إلى أين كان ماو يرى أنّ ذلك سيؤدّى و من هو الهدف إتّضح حتّى أكثر فى تصريحه فى أواخر 1975 الذى نشر فى 1976 فى إفتتاحية السنة الجديدة .
ردّا على خطّ دنك سياو بينغ " إتّخاذ التوجيهات الثلاثة كعلاقة مفتاح " ، قال ماو تسى تونغ : " الاستقرار و الوحدة لا يعنيان محو الصراع الطبقيّ ؛ و الصراع الطبقيّ هو العلاقة المفتاح و كلّ الأشياء الباقية تتوقّف عليه ". و تقريبا فى هذه الفترة ذاتها ، قال ماو ، فى إحالة مباشرة على محاولات اليمين تحطيم التغييرات التى أفرزتها الثورة الثقافية " نقض الأحكام الصحيحة مناهض لإرادة الشعب ". و إلى جانب هذه الطلقات ضد دنك سياوبينغ و من لفّ لفّه نشر ماو قصيدتين ( النصّ 25 ) مواضيعهما هي أنّ الجماهير تريد أكثر من مجرّد المزيد من الطعام و أنّها تريد عالما جديدا تماما و أنّ فقط بالتجريء على تسلّق الجبال يمكن تغيير العالم ، و هذه جميعها من البديهي ردود على جهود دنك سياوبينغ لتوحيد الجماهير حول الشواغل و المصالح الأضيق و حنينها إلى الماضي . و فى هذه الفترة توسّع الصراع حول التعليم إلى مؤسسات أخرى و كان ماو يوسّع صراع الخطّين إلى أبعد من التعليم . و تعرّض " البرنامج العام " و خطّه إلى الهجوم و وقع الضغط على من كانوا وراءه لا سيما دنك سياوبينغ و من ورائه شو آن لاي .
فى 6 جانفى توفّي شو آن لاي . و كان لهذا تأثير مزدوج على تطوّر الصراع . فاليسار الذى إستطاع الشروع فى إفتكاك زمام المبادرة و تعرية دنك سياوبينغ بصورة أتمّ ، أخذ ينطلق فى التحرّك بشكل حاسم الآن و شو آن لاي ذاته لم يعد يحمى دنك سياوبينغ . هذا من جهة و من جهة أخرى ، إشتدّ الصراع حول مسألة الخلافة و تصادم المعسكران مباشرة بهذا الصدد و ماو هو الذى أطلق الحركة المتطوّرة ضد دنك سياوبينغ و لم يكن سوى نتيجة لتدخّل ماو أن دنك لم يُعيّن وزيرا أوّلا . و قد أكّدت بعض الملصقات على الجدران أنّ ماو قام بذلك متحدّيا رأي الأغلبيّة و أنّ تشيا نينغ ، و لي سيان – نيان و شوتا شوهدوا لفترة زمنيّة بعد هذا الإجتماع يعبّرون عن تذمّرهم من المسألة .
مهما كان الأمر ، عُيّن هواو كوفينغ وزيرا أوّلا. و هذا التعيين و كون هواو كوفينغ ذاته لم يكن يملك أيّة قاعدة ملموسة للسلطة ، لم يكونا ليعنيا غير أنّ ذلك الإجراء المناسب أملاه ميزان القوى و ماو و اليسار اللذان كانا يريدان تعيين تشانغ تشن- تشياو وزيرا أوّلا لم يستطيعا فرضه . لكن اليمين لم يكن قادرا على دفع دنك يساوبينغ إلى المنصب و قد حدّ من طموحاته ماو وهو موضع نقد الجماهير . و مع ذلك ، كان اليمين قويّا إلى درجة أنّه تمسّك بإلحاح بهواو كوفينغ . و إن كان منتميا إلى معسكره ، لم يكن نفس الوجه الموحّد مثل دنك و لم يكن له ذات الأتباع . لهذا- و فقط لهذا السبب - عُيّن " بالإجماع ".
كان الوضع قابلا للإنفجار و كان المعسكران يسرّعان فى الهجوم . و بُعيد ذلك ، نشر اليسار مقالا فى صحافة الحزب عن أتباع الطريق الرأسمالي الذين لم يتوبوا. و بسرعة أخذ اليمين يتحرّك . بين 29 فيفري و 5 أفريل، نظّم اليمين مسيرات فى بيكين منتهية إلى إضطرابات فى اليوم الأخير. وقد وقع قلب معدّات عسكرية و حرقها و تعرّض الناس للهجوم ذلك أنّ اليمين جمّع آلاف الأنصار لتوجيه تحيّة لشو آن لاي و سياساته المتمثّلة فى دنك و للنيل من اليسار . و يعدّ حادث تيان آن مان هذا ( النصّ 27) هجوما بيّنا ضد ماو ذاته خاصة و ضد اليسار عامة. رفعوا معلّقات تقول : " لقد إنتهت حقبة تشن تشى – جوان " و " لتسقط الإمبراطورة الأرملة " و " عاشت التعصيرات الأربعة " و صرخوا بشعارات مماثلة . لقد إستدعى الأمر الجهود المشتركة لجيش التحرير الشعبي و الشرطة و المليشيا لقمع التحرّك . و جدّت أمور مشابهة فى مدن أخرى .
تجرّأ اليمين على التحرّك نظرا لكون ذلك صار ضروريّا لتعطيل الحملة ضد ريح الإنحراف اليميني التى كانت بالتأكيد ستتطوّر إلى هجوم أشمل على حصونه . و رغم أنّ هذه المسيرة قمعت ، فقد نجحت فى رفع راية اليمين و توضيح أنّه لن يغرق دون مقاومة و أنّه سيبدى بالفعل مقاومة شرسة جدّا. خلاصة القول ، كان ما فعله اليمين بمثابة نداء لأتباعه و المفترض أنّهم أتباعه للتحرّك – الصراع المستمرّ .
لذلك نعم حقّقت المسيرة هدفها فى إصدار إعلان و تعبئة نشيطة للقاعدة الإجتماعيّة لليمين . لم تكن تهدف إلى السعي الجدّي لإفتكاك السلطة . و أملت الأحداث على اليسار أن يتحرّك على الفور ضد دنك سياوبينغ ، الوجه القيادي وراء الحادث. فعزل من مسؤوليّاته ليس نتيجة حملة طويلة تكون قد عرّت تماما خطّه و كشفت جذوره التحريفيّة عبر صراع حاد و تربية إيديولوجيّة . لقد عولجت المسألة تنظيميّا – عزل تماما من وظائفه - و فى لحظة لم يكن لليسار فيها أحد من معسكره يُعيّن كوزير أوّل .
