الغيب مسرح أفكار العقائد السياسية
طلعت خيري
2024 / 6 / 30 - 09:28
الغيب هو كل ما غاب عن وعي الإنسان وعلمه وإدراكه ، كالماضي وأقطار السماوات ، وغيب الماديات الأرضية ، والعقائد الدينية السياسية التي تتعامل مع أيديولوجيا جيوثقافية معينة ، لها ارتباط تاريخي وديني وعقائدي مع المقدسات التي هي مسرح الثقافة السياسية عالميا ، فالخطاب السياسي بكل أنواعه ، ظاهره شيء وباطنه شيء أخر ، فالغيب ذلك المجال الواسع الفسيح الذي يساهم في أنتاج الأفكار الفلسفية الميثولوجية، والاعتقادية كالظنية والوثنية ، والتاريخية كالدين السياسي ، فمهما حول الإنسان تغطية تلك الأفكار ضمن تقنية معلومات واسعة لا يمكن احتوائها ، مهما بلغة قدرة الذاكرة الاستيعابية ،لان الشياطين مسرح متجدد في إنتاج الأفكار الغيبية ذات المصالح السياسية والاقتصادية ، ولكي يلغي التنزيل الأفكار الغيبية الواسعة ، للتخلص من حالة الهدر الفكري لأفكار لا يستفد منها الفرد دنيويا ولا أخرويا ، نفى علمية الغيب لأي مخلوق ، ناسبا له كل ما غاب في السماوات والأرض قائلا ، ان الله عالم غيب السماوات والأرض انه عليم بذات الصدور، ذات الصدور هي ابعد نقطه في جوف الإنسان لا تغيب عن علم الله ، ذات الصدور هو مسرح العقائد السياسية الطائفية ، المعشعشة في قلوب شياطين الدين السياسي والميثولوجيا الذين يحاولون تفعيلها واقعيا بأفكارهم المسمومة ، بخطاب سياسي يبعد الشك عن المصالح السياسية والاقتصادية ، المتحققة من وراء اللاوعي والجهل المقدس
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{38}
لكي يطلع التنزيل أهل الكتاب على حالة الانشقاق المجتمعي التاريخي، الذي مر به الحواريين أتباع عيسى ابن مريم ، نقل لهم واقع حال القرن الثالث الميلادي قائلا ، ثم أورثنا الكتاب ، كتاب الإنجيل ، الذين اصطفينا اخترنا من عبادنا ، مقسما العباد الى ، فمنهم ظالم لنفسه شياطين الدين السياسي، ومنهم مقتصد ، اقتصد من الإنجيل الأمور البسيطة ، ومنهم سابق للخيرات بإذن الله ، متمسك بالإنجيل كليا ، ذلك هو الفضل الكبير ، نقلت الأجيال حالات الانشقاق التاريخي الى القرن السادس الميلادي ، كل حسب توجهاته واعتقاده ، وعلى الخلائف أعاد التنزيل الثقافة التوراتية والإنجيلية على أصولها من جديد ، على أمل أحياء العقيدة الإنجيلية ، تاركا للفرد حرية الاعتقاد قائلا ، هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ، جيل يخلف جيل ، فمن كفر فعليه كفره ، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ، ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارة
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً{39}
بعض مكملات الحياة التي يعجز الفرد عن تحقيقها ، كالزواج والحمل والرزق وغياب النصيب والسعادة والمال ، فيضطر الى الاستعانة بالدعاء والتوسل بشركاء الله ، فالشعوب الميثولوجية سواء ان كانت وثنية أو دين سياسي تستعين بشركاء الله ، كالملائكة والصالحين والأنبياء والأولياء لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه ، ولكي يقلب الله خرافات المعتقد الميثولوجي، لصالح الوعي البشري قال ، قل لهم يا محمد ، ارايتم وهنا رؤية واقعية مادية ، ارايتم شركاءكم مع الله الذين تدعون من دونه ، اروني ماذا خلقوا من الأرض ، أم لهم شرك ، أي شراكة في السماوات، شراكة السماوات تعني تقاسم الظواهر الطبيعة والمسخرات السماوية ، أم أتيناهم كتابا ، انزل الله عليهم كتاب ، فهم على بينة منه على دليل من الله ، بأنه اتخذ شريك معه ، بل ان يعد الظالمون، الظالمون منظري الميثولوجيا والدين السياسي بعضهم بعض إلا غرورا ، مجرد وعود كاذبة على المغرر بهم سياسيا
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً{40}
من الأفكار الميثولوجية الغيبية البعيدة عن الوجود المادي ، والتي سيطر عليها الدين السياسي لأهل الكتاب ، لاستغلال الوعي البشري ، ادعائه ان الملائكة تمسك السماوات والأرض من الزوال والانهيار ، فهذه الفوبيا الغيبية لها تأثير على حياة الفرد ، وخاصة فيما يتعلق بالأمن الاقتصادي والأمن الغذائي كالنشاط الزراعي ، مما يضطر الى تقديم النذور والقربان والهدايا والأطعمة للمعابد ، ولكي يقلب الله خرافات الميثولوجيا لصالح الوعي البشري ، طرح التنزيل فرضية الزوال قائلا، ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا ، نفرض زلالنا ، ولئن زالتا ، ان امسكهما من احد ، فهل يمسكهما احد من بعده ، انه كان حليما غفور
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً{41}
