غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8037 - 2024 / 7 / 13 - 19:41
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في عمله الفلسفي الرئيسي "الوجود والعدم"، يعرف سارتر نوعين من الوجود:
وجود الكائن الذي يعتبر "في حد ذاته" ووجود الوعي الذي يعتبر "لذاته". الكائن الذي يعتبر "في حد ذاته" موجود بشكل مستقل وغير متعلق بأي شيء آخر، أما الوعي، فيعتبر دائمًا "لشيء ما"، وبالتالي يتم تعريفه فيما يتعلق بشيء آخر ولا يمكن فهمه ضمن تجربة واعية. من الميزات الأساسية للوعي هو قدرته السلبية، حيث يمكننا تجربة "العدم", في تجربة العدم ووعي الذات، يستكشف الفرد حالة من الفراغ والوعي الداخلي العميق. هذه التجربة تتطلب التأمل العميق والاسترخاء الكامل للذهن، حيث يتم الوصول إلى مستوى من الإدراك والوعي الذاتي يتجاوز المعرفة المرتبطة بالانا المعتادة. وهذه القوة تعمل أيضًا داخل الذات، حيث تخلق نقصًا جوهريًا في الهوية الذاتية. لذلك، يتم فهم وحدة الذات كمهمة للذات نفسها بدلاً من كونها معطاة.
ان تأسيس الذات، يحتاج إلى مشاريع، والتي يمكن اعتبارها جوانبًا من مشروع الفرد الأساسي وتحفزها رغبة في معرفة "الكون" الموجود في وعي الفرد, مصدر هذا المشروع هو اختيار أصلي تلقائي يعتمد على حرية الفرد, مع ذلك، قد يؤدي اختيار الذات إلى مشروع قد يكون مصدرا للقلق والخداع الذاتي والنفاق، حيث يتم التخلص من الطبيعة الحقيقية للذات كـ "لذاتها" لاعتماد طبيعة "في حد ذاتها", والطريقة الوحيدة للتخلص من الخداع الذاتي هي الأصالة، أي اختيار طريقة تكشف عن وجود الذات كما هي حقيقية ومتعددة الأبعاد, بالنسبة لسارتر ( ممارستي الحرية الصحيحة تخلق قيمًا يمكن لأي إنسان آخر وضعه في وضعي عيش تجربته) وبالتالي فإن كل مشروع أصف فيه الحاضرية الوجودية، لا يوجد معنى نهائي للوعي, يجب أن نلاحظ أن الحاضرية الوجودية لا تهدف إلى تحقيق وعي مطلق, بدلاً من ذلك، فإنها تركز على فهم الوجود البشري والتحرر من القيود والتعارضات التي يواجها الفرد في الحياة. يعتقد سارتر أن الوعي البشري يتأثر بالظروف الخارجية والاجتماعية والثقافية، ولكن في نهاية المطاف، يبقى الفرد مسؤولًا عن اختياراته وأفعاله, الحاضرية الوجودية تولي أهمية كبيرة للحرية الفردية والأصالة, في عالم يتسم بالتشويه والتوقعات الاجتماعية غير المتوقعة نتيجة الحروب والانقسامات والصراعات السياسية والاجتماعية، يدعو الفلاسفة الحاضريون إلى تنمية هوية فردية فريدة ورفض القيود الخارجية التي تحد من الحرية الشخصية, ومن الممكن أن تقدم الحاضرية الوجودية بعض الأفكار والمفاهيم التي يمكن أن تساهم في فهم ومعالجة الظلم الاجتماعي, ولكن يجب أن نلاحظ أن الحاضرية الوجودية ليست نظرية سياسية مباشرة ولا تقدم حلاً محددًا للظلم الاجتماعي, إنما توفر إطارًا فلسفيًا يمكن استخدامه للتفكير في هذه المسألة. يعيش الفرد في مجتمع يفرض توقعات وقيم محددة عليه, يحاول الفرد التحرر من هذه التوقعات والعيش وفقًا لقيمه ومبادئه الشخصية, تتضمن القيود الثقافية القوانين والتقاليد والعادات التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع, يسعى الفرد الحاضري إلى تحرير نفسه من هذه القيود والعيش وفقًا لمبادئه الشخصية وليس فقط وفقًا للتقاليد والقوانين المجتمعية , يتعرض الفرد للضغوط الاجتماعية للتكيف مع مجموعة معينة أو لتلبية توقعات المجتمع, يحاول الفرد الحاضري التحرر من هذه الضغوط والعيش وفقًا لرغباته الشخصية وليس فقط لما يتوقعه المجتمع منه , يمكن أن تكون القيود الاقتصادية عائقًا للحرية الفردية, يجد الفرد نفسه مضطرًا للعمل في وظيفة لا يحبها أو لا يشعر بالرضا عنها بسبب الضغوط المالية, يحاول الفرد الحاضري التحرر من هذه القيود والعيش وفقًا لأهدافه وشغفه بدلاً من القيود الاقتصادية, يمكن أن تشمل هذه القيود, السياسة والقوانين التي تفرضها الحكومة أو النظام السياسي. يحاول الفرد الحاضري التحرر من هذه القيود والعيش وفقًا لمبادئه الشخصية وليس فقط وفقًا للقوانين والسياسات المفروضة عليه، من خلال رفض هذه القيود الخارجية، يسعى الفرد الحاضري إلى تحقيق الحرية الشخصية والأصالة في العيش واتخاذ القرارات الخاصة به بناءً على قيم الحاضرية الوجودية. في سياق العدالة الاجتماعية، يمكن أن تساهم الحاضرية الوجودية في تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع من خلال النقاش والتحرر من القيود الاجتماعية والثقافية التي تعيق تحقيق العدالة، تشجع الحاضرية الوجودية الفرد على تحرير نفسه من القيود والتوقعات الاجتماعية المفروضة عليه. من خلال تحقيق الحرية الشخصية، يمكن للأفراد أن يعيشوا حياة تتماشى مع قيمهم الخاصة وتحقق العدالة الاجتماعية. تشجع الحاضرية الوجودية الفرد على تحمل المسؤولية الشخصية عن أفعاله وقراراته. من خلال التفكير الواعي والتحليل الذاتي، يمكن للأفراد أن يتحملوا مسؤولية تأثير أفعالهم على المجتمع ويعملوا على تحقيق العدالة. تشجع الحاضرية الوجودية على التعاطف والتضامن مع الآخرين. من خلال فهم الوجود البشري المشترك وتقدير قيمة الإنسانية، يمكن للأفراد أن يعملوا معًا لتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الظلم والتمييز، تشجع الحاضرية الوجودية النقاش والتحليل الفلسفي لقضايا العدالة الاجتماعية. من خلال تحليل القيم والمعتقدات والمفاهيم الاجتماعية، يمكن للأفراد أن يطرحوا أفكارًا جديدة ويساهموا في تطوير نظرة أكثر عدالة للمجتمع. يمكن للحاضرية الوجودية أن تساهم في تغيير النظام الاجتماعي الظالم وذلك من خلال الانغماس الواعي وتحرير النظام الاجتماعي، الانغماس الواعي هو قدرة الفرد على الالتزام بنشاطات معينة بتركيز وإرادة ذاتية، مما يؤدي إلى تحقيق حالة من التدفق والرضا الداخلي.
ان تحرير النظام الاجتماعي يشير إلى إمكانية إحداث تغييرات جذرية في البنى والقيم الاجتماعية السائدة، بما يحقق مزيداً من العدالة والمساواة. وهذا قد ينطوي على إعادة توزيع الثروة والسلطة، وتحدي الأنماط التقليدية للعلاقات الاجتماعية. إن التوفيق بين الانغماس الواعي والتحرير الاجتماعي ليس بالأمر السهل. فالانغماس الذاتي قد يجعل الفرد أكثر انعزالية عن الواقع الاجتماعي، بينما التركيز الحصري على التغيير الاجتماعي قد يؤدي إلى إجهاد نفسي وشعور بالاغتراب. ربما الحل هو التوازن بين الانخراط الذاتي والانخراط المجتمعي، بحيث يتمكن الفرد من تحقيق ذاته وفي الوقت ذاته المساهمة في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود. وهذا يتطلب مهارات التفكير النقدي والانفتاح على وجهات نظر متعددة. غالباً ما تكون المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الراسخة معارضة للتغيير الجذري، حيث تدافع عن مصالحها وتهيمن على صنع السياسات. هذا يجعل مهمة إحداث تغيير حقيقي أمراً صعباً، كثير من الناس اعتادوا وتأقلموا مع النظام الاجتماعي الراهن، ولديهم خوف من التغييرات الكبرى وما قد تؤدي إليه من نتائج غير محسوبة. هذا يخلق مقاومة شعبوية تحريضية للجهود التحررية. قد يواجه المنادون