عُزل دنك سياوبينغ و كان على اليمين أن يقبل بذلك بما أنّ معارضته لهذا القرار كانت ستعنى تحدّى ماو وجها لوجه - وهو أمر برغم المرض الذى كان يعاني منه ماو ، ما كان ليكون لصالحه حينها. هذا من جهة و من جهة أخرى ، وقف اليمين حجر عثرة أمام تعيين تشانغ تشن - شياو فى موقع الوزير الأوّل و فرض السماح لدنك بالإحتفاظ بعضويّة الحزب . و عُيّن هواو كوفينغ وزيرا أوّلا و نائبا لرئيس الحزب بفضل اليمين . لي سيان- نيان، يميني كان فى السابق فى رتبة أعلى من هواو كوفينغ فى الحزب و مجلس الدولة ، كان من الممكن أن يكون خيارا أوّلا لليمين بعد دنك يساو بينغ إلاّ أنّ هواو كان المؤهّل أكثر . و جاء تعيين هواو كمساومة قام بها اليسار للتخلّص من دنك سياوبينغ . و الإيحاء بأنّ ماو هو الذى إختار هواو يعبّر عن عدم فهم للمعنى الحقيقيّ لأنّ ميزان القوى جعل منه الخيار الوحيد . وضع اليمين هواو و منع تشانع و وافق على عزل دنك وهو ما مثّل هدف الاجتماع . و ما بيّنه هذا هو أنّ اليمين كان يملك قوّة كبيرة وماو هو الحاجز الرئيسي لتحرّكه الحاسم ضد اليسار .
تفكير ماو فى مسألة الخلافة و مواصلة الصراع ضد اليمين ( بما أنّه سيصرّح " لا يزال أتباع الطريق الرأسمالي على الطريق الرأسمالي " ) هو أنّ أفضل أمل بالنسبة لليسار يكمن فى تعميق الحملة ضد دنك سياو بينغ و ضد ريح الإنحراف اليميني التى كان يرجى على الأرجح أن تدوم لأشهر أو حتّى لسنوات . و من خلال التعبئة الشعبية ، قد يستطيع اليسار أن يجمع قوّة كافية لكسب أغلبيّة فى اللجنة المركزيّة لتتّحد و تقبل بتعيين اليسار فى أعلى مراتب الحزب و الدولة حين يتوفّى ماو . و كذلك وجدت إمكانيّة أن لا يقدر اليسار على إستنهاض القوى لكسبها على هذا المستوى و كانت هذه حجّة أقوى لتطوير الحركة السياسيّة . أمّا بالنسبة لليمين فما رآه واجبا عليه هو سحق الحركة السياسيّة .
كان على هواو كوفينغ أن يُظهر مساندة للحملة ضد دنك سياوبينغ و ضد ريح الإنحراف اليميني لأنّ ماو هو الذى أطلقها . و كان وضع هواو كوفينغ فى موضع مساند لهذه الحركة مهمّا لليسار بإعتبار أنّ إنتهازيّته ستكشف بأكثر وضوح فى حال إلتحاقه باليمين . و ما كان هذا ليستبعد إمكانيّة كسبه مع تطوّر الصراع لكن اليسار لم يكن يعوّل عليه و لم يكن يثق به . و بشأن التصريحات المفترضة لماو بخصوص هواو كوفينغ - أنّه يبقى هادئ البال - فهي ، إن كانت صحيحة ، يمكن فهمها فقط فى إطار هذه المعركة من أجل الخلافة ، المعركة التى لليمين فيها قوّة فرض مرشحه " عبر مساومة " و إضطرّ فيها اليسار إلى الوقوف ضد عناصر على الأرحج غير تائبة و أقوى ضمن اليمين . ومن المهمّ التذكير بأنّ شو آن لاي هو الذى أتى بهواو كوفينغ و أنّ سمعة هواو بصعوبة كانت سمعة مقاتل خلال الثورة الثقافيّة . مساندته لحركة التعاونياّت الفلاحيّة والقفزة الكبرى إلى الأمام ( بأسلوبه المميّز البيروقراطي ) و - بعد وقت و إلى درجة معيّنة - للثورة الثقافية مفادها أنّه كان أقلّ تورّطا من العناصر العنيدة و بهذا كان عموما مفيدا لليمين .

نقد دنك سياو بينغ :

فى خضمّ هذه الخلفيّة من الصراع حول الخلافة ، دخلت حملة نقد دنك سياوبينغ و دحض ريح الإنحراف اليميني نسقا عاليا. و مثلما سبق و أن ذكرنا ، قال ماو " نقض الأحكام الصحيحة مناهض لإرادة الشعب " فى بدايات 1976 فى علاقة بالصراع على الجبهة التعليميّة و غيرها من الجبهات. شنّت حملة صارمة لنقد تحريفية دنك سياوبينغ على الجبهات التعليميّة و الثقافيّة و العلميّة و التكنولوجيّة والصناعة و النقل والتجارة الخارجية ، و إستسلامه العام أمام الإمبريالية و لسياساته الرامية لتخريب الفلاحة الإشتراكيّة . فكانت هذه الإجراءات عموما ذات أهمّية جرى أثناءها تحليل نظريّات دنك سياوبينغ تحليلا شاملا فتحوّلت إلى مواضيع تشغل بال ملايين الناس . و برزت مقالات لعمّال ملخّصة التشابه بين " الإصلاحات " الإداريّة لدنك سياوبينغ و السياسة الإقتصاديّة السوفياتيّة و ضمنها تركيز الإحتكارات الواسعة . و نشرت مقالات فلسفيّة عن العلاقة بين الممارسة و النظريّة فى العمل العلميّ - مدافعة عن أنّ الممارسة هي الرئيسيّة و الحيويّة . و عقدت إجتماعات جماهيريّة لنقاش هذه المسائل .
و فى ربيع 1976، صدرت كذلك عن ماو تصريحات بصدد ظهور أتباع الطريق الرأسمالي فى الحزب و طبيعتهم . و كان هذا توسيعا لنظرته التى تطوّرت من خلال حركة التربية الإشتراكيّة سنة 1964 عندما تحدّث عن تناقض عدائيّ بين الطبقة البيروقراطية و الطبقة العاملة و عن المسألة المصاغة أثناء الثورة الثقافية بشأن الأشخاص فى السلطة فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي . شرح ماو :
" إثر الثورة الديمقراطيّة لم يقف العمّال و الفلاّحون الفقراء و المتوسّطون مكتوفي الأيدى ، أرادوا الثورة . و من جهة أخرى ، لم يرد عدد من عناصر الحزب المضيّ قدما ، فبعضهم تراجع و عارض الثورة . لماذا؟ لأنّهم أصبحوا موظّفين سامين و أرادوا الحفاظ على مصالحهم كموظّفين سامين ."
متحدّثا بهذه الطريقة ، أضاف ماو أنّه :
" مع الثورة الإشتراكيّة صاروا هم ذاتهم هدفا للنيران . فى مرحلة تحويل التعاونيّات الفلاحيّة ، وُجد أناس فى الحزب عارضوا ذلك و عندما مررنا إلى نقد الحقّ البرجوازي ، تراجعوا . إنّكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعدُ لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي - أتباع الطريق الرأسمالي لا زالوا على الطريق الرأسمالي".