قلب الدين السياسي لأهل الكتاب مفاهيم التوراة والإنجيل لصالحه سياسيا ، مستحدثا ميثولوجيا الملائكة ، معطيا لها دورا في خلق السماوات والأرض ، وتحت اسمها ، أطلقت الحريات الشخصية الرغبوية دون قيود ، لاغيا التهديد والوعيد الأخروي ، ورغم الانشقاق العقائدي التاريخي لكتاب الإنجيل ، إلا ان الله ابقى ثلة من المؤمنين ، تدعو الى الإيمان بالله واليوم الأخر ، فكلما وعدوا أتباع الدين السياسي بظهور رسول جديد ، اقسموا لهم بالله على إتباعه ليكونوا أهدى من أية امة ، بمعنى هم على علم بمخالفتهم لقول الحق ، وينتظرون رسول جديد لتغير سلوكهم المخالف لكتاب الإنجيل ، عموم جمهور الدين السياسي سواء ان كان كتابي أو إسلامي يعلم علم اليقين بمخالفته للكتب المنزلة ، والسبب لان المصالح السياسية والاقتصادية للطائفية فوق كل شيء ، من أسباب غياب ثقافة الكتب المنزلة استحداث البديل العقائدي، كأقوال الرسل المحرفة المنسوبة الى شخصيات سلفية تاريخية تعود الى نفس الفترة ، ولما بعث الله محمد لدعوة الدين السياسي لأهل الكتاب ، رفض الذين اقسموا من قبل بإتباع الرسول جديد ، واقسموا بالله جهد إيمانهم ، بكل ما لديهم من قسم ، لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ، فلما جاءهم نذير محمد ، ما زادهم إلا نفورا
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً{42}
لما علم الدين السياسي لأهل الكتاب ، ان مصالحه السياسية والاقتصادية المترابطة بميثولوجيا الملائكة ، ستنتهي بالإيمان بالله واليوم الأخر، نقض عهده وقسمه بالله ، مكذبا التوراة والإنجيل والقران ، فاعرض وستكبر عن الحق بكل ما لدية من وسائل الاستكبار ، قال الله ، استكبارا في الأرض ومكر السيئ ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهلة ، اطلع التنزيل الدين السياسي للأهل الكتاب على المصير المخزي للأمم السابقة قائلا ، فهل ينظرون ، ينظرون النظر الى ما هو منتظر، فإذا ما وقع المنتظر ، فلا ينظر بهلاكهم الى وقت آخر ، إلا سنت الأولين هلاك الأولين ، فلن تجد لسنت الله تبديلا ، ولن تجد لسنت الله تحويلا
اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً{43}
القوى العظمى التي ظهرت على وجه الأرض قبل التاريخ ، كانت قوى ذات قطب واحدة دون منافس لها ، لهذا كانت تحمل جميع معاني القوة والتسلط والبطش، فعندما يُّذكر الله الأمم اللاحقة بالمصير المخزي للقوى السابقة ، يقول أنهم كانوا اشد منهم قوة ، وهذا من باب مقارنة القوى عبر التاريخ ، ولكي ينبه الله القوى المعارضة للكتب المنزلة بأنهم الأضعف مقارنة مع القوى السابقة ، ضرب لهم مثلا على أمم من قبلهم ، فكلما اتسعت المجتمعات تبددت القوى ، ورغم التقدم الاقتصادي والعسكري للدول العظمى في العصر الحديث ، إلا أنها هي الأضعف بسبب التغير السريع في موازين القوى عبر الأقطاب والتحالفات وتعدد المحور ، فما عادت أسلحة الدمار الشامل تقتصر على دولة واحدة ، إنما على دول متعددة ، فكلما ازداد سباق التسلح عالميا ، كلما تبددت القوى العظمى عسكريا ، ورغم وجود قوى عظمى في المنطقة العربية في القرن السادس الميلادي ، كالإمبراطورية الرومانية والفارسية وتحزب الميثولوجيا المكية والدين السياسي لأهل الكتاب ، لأنهم هم الأضعف مقارنة مع الأمم السابقة ، لهذا لفت الله انتباه الدين السياسي لأهل الكتاب الى الدمار الذي حل بقوى عظمى كانت اشد منهم قوة قائلا ، أولم يسيروا في الأرض ، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ، وكانوا اشد منهم قوة ، وما كان الله ليعجزه من شيء ، في السماوات ولا في الأرض، انه كان عليما قديرا
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً{44}
أنهى الله آلية التعامل بالدليل المادي مع نهاية أخر القوى العظمى ذات القطب الواحدة ، التي أهلكت بالرياح القطبية ، فأصبحت الكوارث الطبيعية ، مثل أخروي للأمم اللاحقة ، مع بقاء مخاطرها على قيد التنفيذ ، ان لم تأخذها الشعوب جديتها بالحسبان، وبعد ظهور الكتابة وازدياد الكثافة السكانية للمجتمعات ، ظهرت آلية جديدة للعقاب الدنيوي ، كالانهيار الاقتصادي والحروب الطائفية وصراع الإمبراطوريات ، ونظرا لما واجهه الرسل من تعدد الديانات داخل المجتمع الواحد ، سواء ان كانت سياسية أو ميثولوجية ، بات من الصعب الفصل ما بين المؤمنين والمكذبين ، أو الفتك بهم كليا ، واخذ البريء بجريرة المجرم ، لذا ترك الله العباد الى يوم الحساب يوم القيامة قائلا ، ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ، والكسب أنواع ، الكسب الجسدي بالملذات ، والكسب المالي ، بالطرق الرأسمالية الملتوية ، والكسب الديني باستغفال الشعوب للكسب السياسي ، ما ترك على ظهرها ، أي على ظهر الأرض ، من دابة ، ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى ، يوم الحساب ، فإذا جاء اجلهم ، أي اجل الذين لم يؤمنوا به ، فان الله كان بعبادة بصيرا
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً{45}