من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي - فريدريك إنجلس2
عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 10 - 16:11
خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي 2
فريدريك إنجلس
________
التجارة – تبادل الأشياء الضرورية، البيع والشراء – عاقبة مباشرة للملكية الخاصة. وهذه التجارة، مثل كل نشاط آخر، لا بد لها، في ظل سيادة الملكية الخاصة، من أن تصبح مصدراً مباشراً للدخل بالنسبة للتاجر، وهذا يعني أنه ينبغي على كل تاجر أن يحاول أن يبيع بأغلى ما يمكن ويشتري بأرخص ما يمكن. ومن هنا ينجم أن شخصين لهما مصالح متضادة تماماً يقفان أحدهما ضد الآخر في كل عملية بيع وشراء. وإن النزاع يتسم بطابع عدائي حقاً وفعلاً، لأن كلاً منهما يعرف نوايا الآخر، يعف أن هذه النوايا مضادة لنواياه. ولهذا كانت العاقبة الأولى للتجارة، من جهة، عدم الثقة المتبادل، ومن جهة أخرى، تبرير عدم الثقة هذا، وتطبيق الوسائل اللاأخلاقية لأجل بلوغ هدف لاأخلاقي. فإن القاعدة الأولى في التجارة، مثلاً، هي لزوم الصمت، إخفاء كل ما من شأنه أن يخفض ثمن البضاعة المعنية. ومن هنا الاستنتاج التالي: يجوز في التجارة استخلاص أكبر نفع ممكن من عدم اطلاع الجانب المضاد، من سرعة تصديقه، كما يجوز بالقدر نفسه للتاجر أن ينسب إلى بضاعته صفات لا تملكها. خلاصة القول إن التجارة خداع يجيزه القانون. أما إن الممارسة تتطابق مع هذه النظرية، ففي وسع أي تاجر أن يؤكد هذا، إذا أراد قول الحقيقة.
ثم إن النظام المركنتيلي كان يتميز أيضاً، بدرجة معينة، بصراحة ساذجة، كاثوليكية، ولم يكن يخفي جوهر التجارة اللاأخلاقي. وقد رأينا كيف عرض على المكشوف جشعه الدنيء. لقد كان التعادي بين الشعوب في القرن الثامن عشر، والحسد الكريه، والتنافس التجاري عاقبة محتمة للتجارة على العموم. فإن الرأي العام لم يكن قد اكتسب بعد الصفات الإنسانية، - ولذا، أي داع كان يدعو إلى إخفاء ما كان ينبع مباشرة من جوهر التجارة ذاتها اللاإنساني، المفعم بالعداء؟
ولكن، عندما شرع لوتر الاقتصاد السياسي، آدم سميث، ينتقد الاقتصاد السياسي السابق، تغير وضع الأمور كثيراً. فقد صار العصر أكثر إنسانية، وشق العقل لنفسه طريقاً، وأخذت الأخلاقية تدّعي بحقها الخالد. ودخلت المعاهدات التجارية المفروضة بالقوة، والحروب التجارية، وانعزال الشعوب الشديد، في تناقض حاد جداً مع الوعي المتقدم. ومحل الصراحة الكاثوليكية حل النفاق البروتستانتي. وزعم سميث أن للنزعة الإنسانية أيضاً أساساً في جوهر التجارة، عوضاً عن ""أن تكون أغزر منبع للخلافات والعداوة""، إنما ينبغي لها أن تخدم ""أواصر الوحدة والصداقة سواء بين الشعوب أم بين الأفراد"" (راجع ""ثروة الشعوب""، الكتاب الرابع، الفصل الثالث، الفقرة الثانية)؛ ذلك أن التجارة، كما يزعم، تنطوي، بحكم طبيعتها بالذات، على كونها نافعة عموماً وإجمالاً لأجل جميع المشتركين فيها.