لذا وُجد أناس إلتحقوا بالثورة فى مرحلة لكنّ تفكيرهم و إيديولوجيّتهم لم تتقدّم مع التطوّر التالى لهذه الثورة . و ينطبق هذا بوجه خاص على الذين إلتحقوا بالحزب خلال مرحلة الثورة الديمقراطيّة . إنّهم " ديمقراطيّون برجوازيّون " يشكّلون فئة كبيرة نوعا ما فى الحزب. ( النصّ 39). لا يعنى هذا أنّ بعضهم لم يقوموا بمساهمات هامّة فى الثورة . يعنى فحسب أنّ العديد منهم لم يحافظوا على نسق السير مع الثورة و المهام الجديدة التى تفرضها . لم يثوّروا نظرتهم و ظلّوا واقفين فى المرحلة السابقة من الثورة لمّا كانت المسألة مسألة طرد الإمبرياليين و الإطاحة بالرجعيّين فى البلاد ، لا سيما طبقة الملاّكين العقاريين الإقطاعيّين - حسب وجهة نظرهم قد بلغت الثورة أهدافها - فسح المجال لتحويل الصين إلى بلد قويّ . و طوّر الكثير منهم سلوكا بيروقراطيّا و أنانيّا ملتجئين إلى أعمالهم الماضية كرأسمال للحفاظ على مواقعهم و وضع أنفسهم فوق النقد . لقد عارض الكثير من هذه الكوادر القديمة مزيد تطوير الثورة لعدم فهمهم لما يظلّ من الضروريّ القيام به و كذلك لأنّهم فهموا أنّ تغييرات كبرى يمكن أن تكون لها تبعات على مواقعهم و إمتيازاتهم .
و الإمتيازات التى كانوا يبحثون عن الحفاظ عليها قاعدتها الماديّة هي أشياء مثل الحقّ البرجوازي فى التوزيع و الإختلافات بين العمل اليدوي و العمل الفكريّ و محاصرة هذه الإمتيازات مهمّة هامة للثورة إذا أريد دفعها إلى الأمام . يجب أن نتساءل من هم الذين تراجعوا أمام نقد الحقّ البرجوازي ( كما طرح ذلك ماو) ؟ من الذين يعتبرون أن ذلك " يسراوية " و أنّه فقط سيعرقل المهمّة التاريخيّة للتعصير؟ الأربعة أم أناس مثل شو آن لاي ، دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ ؟ و لماذا تعدّ هذه المسألة مسألة خطّ من خطوط التمايز ؟ لماذا فى وجود الحقّ البرجوازي تكمن قاعدة إعادة ظهور الرأسماليّة و إلى أي جانب على المرء أن يتموقع - إلى جانب تقييد و تحديد أم توسيع الحقّ البرجوازي؟ لهذه المسائل علاقة بما إن كان المرء مع الثورة أم ضدّها .
صيغة ماو بأنّ البرجوازية كانت داخل الحزب نقدها بشدّة الحكّام التحريفيّون ( الملحق 7) . من المفهوم أنّ ماو كان يتحدّث عنهم هم و عن تطوّرهم . و كنتيجة للتغييرات فى ميزان القوى الطبقيّ و تعميق الثورة ، و لكون العصب الإقتصادي للبرجوازيّة لم يعد الملكيّة الخاصة للمصانع و لا دفع فوائد بل وجود الحقّ البرجوازي فى القاعدة الإقتصاديّة الإشتراكيّة التى إن سُمح لها بأن تتوسّع يمكن جوهريّا أن تتحوّل إلى ملكيّة رأسماليّة . مثلا، إذا لم يتمّ تقليص اللامساواة فى التوزيع كما بين الإداريّين و العمّال فى الإنتاج ، يعفى الأوّلون من المشاركة فى العمل المنتج ، عندئذ الأجور الأعلى و العلاوات لهؤلاء الإداريّين ستتّخذ كلّ مرّة طابعا إستغلاليّا أكثر لعمل الغير حتّى و إن كانت الملكيّة الخاصة لا توجد رسميّا . و سياسيّا ، تكمن قوّة البرجوازيّة ليس فى التنظيمات المنفصلة التى تدعو لإعادة تركيز الرأسماليّة و إنّما فى الكتل و مراكز القيادة العامة داخل الحزب الشيوعي حيث تتنظّم حول خطّ تحريفي .
و الموقع الإجتماعي الذى يحتلّه أتباع الطريق الرأسمالي - اوجودهم فى الهياكل التى تحكم المجتمع - و الإيديولوجيا التى يروّجون لها حوّلتاهم إلى نواة البرجوازيّة و قائدة لقواها الاجتماعيّة . كان خطّ ماو تحذيرا و لفتا للإنتباه ضد ظهور التحريفيّة فى أعلى مستويات الحزب و للبحث هناك عن أخطر مصدر من مصادر إعادة تركيز الرأسماليّة. إنّها ضربة موجّهة لأولئك " المنقذين اللطفاء " مثل شو آن لاي و دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ الذين يدرّبون الجماهير على الإلتصاق بمواقعهم ، على أن يكونوا مجتهدين و مطيعين و على أن يعتنوا أقلّ بالذين يقودون الحزب و بالإتّجاه الذى يدفعون إليه الحزب و البلاد بأسرها .
نقد " الأعشاب السامة الثلاثة " ( بصورة خاصة النصوص 30،31، 32 و 35) و هذه النظرة للبرجوازية داخل الحزب هي التى مثّلت المواضيع الرئيسية ، إيديولوجيّا و سياسيّا ، لحملة نقد دنك هذه و لريح الإنحراف اليميني . و كان صراعا للدفاع عن الأشياء الجديدة لإعداد الشعب لصراع شديد جدّي أكثر ضد أتباع الطريق الرأسمالي. لكن الظروف غدت أصعب. على عكس الحملات السابقة – ضد لين بياو و كنفيشيوس ، دراسة نظريّة دكتاتوريّة البروليتاريا و التصدّى للتحريفيّة و منعها و نقد الإستسلام الذى مثله بطل رواية " على ضفاف الماء " – فإنّ هذه الحملة الجديدة تميّزت بمعارك مفتوحة و أحيانا عنيفة مع قوى اليمين على نطاق أوسع . لقد تطوّر الصراع الطبقي على نحو صارت معه المواجهة فى بدايات 1976 مواجهة قاسية بين مركزي القيادة داخل الحزب . و سيتأثّر الإقتصاد و كذلك سير مختلف المؤسسات الأخرى إذ حدثت إضطرابات فى عديد مناطق البلاد و مسيرات إحتجاج أمام مكاتب الحكومة و الحزب ، و وقع إجتياح وزارتي التعليم و النقل الحديديّ .
