صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية بالاكوادور


مرتضى العبيدي
2024 / 6 / 29 - 02:52     

الفصل الأول

إحياء ذكرى ميلاد الحزب ونضاله

يحيي مناضلات ومناضلو الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني بالإكوادور الذكرى الستين لتأسيس حزبهم والتي ستمتد على كامل السنة عبر أنشطة مختلفة منها السياسي والاجتماعي والثقافي، ومن بينها التعريف بصفحات من تاريخ الحزب تتولى صحيفته المركزية "الى الأمام" نشرها بشكل دوري، بمعل مقالين في الشهر. وتعميما للفائدة وتعريفا بهذه التجربة الرائدة، ارتأينا نقل وقائعها الى المهتمين من القراء العرب عبر موقع الحوار المتمدن.
المترجم

خلال كامل عام 2024، سيحتفل حزبنا بالذكرى الستين لتأسيسه، ستون سنة أكد فيها ثباته في قناعاته الثورية، والتزامه تجاه قضية الطبقة العاملة، وعمله الدؤوب لتنظيم الطبقات الكادحة في المدن والأرياف من أجل تحقيق وتوسيع حقوقها السياسية، من خلال دمج القطاعات الأكثر تضرراً من الفقر مثل النساء والشباب والشعب في النضال. لقد حقق حزبنا، خلال 60 عامًا من حياته، جدارته في أن يصبح الطليعة السياسية الثورية للطبقة العاملة.
في عام 1964، وُلد الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني في الإكوادور، من خلال أحلام مجموعة من الثوريين الذين فهموا الضرورة التاريخية لوجود منظمة سياسية ماركسية لينينية تسعى لأن تصبح الطليعة السياسية الثورية للطبقة العاملة في الاكوادور. فانعقد المؤتمر التأسيسي في الأول من أغسطس/أوت من نفس العام. وحدّد هدفه كالآتي: تحمل مسؤولية العمل من أجل انتصار الثورة والاشتراكية في بلادنا.
لم يلعب حزبنا، منذ تأسيسه، دورًا مهمًا في الحياة السياسية للبلاد فحسب، بل فتح أيضًا الطريق من خلال المبادرات السياسية التاريخية، مع "الحركة الشعبية الديمقراطية" في البداية، واليوم مع "الوحدة الشعبية" من أجل تطوير النضال الشعبي بتشريك أوسع الجماهير في النضال من أجل مطالبها. خلال هذه السنوات الستين، أنجز الحزب إحدى مهامّه المتمثلة في العمل على كشف مصالح البرجوازية المحلية والأجنبية، والعمل على إنهاء اضطهاد الطبقات المستغلة وتحرير شعبنا، وتدمير النظام الرأسمالي وإقامة مجتمع أكثر عدلا.
هذا العام 2024، لا تزال الإكوادور تواجه أزمة سياسية واجتماعية غير مسبوقة، مع معدلات مرتفعة لانعدام الأمن والفساد في جميع المجالات، مع عجز الحكومة النيوليبرالية عن توفير حلول لهذه المشاكل، بل إنها لم تتخذ فعليا إلا تدابير لحماية مجموعتها الاقتصادية من خلال تدابير عاجلة، ومشاريع اقتصادية. في هذا السياق، لدينا التزام بتنظيم النضال ضد الحكومة النيوليبرالية التي يمثلها "نوبوا"، لكشف طبيعتها والإبقاء على التعبئة مستمرة للمطالبة، في مجالات نشاطنا، بتطلعات العمال. ستشكّل هذه الواجهة جزءًا مهمًا من العمل الذي يتعين علينا القيام به هذا العام.
ومن المهم تعزيز أواصر الوحدة مع المنظمات الاجتماعية والسياسية لليسار الثوري، وتعميق عملنا في النقابات، مع العمال الزراعيين والشباب والنساء. لنجعل هذا العام واحدًا من أكثر الأعوام غزارة بفضل مشاركة جميع مناضلينا في كل الفعاليات التي يحتاجها شعبنا.
إن الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس حزبنا، والذي سيستمر طوال العام، يجب أن يكون فرصة للقيام بعمل أعمق وأوسع لنشر سياستنا، لتعزيز مجالات العمل التي نتواجد فيها نحن الشيوعيين. يجب علينا أن ننشر بقوة أكبر خطنا السياسي وبرنامجنا الثوري وأهدافنا في القطاعات التي لدينا نفوذ فيها، مع توسيع نطاق عملنا بين المنظمات المحلية. وهكذا، فإننا سوف ننجز مهمة مواصلة العمل من أجل تحقيق الثورة الاشتراكية.

الفصل الثاني

لقد ولدنا في خضمّ النضال ضدّ التحريفية (الجزء الأول)