كان سميث على حق حين أعلن أن التجارة إنسانية. وليس ثمة في الدنيا أي شيء لاإنساني إطلاقاً؛ وفي التجارة يوجد جانب تلقى فيه الأخلاقية والنزعة الإنسانية حق التقدير. ولكن ما أكثر ما تلقيا حق التقدير! إن حق القبضة القروسطي، السلب السافر على الطريق العريض، صار إنسانياً نوعاً ما حين تحول إلى تجارة، وصارت التجارة إنسانية نوعاً ما حين تحولت درجتها الأولى التي تتصف بمنع تصدير النقود إلى نظام مركنتيلي. والآن صار هذا النظام نفسه هو أيضاً إنسانياً نوعاً ما. وبديهي أن من مصلحة التاجر أن يقيم علاقات طيبة سواء مع من يشتري منه برخص أم مع من يبيعه بغلاء. ولهذا تتصرف ببالغ الغباوة تلك الأمة التي تثير في نفوس مزوديها وزبائنها شعور العداء حيالها. وبقدر ما تزداد علاقاتها مودة، بقدر ما يزداد نفعها. هنا تكمن إنسانية التجارة؛ وهذا الأسلوب المرائي لسوء استغلال الأخلاقية في سبيل أهداف لاأخلاقية هو موضع اعتزاز نظام حرية التجارة. يصيح المنافقون: أولم ندك بربرية الاحتكار، أولم نحمل الحضارة إلى أبعد زوايا الكرة الأرضية، أولم نبنِ أخوية الشعوب، أولم نقلل عدد الحروب؟ – أجل، كل هذا فعلتموه، ولكن كيف فعلتموه!؟ فقد قضيتم على الاحتكارات الصغيرة لكي يتطور الاحتكار الأساسي الكبير بمزيد من الحرية ومزيد من الطلاقة هو الملكية؛ وحملتم الحضارة إلى جميع أطراف الدنيا لكي تكسبوا تربة جديدة لأجل تطوير جشعكم الدنيء؛ لقد آخيتم بين الشعوب ولكن بأخوية اللصوص، وقللتم عدد الحروب لكي تبتزوا المزيد في زمن السلم، لكي تؤزموا إلى الحد الأقصى العداوة بين الأفراد، وحرب التنافس الشائنة! – أين فعلتم شيئاً ما انطلاقاً من الدوافع الإنسانية البحتة، من إدراك أن التضاد بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا يملك الحق في الوجود؟ هل كنتم يوماً ما أخلاقيين دون أن تكون لكم مصلحة في هذا، دون أن تخفوا في أعماق نفوسكم البواعث اللاأخلاقية، الأنانية؟
بعد أن فعل الاقتصاد السياسي الليبرالي ما يتوقف عليه، لكي يجعل العداوة عامة عن طريق إبادة القوميات، ولكي يحول البشرية إلى قطيع من الوحوش الضارية، - لأنه ما عسى أن يكون المتنافسون إن لم يكونوا كذلك؟ – التي تلتهم بعضها بعضاً للسبب التالي بالذات، وهو أن لكل مصلحة واحدة مع الغير، - بعد هذا العمل التمهيدي، بقي له أن يخطو في الطريق إلى الهدف خطوة أخرى فقط – انحلال العائلة. ولبلوغ هذا الهدف، مدّ له يد المساعدة اختراعه اللطيف بالذات – النظام المصنعي. فإن البقايا الأخيرة للمصالح العامة – الوحدة العائلية للأموال، قد قوضها النظام المصنعي، وهي تتواجد – هنا، في إنجلترا، على الأقل – بسبيل الانحلال. وصارت الظاهرة التالية عادية تماماً، وهي أن الأولاد، ما أن يصبحوا بالكد قادرين على العمل، أي ما أن يبلغوا التاسعة من العمر، حتى ينفقوا على أنفسهم أجورهم، ويروا في البيت الأبوي مجرد مأوى مدفوع الأجر، ويعطوا والديهم جزاء معيناً لقاء المائدة والمسكن. وهل يمكن أن يكون الحال غير ذلك؟ وهل يمكن أن يحصل أمر آخر من انعزال المصالح القائم في أساس نظام حرية التجارة؟ وما أن يبدأ تحريك مبدأ ما حتى يشبع بنفسه جميع عواقبه، بصرف النظر عما إذا كان هذا يطيب للاقتصاديين أم لا.
ولكن الاقتصادي نفسه لا يعرف أية قضية يخدم؛ لا يعرف أنه بكل تفلسفه الأناني لا يشكل سوى حلقة في سلسلة تقدم البشرية العام، لا يعرف أنه لا يفعل فإفساده لجميع المصالح الخاصة غير أن يمهد السبيل إلى ذلك الانقلاب العظيم الذي يتحرك قرننا إلى لقائه – تصالح البشرية مع الطبيعة ومع نفسها بالذات.