و عرقل اليمين الحملة ضد ريح الإنحراف اليميني منذ البداية . فى عدّة مؤسّسات صبّت عليها سلط المحافظات ماءا باردا. و على عكس الحكمة التقليديّة التى يعرضها الآن حكّام الصين ، كان اليمين هو الذى يبذل أقصى الجهود للإستفادة من الإضطرابات و لبثّ الفوضى قصد حرف النظر عن المسائل المعنيّة و لإبعاد الضغط عليه و رفع مطالبة الجماهير بالنظام و هو ما ترجمه اليمين فى " لنوقف كلّ هذا ". فقد إستغلّ اليمين كلّ شيء ليمنع هذه الحملة من التواصل و ليهاجم اليسار- بما فى ذلك الزلازل .
و بالفعل ، قدّمت زلازل نهاية ماي تعلّة للتخلّص من الحملة . كان اليمين يقول إنّه بعد كلّ شيء كيف يمكن للسياسة أن تؤثّر فى عذابات الناس و حياتهم . و ردّ اليسار مشدّدا على أنّ العمل ضد الزلازل مرتبط بالحملة ( النص 4). كان هذا موقفا ماركسيّا متماسكا تماما بما أنّ الإنسان يصارع الطبيعة من خلال المجتمع - المجتمع الطبقيّ فى هذه الحقبة من التاريخ.
إلى جانب المحاولات السياسية لليمين لإستعمال الزلزال لإخماد حركة الجماهير المتطوّرة ، هناك بالفعل مسائل هامة طرحها الزلزال و معالجتها تؤثّر على عمل المساعدة . هل يجب أن يحصل العمّال على أجر إضافيّ مقابل العمل الإضافيّ المنجز لمساعدة المناطق المنكوبة ؟ هل يجب تعويض الناس عن المواد المستعملة لبناء ملاجئ ؟ و لمن تعود ملكيّة هذه الملاجئ ؟ إستغلّ اليمين الزلزال لينشر المخاوف من تواصل الإضطرابات و إستغلّ المعتقدات التقليديّة للقيام بذلك . و ردّ اليسار بواسطة الصحافة بأنّ الزلازل لا تفقد الثوّار حماسهم و أنّ مثل هذه الحوادث يمكن حقّا أن تقرّبهم من بعضهم بعضا و أن تلحم صفوفهم . و كان هذا صراعا حادّا على وجه العموم . و إستغلّ اليمين أيضا الزلزال ليؤكّد تأثيره فى صفوف الجيش الذى تنقّل بأعداد كبيرة للعمل على المساعدة . و إستغلّ الزلزال لبناء صورة هواو كوفينغ كشخص رغم كونه منهمك فى " نزاعات غير مثمرة "، كان بالملموس حاضرا و منتبها لحاجيات الناس أو صوّر الأشياء كما لو أنّه كان هو المسؤول عن العمل الذى وقع تنفيذه .
لقد ربط هواو كوفينغ بصفة حيوية حظّه باليمين لأنّه ( هو و آخرون كانوا على علاقة به ) كانوا يعلمون أنّه إذا تعمّق الصراع الذى يخوضه اليسار سيسقطون لاحقا أمام الهجوم و لأنّ ميزان القوى كان يميل لفائدة اليمين . و المسألة الحيويّة التى كانت خطّ تمايز بين الخطّين فى تلك الحقبة كانت ببساطة أيّ خطّ أو أيّة مجموعة – الأربعة أم اليمين ، ستكسب المعركة . و كانت هذه المسألة محور نقاشات السنوات الأخيرة – بخاصة مسألة التعصير أم الصراع الطبقي كعلاقة مفتاح - فى إطار حرب مفتوحة . إنّ الإختلافات و النزاعات و التى وُجد منها الكثير ضمن اليمين تموقعها إلى جانب مسألة سحق الأربعة و الخطّ الثوري الذى كانوا يمثّلونه .
كان الصراع يحتدّ عندما توفّي ماو تسى تونغ فى 9 سبتمبر . و إعتبر اليمين ذلك إشارة إنطلاق للتحرّك ؛ على كلّ حال ، كان ماو حامي الأربعة . و حسب مصادر عادة موثوق بها قام ماو بشيئين قُبيل وفاته . إجتمع بالمكتب السياسي و كتب قصيدة لشيانغ تشنغ فيها نقد بشدّة اليمين لترقّبه موته للمضيّ قدما فى مؤامرته و شرح أنّه يجب مواصلة الصراع . و زيادة على ذلك نبّه إلى أنّه ينبغى قتال القوّتين الأعظم الولايات المتّحدة و الإتّحاد السوفياتي .

الإنقلاب :

كانت الوجوه المفاتيح فى الإنقلاب بديهيّا ياتشيان - بينغ و هواو كوفينغ و شتان سى - ليان و وامغ نوتغ - سنغ و كان دنك سياو بينغ ينهض بدور قويّ خلف الستار. كان ياتسيان- ينغ يسيطر حقّا على القوّات المسلّحة منذ 1971. و كان حليفا مقرّبا من شو آن لاي و عدوّا لدودا لليسار . أكثر من أيّ وجه آخر، كان هو مهندس الإنقلاب إذ كان يتمتّع بولاء الكثير من القادة العسكريّين و كان الأفضل تموقعا للتحرّك ضد اليسار . دون مساندة ياتشيان - ينغ ، لم يكن بوسع هواو كوفينغ التوصّل لأي شيء.
و كان تشان سي- ليان قائد جيش التحرير الشعبي فى منطقة بيكين . و كان وانغ تونغ - سينغ قائد الوحدة الخاصة 8341 التى كانت تحرس المجمّع السكنيّ حيث كان يعيش القادة الأعلى مراتبا فى الحزب . وانغ هو الذى أوقف الأربعة و تحالفه مع ياو تشيان لي - سان ضمن أن يضعوا يدهم على بيكين من الداخل دون تمرّد هام . إنجاز الإنقلاب و التظاهر بمواصلة نهج ماو تسى تونغ كان مناسبا لليمين مع وجود هواو كوفينغ - رغم أنّه كان سيقوم بما قام به دونه . يبدو أنّه عاش الإنقلاب كأمر واقع من قبل تشيانغ – سينغ و قوى يمينيّة أخرى من كونه كان فى مستوى الحدث . فى 6 أكتوبر أوقف الأربعة. و هكذا وُضع حدّ مؤقتا لحقبة ماو و هيمنة البروليتاريا فى الصين .
