الثابت و المتحول : من القوميين الى الاسلاميين


مازن كم الماز
2024 / 7 / 12 - 04:51     

قادنا القوميون إلى نكسات جدية كما سموها هم لكن يبدو أن الإسلاميين سيتفوقون عليهم في حجم الخراب الذي يجرونه على شعوبهم … إن استعداد هؤلاء للدخول في مغامرات غير محسوبة و كارثية مدهش و دورهم في الخراب العام الذي سرعان ما تلا انفجار الربيع العربي لا يقل عن دور خصومهم في الأنظمة التي يحاربونها … على الجهة الأخرى إذا كان صعود القوميين خاصة من العسكر قد ارتبط بتكريس نموذج الدولة العربية التي تجمع مهامها الحداثية إلى مهامها القمعية و الدموية في كثير من الأحيان ، فإن صعود الإسلاميين و حضور تأثيرهم ارتبط بصعود الميليشيات و سيطرتها و اعتمادها على الخوات و النهب المباشر من دون الالتزام بأية واجبات تجاه "محكوميها" و يعكس هذا طبيعة الفئات التي يتشكل منها التياران فالقوميون جاؤوا من الطبقة الوسطى ، آنذاك ، المدينية و الريفية و خاصةً تلك المنخرطة في مؤسسات الدولة ما بعد الاستقلال و تحديدًا المؤسسة العسكرية أما الإسلاميون و رغم وجود ممثلين لطبقات مختلفة بينهم لكن جمهورهم خاصة الذي صعد إلى الواجهة بعد الربيع العربي ينتمي لفئات أقل تعليمًا و تعيش على هامش عملية الإنتاج و ضعيفة العلاقة بالحداثة و خاصةً مؤسسات الدولة الحداثية المعقدة و آليات عملها … ورغم ذلك سيكون من الممتع محاولة دراسة بنية و تطور الأنظمة أو الديكتاتوريات التي جاء قادتها من الجيش مثلًا في السودان حيث حكم الإسلاميون لثلاثة عقود و في المشرق أو ليبيا حيث كانت السلطة بيد القوميين لمعرفة مقدار التشابه و الاختلاف في بنية هذه الأنظمة و ميكانيزمات عملها على الرغم من اختلاف ايديولوجيا قادتها هنا و هناك … و رغم استناد القوميين و الإسلاميين على مبادئ متقاربة توجد فروق مهمة بين الايديولوجيتين ، فالقوميون العرب أكثر إيجابية في خطابهم الذي يستحضر التاريخ الامبراطوري القروسطي للدول العربية الإسلامية أما خطاب الإسلاميين فهو أكثر تفجعا و تلعب مظلومية المسلمين و فكرة نصرة المظلومين و المستضعفين في مواجهة الاستكبار دورًا مركزيًا في خطابهم … و بينما يقر الطرفان بتخلف مجتمعاتنا أو تأخرها مقارنةً بالغرب كان القوميون مصممين على "تثوير" مجتمعاتنا و إطلاق طاقاتها رغم أنهم كانوا في الممارسة ينكفئون أكثر فأكثر عن تلك المهمة التي وضعوها نصب أعينهم أما الإسلاميون فيرون أن مكونات و مبررات هذا التخلف أو كوننا كمجتمعات نعيش و نفكر خارج إطار الحداثة هي جزء من هويتنا و كل محاولة لتجاوزها هي عدوان على تلك الهوية … يمكن بالطبع مرةً أخرى تفسير كل ذلك بالسمات المميزة لأفراد كلا التيارين و منابتهم الاجتماعية … و رغم أن القوميين و الإسلاميين يشتركون في اعتقادهم بهوية جماعية جامعة تعلو على الهويات "الفرعية" المناطقية و غيرها لكنهم انقسموا عمليًا عند كل منعطف على أسس مناطقية بحتة ، هذا يصح مثلًا على البعثيين في سوريا و العراق كما يصح أيضًا على الإخوان المسلمين في سوريا الذين انقسموا في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي بين إخوان دمشق و حلب و حماة و الدير و ما زالت آثار تلك الانقسامات فاعلة في تنظيمهم السوري و شاهدنا مثل ذلك أيضًا في اصطفافات السلفيين السوريين و انشقاقاتهم العديدة … هذا كله يؤكد أننا كمجتمعات ما نزال نعيش في عصر العصبية الخلدوني و الذي نرى فعل قوانينه اليوم في مجتمعاتنا و التي قد لا تكون وحدها الفاعلة لكنها ذات تأثير قوي و ملموس ، و هذا بالمناسبة ليس حكمًا سلبيًا أو إيجابيًا بالضرورة بل قد يبدو ضروريًا لمعرفة مجتمعاتنا و فهم تطورها و التأثير في هذه العملية بما يخدم مصالح الطبقات التي نزعم أننا نمثلها