_________
القيمة هي أقرب مقولة تشترطها التجارة. وبصدد هذه المقولة، كما بصدد جميع المقولات الأخرى، لا يوجد أي جدال بين الاقتصاديين القدماء والاقتصاديين الجدد، لأنه لم يبق لدى أنصار الاحتكار الذين استحوذ عليهم مباشرة ولع الإثراء أي وقت للاهتمام بالمقولات. إن جميع المجادلات بصدد هذا الضرب من المسائل قد انطلقت من الاقتصاديين الحديثين.
إن الاقتصادي الذي يدرس المتضادات يتعامل بالطبع مع قيمة مزدوجة: القيمة المجردة، أو الفعلية والقيمة التبادلية. وحول جوهر القيمة الفعلية نشب جدال مديد بين الإنجليز الذين اعتبروا تكاليف الإنتاج تعبيراًُ عن القيمة الفعلية، وبين الفرنسي ساي الذي أكد أن هذه القيمة تقاس بمنفعة الشيء. وقد امتد الجدال من أوائل هذا القرن وهدأ دون أن يلقى حلاً. فإن الاقتصاديين لا يستطيعون أن يحلوا شيئاً.
وهكذا يؤكد الإنجليز – وبخاصة ماك – كولوخ وريكاردو – إن قيمة الشيء المجردة تحددها تكاليف الإنتاج. لاحظوا – القيمة المجردة، وليس القيمة التبادلية، exchangeable value القيمة في التجارة، التي هي، على حد قولهم، شيء يختلف تماماً عن القيمة المجردة. لماذا تكون تكاليف الإنتاج مقياس القيمة؟ لأن أحداً – اسمعوا، اسمعوا! – لن يقدم – في الظروف العادية، وإذا طرحنا المزاحمة جانباً – على بيع شيء ما أرخص مما يكلفه إنتاجه. لن يقدم على البيع؟ ولكن الكلام هنا لا يتناول القيمة التجارية، - وما شأننا و""البيع""؟ ومع هذا الأخير، تظهر حالاً من جديد على الحلبة التجارة التي اتفقنا على طرحها جانباً – وأية تجارة! – تجارة يتعين عليها أن لا تأخذ بالحسبان الأمر الرئيسي، - المزاحمة! في البدء، كانت أمامنا القيمة المجردة، والآن أمامنا بالإضافة التجارة المجردة، التجارة بدون المزاحمة، أي إنسان بدون جسد، فكر بلا دماغ يخلق الفكر. أفلا يخطر البتة في بال الاقتصادي أنه ما دامت المزاحمة قد طرحت جانباً، فلا ضمانة البتة من أن يبيع المنتج بضاعته حسب تكاليف الإنتاج على وجه التدقيق؟ فيا للتشويش!
لنواصل! لنفترض لحظة أن كل هذا كما يقول الاقتصادي. لنفترض أن شخصاً ما صنع، ببذل قدر كبير من العمل، وبنفقات بالغة، شيئاً غير نافع إطلاقاً، ولا يلقى طلباً من أي امرئ، - فهل هذا الشيء جدير بتكاليف الإنتاج؟ يجيب الاقتصادي: كلا إطلاقاً، ومن ذا الذي يرغب في شرائه؟ ومن هنا ينجم أننا هنا نواجه دفعة واحدة، لا منفعة ساي السيئة الشهرة وحسب، بل أيضاً مع ""البيع"" – المزاحمة. ينشأ وضع مستحيل، وليس بمقدور الاقتصادي أن يبقى للحظة واحدة وفياً لتجريده. وليست المزاحمة التي يحاول ببالغ الجهد أن يستبعدها وحسب، بل المنفعة التي يهاجمها أيضاً، تقتحمان تحليله خلسة في كل لحظة. إن القيمة المجردة وتحديدها بتكاليف الإنتاج ليسا على وجه الضبط إلا من التجريدات، من الأوهام.
ولكن لنفترض أيضاً للحظة أن الاقتصادي على حق، فبأي نحو يفكر، والحالة هذه، في نحديد تكاليف الإنتاج إذا لم يأخذ المزاحمة بالحسبان؟ إننا سنرى عند دراسة تكاليف الإنتاج أن هذه المقولة أيضاً ترتكز على المزاحمة. وهنا سيتكشف من جديد إلى أي حد يعجز الاقتصادي عن عرض مزاعمه بانسجام وتتابع.