لا نودّ هنا أن ننجز تحليلا كاملا لسبب هزيمة اليسار غير أنّه يمكن إستخلاص بعض الدروس . الأمر الأكثر بداهة هو أنّ اليمين كان قويّا جدّا أكثر بكثير ممّا إعتقد الكثيرون بالنظر إلى إنتصارات الثورة الثقافيّة . ماو هو الذى كان فى السنوات الأخيرة من حياته يحذّر من الخطر الجدّي للغاية ، إعادة تركيز الرأسمالية . و قد إستطاع اليمين أن ينظّم إنقلابا لأنّه كان يمسك رئيسيّا بقيادة الجيش إلى جانبه . و يشمل هذا الرتب العسكريّة المركزيّة ، و قد إلتحق الكثير من الذين صاروا من المغضوب عليهم خلال الثورة الثقافيّة و قادة بعض الجيوش الميدانية بقوات شو آن لاي فى الحملة ضد لين بياو . وجد قادة مناطق مثل تشانسي- ليان الذى فى بداية مسيرته كان مرتبطا بدنك لكن لاحقا على ما يبدو ساندوا ماو فى الثورة الثقافيّة . كان أحيانا يبدو إلى جانب اليسار فى السنوات الأخيرة . و عندما تحدث أزمة يتموقع إلى جانب من يرجّح أنّه سيكون الرابح فى المعركة .
لكن عموما ، كان الجيش قلعة لليمين . لم تتوغّل فى صفوفه الثورة الثقافيّة بعمق . و قد وفّرت مسألة لين بياو تعلّة كبرى ليحاول اليمين الإبقاء على الجيش بعيدا عن الحركات السياسيّة الهامّة . و إستغلّ اليمين أنّه كان ينبغى تنظيم حملات سياسيّة فى صفوف الجيش لينكر كلّيا ضرورتها و شجّع هذا النزعات نحو الحرفيّة التى تظهر بطريق الحتم فى صفوف الجيش . غالبية التغييرات التى حصلت داخل الجيش فى تلك السنوات كانت مرتبطة بتقليص مدى إلتزامه بتوجيه الأشياء ، لكن هذا ليس نفس الشيء و تقليص التحريفيّة فى صفوفه . و فى النهاية ، لقيت حجج اليمين بأنّ التعصير كان جوهريّا للحفاظ على البلاد فى وجه غزو سوفياتي آذانا صاغية لدى عدّة مراكز قياديّة طالبت بالتسلّح بسلاح متطوّر و كان بعض الموظّفين فى المراكز الرئيسيّة يعتبرون عقيدة ماو بصدد حرب الشعب قد تجاوزها الزمن بل عقيدة إنتحارية .
إعترف اليسار بهذا المشكل و توصّل إلى تعيين شيانغ شن- تشياو رئيسا لقسم السياسة العامّة لجيش التحرير الشعبي بيد أنّه لم يستطع أن يحدث إختراقات ملموسة . فى مارس 1975 ، عقد ندوة ضمن الموظّفين لنقاش حملة دكتاتورية البروليتاريا لكنّه واجه مقاومة و مقاطعات هائلة . و شنّ اليسار حملات فى صفوف جيش البحريّة لكن كافة هذه الحملات لم تمكّنه من بناء قاعدة ماديّة من المساندة صلب العسكريّين . و المليشيا التى جرى الإعتراف بها و تعزيزها بمبادرة من اليسار بعد المؤتمر العاشر للحزب لم يكن لها أفق تعويض جيش التحرير الشعبي رغم أنّ مليشيا شنغاي أبدت مقاومة لجيش التحرير الشعبي ، إثر إنقلاب 6 أكتوبر ما عبّر نوعا ما عن التأثير الثوريّ فى صلبها .
و فضلا عن الإستعدادات العسكريّة المباشرة ، تمتّع اليمين بميزات أخرى . أوّلا ، كان يملك قوّة فى شتّى المستويات من أجهزة الدولة و الحزب طوال هذه الفترة . و لئن إستطاع اليسار تعبئة قواه ليفرض خطّه فى المؤتمر العاشر و ليشنّ حملات طوال سنوات ، فإنّ العمل على تطبيق هذه القرارات أمر مختلف تماما . ذلك أنّ اليمين كان يقاوم و يتدخّل فى الحملات السياسيّة و يسحب البساط من تحت مكاسب الثورة الثقافيّة إنطلاقا من المواقع التى ركّز ذاته فيها . ولم يكن ماو طليق اليدين فى أفعاله .
ثانيا، إلى ذلك كان شو آن لاي رمزا لتواصل الثورة الصينيّة و أهمّ حتّى للإستقرار. وكان مركز توحيد العديد من الكوادر و المثقّفين و الذين من ضمن الجماهير كانوا قد أرهقتهم الصراعات المستمرّة طوال السبعينات . و الخطّ الذى كان يمثّله و يدعو له هو أنّ الإقتصاد كان يترنّح و أنّ الأشياء الجديدة لم تكن تعمل و أنّ الصراعات المستمرّة فى السنوات الأخيرة لم تكن مفيدة بتاتا و لم تؤدّى إلاّ إلى الفوضى . كانت الأمور متداخلة لا سيما إزاء التهديد السوفياتي ما تطلّب توجّها جديدا؛ و تجسّد ذلك فى " الأعشاب السامة الثلاثة " وهي مقدّسة كما هو مقدّس الخطّ الرسميّ فى الصين الآن ، و كان شو يقدّم خدمات جليلة لليمين فحيال المقاومة و المعارضة إلتجأ اليمين إلى الإيهام بأنّه يتمّ الهجوم على شو آن لاي للحصول على مساندة عاطفيّة لسياساته .
و كذلك إستغلّ اليمين إستغلالا تاما التهديد الحقيقي السوفياتي و الصعوبات الحقيقيّة للإقتصاد للمحاججة بأنّه بعدُ يشارف الوقت على الإنتهاء بالنسبة للصين كي تعمل من جديد بتناغم . كان الصراع الطبقيّ يتداخل مع أشياء أهمّ ، يقول اليمين ، هادفا إلى إدخال " تعديلات " ثأريّة . و مثلما أشار ماو ، إنّ الذين يدّعون إضمحلال الصراع الطبقي ينتهون لا محالة إلى الهجوم على القوى الثوريّة .
مجمل القول ، كان اليمين يمثّل قوّة شديدة البأس وجبت مواجهتها و كان بإمكان شو آن لاي حتّى أن يستغلّ كون الشعب يتصوّره إلى جانب ماو لينزع سلاح المعارضة . و أمسى الوضع أعسر بالنسبة لليسار بفعل انّ الكثير من الكوادر التى تعرّضت للنقد خلال الثورة الثقافيّة لم تستجب لنداءات الوحدة للتقدّم بالثورة . و الذين أعيد إليهم الإعتبار دون أن يتغيّروا بوضوح لم يكونوا ينتظرون إلاّ فرصة الإنتقام من الذين أزعجوهم . لكن هناك من القوى النزيهة من كانوا منشغلين من أن تطيح بهم من جديد أيّة حركة جماهيرية . و أثناء " النزاع " على الجبهة التعليميّة ، عد دكبير من الأساتذة الذين كانوا مساندين لإصلاحات الثورة الثقافيّة لم يبدوا إستعدادا للنهوض و للدفاع عنها حينما جرى تحدّى هذه الإصلاحات .