لفهم الظروف التي ولد فيها حزبنا، من الضروري فهم الأحداث التي وقعت داخل الحزب الشيوعي الإكوادوري السابق، وتأثير نضال الثوريين بالإكوادور ضد التحريفيين الخروشوفيين الذين استولوا على السلطة في الاتحاد السوفييتي.
في الإكوادور، لم تظهر المعركة ضد التحريفية والدفاع عن الأفكار الثورية بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي. إذ قامت قيادة الحزب الشيوعي السابق (PCE)، برئاسة "بيدرو سعد"، في الأربعينيات من القرن العشرين، بنشر أفكار الأمين العام للحزب الشيوعي الأمريكي، "إيرل براودر" (Earl Browder)، الذي اقترح إعطاء الأولوية قبل كل شيء للنضال من أجل السلام؛ ومنح ثقة مطلقة في الإمبريالية الأمريكية التي "تَوَافق" معها في النضال ضد الفاشية. لذلك، كان علينا التقليل من الصراع الطبقي الداخلي في كل بلد؛ ومنح الثقة في النظام الاقتصادي الأمريكي لحل مشاكل الجماهير والتقدم شيئا فشيئا نحو ثورة سلمية وبطيئة؛ ومعارضة اندلاع الصراعات الطبقية. وأخيراً صهر الحزب الشيوعي في الجبهات الوطنية والمنظمات الاجتماعية التي يتقاطع معها.
وقد أثرت هذه الأفكار على سياسة التعاون مع البرجوازية التي طورها الحزب الشيوعي الإكوادوري خلال أحداث "جلوريوسا" (Gloriosa) في عام 1944، والتي انتهت بقبول نقل السلطة إلى "فيلاسكو إيبارا" والمشاركة في الحكومة البرجوازية الجديدة.
إن هزيمة الحركة الشعبية في 28 مايو 1944، وكذلك السياسة التعاونية التي روجت لها قيادة الحزب الشيوعي الاكوادوري السابق، تعني أنه على الرغم من المشاكل الخطيرة التي واجهها العمال والشعب، في الفترة من 1946 إلى 1959، لم تتمكن الحركة الثورية من التطور. على الرغم من أن الظروف كانت مهيأة لتحقيق قفزة إلى الأمام في النضال ما قبل الثورة، إلا أن سياسة المصالحة منعت تطور المنظمات الاجتماعية من التقدم، ولم يمكن دمج النضالات المعزولة التي كانت تجري في العديد من مقاطعات البلاد في أعمال وطنية كبرى.
اهتمت القيادة الانتهازية بقيادة سعد بالمشاركة في الانتخابات وليس بالقيام بالثورة، وبذلت كل ما في وسعها لضمان ترسيخ ممارسة انتهازية، من خلال خداع الجماهير، أدت إلى أن يصبح بيدرو سعد عضوا وظيفيا في مجلس الشيوخ. ومن البرلمان، بدلا من تحويل الموقع إلى سلاح لصالح العمال، أصبح مركزا للتسوية والتوافق مع البرجوازية. وقد أدت السياسة التي روجت لها القطاعات الثورية داخل الحزب الشيوعي القديم إلى تضييق الخناق على سعد ودفعه إلى الرفض العلني للأطروحات "البرودرية" التي كان يدافع عنها بشدة.
أدى انتصار "الثورة الكوبية" إلى تعميق الجدل داخل الحزب الشيوعي الإكوادوري القديم بين المواقف الثورية والتحريفية. وعلى الرغم من أن قيادة سعد دعمت في البداية تشكيل الاتحاد الثوري للشباب الإكوادوري (URJE)، إلا أنها انتهت إلى إدانة ومهاجمة جميع القادة أو المناضلين الذين يدافعون عن الكفاح المسلح كطريق للثورة، وفقا لأطروحات الخرشوفية.
أدت المواقف التحريفية لسعد وزمرته بين عامي 1962 و1963 إلى أزمة كبيرة داخل التنظيم، مما دفع الغالبية العظمى من المناضلين إلى التنصل من القيادة الوطنية الانتهازية بقيادة سعد. واتجه الصراع بين الشيوعيين والتحريفيين نحو القطيعة.

الفصل الثالث

لقد ولدنا في خضمّ النضال ضدّ التحريفية (الجزء الثاني)

كما أشرنا في المقال السابق، بينما واجه الثوريون الإكوادوريون زمرة بيدرو سعد التحريفية؛ ففي قيادة الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي، هاجم نيكيتا خروتشوف القيادة ومن هناك بدأت عملية التراجع نحو الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي، والتي انتهت بتفككه عام 1991.
أدى التحول الذي حدث في هذا البلد بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي إلى انقسام في المعسكر الاشتراكي وفي الحركة الشيوعية العالمية بشكل عام. وقد وجهت هذه الخيانة ضربة قوية للثورة البروليتارية على المستوى العالمي، وكان لها تأثيرها على كافة الأحزاب الشيوعية والعمالية. وكانت النتيجة الانقسام بين الشيوعيين والتحريفيين، بين الثوريين وأعداء الثورة. وفي بلادنا، كان لهذا الانقسام خصائصه، ويمكن تلخيصها فيما يلي: القيام بالثورة أو عدم القيام بها. توقف التحريفيون، تحت ضغط الإمبريالية، عن النظر في هدف الثورة البروليتارية، مما دفعهم إلى دعم الحكومات البرجوازية مثل حكومة كليمنتي يروفي وكارلوس خوليو أروسيمينا. كما دعموا حكومة كارلوس خوليو أروسيمينا مونروي، بالإضافة إلى ترويج الفرضية القائلة بأنه من الممكن الوصول إلى السلطة في الإكوادور من خلال الانتخابات.
الموقف من الإمبريالية.
وتظاهرت هذه الزمرة من الانتهازيين باحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، ودعمت الاستسلام للإمبريالية الأمريكية الذي رسمته القيادة الخروتشوفية للاتحاد السوفييتي.
دعم التحريفية الدولية.
دعمت قيادة سعد التحريفية حكومات الخط الخروشوفي، مما أدى إلى تدمير المكاسب الاشتراكية. وبهذا المعنى، فقد دعموا التدخل في المجر وتشيكوسلوفاكيا والهجمات ضد العديد من الدول الاشتراكية آنذاك مثل الصين وألبانيا، والتي لم تنضم إلى الخط المرسوم من موسكو.
مشكلة الحرب والسلام.
لقد تخلى التحريفيون عن اعتبار الحرب سياسة بوسائل أخرى، رافضين وجود حروب عادلة للتحرير الوطني. وأصروا على استبدال تعبئة الجماهير ضد حروب الإبادة، من خلال محادثات رفيعة المستوى، بحجة "حسن النية" لإمبريالية أمريكا الشمالية، متجاهلين مصالحهم في أن يصبحوا أسياد العالم. وبهذا الوعظ السلمي، هاجم التحريفيون نضال التحرر الوطني الذي تطور في لاوس
التعايش السلمي. وكمبوديا ومصر.
ويعلم الماركسيون اللينينيون أن مفهوم "التعايش السلمي" يؤسس لمعالجة وتسوية النزاعات بين الدول بطريقة سلمية، والتي ينبغي تطويرها على أساس مبادئ السلام وعدم الاعتداء، والاحترام المتبادل والسيادة والوحدة الوطنية. وتحاول الخروتشوفيية، المدعومة من سعد وزمرته، تبرير مقاطعة النضال التحرري الوطني من خلال "التعايش السلمي". وقد تلاعبت التحريفية بهذا المفهوم، وكان يعني داخل كل بلد "التوافق الطبقي" بين البرجوازية والبروليتاريا.
الموقف من حركات التحرر الوطني.
تخلى التحريفيون عن الفرضية اللينينية القائلة بأن النضال من أجل التحرر الوطني للشعوب المستعمرة والتابعة هو جزء من النضال من أجل الاشتراكية. وبدلا من إظهار التضامن مع النضالات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، احتقرت التحريفية هذه النضالات وافترت عليها من خلال وصفها بأنها حركات مغامرة وقومية.
- التخلي عن مبدأ الصراع الطبقي.
كما نرى، تخلت التحريفية في الواقع عن مبدأ الصراع الطبقي، وحولت الأحزاب البطولية مثل الحزب الشيوعي السوفييتي أو الحزب الشيوعي الإسباني إلى مجموعات إصلاحية، مما أبعدها عن المسار الثوري.
التخلي عن المفهوم الماركسي اللينيني للدولة.
لقد تجاهل التحريفيون النظرية الماركسية اللينينية عن الدولة، واخترعوا لأغراضهم إمكانية تحقيق الاشتراكية بالوسائل السلمية، وتجاهلوا الروح الثورية للماركسية اللينينية واستبدلوها بـ "الإصلاحية ". كانت التحريفية الخروتشوفية مدعومة من قبل قادة الحزب الشيوعي السابقين. وقد روج سعد وزمرته لهذه الأفكار، مما عجل بتفكك هذه المنظمة وتم الفرز بين أعداء الثورة والثوريين، بين التحريفيين والماركسيين اللينينيين.

