مع تخييم إستشراء تهديد الجوع ، الولايات المتّحدة / إسرائيل يصعّدان من المذابح الإباديّة الجماعيّة و ينشران المزيد من الأكاذيب


شادي الشماوي
2024 / 7 / 5 - 23:06     

جريدة " الثورة " عدد 860 ، 1 جويلية 2024
https://revcom.us/en/threat-mass-starvation-looms-usisrael-escalate-genocidal-slaughter-and-lies

طوال تسعة أشهر ، أمسكت القوّات الإسرائيليّة 2.2 مليون إنسان من الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة في قبضة الموت معرّضة إيّاهم إلى قصف كثيف بالقنابل و المدافع . و تقديرات محافظة (1) ، تورد أنّ ما لا يقلّ عن 38،000 إنسان جرى قتلهم بمن فيهم 15،000 طفل ؛ و جرى جرح 85،000 ؛ و حوالي 10،000 مفقودون أو يُفترض أنّهم من الموتى .
طوال تسعة أشهر ، رغم بعض الإمتعاضات و النقد الثانوي ، هذه المذابح الإباديّة الجماعيّة لقيت دعما و تمويلا من الولايات المتّحدة بمساندة " مدرّعة " من جو بايدن الإبادي الجماعي . و أفصح بايدن عن الحقيقة حينما نبح على ترامب الفاشي في نقاشهما ، " نحن أكبر مصنّعى الدعم لإسرائيل مقارنة بأيّ كان آخر في العالم " .
ما الذى يدعمه بايدن و الولايات المتّحدة ؟ و لماذا ؟ و بماذا ينبئنا عن ما نحتاج إلى القيام به الآن ؟
طوال تسعة أشهر ، ما يقارب مجمل سكّان غزّة قد أجبروا على مغادرة ديارهم جرّاء الهجمات الإسرائيليّة وهم يعيشون كلاجئين في خيم أو في المنازل و الأحياء الخراب ، مضطرّين إلى الهروب من مكان إلى آخر المرّة تلو المرّة تلو المرّة و في كلّ مرّة يفقدون الأمل و القوّة و الأحبّاء .
و طوال تسعة أشهر ، منعت إسرائيل كلّيا أو جزئيّا معابر دخول الغذاء و المواد الطبّية و المساعدات الإنسانيّة الأخرى الضروريّة لبقاء الناس في غزّة على قيد الحياة . و فقط قسم ضئيل من المساعدات يدخل القطاع . و أحيانا ، آلاف الشاحنات المليئة بالغذاء و المواد الأخرى قد وقع تعطيلها في نقاط تفتيش ففسد الغذاء فيما كان الناس في غزّة يعانون الجوع . ( و من إجل إطلالة على ما يجرى على الأرض و ما يعنيه هذا بالنسبة إلى حياة سكّان غزّة ، أنظروا إلى " حوار مع الدكتور ماجد جابر في غزّة : " هناك عدد هائل من هؤلاء الأطفال يموتون لمجرّد أنّنا لا نستطيع فعل أيّ شيء " ".
Interview with Dr. Majed Jaber in Gaza: ‘We Had a Huge Number of These Children Dying Just Because We Can’t Do Anything About It’.)
" نصف مليون من سكّان غزّة يواجهون الجوع " ... و تهديد المجاعة يخيّم عبر غزّة :
في 24 جوان ، أصدرت منظّمة متخصّصة في التقييم العلمي للأزمات الغذائيّة ( Integrated Phase Food Classification (IPC) ) تقريرا (1) ورد فيه أنّ " تقريبا نصف مليون من سكّان غزّة يواجهون الجوع بسبب نقص كارثيّ في الغذاء " . و حدّدت هذه المنظّمة مستويات خمسة من أزمات الغذاء – و المستوى الخامس هو الأسوأ . و صنّفت تقريبا واحد من أربعة من الناس في غزّة يوجدون بالمستوى الخامس ، و عند هذه النقطة قالت المنظّمة إنّ الناس " يعيشون تجربة منتهى النقص في الغذاء و الجوع و إنهاك قدرات التحمّل ".
و ما معنى " إنهاك قدرات التحمّل " ؟ يحيل التعبير على أنّ الناس مجبرين بعدُ على أكل العشب و غذاء الحيوانات و يضطرّون إلى بيع ثيابهم لشراء الغذاء ، و قد أنفقوا ساعات يوميّا في محاولات العثور على قدر صغير من الغذاء و الماء النظيف لأطفالهم . و يعيشون على حمية غذائيّة دون لحم و لا غلال و لا خضر و قدر صغير من الكالوريّات التي يحتاجها جسد الإنسان . و ليس بوسعهم النوم جرّاء القصف بالقنابل و المسيّرات و الخوف المستمرّ . و يشربون المياه الملوّثة التي تنشر الأمراض ، من الإسهال إلى الكوليرا .