و إنحصر دور ماو تسى تونغ فى الصراعات الكبرى لسنوات 1973-1976 فى التالي : لقد أطلق الحملات السياسيّة الرئيسيّة فى تلك الفترة و دعّم دعما كبيرا قوى اليسار و نواتها القياديّة ، الأربعة . الحملة ضد لين بياو و كنفيشيوس و حملتا دراسة نظرية دكتاتوريّة البروليتاريا و التصدّى للتحريفيّة و منعها و حملة نقد " على ضفاف الماء " و حملة نقد دنك سياو بينغ و التصدّى لريح الإنحراف اليميني - جميعها كانت تشير إلى اليمين كخطر رئيسيّ . و أصدر ماو توجيهات هامّة بصدد هذه الحملات فى لحظات حاسمة ضامنا مثلا نشر مقالات ياو و شتانغ و عزل دنك سياوبينغ فى 1976. و لم يكن لدي ماو أي إلتباس بشأن دنك : " هذا الشخص لا يفهم الصراع الطبقي : لم يشر أبدا إليه كعلاقة مفتاح . و أكثر حتّى ، مقولته عن " القطّ الأبيض ، القطّ الأسود " لا تفرّق بين الإمبريالية و الماركسية " " إنّه لا يعرف شيئا من الماركسيّة – اللينينيّة ؛ إنّه يمثّل البرجوازية. و قد قال بأنّه " لن ينقض الأحكام الصحيحة " . لا يمكن التعويل عليه ".
هل توجد أيّة إشارة حتّى إلى أنّ شو آن لاي و دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ نهضوا بأيّ دور هام فى دعم الحملة ضد كنفيشيوس و حملة دراسة دكتاتوريّة البوليتاريا ، أو حملة نقد " على ضفاف الماء " ؟ لا، لا وجود لأيّة إشارة و وجودها غير ممكن لأنّ هذه الحملات كانت تستهدف خطوطهم بالذات .
و كيف ينظر الحكّام الحاليّون لهذه الحملات ؟ إمّا أنّهم يتجاهلونها أو يشوّهونها بما أنّها كانت تذهب بالذات ضد الخطوط التى يقدّمونها الآن على أنّها خطوطا ماركسيّة . و فيما يخصّ النضال ضد دنك سياوبينغ و ريح الإنحراف اليميني ، من الجليّ بما فيه الكفاية أيّ دور لعبه دنك سياوبينغ فى ذلك. و الشيء ذاته ينسحب على شو آن لاي قبل وفاته .
إنّ التشويه و القذف الموجّهين ضد الأربعة ينمّان عن الكثير من إفلاس حكّام الصين الحاليّين . و تمثّلت طريقة الهجوم أوّلا فى تشخيص المسألة فى أربعة شيوعيّين كانوا الأوثق إرتباطا بالثورة الثقافيّة و بماو و التركيز لم يكن على الخطّ السياسي بل على روايات رعب مصطنعة : كان الأربعة " سرقة " لا فائدة منهم و لم يكن لديهم أفضل من الحياة حياة منحطّة و منحلّة و الإستحواذ على السلطة ؛ و كان تشانغ تشن - تشياو عميلا للكيومنتنغ و شيانغ تشنغ مرتدّة منذ زمن تعيش حياة السيّدة الأولى ( والإيحاء بأنّها كانت تعمل بالبغاء يظلّ غير خافي جدّا). و كان سيل التهم التى لا أساس لها من الصحّة يتّبع وتيرة متكرّرة و متقاربة و تهديديّة على أمل أن يصدّق ذلك و يصبح شيئا عاديّا ، على طريقة تقنية الكذبة الكبيرة. و " لم تكن مجموعة الأربعة تعير الإنتباه للإنتاج " .أين الدليل على ذلك ؟ بالتأكيد ليس فى شنغاي حيث أدخلت تحديثات تقنيّة هامة و فتح طريق أمام تركيز علاقات تعاون بين المؤسّسات ( النصوص 10 و 20 و 33). ولنذكّر بالمناسبة أنّ شنغاي كانت مدينة تزوّد جهات أخرى من البلاد بقدر كبير من العمّال الأكفّاء . و هكذا ، من جديد ، أين الدليل ؟ فى تصريح مشوّه أو خارج عن الإطار.
" لم تكن مجموعة الأربعة تريد أن تصل القطارات فى الوقت ". من الصعب قول أكثر من أمر لا يصدّق فالتهمة ذاتها مثيرة للسخرية ؛ و ربّما حقّا يأمل التحريفيّون الذين يحكمون الصين أن يصدّق الناس هذه الترّهات. ما الذى فعله الأربعة ؟ هل إستولوا على أوقات عمل القطارات ثمّ أعطوا توجيهات للمهندسين و السائقين بأن يصلوا متأخّرين ب 15 دقيقة ؟ ما هي غاية ذلك ؟ ألم يفهم الأربعة ما كان موسيليني يفهمه أي أنّه على القطارات أن تصل فى الوقت المحدّد لها ؟
و حتّى مفترضين أنّ الأربعة أصدروا تصريحا بأنّه بالنسبة لهم من الأفضل أن تكون لنا قطارات إشتراكيّة تصل متأخّرة من أن تكون لنا قطارات رأسماليّة تصل فى الوقت المحدّد لها ، يكون من الواضح تمام الوضوح لمن يشيرون . فاليمين هو الذى كان يقول إنّ الجماهير لا يمكنها أن تحرص على وصول القطارات فى الوقت المحدّد و إنّ ذلك يمكن أن يحقّقه فقط الأخصاّئيون المسؤولون و بضوابط شديدة تأسر الجماهير . و كالعادة ، يرفع هؤلاء التحريفيون بسبب إنتقائيتهم بعض الفزّاعات مثل " المعارضة الإحادية الجانب للأرباح " و " المعارضة الإحادية الجانب للإنضباط " ( و ربّما قريبا سيذكرون " المعارضة الإحادية الجانب للقطارات المحترمة للوقت " ) و كانوا يطلقون بلا إنقطاع هذه الأراجيف على نحو يريدون معه تحوّل هذه الإنحرافات المفترضة إلى المشكل الرئيسي - وهي بجلاء لم تكن كذلك - و هكذا تتحوّل تحريفيّتهم عندئذ إلى إصلاح مناسب و مقبول .