الفصل الرابع

المؤتمر الأول للحزب: لقد وُلدنا لننتصر

منذ عام 1959، اشتدت المواجهة بين المواقف التحريفية والمواقف الماركسية اللينينية. وهذه المواجهة، كما قلنا، تم التعبير عنها في: الاستيلاء على السلطة السياسية كمهمة حاضرة أو بعيدة؛ طريق الثورة؛ دور الفلاحين؛ دور البرجوازية. خصائص حزب الطبقة العاملة. ومن الأهمية بمكان اعتبار الثورة مهمة الأجيال الحالية، وهل سيتم ذلك من خلال الانتفاضة المسلحة الثورية أم تأجيل الاستيلاء على السلطة.
صادق المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الإكوادوري عام 1962على المسار المسلح باعتباره المسار الثوري للإكوادور. وقد تم رفض هذا القرار من قبل التحريفيين، الذين صادقوا عمليا على الأطروحة السوفييتية المتمثلة في تشكيل ائتلاف مع البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة، بهدف المشاركة في انتخابات عام 1964، وبقيت قرارات المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الاكوادوري حبرا على ورق. وفي الجلسة العامة للجنة المركزية في مارس 1963، كان على الانتهازيين قبول التأجيل في تنفيذ الخط الذي اعتمده المؤتمر. لكن العناصر الثورية للجنة، رغم كونها أقلية، تمكنت من محاصرة الزمرة التحريفية واتخذت قرارات لتطبيق مقررات المؤتمر.
في مايو 1963، قررت القيادة التحريفية للحزب القديم بطريقة استبدادية ومتعجرفة حل لجنة مقاطعة بيتشينشا، التي ناضلت لمطالبة القيادة بتنفيذ الخط الثوري الذي وافق عليه المؤتمر الوطني، فضلا عن طرد ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية.
سعى الثوريون، بطرق مختلفة، إلى الحفاظ على الوحدة داخل الحزب، ولا سيما في سبتمبر 1963، حيث تنقل وفد من لجنة بيتشينشا الإقليمية إلى غواياكيل للمشاركة في اجتماع مع الزمرة التحريفية التي مثلها "إلياس مونيوز"، الذي قال، بعد سماعه للمقترحات، إنهم "سيجيبون عليها ذات يوم".
ولمواجهة هذا الوضع، قرر القادة الرئيسيون للجان المقاطعات في بيتشينشا وغواياس، خلال اجتماع عقد في 14 ديسمبر 1963، تعيين قيادة وطنية جديدة للحزب، لإعلان المواقف السياسية الحالية والاختلافات في الرأي، وتعزيز التنظيم وفتح باب المناقشة العامة. بدأت القيادة السرية بنشر صحيفة Voz Rebelde (صوت المتمردين)، التي سعت إلى توحيد الشيوعيين حول النضال ضد الدكتاتورية.
في ظل ظروف صعبة وفي السرية، استعد الشيوعيون الماركسيون اللينينيون الإكوادوريون لإنشاء منظمة سياسية جديدة، واجتمعوا من أجل ذلك في يوليو 1964. وفي اجتماع في غواياكيل، أثناء مناقشة الوثائق التأسيسية للمنظمة، أحاط طوق من الشرطة بالمكان حيث كان عليهم، هرباً من القمع، تسلق أسطح المنازل المحيطة. عُقدت هذه الجلسة، التي تم تأجيلها لمدة 15 يومًا، يومي 1 و2 أوت/أغسطس 1964، في أبرشية باسكواليس، مقاطعة غواياس، وهو الاجتماع الذي عُرف فيما بعد باسم المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الماركسي اللينيني في الإكوادور. وتضمن ذلك مشاركة 18 شخصًا، من بينهم: هوغو سالازار، ميغيل روزيرو، ميلتون بوربانو، غوستافو كامبي، ماريو كارديناس، لويس فارغاس، خورخي رون، خورخي أريلانو؛ سيلسو فيالوس؛ سيزار مونوز؛ خوسيه باريجا؛ ألفونسو أوردونيز؛ ميسّي روبالينو إنريكي فيردوجا، بوليفار ألفاريز؛ فرانكلين بيريز؛ رافائيل اتشيفيريا وبابلو ميراندا.
وجاء في البيان التأسيسي بوضوح ما يلي: “(…) نحن، الشيوعيون الإكوادوريون، نعلن أننا نرفض التحريفية، التي سنناضل ضدها بحزم، مخلصين لـ “الماركسية اللينينية، التي سندافع عن نقائها وسنعمل بتصميم على تطبيقها العملي على الواقع الإكوادوري (...)"

