مناورات نظام ولاية الفقيه وتبديل البيادق للحفاظ على حكم الاستبداد


حزب توده الإيراني
2024 / 7 / 11 - 20:15     

إن مسرحية الانتخابات الرئاسية، التي كان النظام الحاكم في إيران يأمل بفارغ الصبر في تحويله إلى تأييد كبير لنظام ولاية الفقيه ، انتهى بمقاطعة غالبية الشعب. وحتى وفقاً للإحصاءات الرسمية، فإن نسبة إقبال الناخبين في العديد من المدن الكبرى، بما في ذلك العاصمة طهران، لم تتجاوز 30% إلا بالكاد. وبحسب وكالة إيسنا، قال رئيس مكتب الانتخابات في محافظة طهران: “بلغ عدد الناخبين المؤهلين للانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة في العاصمة 10,199,742، وفي هذه الانتخابات، في 25 حزيران/يونيو ، تم استخدام 3,366,264 بطاقة اقتراع”.

وكان من الواضح أن استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الصارخة، يمكن أن يدفع المجتمع إلى حافة احتجاج آخر واسع النطاق على مستوى الوطن مثل الانتفاضة الشعبية “المرأة، الحياة، الحرية” أو غيرها من الاحتجاجات المتعاقبة مثل تلك التي حدثت في العامين الماضيين و يمكن أن يمثل تحديًا خطيرًا لبقاء النظام. ولهذا السبب كان قادة النظام قلقين للغاية بشأن مصير حكمهم والصعوبات الخطيرة التي يواجهونها في الحفاظ على سلطتهم. إن التطورات الإقليمية الجارية، بما في ذلك خطر الصراع المباشر والكارثي مع دولة إسرائيل العنصرية والإجرامية والإمبريالية الأمريكية، يجب أن تضاف إلى اهتمامات الحكام لتسليط الضوء على عمق الأزمة التي يواجهها النظام، والتي سببها بسياساتها اللاعقلانية والمغامرة.
ومع الوفاة الغامضة وغير المتوقعة لإبراهيم رئيسي، عضو لجنة الاعدامات المسؤولة عن مذبحة آلاف السجناء السياسيين عام 1988، رأى النظام فرصة لإعادة ترتيب بيادقه وتحويل الحركة الشعبية نحو سراب“الإصلاحية”. وكانوا يعتزمون فتح نافذة آمنة لتهدئة المجتمع و إخماد الغضب الجماهيري المتزايد.

رُتبت مؤهلات مسعود بيزشكيان (الذي تم استبعاده مرتين من الانتخابات الرئاسية السابقة وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة) وبأمر مباشر من المرشد الأعلى. وكان الهدف من هذه الخطوة جلب الإصلاحيين التابعين للنظام إلى المشهد لخلق أوهام حول مسعود بيزشكيان و بناء أمل زائف حول "نافذة" للتغيير، على غرار ما تم اختباره خلال الحملة الانتخابية لحسن روحاني. بالإضافة إلى ذلك، كانت الدعاية المكثفة والترويج للخوف حول إمكانية "انتخاب" جليلي وتفاقم الوضع في البلاد، جزءًا من حملة منظمة ودقيقة لتشجيع الناس على التصويت وخلق عمل "بطولي" مفتعل وتصويره بمثابة تأييد لشعبية النظام واستحسانه ووهم الحرية في البلد الذي يعاني من الاستبداد.

السيد خاتمي، الذي يدرك الغضب العميق والكراهية التي يكنها الشعب تجاه النظام الانتهازي ،الذي امتنع عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية قبل أشهر، عاد إلى الساحة هذه المرة ليكرر ويروج وهم “النافذة الانتخابية”. لا شك أن الناس لم ينسوا ما قاله السيد خاتمي ذات يوم: "إذا تم تهميش الإصلاحيين أو بعضهم، فلن يكون للرأي العام والعالم أي أهمية. المهم هو أن لا يدخل من لا يريدونه، وأنا متأكد من أنهم لا يريدون أن ندخل. وحتى لو تجاوزنا هذه المرحلة، فلا يسمح لنا أن نفوز بأصوات أكثر مما يريدون. " ومن المفارقات أن مسعود بيزشكيان، الذي أكد في خطاباته السابقة على أنه «خادم المرشد الأعلى» وليس له صلاحية إحداث تغييرات جوهرية في العديد من المجالات، أكد في أول خطاب له بعد الانتخابات تقييم خاتمي للعملية «الانتخابية» وقال في الجمهورية الإسلامية: “أشكر القائد، لأنه لولاه لم تكن أسماءنا لتخرج بسهولة من صناديق الاقتراع هذه”. كما ذكّر علي خامنئي بيزشكيان، بعد إعلان نتائج الانتخابات، بضرورة مواصلة نهج رئيسي.