و بالكاد أخفت التهم الموجّهة ضد الأربعة الأسباب الحقيقية للذين كانوا فى السلطة المعتبرين للتعصير و " النظام الكبير " أرقى الأهداف التى يمكن للطبقة العاملة أن تطمح إليها . يقولون لنا الأربعة صفّوا الإنتاج و لم يسمحوا للناس بأن يعبّروا عن آرائهم . أليس من البديهيّ أنّ هذه التهم صنعت لتبرير تصفية الثورة و لقمع الذين يتجرّأون على التعبير عن آرائهم و العمل ضد الثورة المضادة ؟ لكن أكثر من ذلك ، جملة " مجموعة الأربعة " تعبير مركزيّ للإحالة على ماو تسى تونغ لأنّ الأربعة رفعوا خطّه و صارعوا من أجله و كانوا يقودون الحملات التى أطلقها . أكبر من شيء عابر أنّه بينما كان ماو على قيد الحياة ، جرى دفن دنك سياوبينغ بينما فقط إثر وفاته إستطاعوا الإطاحة بالأربعة – ودنك المغمور تخلّص من صراع ماو ضد اليمين .
خلاصة القول ، كانت الهجمات ضد " مجموعة الأربعة " هجمات ضد ماو و خطّه . و قد جعلوا من الأربعة عبارة عن تجسيد لكلّ الشرور ، إستطاع التحريفيّون الآن مهاجمة خطّ ماو ملصقينه بالأربعة – وهو ما قاموا به فعلا . ولم يتّخذ هذا الصراع ضد اليمين ،لا فى بداياته و لا خلال جزئه الأكبر ، شكل الإنتفاضات و التمرّدات الكبرى التى ميّزت السنوات الأولى من الثورة الثقافيّة . و من أبرز سمات هذه الحملات أن توجّهها الأولويّ تعليمي أي دراسة دكتاتورية البروليتاريا و نقد كنفيشيوس إلخ. و هذا فرضته الظروف العالميّة منها و الداخليّة . فقد تفاقم بشكل كبير خطر الحرب منذ السنوات الأولى للثورة الثقافيّة حينما كانت الولايات المتّحدة غارقة فى الفيتنام وكان السوفيات بالكاد شرعوا فى ولوج النزاع على النطاق العالميّ ضد الولايات المتّحدة كقوّة عظمى . و كان الوضع فى أواسط السبعينات يتطلّب أن يخاض الصراع بطريقة نوعا ما مختلفة قدر المستطاع .
و كذلك بسبب الوضع فى الصين ذاتها ، إتّخذ الصراع هذا الطابع التعليميّ إلى درجة كبيرة ؛ إذ كانت ثمّة حاجة إلى الوقت للإعداد الإيديولوجيّ للجماهير بحيث عندما يتعيّن الصراع ، تكون جاهزة و على أفضل حال ممكن . و كان هذا مرتبطا أيضا بحقيقة أنّ الحركات الجماهيريّة لا تستطيع أن تحافظ إلى ما لا نهاية له على نفس مستوى التعبئة و الشدّة . و وُجد نوع من القلق فى صفوف الجماهير لظهور لين بياو و يمينيّون آخرون فى 1971 و تسبّبهم فى إضطراب كبير . ثمّ جاء شو آن لاي . و لم يكن من اليسير إعانة الجماهير على إدراك ما يجرى . ألم يستغرق بناء حركة جماهيريّة تمكّنت من إسقاط قناع ليو تشاوتشي و من الإطاحة به سنوات عدّة و أشكال متنوّعة من الصراع ؟ و هذا لم يبدأ فحسب فى 1966-1967.
بالنسبة لماو كان الرئيسيّ على الدوام هو الخطّ - ليس عمليّة الطرد عموما بل تطوير حركة تمكّن الجماهير من فهم المسائل المعنيّة و من إطلاق قوّتها و حماسها و ترفع من درجة وعيها لما هو صحيح و ما هو خاطئ . و تكون الأرضيّة الأخصب لكسب العديد من الذين يدافعون عن خطوط خاطئة . و فضلا عن ذلك ، من وجهة نظر تكتيكيّة ، لم يكن دائما ميزة للثوريّين التسريع فى مواجهة حاسمة مع قوى اليمين بينما لم يتشكّل بعد بصورة تامة المعسكران . و هكذا رأى ماو أنّ تطوير حركة سياسيّة كانت رئيسيّا تعليميّة يخلق الظروف المناسبة أكثر لمواجهة القوى الثوريّة الأعداء الداخليّين الأقوياء .
و تعكس تعليمات ماو فى أواخر 1974 عن ملاءمة الإستقرار و الوحدة هذه الحاجة للعمل على هذا النحو . و هذا لا يستبعد صراعات هامّة فى وحدات معيّنة و الإطاحة بموظّفين معيّنين ؛ و يجدر قول إنّه لا يعنى ( و لا يمكن أن يعني ) أنّ اليمين قد هيمن فى لحظة ما . و نهائيّا ، لا يعنى مثلما أوضح ذلك ماو إيضاحا جيّدا فى إدانته لدنك سياوبينغ ، وضع الوحدة و الإستقرار فى نفس مستوى الصراع الطبقي . و مع ذلك ، كانت الفرصة الأفضل لكسب المعركة تكمن فى تطوير حركة على ذلك المنوال .
ميّز الصراع ضد دنك سياوبينغ و ريح الإنحراف اليميني مرحلة إنتقاليّة نحو النزاع المفتوح أكثر و الأتمّ ضد اليمين رغم أنّه لم يتّخذ الشكل ذاته الذى إتّخذه فى فترة 1966-1968. و واصل الأربعة تركيزهم على المسائل الحيويّة للخطّ بعد سقوط دنك سياوبينغ و عزّزوا قواهم لدفع فئات أوسع من الجماهير إلى الحركة . بيد أنّ اليمين كسب الأفضليّة عندما توفّي ماو و أوقف الحركة و إن لم يتمّ الإيقاف دون مقاومة .
فقد إضطرّ إلى إرسال جيش التحرير الشعبي إلى شنغاي و بيكين و إلى غيرها من المناطق أيضا . فى مفترق سكك حديدية محوري ، باوتين ، جنوب بيكين ، وجد تقرير إعلامي عن كون آلاف الفرق إلتحقت بالمتمرّدين و حتى الحكّام الحاليّين إعترفوا بأنّهم لم يستطيعوا السيطرة على المعارضة إلاّ فى مارس 1977.
و كانت إذاعات مقاطعات تذيع فى الخارج بين نوفمبر 1976 و جوان 1977 تكشف أحداثا متواترة من الهجمات ضد المقرّات و المنشآت العسكرية فى بيكين و أعمال مقاومة مسلّحة . و فى بعض المناطق لم تعد من جديد حركة نقل السكك الحديدية إلاّ فى مارس 1977 و وردت تقارير عن إضطرابات فى عديد المصانع الكبرى فى مختلف جهات البلاد . و فى يونان ، وجدت تقارير عن غياب جماعي إحتجاجا على فرض ضوابط و قوانين ما قبل 1966. و فى المدّة الأخيرة ، تسرّبت تقارير عن الصراعات فى الجامعات. و مع ذلك ، يجب الإقرار بأنّ اليمين ماسك بصلابة بزمام القيادة فى هذه اللحظة .