وإذا انتقلنا إلى ساي، فإننا نجد التجريد نفسه. فإن منفعة الشيء أمر ذاتي بحت، يستحيل البتة تحديده بشكل مطلق، يقيناً إنه يستحيل تحديدها عل الأقل ما دام الناس لا يزالون يتخبطون في المتضادات. وحسب هذه النظرية ينبغي أن تملك أشياء الضرورة الأولى قيمة أكبر من أشياء البذخ. إن المزاحمة في ظل سيادة الملكية الخاصة هي السبيل الممكن الوحيد الذي يؤدي إلى حل موضوعي نوعاً ما، عام على ما يبدو، بصدد منفعة الشيء بهذا القدر أو ذاك، بينما المزاحمة بالذات هي التي يجب طرحها جانباً. ولكن ما أن تجاز علاقات المزاحمة حتى تظهر تكاليف الإنتاج معها، لأن أحداً لن يقدم على البيع بأرخص مما أنفقه على الإنتاج. ولذا يتحول جانب من التضاد إلى الجانب الآخر هنا أيضاً، سواء شاؤوا أن أبوا.
لنحاول أن نحمل الوضوح إلى هذا التشويش. إن قيمة الشيء تنطوي عل عاملين يفرقان بالعنف، وعبثاً، كما رأينا، بين الأطراف المتجادلة. فإن القيمة هي النسبة بين تكاليف الإنتاج والمنفعة. واللجوء المباشر إلى القيمة يجري عند حل مسألة ما إذا كان ينبغي إنتاج الشيء المعني على العموم، أي ما إذا كانت منفعته تغطي تكاليف الإنتاج، بعد هذا فقط، يمكن أن يتناول الكلام اللجوء إلى القيمة لأجل التبادل. فإذا كانت تكاليف إنتاج شيئين واحدة، فإن المنفعة ستكون العنصر الحاسم في تحديد قيمتها المقارنة.
وهذا الأساس هو الأساس الصحيح الوحيد للتبادل. ولكن إذا انطلقنا منه، فمن ذا الذي سيحل مسألة منفعة الشيء؟ هل مجرد رأي المشتركين في التبادل؟ آنذاك سيكون طرف واحد على كل حال مخدوعاً. أم يجب أن يكون ثمة تعريف يرتكز على المنفعة الملازمة للشيء بالذات، - تعريف لا يتوقف على الأطراف المشتركة ويبقى غير واضح بالنسبة لهم؟ آنذاك لا يمكن أن يتحقق التبادل إلا قسراً. ويعتبر كل مشترك في التبادل نفسه مخدوعاً. فبدون القضاء على الملكية الخاصة يستحيل القضاء على هذا التضاد بين المنفعة الفعلية الملازمة للشيء نفسه، وبين تحديد المنفعة، بين تحديد المنفعة وبين حرية المشتركين في التبادل؛ وحين يتم القضاء على الملكية الخاصة، فلن يبقى من الممكن التحدث عن التبادل في الصورة التي يتواجد بها الآن. إن التطبيق العملي لمفهوم القيمة سيقتصر أكثر فأكثر آنذاك على حل مسألة الإنتاج، وهذا هو ميدانه الحقيقي.
فما هو وضع الأمور الآن؟ لقد رأينا أن مفهوم القيمة ممزق بالعنف، وأن كلاً من جوانبه يُصور بطبل وزمر بصورة الكل. إن تكاليف الإنتاج التي تشوهها المزاحمة منذ بادئ بدء يجب أن تضطلع بدور القيمة بالذات، والدور نفسه يجب أن تضطلع به المنفعة الذاتية البحتة، لأنه لا يمكن أن تكون ثمة الآن أية منفعة أخرى. ولمساعدة هذين التعريفين الأعرجين في الوقوف على أقدامهما، من الضروري أخذ المزاحمة بالحسبان في الحالتين. والأطرف هنا هو أ، المزاحمة تشغل عند الإنجليز، عندما يتحدثون عن تكاليف الإنتاج، مكان المنفعة، بينما عند ساي، على العكس، تحمل المزاحمة معها تكاليف الإنتاج حين يتحدث عن المنفعة. ولكن أي منفعة، أي تكاليف إنتاج تحملها! إن منفعتها تتوقف على الصدفة، على الموضة، على تقلبات أهواء الأغنياء، وتكاليف إنتاجها ترتفع وتهبط بحكم العلاقة الصدقية بين الطلب والعرض.