خلق الأوهام حول حكومة بيزشكيان لتهدئة الأوضاع ومهام الحركة الشعبية

إن حكومة مسعود بيزشكيان، التي سيتم تعيين أعضائها الرئيسيين من قبل علي خامنئي، والتي سوف يملي مكتب المرشد الأعلى سياساتها الاقتصادية الرئيسية على حكومته وغيرها من الهياكل التشريعية والتنفيذية، سوف يكون لها مهمتان رئيسيتان. أولاً، تهدئة البلد الذي يعاني من أزمات حادة وخلق الوهم بأن النظام قد اختار مسار الإصلاح. ومن ثم، منع حدوث انفجار اجتماعي آخر، والذي قد ينطوي هذه المرة على حضور قوي للحركة العمالية والطبقة العاملة ويمكن أن يخلق صعوبات لا يمكن التغلب عليها للنظام. ثانياً، استئناف المفاوضات السرية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين عبرا ضمناً عن أملهما في أن يؤدي انتخابه إلى تحسين العلاقات المتبادلة مع إيران.

وقد اتبعت تجربة فترتي حكم حسن روحاني، بدعم من الإصلاحيين التابعين للدولة، نمطاً مماثلاً. وخلافاً لوعود حملة روحاني الانتخابية، فإن الإقامة الجبرية لمير حسين موسوي، وزهرة رهنورد، ومهدي كروبي لم تنته، ولم يتم إطلاق سراح سجناء الرأي والسجناء السياسيين، ولم يتم منع القمع الوحشي لحقوق المرأة، و تم تجاهل مطالب العمال والطبقة العاملة. استمرت الأزمة الاقتصادية، واتسعت الفجوة بين الفقر و الغنى، واستمر الفساد الحكومي على نطاق واسع وتزايد، واستمر القمع الدموي والوحشي لأي احتجاج حاشد، بما في ذلك عامي 2017 و2019. وفي نهاية فترة ولايته، اعترف روحاني بأنه لا يتمتع بسلطة كبيرة وأنه مجرد منفذ لأوامر المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني وقوات الأمن.

يعتقد حزب توده الإيراني أنه باستثناء أقلية صغيرة شاركت في هذه "الانتخابات" وصوتت لجليلي، فإن الأغلبية الساحقة من الأمة، بما في ذلك أولئك الذين صوتوا لصالح مسعود بيزشكيان على أمل وجود "نافذة" للتغيير، تسعى جاهدة لإجراء تغييرات جذرية في الوضع الراهن الكارثي للبلاد، والمضي قدماً نحو تثبيت إرادة الشعب في شؤون البلاد. إن الغالبية العظمى من الشعب ، وخاصة العمال والطبقة العاملة، الذين تم دفعهم بشكل متزايد إلى ما دون خط الفقر، يريدون تخفيف الضغوط الاقتصادية الساحقة، وأجور مناسبة تتوافق مع التضخم، ووضع حد لسياسات الخصخصة النيوليبرالية واسعة النطاق و طرد العمال ، واستعادة البنية التحتية الإنتاجية للبلاد، ووضع حد للاعتداء الوحشي وغير الإنساني على النساء من قبل بلطجية النظام، وإطلاق سراح السجناء السياسيين الأيديولوجيين، وفتح الأجواء السياسية. ومن الواضح أنه لا يمكن تحقيق أي من هذه المطالب في ظل ولاية الفقيه والنظام السياسي الاستبدادي والمعادي للشعب الحالي. لقد أظهرت تطورات العقود الأخيرة أنه فقط من خلال النضال الاجتماعي الجماهيري والمنظم يمكن إجبار النظام على التراجع. إن التطور التاريخي الأخير في فرنسا، حيث اتحدت مجموعة واسعة من القوى التقدمية من الشيوعيين والاشتراكيين إلى الخضر لمنع انتصار القوى اليمينية ذات الميول الفاشية، هو علامة واضحة ومثبتة على قوة العمل المنظم والموحد للتقدميين والقوى المحبة للحرية، وهو جدير بالملاحظة في إيران.

ومرة أخرى، ندعو كافة القوى الوطنية والمحبة للحرية في البلاد إلى التعاون والتحضير لحوار وطني لتنظيم الجماهير المحبطة والتحدي الجدي للنظام الحاكم المناوئ للشعب. وبدون الجهود المشتركة والنضال المنظم لإحداث تغييرات جذرية ودائمة، فإن الجمهورية الإسلامية، كما أظهرت في السنوات الأخيرة، ستواصل حياتها الكارثية ،و من خلال المناورات وتغيير بيادقها، تستمر في الحاق المزيد من الضرر ببلدنا.

8 يوليو 2023