الفصل الخامس

السنوات الأولى من حياة الحزب

خلال السنوات الأولى من تشكيله، أحرز حزبنا تقدما في تأكيد نفسه كمنظمة بروليتارية، هدفها النضال من أجل السلطة الشعبية والاشتراكية. لم تكن القيود التنظيمية والمادية وصعوبات التواصل عائقًا أمام العمل بين الطبقة العاملة والطلاب والفلاحين. إن الإطاحة بديكتاتورية “الكولونالات” (من 1963 إلى 1966) هي الأولوية في نضال العمال والشعوب. كان الاستبداد ومعاداة الشيوعية والحرب على الجامعات هي سمات العقيد جيجون وغاندارا وفرايل والجنرال كابريرا، الذين يشكلون المجلس العسكري. تم إغلاق الجامعات وإعادة تنظيمها، لكن طلابها ومعلميها أصبحوا قوّة ضاربة في النضال من أجل الديمقراطية، وفي خضم هذه الإجراءات عزز حزبنا مواقعه.
وكان من أهم العقبات التي كان علينا مواجهتها أعمال الاستفزاز واختراقات العدو الطبقي، وكذلك عمليات الوشاية من زمرة سعد. فاعتقلت الشرطة العديد من مؤسسي الحزب بتهمة أنهم عملاء "كوبيون" أو "صينيون". وجندت القوات القمعية ثلاثة عملاء: خورخي أريلانو وماريو كارديناس ولويس فارغاس الذين تم طردهم من المنظمة بسبب فعلهم الخياني في التآمر على الحزب ومحاولة تفكيكه، إذ قدموا وشايات بالعديد من الرفاق الذين اعتقلتهم الديكتاتورية وأرسلوا إلى سجن غارسيا مورينو.
تم اكتشاف هذا العمل وإدانته، مما أدى إلى طردهم بين عامي 1966 و1967. وفي وقت لاحق، في عام 1975، قام عميل وكالة المخابرات المركزية السابق "فيليب أجي" بتعيينهم كعملاء لحساب هذه الوكالة الإمبريالية، التي كان هدفها اختراق صفوف الثوريين وكسر التنظيم من الداخل، وقد أكد ذلك صحة القرارات التي اتخذتها قيادة الحزب قبل عدة سنوات. حدثت هذه التسللات في مختلف المنظمات اليسارية في الإكوادور، على سبيل المثال، أصبح "مانويل نارانجو تورو"، الذي عينه "فيليب أجي"، أمينًا عامًا للحزب الاشتراكي. واستمر "أوزوالدو تشيريبوغا" و"أتاهوالبا باسانتي"، وهما عميلان لوكالة المخابرات المركزية، في العمل داخل الكونفدرالية الاكوادورية للشغل.
كان التحريض والتثقيف وتنظيم الجماهير إحدى مهام المنظمة الجديدة، وطور مناضلو الحزب نشاطًا سياسيًا مكثفًا بهدف الإطاحة بالديكتاتورية. أدت هذه الإجراءات إلى ضرورة نشر "El Pueblo Revolucionario" (الشعب الثائر)، والتي سُميت فيما بعد "Espartaco" والتي أصبحت اعتبارًا من 25 أكتوبر 1966، "En Marcha" (الى الأمام)، صحيفة اللجنة المركزية للحزب، والتي أصبحت صوت الشيوعيين الماركسيين اللينينيين في الإكوادور. وفي العام نفسه، ومن أجل تعزيز الفكر الماركسي اللينيني، قررت قيادة الحزب إصدار مجلة "بوليتيكا" التي صدرت مؤخرا في عددها الثامن والثلاثين.
خلال السنوات الست الأولى من حياته، اكتسب الحزب نفوذا في الحركة النقابية، وتمكنا من كسب اتحاد عمال بيتشينشا، واتحاد عمال لوخا. بين طلاب المدارس الثانوية، رفعنا مع قوى أخرى شعار الدراسة المجانية، وشاركنا في احتلال على مقر جامعة غواياكيل في مايو 1969. وفي الجامعات، عززنا النضال من أجل استقلالية الجامعة والتسيير المشترك، وتوسيع الجامعة ولامركزيتها.
في عام 1968، تم تطوير حملة "البلترة"، التي اقترحت الترويج لحركة عظيمة لدراسة الماركسية اللينينية، والقفزة النوعية في الهيكلة التنظيمية للحزب، والتقدم في تنظيم الكفاح المسلح، وتعزيز علاقة الحزب بجماهير العمال والفلاحين؛ وكذلك مع قطاعات الشباب؛ وتأكيد الطابع اللينيني للمنظمة. مثلت هذه الحركة خطوة مهمة في توحيد القوى، الأمر الذي من شأنه أن يمهد الطريق أمام الكونفيرانس الوطني لعام 1970، الذي سيتم خلاله الموافقة على الخط السياسي للثورة الإكوادورية والبرنامج والنظام الأساسي.

