الميثولوجيا الطائفية والكتب المنزلة


طلعت خيري
2024 / 6 / 23 - 02:39     

ان اختفاء ثقافة الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل ،عن وعي الشعوب في فترة ما، أعاد الميثولوجيا الى المجتمعات من جديد ، ولو وضعنا مقارنة تاريخية عقائدية ، ما بين ثقافة الحواريين أتباع عيسى ابن مريم في القرن الأول الميلادي ، وما بين ثقافة أتباعه في القرن السادس الميلادي ، لوجدنا بينهما اختلافا كبيرا من الناحية العقائدية ، لان الدين السياسي لأهل الكتاب قلب موازين العقائد لصالحه سياسيا بما يتلاءم مع أهواء ورغبات الطوائف الدينية ، فلا تقتصر الميثولوجيا على الوثنية كالملائكة بنات الله ، إنما على الدين السياسي أيضا المليء بالخرافات والأساطير، حاورت سورة فاطر الميثولوجيا الوثنية الميثولوجيا الطائفية في آن واحد ، ففي مطلع سورة فاطر اثني الله على نفسه ، والثناء نابع من مركز قوة واقتدار، بان لا وجود للإله غيره ، الحمد لله فاطر السماوات والأرض ، فاطر تعني جاعل لكل خلق في السماوات والأرض فطرة وظيفية طوعية مسخرة لخدمة الكائن الحي عموما ، فمن باب التوعية الاخروية الشاملة ، اطلع الله الفكر الوثني الشركي لأهل مكة والميثولوجيا الطائفية على فطرة الملائكة ، قائلا جاعل الملائكة رسلا ، رسل لتنفذ أوامر الله في محيط شانه ، وليس من شأنهن التدخل في مسخرات السماء والأرض ولا بحياة البشر عموما ، صنف الله الملائكة الى ثلاث أصناف مفضلا بعضهن على بعض ، بعدد الأجنحة التي لا تتجاوز الأربعة ، أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، يزيد في الخلق ما يشاء ، ان الله على كل شيء قدير

قلنا في موضوع سابق ، لا تستغرب عندما تكتشف عن وجود توافق سياسي بين الميثولوجيا والدين السياسي، يجتمعان في جغرافية معينه على المصالح الاقتصادية ، ففي هذا الموضع سوف نطلع على التوافق العقائدي السياسي ، ما بين العقيدة المكية ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، وما بين طوائف دينية سياسة إنجيلية وتوراتية تؤمن بالملائكة ، وتعدد الملائكة ، وأفضلية الملائكة بالأجنحة ، ظهر مصطلح الملائكة تاريخيا في كتاب التوراة ، الذي نزل على يحيى ابن زكريا في بداية القرن الأول الميلادي ، وليس له أي امتداد تاريخي الى الهيروغليفية المصرية والسومرية والبابلية

الميثولوجيا الطائفية ، الملائكة في المعتقد التوراتي والإنجيلي

الشاروبيم أو الكاروبيم بالقبطية "كاروبيم" ومفرده "كاروب" وهم صف من الملائكة في الديانة المسيحية.. وأصل الكلمة مصري قديم "كا-رع-أب" وهى مركبه من "كا" بمعنى (شخص، شكل) ومن "رع" بمعنى (الشمس أو الله) ومن "أب" بمعنى (السماء أو العلو) فيكون معنى كلمه شاروبيم هو (شكل الله في السماء). ومعنى الكاروبيم هو القرب في العبرانية، ولم يزل معنى القرب في هذه المادة في العربية، ففي القاموس " قاربه" وبالتالي فإن الكاروبيم من الملائكة المقربين، وهو في الفارسية بمعـنى (الحارس). وقد ورد لفظ الكاروبيم في الكتاب المقدس أربعاً وثلاثين مـرة كلـها في أسـفار العهـد القديم (التوراة) ومرةً في العهد الجديد (الانجيل). أما أهم أعمال هذه الملائكة في سفر التكوين فهو حراسة طريق شجرة الحياة، أو حراسة الجنة كي لا يعود لها الإنسان، (تكوين ٣: ٢٤] (فَطَرد الإِنسانَ وأقَام شرقي جنة عدن الْكَـروبِيم ولَهِيـب سـيف متقَلِّبٍ لحراسة طَرِيقِ شجرة الْحياة. وفي حزقيال وظيفة الكروبيم هي تنفيذ أوامر الله. الشيطان كان من طغمة الكاروبيم قيل انه الكاروب المنبسط المظلل (حز 28: 14) وايضاً الكاروب المظلل حز (28: 16). السيرافيم في الديانة المسيحية: كلمه سيرافيم من القبطية والعبرية "سيرافيم" وهي في الديانة المسيحية طغمه من الملائكة ذات سته أجنحه ملازمه للحضرة الإلهية وتظهر معه... كما وردت الملائكة المجنحة في القرآن دون تسميتها العبرانية {. والكلمة مركبه من "سيراف" بمعنى (ملاك النور أو اللمعان) ومن "ام" وهي علامة الجمع.. والكلمة تعنى (الكائنات المشتعلة اللامعة). وردت كلمة سيرافيم في الكتاب المقدس في سفر إشعياء مرتين فقط. ويقول إشعياء انه رأي السيرافيم واقفين فوق العرش. ويبدو أنهم كانوا يقودون الكائنات السماوية في العبادة، حيث كان الواحد منهم ينادي الآخر قائلاً كما ذكر في (إشعياء ٦ :٣] (قدوس قدوس قدوس، رب الجنود، مجده ملأ كل الأرض