بالتحرير اختلافات وصراعات داخلية حول أولويات التغيير وأساليبه. وهذا يضعف الجهود الجماعية ويسهل إضعافها من قبل القوى المعارضة، في كثير من الأحيان، تلجأ النظم الاجتماعية السائدة إلى أساليب قمعية وتهميش لمن يحاولون تحدي الوضع الراهن. هذا يؤدي إلى إحباط الجهود التحررية والاستراتيجيات الناجحة التي اتبعتها حركات اجتماعية سابقة لمواجهة القمع والتهميش. لا شك أن الانغماس في الوعي وممارسة الحاضرية الوجودية لها دور هام في التغيير المجتمعي. هذه الممارسة تساعد على زيادة الوعي الذاتي والانتباه إلى اللحظة الراهنة، مما يؤدي إلى تعميق الفهم والوعي بالذات والمحيط. هذا الوعي المتزايد يمكن أن ينعكس على السلوكيات والخيارات التي يتخذها الفرد في حياته اليومية، والتي بدورها قد تؤثر على المجتمع من حوله. على سبيل المثال، قد يؤدي الانغماس في الوعي إلى زيادة التعاطف والاهتمام بالآخرين، وتقليل الأنانية والحكم المسبق. كما قد يساعد على التغلب على الضغوطات اليومية والتوتر النفسي، مما ينعكس على طريقة التفاعل والتعامل مع المحيطين. بالإضافة إلى ذلك، تعزز الحاضرية الوجودية القدرة على رؤية المشكلات من زوايا مختلفة وتبني حلول إبداعية. ومع ذلك، فإن تحقيق التغيير المجتمعي الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد ممارسة الوعي الفردي. فلا بد من توفر إرادة سياسية وتشريعات داعمة للتغيير، بالإضافة إلى التربية والتنشئة الاجتماعية التي تعزز قيم المسؤولية والتضامن. لذا فإن دور الانغماس في الوعي يكون أكثر فعالية عندما يتكامل مع أطر أوسع للتغيير على مستوى المؤسسات والنظم الاجتماعية. إن الممارسات الوجودية الحاضرية والانغماس في الوعي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز المسؤولية الاجتماعية والتضامن بين أفراد المجتمع من خلال عدة آليات:
تنمية الوعي الذاتي والانتباه
تُعزِّز هذه الممارسات قدرة الفرد على الوعي بذاته وانفعالاته وتفكيره بشكل أعمق. هذا الوعي الذاتي يساعد على فهم دوافعنا ودوافع الآخرين، مما يزيد من التعاطف والفهم المتبادل.
تطوير المرونة والتقبل
الانفتاح على اللحظة الراهنة والتقبل غير المشروط للخبرات يُنمِّي قدرة الفرد على التكيف مع التغيير والتعامل مع التحديات بشكل أكثر مرونة. هذه الخاصية تُسهِّل التفاعل والتواصل الناجح مع الآخرين.
تعزيز الشعور بالوحدة والترابط
ممارسة الوعي الحاضر يُعمِّق إحساس الفرد بوحدته مع الكون والآخرين. هذا الشعور بالترابط يُعزِّز التضامن والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع.
تطوير الحكمة والنضج
التأمل والتركيز على اللحظة الراهنة يُنمِّي قدرات الفرد على رؤية الأمور بمنظور أوسع وأكثر عمقًا. هذه الحكمة تُسهِّل اتخاذ قرارات أكثر مسؤولية وبناءة للمجتمع.
تحرير من التطرف والجمود
الممارسات الوجودية تُعزِّز قبول التنوع وتقليل الحكم المسبق. هذا يساهم في تخفيف التوترات والصراعات المجتمعية.
بشكل عام، فإن هذه الآليات تُساهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية والتضامن المجتمعي، مما يُسرِّع من إحداث التغيير الاجتماعي الإيجابي. التعامل مع هذا الواقع، من الضروري تعزيز التعليم والوعي النقدي، وتشجيع الحوار والتفاهم المتبادل، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية القوية. كما أن الاعتماد على المصادر الموثوقة والمعلومات الدقيقة بدلاً من الإشاعات والأخبار الكاذبة أمر حاسم.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