و عند نقطة معيّنة ، لا يعود الناس قادرين حتّى على القيام بهذا . يتخلّون عن ذلك و ينهارون و يستسلمون إلى ألأمراض التي كانوا في وضع آخر يقاومونها للبقاء على قيد الحياة . ينظرون إلى أطفالهم يذوون و يجوعون أمامك أعينهم طوال عذابات الأسابيع و الأيّام و الساعات . هذا ما فعلته بعدُ الولايات المتّحدة و إسرائيل لملايين الناس .
و يتوقّع التقرير أنّه طالما ليست هناك نهاية للعمليّات العسكريّة الإسرائيليّة و فتح لجميع المعابر ، " 96 بالمائة من سكّان غزّة – أكثر من مليوني إنسان – سيواجهون أزمة و حالة طوارئ أو مستويات كارثيّة من إنعدام الأمن الغذائي وصولا على الأقلّ إلى نهاية سبتمبر " .
وجاء أيضا بالتقرير أنّ " تظلّ هناك نسبة عالية من خطر حدوث مجاعة عبر قطاع غزّة برمّته طالما أنّ النزاع متواصل و المساعدات الإنسانيّة مقيّدة " . ( التشديد في النصّ الأصليّ )
و المجاعة وضعيّة يضرب فيها " سوء التغذية " 30 بالمائة من الأطفال و 20 بالمائة من الكهول في منطقة ما . و يؤدّى ذلك إلى " الجوع و الموت و الفاقة و سوء تغذية حاد حيويّ إلى أقصى الدرجات ".
الولايات المتّحدة / إسرائيل تردّ على خطر حدوث مجاعة بالأكاذيب :
و يحذّر التقرير من أنّه في ظلّ الظروف الرهيبة الحاليّة ، يمكم للسكّان و بسرعة أن " يسقطوا في مجاعة " . و يشدّد تأكيدا على ذلك على أنّ هناك حاجيات لحصول إيقاف لإطلاق نار فوريّ و لوضع نهاية للعراقيل الإسرائيليّة أمام المساعدات الإنسانيّة .
و على الفور ردّت إسرائيل – بأكاذيب وقحة . و قد زعم الجيش الإسرائيلي أنّ " المزيد و المزيد من المساعدات تدخل غزّة "!! و السفير الإسرائيلي إلى الأمم المتّحدة زعم أنّ " المشكل كان و يظلّ في تجميع و توزيع هذه المساعدات من قبل الأمم المتّحدة " ، كما إدّعى وجود هجمات من حماس ضد قوافل المساعدات ( و لا وجود لأيّ دليل على ذلك ) .
و هذا هراء . أوّلا ، الناس المشاركون في جهود تقديم المساعدات – من عدّة بلدان و منظّمات مختلفة – مجمعون على أنّ المشكل الأساسي هو أنّ إسرائيل تعرقل دخول المساعدات إلى غزّة . و يشير العديدون كلّما خفّفت إسرائيل من قيودها على المعابر ، تنحسر شدّة الأزمة . إلاّ أنّ إسرائيل ترفض فتح المعابر الأساسيّة بشكل مستمرّ .
و في قمّة هذا ، كانت إسرائيل تستهدف و تهاجم منظّمات و عمّال و قوافل المساعدات . و قد وثّقت منظّمة هومن رايت ووتش Human Rights Watch ( HRW) ثمانية من مثل هذه الهجمات الإسرائيليّة – في جميع الأحوال ، كانت لدي المسؤولين الإسرائيليّين إحداثيّات ( الموقع الدقيق ) للذين إستهدفتهم . فمع 30 أفريل ، قد وقع قتل 254 عامل من عمّال المساعدات ، بمن فيهم 188 من وكالة غوث و تشغيل الفلسطينيّين التابعة للأمم المتّحدة ( الأونروا – UNRWA) الذين إستهدفتهم أيضا إسرائيل بدعاوى و تهم مصطنعة بكونها جبهة تابعة لحماس . و عند نقطة معيّنة قطعت إسرائيل و الولايات المتّحدة معظم التمويل العالمي للأونروا ، و إفتراضيّا عرقلتها لفترة من الزمن . و الآن تتجرّأ إسرائيل على قول إنّ المشكل يكمن فى الأمم المتّحدة !