الفصل السادس

الكونفيرانس الوطني لعام 1970: قفزة في تطوير الحزب

وسقط المجلس العسكري الذي حكم البلاد منذ عام 1963 في 29 مارس/آذار 1966، بعد احتلال الجيش للجامعة المركزية واعتقال الطلاب والمدرسين. مرة أخرى، تسعى الطبقة الحاكمة إلى الخروج بشكل منظم من الأزمة السياسية. أعلن اجتماع سري للأعيان "كليمنتي يروفي" رئيسًا، الذي بقي في السلطة لبضعة أشهر فقط، حتى انعقاد الجمعية التأسيسية. تم تعيين "أوتو أروسيمينا"، الرئيس المنتخب بفضل اتفاق بين المحافظين والمسيحيين الاجتماعيين، في الجمعية التأسيسية. مع هذه الحكومة، تم تعزيز الاختراق الأيديولوجي لحكومة الولايات المتحدة من خلال المشاريع الاجتماعية، مثل تطوير "التحالف من أجل التقدم" و"معاهدة المساعدة المتبادلة (TIAR)". أثار تعزيز تبعية بلادنا غضب القطاعات الشعبية. كانت التعبئة ضد الاعتماد على الولايات المتحدة في البلاد ثابتة.
في 28 و29 مايو 1969، وقع حدثان مهمان في تاريخ الحركة الطلابية الإكوادورية، وكان لحزبنا مشاركة مهمة فيهما. ففي كيتو، وقبل وصول نيلسون روكفلر - مندوب رئيس الولايات المتحدة نيكسون - إلى العاصمة، أغلق المئات من الطلاب الجامعيين شوارع المدينة لمنع موكب الممثل الأمريكي من التحرك في العاصمة، فاضطر إلى استخدام طائرة هليكوبتر للتنقل من المطار إلى السفارة الأمريكية. استولى الطلاب على المركز الإكوادوري ـ الأمريكي وخمسة عشر محطة إذاعية لبث تصريحات ضد زيارة رجل الأعمال الأمريكي.
وفي الوقت نفسه، في غواياكيل، اشتبك طلاب المدارس الثانوية والجامعات في مقر جامعة كاسونا للمطالبة بإلغاء امتحان القبول بالجامعة والترفيع في عدد المقبولين. واقتحمت قوات خاصة تابعة للجيش الكاسونا وقتلت 30 شابا وجُرح 32 وأصيب العشرات واعتقل 67.
خلال هذه الفترة، نفذ الفلاحون إضرابات إقليمية كبرى في لوخا وتشيمبورازو، بالإضافة إلى عمليات استيلاء على الأراضي. كما نُظمت عدة إضرابات للعمال للمطالبة بحقوقهم.
كان حزبنا ينمو ويشارك في هذه الأعمال، وكان العديد من أعضائه قادة للمنظمات الطلابية، مثل "واشنطن ألفاريز"، رئيس فيدرالية طلبة جامعات الاكوادور FEUE Nacional؛ "ميلتون رييس"، رئيس FEUE كيتو، و"خايمي هورتادو"، رئيس رابطة كليات الحقوق بجامعة ولاية غواياكيل. في ظل هذا السيناريو النضالي انعقد الكونفيرانس الوطني الأول في مارس 1970.
وصل الماركسيون اللينينيون الإكوادوريون إلى هذا الحدث وهم يواجهون التحريفية، ويناضلون ضد دكتاتورية الضبّاط، ويطهرون صفوفهم من الشرطة المندسّة والعناصر الانتهازية، باحثين عن تجارب إيجابية في إطار حملة البلترة وتصحيح أسلوب العمل. بعد عملية مهمة من النقاش والنقد والنقد الذاتي، والتي مكنت من كشف نقاط الضعف الأيديولوجية والحدود النظرية والسياسية، ومواجهة عيوب الذاتية والتكيف لدى بعض العناصر القيادية.
وشارك ممثلون عن ثماني محافظات في الكونفيرانس الوطني. وأتاحت الأعمال النهائية الموافقة على الخط العام للثورة الإكوادورية والمقرر السياسي والنظام الأساسي للحزب.
وافق الكونفيرانس على الخط السياسي المسمى الخط العام للثورة الإكوادورية، والذي أصبح الوثيقة الأولى التي نقوم فيها رسميا بتحليل وتوصيف البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، التركيبة الطبقية للمجتمع، وتحديد تناقضات العصر. وبناء على هذا التحليل، حدد الحزب خصائص الثورة الإكوادورية، والطابع والمهام التي يجب على الحزب تطويرها لتحقيق الثورة، وبرنامج الثورة، وتحديد الكفاح المسلح كطريق للثورة. وشكلت هذه الوثائق أداة سياسية نظرية ناتجة عن استيعاب الماركسية اللينينية وتطبيقها على واقع بلادنا.
كما صادق على النظام الأساسي للحزب الذي ينظم القواعد التنظيمية المعتمدة في المؤتمر التأسيسي، وكذلك خصائص التنظيم وشروط العضوية في الحزب، ومبادئ المركزية الديمقراطية وكافة القواعد التي تحدد التنظيم.
وبعد تقييم عمل اللجنة المركزية، تم انتخاب قيادة جديدة للتغلب على العقبات أو الأخطاء التي نشأت أثناء النقاش والصراع الأيديولوجي. ومن بين الأعضاء الجدد في القيادة الوطنية للحزب ميلتون رييس، الذي اغتيل بعد أيام قليلة من الكونفيرانس على يد حكومة فيلاسكو إيبارا، وواشنطن ألفاريز، الذي سيكون المتحدث باسم الحزب لعدة سنوات حتى وفاته، وخايمي هورتادو، النائب اليساري الذي اغتيل على يد حكومة ماهواد.
كان الكونفيرانس أداة تعبئة أيديولوجية وسياسية مهمة مكّنت من مواجهة دكتاتورية فيلاسكو إيبارا في ظروف مختلفة ومقاومة اضطهاد واغتيال واعتقال العديد من أعضاء اللجنة المركزية.

الفصل السابع

12 أفريل 1970: ميلتون رييس على قيد الحياة!