{الْحمد لله فَاطرِ السماوات والْـأَرضِ جاعلِ الْملَائكَة رسلاً أُولي أَجنِحة مثْنى وثُلَاثَ ورباع يزِيد في الْخلْقِ ما يشاءُ إِنَّ اللَّه علَى كُـلِّ شيءٍ قَدير] {سورة فاطر آية1

أثنى الله على المؤمنين من أهل مكة ، وعلى المؤمنين من أهل الكتاب ، الذين امتثلوا لدعوة الحق المستجيبين لشأنه قائلا ، ان الذين يتلون كتاب الله ، يتلون كتاب القران بآياته الإنجيلية والتوراتية ، وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ، الإنفاق السري يخص الطبقة الفقيرة والمتعففة ، والإنفاق العلني يخص الاستعدادات العسكري، يرجون تجارة لن تبور، لن تفسد ولن تكسد لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ليوفيهم أجورهم ويزدهم من فضله ، انه غفور شكور ، غفور لمن أراد المغفرة ، شكور لمن امتثل لشأنه

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ{29} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ{30}

نزل كتاب التوراة على يحيى ابن زكريا في بداية القرن الأول الميلادي ، وفي نفس القرن نزل الإنجيل على عيسى ابن مريم ، وبعد مصادقة الإنجيل ، على ما نزل في التوراة ، جمعا في كتاب واحد الإنجيل ، وفي القرن الثالث الميلادي ، انشق الحواريون أتباع عيسى ابن مريم عن الإنجيل الى طوائف دينية سياسية ، رافقه انفصال الإنجيل عن التوراة ، فأخذت كل طائفة بكتابة ما يروق لها ناسبة أفكارها وتوجهاتها الى كتاب الإنجيل ، فغيب الدين السياسي لأهل الكتاب الثقافة التوراتية والإنجيلية عن وعي المجتمعات ، طامسا الإيمان بالله واليوم الأخر ، ولاغيا التهديد والوعيد الأخروي، مستحوذا عليها سياسيا بإباحة الحريات الشخصية والرغبوية دون قيود دينية ، ولكي يفكك التنزيل التوافق السياسي ما بين الميثولوجيا الوثنية والطائفية ، نقل آيات التوراة والإنجيل من القرن الأول الميلادي ، الى حاضر الدعوة القرآنية ، لاطلاع أهل الكتاب على مدى التلاعب السياسي بالإنجيل الأول ، والذي أوحينا إليك من الكتاب ، كتاب الإنجيل الأول المدمج مع التوراة ، هو الحق مصدقا أي مطابق لما بين يديه ، بين يدي محمد ، الذي هو كتاب القران ، ان الله بعباده لخبير بصير

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ{31}

في القرن السادس الميلادي ، ادعى منظري الميثولوجيا الطائفية لأهل الكتاب، ان ما هم عليه هو من صلب العقيدة الإنجيلية ، وان كتاب الإنجيل لم يمر بأي حالة انشقاق ولا تلاعب سياسي خلال الفترة المنصرمة ، وان الذين امنوا بالإنجيل القرآني ، هم شرذمة شاذة اتبعت الهرطقة - الهرمينوطيقا التأثر بالنصوص القرآنية الجديدة ، اتهام المؤمنين بالله واليوم الأخر من أهل الكتاب بالهرطقة ، ان هو إلا رد فعل سياسي على حالة التصدع الذي تمر به الطائفة ، ولكي يطلع التنزيل أهل الكتاب على حالة الانشقاق المجتمعي التاريخي، الذي مر به الحواريين أتباع عيسى ابن مريم ، نقل لهم واقع حال القرن الثالث الميلادي قائلا ، ثم أورثنا الكتاب ، كتاب الإنجيل ، الذين اصطفينا اخترنا من عبادنا ، مقسما العباد الى ، فمنهم ظالم لنفسه شياطين الدين السياسي، ومنهم مقتصد ، اقتصد من الإنجيل الأمور البسيطة ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، تمسك بالإنجيل كليا ، ذلك هو الفضل الكبير

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ{32}

بما ان الإنجيل الأول مصدق من الله في القران ، فما على المؤمنين بالله واليوم الأخر من أهل الكتاب إلا التمسك به ، اطلع التنزيل المؤمنين من أهل الكتاب على المصير الأخروي، للحواريين أتباع عيسى ابن مريم ، الذين تمسكوا بالإنجيل الأول ،

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{33} وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ{34} الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ{35}

اطلع التنزيل الميثولوجيا الطائفية لأهل الكتاب ، على المصير الأخروي للمكذبين

وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ{36} وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ{37}

المصدر
- الهيروغليفية
- موقع أقباط متحدون