من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - ماهي الشيوعية - فريديريك إنجلس
عبدالرحيم قروي
2024 / 7 / 5 - 02:47
ما هي الشيوعية؟
فريدريك انجلز
أوكتوبر – نوفمبر 1847
ما هي الشيوعية؟
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.
2. ما هي البروليتاريا؟
البروليتاريا هي الطبقة التي –من بين كل طبقات المجتمع– تعيش كليا من بيع عملها فقط، لا من أرباح أي نوع من أنواع رأس المال. و لا تتوقف معيشتها بل وجودها ذاته، على مدى حاجة المجتمع إلى عملها، أي أنها رهينة فترات الأزمة و الازدهار الصناعي و تقلبات المنافسة الجامحة. بإيجاز إن البروليتاريا هي الطبقة الكادحة لعصرنا الراهن.
3. هل وجدت البروليتاريا منذ القدم؟
كلا. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء و العمال الذين يعيشون في ظروف كالتي أشرنا إليها سابقا –أي البروليتاري– فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم تكن المنافسة حرة و بلا أي حدود.
4. كيف ظهرت البروليتاريا؟
لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع البلدان المتحضرة في العالم.
كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية و مختلف أنواع آلات الغزل و الأنوال الآلية و عددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية الأخرى، التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين، مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق و إلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل و أرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين بأنوالهم اليدوية و أدواتهم البدائية.
و هذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين و إلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال، أدوات عمل...) كل ما لها قيمة، مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين فقد العمال كل شيء.
و لقد أدخل نظام المانيفاكتورة –أول الأمر– في صناعة النسيج و الملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر الفروع الصناعية كالطباعة و صناعة الخزف و المعادن و أصبح العمل مقسما أكثر فأكثر بين مختلف فئات العمال، بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. و قد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو أسرع و بالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة و مكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.
و سرعان ما سيطرت المكننة و الصناعة الكبيرة على جميع فروع الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل و النسيج و هكذا وقعت كل الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين و فقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي كانوا يتمتعون به سابقا. و زيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة، إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة المنتجين الصغار المستقلين و ذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل و إمكانية تقسيم العمل أوفر. و هذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة الحرفية الوسطى و التغيير الشامل في وضعية العمال و نشوء طبقتين جديدتين سرعان ما انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا و هي:
– طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان المتحضرة ملكية وسائل العيش و المواد الأولية و أدوات العمل (الآلات و المصانع) اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.
– طبقة الذين لا يملكون شيئا و المضطرين إلى بيع عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة البروليتاريا أو البروليتارييون.
5. ما هي الظروف التي يبيع فيها البروليتارييون عملهم للبرجوازية؟
إن العمل سلعة كغيرها من السلع و بالتالي يتحدد سعرها على أساس نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. و في ظل سيادة الصناعة الكبرى أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما –دائم– ما يعادل كلفة إنتاجها. و بالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل العامل قادرا على استئناف و مواصلة عمله و لإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك الغاية. و هكذا يكون سعر العمل –أو الأجر– هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل على قيد الحياة. و بما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة و تزدهر تارة أخرى فإن العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال، تماما مثلما يتقاضى الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.
و هكذا، كما يتقاضى الرأسمالي –إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و كساده– ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر و لا أقل، فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. و مع تغلغل التصنيع الكبير في جميع فروع الإنتاج، يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.
6. ما هي الطبقات الكادحة التي وجدت قبل الثورة الصناعية؟
عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف و احتلت مواقع متباينة في مواجهة الطبقات المالكة و المسيطرة و ذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. و قديما كان الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة و حتى في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. و في القرون الوسطى كان الكادحون هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر و بولونيا و روسيا. و عرفت المدن طوال القرون الوسطى و حتى قيام الثورة الصناعية ما يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. و مع تطور المانيفاكتورة، برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى كبار الرأسماليين.
7. بما يتميز البروليتاري عن العبد؟
في حين يُباع العبد دفعة واحدة، يتعين على البروليتاري أن يبيع نفسه كل يوم، بل كل ساعة. و العبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة و حقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. و هكذا لا يكون وجود الطبقة العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي المنافسة، يوجد البروليتاري في صميمها. و هو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. و بينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء، لا كعضو في المجتمع المدني، يُعتبر العامل كائنا بشريا و عضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع و يجد نفسه بالتالي في منزلة أرقى بكثير من منزلة العبد.
و يتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا و هي العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه عام.
8. بماذا يتميز البروليتاري عن القن؟
يتمتع القن بأدوات إنتاج و قطعة أرض صغيرة مقابل تسليم "سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر و لحساب نفس ذلك الشخص و مقابل حصة معينة من الإنتاج. فالقن يعطي و البروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة، في حين ليس للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة، أما البروليتاري فإنه يقع في صميمها. و يمكن للقن أن يتحرر:
–إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي.
ــ إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول و العمل المطالب بهما متحولا بذلك إلى
زارعحر.
– أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك إقطاعي.
و بإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة و منخرطا في دائرة المنافسة، في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على المنافسة ذاتها و الملكية الخاصة و جميع الفوارق الطبقية.
9. بماذا يتميز البروليتاري عن الحرفي؟
في الورشات الحرفية القديمة، لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته و يأكل على مائدته. أما العلاقة الوحيدة بين البروليتاري و الرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه و يشاركه عاداته و تقاليده، بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية. إنه يعيش في بيئة أخرى و يتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي و تختلف مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك، أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من آلة ليست ملكا له و يستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم الأحيان و تلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه البضاعة، أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو جهاز، أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء، و تأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. و غالبا ما تكون الآلة –على كل حال– أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.
الحرفي –تماما مثل معلمه– محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر القيود الحرفية و الأعراف السائدة، بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي –مثله مثل معلمه– كائن محدود، ضيق الأفق، خاضع للعصبية الفئوية و عدو لكل ما هو جديد، بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته و مصالح الطبقة الرأسمالية. عند العامل، يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي –في نهاية الأمر– محافظ و رجعي حتى عندما يتمرد بينما العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون هو بروز نظام المانفكتورة، الذي يتمثل في إخضاع الحرفة –بما فيها المعلم و الصانع– لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري و رأس مال صناعي.
10. بماذا يتميز العامل عن عامل المانيفاكتورة؟
كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات عمله: نول الحياكة و مغزله العائلي و حقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. و يعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا في الريف و يرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل، بينما يعيش العامل في المدن الكبرى و لا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. و تقوم الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.
11. ما هي النتائج المباشرة لقيام الثورة الصناعية و لانقسام المجتمع إلى برجوازيين و بروليتاريين؟
أولا: لقد تم القضاء نهائيا على نظام المانيفاكتورة القديم و على التصنيع المعتمد على العمل اليدوي بسبب انخفاض ثمن المنتوجات الصناعية في جميع البلدان الناتج عن إدخال المكننة. كما انتزعت بعنف من عزلتها جميع البلدان شبه الهمجية حيث كان التصنيع مرتكزا على نظام المانيفاكتورة بعد أن ظلت حتى ذلك الحين على هامش التطور التاريخي، و راحت تشتري البضائع الإنجليزية الأرخص ثمنا تاركة بذلك عمّال المانيفاكتورات المحليين يموتون جوعا. و هكذا عرفت عدة بلدان لم تحقق أي تقدم منذ قرون، تحولات شاملة مثلما هو الشأن بالنسبة للهند. حتى أن الصين نفسها توجد الآن على عتبة تحول ثوري شامل.
و هكذا يؤدي اختراع آلة جديدة في إنجلترا بملايين العمال الصينيين إلى حافة المجاعة في غضون بضع سنوات. و بهذه الطريقة، ربطت الصناعة الكبرى جميع شعوب الأرض فيما بينها و حوّلت الأسواق المحلية إلى سوق عالمية واسعة و مهدت السبيل في كل مكان للتقدم و الحضارة بحيث أصبح لكل ما يحدث في البلدان المتحضرة انعكاسات حتمية على جميع البلدان. فإذا تحرر العمّال في إنجلترا أو فرنسا فإن ذلك سوف يجر بالضرورة إلى اندلاع ثورات تؤدي إن آجلا أو عاجلا إلى تحرير العمال في البلدان الأخرى.
يتبع