كان عقد السبعينات من القرن الماضي فترة من النشاطات النضالية الهامة للحركة الطلابية التي واجهت الدكتاتوريات المدنية والعسكرية، وكانت عاملا مهما في الإطاحة بها. وفي هذا السياق تبرز شخصية ميلتون رييس وغيره من الشيوعيين الذين قادوا اتحاد طلاب جامعة الإكوادور (FEUE).
ففي 9 أفريل 1970، دعا FEUE إلى مسيرة إلى قصر الحكومة. عند وصولهم إلى المركز التاريخي، تفرق الطلاب في عدة شوارع. وفي إحدى الزوايا كان هناك اعتصام للطلاب بقيادة ميلتون رييس الذي تمكن من الوصول إلى ساحة سانتو دومينغو، حيث تم قمعهم بعنف من قبل الشرطة والقوات المسلحة. وكانت هذه آخر مرة شوهد فيها على قيد الحياة.
وقد أشار أحد رفاقه في النضال، خورخي بالاسيوس، في هذا الصدد إلى أنه: “في الليل، كان علينا أن نلتقي به في منزله، على وجه التحديد، لإجراء تقييم لأحداث التعبئة. أتذكر أن التعبئة كانت قوية في ذلك اليوم، وكنا ننتظره مع عدد قليل من رفاقه، لكنه لم يصل قط. كانت الساعة تشير الى 11:30 أو 12:00 وكنا في منزل ميلتون في انتظاره. أثار غياب الرفيق عن هذا الاجتماع ناقوس الخطر. فخرج العديد من الرفاق للبحث عنه.
وفي 12 أفريل، تم العثور على جثة ميلتون في مجرى لا تشيلينا، عند تقاطع شارعي إمبابورا ومانابي، خلف حي سان خوان.
ووصلت الشرطة، ثم رجال الإطفاء، على الفور ومعهم الأدوات اللازمة لإخراج الجثة بسبب العمق الذي تم العثور عليه فيه. انتشرت المعلومات كالنار في الهشيم: مات ميلتون رييس وتم حفظ جثته في مشرحة مقر القيادة العامة للشرطة.
وعندما وصل الخبر إلى قادة FEUE، تقرر إنقاذ الجثة من أيدي من قتلوه. “هاجمت مجموعة من الطلاب بكل شجاعة مشرحة القيادة العامة للشرطة، وأنقذوا الجثة ولاذوا بالفرار نحو المدينة الجامعية؛ وذكرت صحيفة "الى الأمام" الأسبوعية في ذلك الوقت أن مطاردة مكثفة من قبل العديد من سيارات الشرطة منعت الجثة من الوصول إلى الجامعة بإطلاق النار، كما تم اعتقال مجموعة الإنقاذ.
وفشلت محاولة الإنقاذ وتم نقل الجثة إلى مشرحة القيادة العامة للشرطة. وبعد المشاجرة والاحتجاج، اضطرت الشرطة إلى إشراك سلطات الجامعة المركزية بالاكوادور في تشريح الجثة التي حضرها رئيس الجامعة الدكتور مانويل أوغستين أغيري وعميد كلية الحقوق الدكتور كاميلو مينا. وأظهر تشريح الجثة أنه تعرض للتعذيب الوحشي بأعقاب السجائر، والضرب بهراوات حديدية مغلفة بالمطاط، وغيرها من الأساليب الإجرامية.
وفي 13 أفريل 1970، تم تسليم جثمان ميلتون إلى ذويه الذين طلبوا من رفاقه ورفيقاته تشييع جثمانه وجنازته. ولهذا تم تنظيم مسيرة في شوارع كيتو شارك فيها ما يقرب من 30 ألف شخص. بعد المسيرة، تم نقل التابوت إلى كلية الحقوق بالجامعة المركزية، حيث قام الرفاق بإعداد القبر الذي احتضن رفات ميلتون رييس، ليتم دفنه أخيرًا.
ييُعدّ اغتيال ميلتون رييس مثالاً على الموقف الدنيء والإجرامي لحكومة فيلاسكو إيبارا. وهو أول رفيق وزعيم للحزب يتم اغتياله على يد البرجوازية أثناء أنشطته. كان ميلتون رفيقًا ضحى بحياته من أجل العمل الثوري؛ فصار مثاله يرشد عشرات الأجيال من الشيوعيين. كان رمزًا للحركة الطلابية والشعب الإكوادوري لعدة عقود، وأثرت أعماله على الشباب والمنظمات الشعبية، وكتبت العديد من الأغاني والقصائد على شرفه.
وبسبب نضالات ميلتون الثورية، والتداعيات الأيديولوجية والسياسية لاغتياله، وتداعيات هذا العمل الفظيع على الحركة الشعبية، فقد حدد حزبنا يوم 12 أفريل باعتباره يوم أبطال الحزب والشعب.
كانت السبعينيات سنوات من العمل السياسي الكبير للحزب وقواه، ولكنها كانت أيضًا سنوات من الاستفزازات والقمع الشديد. إذ تم اغتيال العديد من المناضلين الشعبيين على يد الديكتاتوريات التي حكمتنا، بما في ذلك ميلتون رييس (أبريل 1970)؛ مهندس وقائد إضراب كارشي، ميغيل بوزو (مايو 1971)؛ والمعلمة روزيتا باريديس (غواياكيل، 1973)؛ ومدير المدرسة الثانوية خورخي تينوكو (أكتوبر 1973)؛ يُضاف إليهم رافائيل لاريا وواشنطن ألفاريز وخايمي هورتادو وبابلو تابيا لاحقًا. وهم جميعا من الشيوعيين الذين نحييهم برفع أعلامنا إجلالاً لحياتهم ونضالهم.

الفصل الثامن

السبعينيات وتطور الحزب الشيوعي الم الل بالاكوادور (القسم الأول)