بإختصار : إسرائيل و الولايات المتّحدة يستخدمان عمدا التجويع كسلاح حربيّ – و يستهدفان أولئك الذين يسعون إلى منع حصول مجاعة !
و الولايات المتّحدة بينما تزعم أنّها كانت " تدفع " إسرائيل إلى القيام بما هو أفضل ، خرجت علينا تاليا بروايتها الخاصة للتغطية على إسرائيل . و ناطق رسميّ باسم قسم دولة الولايات المتّحدة إدّعى أنّ " لم يكن النقص في المساعدات و إنّما هو إنهيار القانون و النظام اللذان جعلا دخول المساعدات أمرا عسيرا ".
صحيح أنّ بعض شاحنات المساعدات التي تدخل إلى غزّة تنهبها مجموعات إجراميّة ، أو أناس جائعون ، قبل أن تتمكّن من بلوغ أهدافها . لكن إلى درجة أنّ هذا مشكل ، إنّه نتاج عرضيّ لما قامت به إسرائيل . أوّلا ، إذا قمت بتجويع مئات آلاف الناس تضمن هذا النوع من النهب . ثانيا ، قد إستهدفت إسرائيل إستهدافا منهجيّا و حطّمت التنظيم المدني و الحكومي في غزّة ، لذا ليس هناك عمليّا أيّ نوع من القوّة التي يمكن أن تحمي المساعدات ـ سوى القوّات المسلّحة الإسرائيليّة التي قد نفّذت مجازرا متكرّرة عندما كان الناس يجتمعون للحصول على المساعدات .
ردّ الولايات المتّحدة / إسرائيل على تهديد المجاعة – بتصعيد الهجمات العسكريّة ... و المزيد من الأكاذيب :
إزاء هذا الوضع المريع و الصلة الواضحة بين العمل العسكريّ الإسرائيليّ و التجويع على نطاق واسع ، تشدّد إسرائيل مذابحها الإباديّة الجماعيّة بما في ذلك ضد مخيّمات اللاجئين و ما يسمّى بالمناطق " الآمنة " . و منذ صدور تقرير الIPC في 25 جوان :
+ في 28 جوان ، قتل هجوم إسرائيلي على المواسى ما لا يقلّ عن 11 فلسطينيّا و فلسطينيّة و جرح 40 . و قد حدّدت إسرائيل المواسي على أنّها مكان آمن توجّه إليها الناس عندما هاجمت إسرائيل رفح .
+ و اليوم ذاته ، مدافع إسرائيل قصفت أنحاء من رفح مجبرة آلاف المهجّرين هناك على مغادرة خيم مخيّماتهم و التوجّه إلى الشمال نحو خان يونس . و قبل بضعة أشهر فقط ، عديد هؤلاء الناس عينهم قد أجبروا على مغادرة خان يونس و أُمروا بالتوجّه إلى رفح !
+ في 27 جوان ، القنابل و القذائف المدفعيّة و إطلاق النار من المسيّرات تساقطت كالمطر على حي الشجاعيّة في مدينة غزّة في الشمال . و ما لا يقلّ عن 15 إنسانا قُتلوا و جُرح العشرات . و أجبرت إسرائيل 60 إلى 80 ألف فلسطيني و فلسطينيّة على مغادرة الشجاعيّة و أنحاء أخرى من مدينة غزّة ، وقتها لتوجّههم إلى جنوب غزّة . و لمّا أضحى الجنوب أيضا عُرضة للهجوم ، عديد سكّان مدينة غزّة السابقين عادوا أدراجهم إلى منازلهم التى وقع تخريبها ، فقط ليضطرّوا إلى المغادرة مجدّدا .
إجابة الولايات المتّحدة على ارتفاع نسبة الوفايات في صفوف الفلسطينيّين في غزّة ليست إتّخاذ أيّة إجراءات لإيقاف ذلك، بل منع إصدار قرارات لعدد القتلى ! و قد أصدر البيت الأبيض أمرا في الأسبوع الماضي يمنع قسم الدولة من ذكر الأعداد الرسميّة لوزارة الصحّة الفلسطينيّة في غزّة بشأن عدد القتلى . و يجب أن يمرّر هذا إلى الكنغرس ليُصوّت عليه ، لكن إن وقع إقراره سيكون شكلا رسميّا من إنكار الإبادة الجماعيّة . وزراة الصحّة بغزّة هي المصدر الرسميّ الوحيد الذى يُحصى عدد القتلى في غزّة ، و قد أكّدت أسماء معظم الناس المقتولين – حتّى و هي تعترف ، كما وقع تأكيد ذلك سابقا ، بأنّ هذا يُرجّح أن يكون بشكل جدّي عددا أقلّ من العدد الفعلي للقتلى .