في أساس الفرق بين القيمة الفعلية والقيمة التبادلية يقوم هذا الواقع بالذات، وهو أن قيمة الشيء تختلف عما يٌسمى بالمعادل الذي يُعطى عنه في التجارة، أي أن هذا المعادل ليس معادلاً. إن ما يسمى بالمعادل هو ثمن الشيء؛ وإذا ما كان الاقتصادي مستقيماً لاستعمل هذه الكلمة عوضاً عن ""القيمة التجارية"". ولكن لكي لا تفقأ لاأخلاقية التجارة العين أكثر من اللزوم، لا يزال يتعين على الاقتصادي أن يحتفظ ولو بظل مظهر واقع أن الثمن يرتبط بشكل ما بالقيمة. أما أن الثمن يحدده تفاعل تكاليف الإنتاج والمزاحمة، فإن هذا صحيح تماماً، وهذا قانون الملكية الخاصة الرئيسي. وهذا القانون التجريبي الصرف إنما هو أول قانون وجده الاقتصادي؛ ومن هنا جرّد فيما بعد قيمته الفعلية، أي الثمن الذي يتقرر عندما تتساوى فيه علاقة المزاحمة، عندما يغطي الطلب والعرض أحدهما الآخر. وعند ذاك، بالطبع، لا يبقى غير تكاليف الإنتاج، وهذا ما يسميه الاقتصادي بالقيمة الفعلية، بينما لا نجد هنا غير تحديد معين للثمن. ولكن كل شيء في الاقتصاد السياسي موقوف بهذا النحو على رأسه؛ فإن القيمة التي هي شيء ما أ,لي، مصدر الثمن، تغدو تابعة للثمن، لمنتوجها بالذات. ومعروف أن هذا القلب هو الذي يشكل جوهر التجريد، وعن هذا راجع فورباخ.
_________
يستفاد من نظريات الاقتصادي أن تكاليف إنتاج البضاعة تتألف من ثلاثة عناصر: من الريع العقاري عن قطعة الأرض الضرورية لأجل إنتاج الخدمات، من الرأسمال مع الدخل منه، ومن الأجرة لقاء العمل المطلوب لأجل الإنتاج والتصنيع. ولكن يتبين في الحال أن الرأسمال والعمل متماثلان لأن الاقتصاديين أنفسهم يعترفون بأن الرأسمال هو ""العمل المتراكم"". وهكذا لا يبقى عندنا سوى طرفين: الطرف الطبيعي، الموضوعي – الأرض، والطرف الإنساني، الذاتي – العمل الذي ينوي على الرأسمال وعلى شيء ما آخر، ثالث، عدا الرأسمال، الأمر الذي لا يخطر في بال الاقتصادي، وأقصد، فضلاً عن العنصر البدني للعمل البسيط، العنصر الروحي لقابلية الاختراع، للفكر. فما شأن الاقتصادي وروح الاختراع؟ أولم يحصل على جميع الاختراعات بدون مشاركته؟ وهل كلفه واحد منها على الأقل شيئاً ما؟ فلماذا يقلق في هذه الحال بصددها عند حساب تكاليف إنتاجه؟ إن شروط الثروة بنظره هي الأرض والرأسمال والعمل وإلى أكثر من ذلك لا يحتاج. ولا شأن له وللعلم. ورغم أن العلم قد حمل إليه الهدايا من خلال برتوله وديفي وليبيخ وواط وكارترايت وإلخ..، الهدايا التي رفعته هو نفسه وإنتاجه إلى ارتفاع لا سابق له، فما شأنه وهذا؟ فالأشياء من هذا النوع لا يستطيع أن يأخذها بالحسبان، ونجاحات العلم تتخطى حدود حساباته. ولكن في ظل نظام معقول يقف فوق تجزؤ المصالح كما هو الحال عند الاقتصاديين، سيكون العنصر الروحي، بالطبع، في عداد عناصر الإنتاج، ويجد مكانه بين تكاليف الإنتاج وفي الاقتصاد السياسي. وهنا، بالطبع، سنعرف بشعور من الارتياح أن العمل في ميدان العلم يتعوّض مادياً أيضاً، ونعرف أن ثمرة واحدة فقط من ثمار العلم، مثل آلة جيمس واط البخارية، قد جلبت للعالم في السنوات الخمسين الأولى من وجودها أكثر مما أنفق العالم منذ بادء بدء على تطوير العلم.
وهكذا نجد قيد العمل عنصري الإنتاج – الطبيعة والإنسان – ونجد الأخير، مع خواصه البدنية والروحية؛ والآن بوسعنا أن نعود إلى الاقتصادي وإلى تكاليف إنتاجه.
يتبع