بدأت السبعينيات بالنسبة للشيوعيين الماركسيين اللينينيين في الإكوادور بحدث بالغ الأهمية سيوجه حياتنا التنظيمية لأكثر من عشر سنوات: انعقاد الكونفيرانس الوطني للحزب الشيوعي الماركسي اللينيني، الذي شكل خطوة مهمة في عملية بناء الطليعة الثورية للبروليتاريا .
لقد حارب حزبنا وقواته حكومة فيلاسكو إيبارا الرجعية. إذ قاد فيلاسكو "المجنون"، بالتواطؤ مع الجيش والإمبريالية الأمريكية، سياسة مناهضة للشيوعية تتمثل في اضطهاد وقمع الحركة الشعبية. لقد تحول حزبنا من شبه الشرعية إلى العمل السري. ومن بين جميع المنظمات التي تعرضت لإرهاب الدولة لديكتاتورية فيلاسكو، كان حزبنا واحدًا من أفضل المنظمات التي نجت. وسرعان ما قام الحزب بتكييف عمله مع الظروف الجديدة واستمر نضال الشيوعيين. وعلى الرغم من ذلك، تلقينا بعض الضربات، وتم اعتقال العديد من الرفاق واغتيال آخرين على يد الدكتاتورية، مثل ميلتون رييس، وميغيل بوزو، وروزيتا باريديس، وخورخي تينوكو.
وصفت اللجنة المركزية، في جلستها العامة الثانية عام 1971، الديكتاتورية بأنها تعبير عن مصالح احتكارات النفط بالتعاون مع البرجوازية الوسطى وكبار ملاك الأراضي الذين يستخدمون القيادة العسكرية العليا وأوليغارشية فيلاسكو كأدوات للهيمنة. ولم تكن التناقضات الموجودة في هذه الحكومة في مصلحة الشعب، كانت حكومة استثنائية. لقد كان صراعاً بين شقوق البرجوازية للحصول على أفضل المنافع لكل منها. ولذلك أكد الحزب في تحديد المهام على ضرورة تكثيف النضال من أجل مطالب الشعب وتحويل النضالات الجزئية إلى نضالات عامة ودعمها والتنسيق فيما بينها. وفي هذا السياق، كانت إضرابات لوخا وكرشي تجارب مهمة للنضال الشعبي.
لقد كانت الطبقة العاملة رائدة في العديد من النضالات المهمة، وقد قام جزء منها، تحت راية وقيادة الحزب، بتعزيز النضال من أجل أجور أفضل. وأجبرت النجاحات التي تحققت المركزيات النقابية الأخرى، والتي كان العديد منها تحت قيادة الزمرة التحريفية، على الاتحاد للدعوة إلى أول إضراب عام، ولاحقا، لتشكيل جبهة العمال المتحدة (FUT).
ومع سقوط فيلاسكو ووصول رودريغيز لارا إلى السلطة، الذي عرّف نفسه بأنه "الحكومة القومية الثورية"، حافظ الحزب على موقفه المتمثل في الدفاع عن المصالح الشعبية. «لا ينبغي للجماهير الشعبية أن تتوقع الكثير من هذه العروض. نريد حقائق وليست كلمات! يجب على الشعب أن يطالب ويتحد وينظم نفسه بشكل أفضل، وأن يناضل من أجل مطالبه الاقتصادية والسياسية المباشرة، واثقًا من أنه لن يتمكن من الحصول على حقوقه إلا بنضاله"، كما جاء في أحد بيانات الحزب. وخلافا لنا، قرر التحريفيون والانتهازيون دعم الديكتاتورية ومقاطعة نضال العمال والشعوب.
وعلى الرغم من محاولات التحريفية لعزلنا عن الحركة الشعبية، فإن صحة سياساتنا قد اكتسبت شعبية بين العمال والفلاحين والمعلمين والشباب المتعلم. لقد بذل حزبنا جهوداً مختلفة لتحقيق وحدة الشعب ومحاربة المواقف السكتارية والضيقة والانعزالية. كان العمل على إنشاء منظمات وحدوية مهمًا، لكن لم يكن من الممكن إنجازه في العديد من الأماكن.
كان النضال ضد الدكتاتورية يتزايد، ونضال الطلاب والمعلمين يحرك البلاد. فوقعت تحركات ضخمة ومعارك في الشوارع في عامي 1973 و1974. واستولى الفلاحون على العديد من المزارع وواجهوا ببطولة محاولات طردهم منها من قبل ملاك الأراضي، الذين قُتل الكثير منهم، مثل كريستوبال باجونيا وفيليكس كارانزا. لقد انتشر النضال من أجل الأرض ضد انتهاكات وهيمنة ملاك الأراضي على نطاق واسع.

الفصل التاسع

السبعينيات وتطور الحزب (القسم الثاني)
في الإكوادور، خلال السنوات الأربع الأخيرة من السبعينيات، حكم المجلس العسكري (المعروف باسم الثلاثيTriumvirat )، المكون من الأدميرال ألفريدو بوفيدا، كممثل للقوة البحرية رئيسا للمجلس؛ جنرال الجيش غييرمو دوران أرسينتاليس، كممثل للقوات البرية، والجنرال الجوي لويس ليورو فرانكو، كممثل للقوات الجوية.
في تلك السنوات، كان استغلال النفط يعني ضخًا كبيرًا للموارد، مما أدى إلى عملية التحديث الرأسمالي التي تعني زيادة في عدد موظفي الدولة، والجامعات العمومية والمدرّسين وأزمة الخزينة. إن أهمية استغلال النفط دفعت الرأي العام إلى إيلاء اهتمام خاص لتصرفات الإمبريالية وشركات النفط التابعة لها.
فالفُتات الذي يتركونه إلى البلاد والسرقات التي تتضمنها عقود الاستغلال دفع مختلف القطاعات إلى رفع شعار «تأميم النفط بلا تعويض». بدأ كمجرّد شعار ثم اتخذ شكل "الجبهة الوطنية لتأميم النفط"، التي جمعت منظمات اجتماعية وشعبية وشخصيات ديمقراطية وسلطات جامعية وغيرها. الشيء الذي كان له تأثير كبير على وعي البلاد. وبعد عدة أشهر من النضال، تمكن الشعب الإكوادوري من طرد شركة الخليج الدولية (Gulf) وإنشاء شركة البترول الوطنية الإكوادورية (CEPE).
ومن ناحية أخرى، عززت الحركة الطلابية علاقاتها مع القطاعات الشعبية؛ فأثرت تجارب الحركة الطلابية، التي ناضل من خلالها الطلاب من أجل مطالبهم الخصوصية الى تنظيم وتعزيز نضال القطاعات الشعبية، وإلى إنشاء مشاريع سياسية حضرية مثل "اللجنة الشعبية". إن أهمية الحركة الطلابية المتجمعة في فدرالية طلاب الجامعات بالاكوادور FEUE وفدرالية تلاميذ الثانوي FESE قادتها إلى أن تكون أحد العناصر الفاعلة الرئيسية في النضال ضد الحكم الثلاثي، وفي هذا السياق، اندلعت "حرب الريال الأربعة" الشهيرة (أفريل 1978) في كيتو، والتي شكلت ملحمة رائعة خاضها الطلاب وسكان الأحياء الشعبية ضد ارتفاع الأسعار. لعدة أيام، ظلت العاصمة مشلولة بسبب المتاريس التي أقامتها الحركة الطلابية. وفي هذا الصراع، انخرط الشيوعيون الماركسيون اللينينيون بشكل كبير.
لقد استنزف النضال الطلابي والإضرابات العمالية واستيلاء الفلاحين على الأراضي القاعدة الاجتماعية الداعمة للديكتاتورية. إن تصرفات الدكتاتورية المتمثلة في تجريم الاحتجاج، وسحب الشرعية عن الاتحاد الوطني للمدرسين UNE، وتقسيم المركزيات النقابية لم تمنع الحركة الشعبية من التقدم. حاصر الحراك الاجتماعي "الحكومة الثلاثية" وأجبرها على تنظيم استفتاء للموافقة على دستور جديد والتحضير للعودة إلى الديمقراطية التمثيلية.
وفي هذا السياق، قامت منظمات مثل اتحاد عمال بيتشينشا(FTP)، وFEUE، وFESE، وUNE والعديد من منظمات الفلاحين بنشر "البرنامج الحكومي للعمال والفلاحين والمعلمين والطلاب"، وأعلنت أن الحركة السياسية التي سوف تتبناه، سوف تحظى بدعم القوى الاجتماعية والسياسية التي اقترحت البرنامج، ومن بينها حزبنا. واقترحنا إنشاء الحركة الديمقراطية الشعبية (MPD) واقترحنا كزوج رئاسي عميد الجامعة المركزية كاميلو مينا مع المحامي الإكوادوري الأفريقي خايمي هورتادو. وفي مواجهة تطور هذا الاقتراح، ناورت البرجوازية ومنعت ترشح هذا الأخير، رغم ذلك، في الجولة الثانية، تم اقتراح الرفيق خايمي هورتادو كمرشح للبرلمان عن الحركة الديموقراطية الشعبية، وتم انتخابه نائبا وطنيا.