جرى طرد نحو ربع اللجنة المركزية ( بما فى ذلك الأعضاء النواب) إثر الإنقلاب ، 51 منهم كانوا قادة جماهيريّين بارزين من الطبقة العاملة . و عُزل ستّة وزراء مرتبطين بالأربعة من مجلس الدولة و 13 من ال29 قائدا حزبيّا من الوحدات الإداريّة ( محافظات و مناطق حكم ذاتي إلخ) طُردوا. و حدثت التغييرات الأتمّ فى قسم دعاية اللجنة المركزيّة و وسائل الإعلام المركزيّة التى كانت منذ الأيّام الأولى للثورة الثقافية حصنا لليسار بدعم نشيط من ماو تسى تونغ . و أربعة عشر شخصا من الموظّفين الرئيسيّين الذين يحتلّون الآن مواقعا محوريّة فى جهاز الإعلام المعاد بناؤه من الذين أطاحت بهم الثورة الثقافيّة . و توجّه القمع إلى المستويات الأكثر قاعديّة بما أنّه هناك كانت القوّة الأوفر للقوى الثوريّة .
فى مارس 1977 ، أعلم لأوّل مرّة عن إعدامات من خلال ملصقات على الجدران و سنة بعد الإنقلاب دعت إفتتاحية مشتركة بين " يومية الشعب " و " الراية الحمراء " و جريدة جيش التحرير الشعبي إلى " بذل جهود كبرى لنقد " مجموعة الأربعة " و " التحطيم التام لبرجوازيّتهم الحمراء السكتاريّة " ؛ و هذا ليس مؤشّرا فقط عن تواصل المقاومة بل أيضا عن موجة الإرهاب التى تطبّق ضد الجماهير ( و لذلك عن صراع الكتل داخل اليمين). و الدستور الجديد الذى وقع تبنّيه فى بدايات 1978 نادا بإعادة تنظيم هامة للميليشيا و حلّ إلى وحدات فردية اللجان الثوريّة فى المستويات القاعديّة التى كانت هياكلا جماهيريّة . أشارت هذه الإجراءات و فرض جملة جديدة من القوانين و عودة ظهور كمّيات ضخمة من مكاتب الأداءات إلى ما يعدّه الحكّام الحاليّون لأيّة معارضة أمّا بالنسبة لأعضاء الحزب الذين لديهم بعدُ شكوك بشأن هذا الإنقلاب، فإنّ القانون الأساسي الجديد للحزب المتبنّى فى أوت 1977 قد ألغت بصفة مناسبة الفصل الذى كان يدعو إلى الصراع الإيديولوجي النشيط وهو ثمرة الثورة الثقافيّة و أدمج فى القانون الأساسي للمؤتمر التاسع و العاشر للحزب .
ما وحّد قوى اليمين المتنوّعة فى كتلة كان حقدها المشترك على الثورة الثقافيّة ، و قضيّته المشتركة هي قمع الأربعة الذين يرمزون إليها هم وماو . و الآن و قد تمّ هذا فإنّ هذه الكتلة ستشهد إنقسامات و إعادة إستقطاب يمكن أن توجد صراعات هامة حول مدى سرعة التخلّص من تغييرات الثورة الثقافيّة و لو أنّ العادة كانت صراحة مذهلة. و أولئك مثل هواو الذين ربّما يريدون الحفاظ على بعض مظاهر هذه الأشياء الجديدة بما أنّ شرعيّتها تكمن فى درجة ما من التماثل مع ماو ، بينما نجد دنك سياوبينغ يدفع نحو إلغاء حتّى إدّعاء الدفاع عن خطّ ماو . لكن هنا لا وجود لخيار حقيقيّ . و لقول ذلك دون مواربة، فإنّ " الأعشاب السامة الثلاثة " و الأشياء الإشتراكية الجديدة غير قابلة للتوفيق بينها . إنّها تجسّد مفاهيما مختلفة عن العالم و مصالحا طبقيّة مختلفة . لا يمكن تنظيم الإنتاج ، مثلا ، حول مبدأ " إن كان يعمل إذن كلّ شيء جيّد " و فى الآن نفسه ، يُواصل تطوير مبادرة العمّال و تركيز علاقات إشتراكيّة أكثر تقدّما بإعتبار أنّ هذه الأشياء تمضى من حيث لا يجب ضد التقاليد و قوّة العادة . لم تكن الأشياء الإشتراكية الجديدة نوعا من المساحيق – كانت تعابيرا ملموسة عن الدكتاتوريّة الشاملة للبروليتاريا و عن التغيير الثوريّ لكافة مظاهر المجتمع .
و الآن إضطرّوا إلى التخلّى عن سياسات ماو و الهجوم عليها لسبب بسيط كونها تعكس و تخدم إستنهاض الجماهير للتقدّم نحو إلغاء الطبقات و كلّ الإختلافات التى يمكن أن تولد الإنقسام إلى طبقات . و يتطلّب تعزيز هيمنة التحريفيّة نزع سلاح الجماهير إيديولوجيّا و فكّ تعبئتها سياسيّا ، و هذا هو بالضبط ما يحدث اليوم فى الصين . و بالضرورة سيوجد صراع حول غنيمة الإنقلاب - توزيع المواقع ، من يبتعد ليخلى مكانه لغيره . هناك بطريق الحتم نزاع بين الكوادر القديمة التى تحاول التقدّم فى مسيرتها . فكر الإنتقام و الوصوليّة و الصراع للحفاظ على الذات بنهم ستفاقم من الصراع الداخلي القويّ . و هذا ليس نتيجة للطبيعة الإنسانيّة بل هو النتيجة الحتميّة لتعويض الخطّ البروليتاريّ بخطّ برجوازيّ و ما ينجم عن ذلك من تراجع إلى قانون الغاب .
أمّا فيما يخصّ هواو كوفينغ فإنّ أحد المهتمّين بسيرة حياته قد ذكر تصريحا لماركس بأنّ لحظات تاريخيّة معيّنة تحوّل أتعس الرجال إلى أبطال . فى الواقع ، هو رجل تعيس للغاية تبيّن أنّه أكثر فظاظة و إنحطاطا و خيانة فى التاريخ . و يواجه الشعب الصيني وضعا جدّ عصيب غير أنّ التجارب و دروس الصراع لفتح الطريق ضد كافة الأعداء و الصعوبات نحو المستقبل الحتميّ للإنسانية كافة لن تذهب هباءا منثورا . لقد خلّف ماو إرثا ثريّا و مثلما تنبّأ هو نفسه فى 1966 :
" إذا قام اليمينيون بإنقلاب مناهض للشيوعية فى الصين ، أنا متأكّد أنّهم لن يعرفوا السلم و سيكون حكمهم على الأرجح قصير العمر لأنّه لن يكون مقبولا من قبل الثوريّين الذين يمثّلون مصالح الشعب المكوّن لأكثر من 90 بالمائة من السكان."
=========================================================