و رغم الدندنة المستقرّة في وسائل الإعلام حول " خلافات " الولايات المتّحدة مع المذابح الإباديّة الجماعيّة التي يقترفها نتنياهو في حقّ الشعب الفلسطيني ، الواقع هو أنّ الولايات المتّحدة ، بكافة الطرق الهامة ، تواصل دعمها التام لإسرائيل – دبلوماسيّا و إقتصاديّا و عسكريّا .
لماتذا بايدن و أساسا الولايات المتّحدة ككلّ مصمّمون أيّما تصميم على دعمهم لإسرائيل ؟
و مثلما شرح ذلك القائد الثوري بوب أفاكيان في رسالته على وسائل التواصل الاجتماعي ، الثورة عدد 7 :
" لا يعزى ذلك إلى" قوّة اللوبي اليهوديّ " - أو لفهم سخيف و فاحش بأنّ " اليهود يتحكّمون في كلّ شيء " . و إنّما يُعزى إلى كون إسرائيل تنهض ب " دور خاص " كقلعة مدجّجة بالسلاح لدعم إمبرياليّة الولايات المتّحدة في جزء إستراتيجيّا هام من العالم ( " الشرق الأوسط " ). و قد كانت إسرائيل قوّة مفتاح في إقتراف الفظائع التي ساعدت على الحفاظ على الحكم الإضطهادي للإمبرياليّة الأمريكيّة في عديد أنحاء العالم ...
إنّه النظام ! نظام الرأسماليّة – الإمبرياليّة الذى يخدمه بايدن . النظام الذى عليه أن يخدمه . النظام الذى على أيّ شخص و كلّ شخص أن يخدمه إذا أراد أن يحظى بوظيفة ، و خاصة " الوظائف السامية " ، مثل وظيفة الرئيس ، ضمن هذا النظام. لهذا يقوم بايدن بما يقوم به – ما يقوم به هؤلاء السياسيّيون – فوق و أبعد من مصالحهم الخاصة الضيّقة .
إنّه النظام ! هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يجسّد و يفرض تفوّق البيض و التفوّق الذكوري البطرياركي و إضطهاد عنيف آخر – هذا النظام الذى يقوم على إستغلال قاسى يسرق حياة الجماهير الشعبيّة في هذه البلاد و تماما حياة مليارات البشر عبر العالم ، بمن فيهم 150 مليون طفل – كلّ هذا يُفرض بعنف و تدمير شديدين على الشعوب و البيئة بما يمثّل تهديدا حقيقيّا جدّا لمستقبل الإنسانيّة و وجودها .
و هذا النظام هو الذى يحتاج إلى أن نطيح به في أقرب وقت ممكن بواسطة ثورة فعليّة . "
هوامش المقال :
1- أنظروا سيمور هيرش ، " عدد الجثث المشكوك فيه " 26 جوان 2024 ، حول لماذا " نسبة الوفايات في غزّة أعلى بكثير من تلك التي تقال لنا " . و يذكر هيرش أخصّائيّا في الصحّة العامة وهو يُعلن : " لا يمكن أن يوجد عدد جثث واضح و محدّد بإعتبار تواصل القصف الإسرائيلي بالقنابل " . و ليست هناك " حماية مدنيّة . و لا آليّات مقاومة النيران . لا ماء . و لا مكان يقع اللجوء إليه . لا مستشفيات . لا كهرباء . يعيش الناس في خيام و الجثث مكدّسة في كلّ مكان ...تنهشها الكلاب السائبة ..." و يتساءل هيرش ، كيف يمكن الحصول على أعداد دقيقة في ظلّ هذه الظروف ، خاصة عندما يكون المسؤولون عن حساب عدد القتلى و الجرحى " أموات هم أنفسهم " ؟ و يلاحظ هيرش أيضا أنّه حسب منظّمة " أنقذوا الأطفال " ، منظّمة عالميّة لحماية الأطفال ، يمكن أن يوجد عدد يبلغ 21 ألف طفل " عالقين تحت الأنقاض " ، " دُفنوا في قبور غير معلومة . " أو " أضاعتهم أسرهم " .
2 - أنظروا تقرير نتائج بحوث الIPC " Special Snapshot " .