الفصل العاشر

الثمانينيات: الحزب يتولى القيادة السياسية للجماهير
كان عقد الثمانينات هو الفترة التي تقلّد فيها الحزب القيادة السياسية للجماهير، وعزز موقعه كطليعة ثورية وثبت نفسه في الماركسية اللينينية، وهي الظروف التي سيسمح له توفرها مواجهة الهجوم الأيديولوجي والسياسي وقمع الحكومات اليمينية والديمقراطية الاجتماعية.
ففي أفريل 1980، انعقد المؤتمر الثاني لـ PCMLE، وهو الحدث الذي انتظم بعد 10 سنوات من الكونفيرانس الوطني، وهي الفترة التي شاركت فيها المنظمة في نضالات كبيرة وعززت نفسها كواقع في البلاد. وقد حدد هذا المؤتمر الثاني المبادئ التوجيهية للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة التي تعيشها الإكوادور، بعد العودة إلى مرحلة الديمقراطية التمثيلية.
تسارع التطور الرأسمالي للبلاد مع استغلال النفط، وتفككت المزارع، مما أدى إلى تقليص دور ملاك الأراضي كطبقة. أثرت هذه الحقائق في تحديث الخط السياسي، وتطوير توصيف المجتمع الإكوادوري بأنه شبه إقطاعي وشبه مستعمر، نحو دولة رأسمالية تابعة ومتخلفة مع استمرار بعض مظاهرالتخلف الإقطاعي؛ التوصيف الذي سنحافظ عليه حتى مؤتمرنا الاستثنائي في عام 2000. هذا التحليل للتشكيلة الاجتماعية والاقتصادية سمح لنا بتحديد تكتيكات واستراتيجية المنظمة بشكل أفضل، من خلال تحديد أن الثورة في هذه الظروف ستكون ديمقراطية ومعادية للإمبريالية وذات أفق اشتراكي.
إن المهمات والتوجهات الكبرى التي عددتها القيادة الوطنية قد تم التصديق عليها بهذه المناسبة، مثل التوجه نحو المشاركة النشيطة في الحياة الاجتماعية وفي الانتخابات التمثيلية الديمقراطية كشكل من أشكال النضال الذي يمكّن من تطوير قوى الثورة.
لقد أكد تحديث الخط السياسي من جديد المسلمات الرئيسية للماركسية اللينينية التي وُضع تصوّر لها خلال الكونفيرانس الوطني لعام 1970، أي أنه صادق على الطابع اللينيني للحزب، والأممية البروليتارية، والمسار المسلح للثورة الإكوادورية، من بين أمور أخرى. وفي ختام المؤتمر، تم تعيين اللجنة المركزية الجديدة لقيادة حياة الحزب على مدى السنوات الخمس اللاحقة.
خلال الثمانينيات، صاغ الحزب العديد من التكتيكات وأنشأ الجبهات التي نعمل من خلالها حاليًا. في عام 1981، تأسس اتحاد الفلاحين في الإكوادور (UCAE). وبالمثل، في عام 1982، تم إنشاء الاتحاد العام لعمال الإكوادور (UGTE)، وكذلك في أكتوبر 1984، تم إنشاء الشباب الثوري في الإكوادور (JRE).
بين عامي 1980 و1984، كان العمل السياسي للمنظمة والحركة الديمقراطية الشعبية التي تشكلت حديثا (MPD) مهمًا للغاية، حيث وصلت في انتخابات 1984 إلى المركز الرابع في الانتخابات الرئاسية مع الثنائي خايمي هورتادو – ألفونسو يانيز. لقد حارب حزبنا حكومة ليون فيبريس كورديرو الاستبدادية وعارض إملاءات صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من القمع الذي مارسته هذه الحكومة الاشتراكية المسيحية والذي أدى إلى مقتل وتعذيب العديد من الشباب، عقد حزبنا مؤتمره الثالث في نوفمبر 1985 الذي حدد سياسة المعارضة الشعبية لحكومة ليون، والتي أخذت في الاعتبار النضال من أجل الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان.
ومن خلال قيادة معارضة العمال والشعوب، عملنا على توحيد القوى الشعبية وحتى القطاعات البرجوازية التي عارضت هذا النظام الاستبدادي والليبرالي الجديد. وفي هذا الإطار تم إنشاء الجبهة الشعبية كمركز لوحدة وتنسيق قوى الثورة والمنظمات الجماهيرية التي تتمتع بقيادة ثورية ثابتة ومكافحة. وأكد المؤتمر من جديد التوجهات الأيديولوجية والسياسية للحزب، وشاركت فيه عدة أحزاب شقيقة عززنا معها علاقاتنا السياسية في إطار الأممية البروليتارية.