رعاية فرنسا لإديولوجية العرو-إسلام في بلاد الأمازيغ


كوسلا ابشن
2024 / 6 / 18 - 22:48     

كتب المستكشف الفرنسي شارل دي فوكو:" أن سلطان فاس لا يسيطر إلا على جزء صغير من الأراضي, أما الباقي فهو حر تشغله قبائل مستقلة. و على أراضي السلطان, يسافر الأوروبي في وضح النهار ودون خطر, وفي بقية المورك لا يمكنه الدخول إلا متخفيا ومخاطرا بحياته, ينظر إليه على أنه جاسوس و يتم ذبحه إذا تم التعرف عليه. و يضف أن الفساد ينخر أراضي السلطان, الذي يأتي هو على هرم الفساد, و يحتفظ السلطان بالقائد الذي يقدم له الهدايا الدسمة بإستمرار". في 1 دجنبر 1916, أغتيل شارل دو فوكو في تمنغاست, على يد قبيلة من الطوارق.
بفضل معلومات المستكشفين عرفت دولة الحماية كيفية التعامل مع لموركيين, فقد عرفت من هم الخونة المحتملين و عرفت من هم المقاومين الوطنيين, و على هذا الأساس تعاملت مع الطرفين.
تدخلت فرنسا في لمورك كما هو معروف بدعوة من النظام العلوي لحمايته من ثورة الشعب المحلي (الأمازيغ). الحماية التي هدفت الى صناعة الدولة الكولونيالية العروبية في بلاد الأمازيغ.
قال المقيم العام الفرنسي الماريشال ليوطي:" لم أتمكن من إحكام القبضة على لمورك, إلا بفضل سياستي الإسلامية" عن دانيال ريفي في كتابه ( ليوطي و مؤسسة الحماية الفرنسية بالمورك). الأب الروحي للعروبة في بلاد الأمازيغ, الماريشال ليوطي عرف من خلال خبرته السياسية و العسكرية أثناء عمله بدزاير الأمازيغي, أن الإخضاع التام للمورك لا يتم إلا بالسياسة الإسلامية و تعريب الأهالي. لقد أولت السياسة الإسلامية الإهتمام و الدعم للمؤسسات الدينية و نظمها الإجتماعية و الدعم للمدرسة العروبية, فقد حافظت السياسة الإسلامية الإستعمارية على التعليم الديني و القضاء الشرعي و تعليم اللغة العربية و إحترام الطقوس الدينية, و منع ليوطي التبشسر بالمسيحية ( نقل الرهبان من المناطق الأمازيغوفونية نحو المدن المعربة مع حصر عملهم في الرعاية الإجتماعية دون التبشير), و منع على المسيحيين دخول المساجد و الأماكن المقدسة, كما أصدر ليوطي قانون يجرم الإفطار العلني في رمضان و قانون منع بيع الخمور للمسلمين, لكنه خلافا للعرف المسيحي الذي يمنع تعدد الزواج, فقد إباح ليوطي في المستعمرة تعدد الزواج إحتراما للعرف الإسلامي. لقد نفذ ليوطي بأمانة المادة الثانية و الثالثة من معاهدة الحماية (1912), و اللتين جاء فيهما. المادة الثانية تقول:" سيحافظ هذا النظام على المكانة الدينية والاحترام والهيبة التقليدية للسلطان, وممارسة الشعائر الدينية الإسلامية والمؤسسات الدينية, ولا سيما الأحباش". و تقول المادة الثالثة:" تتعهد حكومة الجمهورية بتقديم الدعم المستمر لصاحب الجلالة الشريف ضد أي خطر قد يهدد شخصه أو عرشه أو قد يضر بسلام ولاياته, وسيتم تقديم نفس الدعم لوريث العرش وخلفائه".
نظرا للصداقة المتينة التي كونتها السياسة الإسلامية الإستعمارية, فأثناء مرض ليوطي أمر صديقه السلطان يوسف آل علوي بنقله الى قصره بفاس و أمر الشيوخ بالدعاء بشفائه من المرض. و قرأ شيوخ الإسلام اللطيف أثناء زيارتهم لليوطي في مقره و نصحوه بزيارة الضريح المجهول " إدريس" بعد شفائه, و لب صديق العروإسلام مطلبهم و أمر بإشعال الشموع بجوانب الضريح و قدم مساعدة مالية لصندوق التبرعات. لقد إقتنعت النخبة العروإسلامية في بلاد الأمازيغ و كذا في شرق الأوسط أن فرنسا صادقة في صناعة دولة العروبة في شمال افريقيا, و نتيجة لهذا لم يندد التيار القومي العروبي في الشرق الأوسط بالإستعمار الفرنسي لشمال إفريقيا, كما أن البربر بقناع عربي تعاونوا مع دولة الحماية فرنسا للقضاء على المقاومة الأمازيغية و إضطهاد الشعب الأمازيغي. و ضمن سياسة إستمالة شيوخ الإسلام, تبرع ليوطي لهم بتنظيم موسم الحج (1916) بالمجان هدية من الماما فرنسا راعية الإسلام و العروبة.
أسس ليوطي خلية ضباط الشؤون الإسلامية, بشرط أن يكون الضباط متعلمين للغة العربية و (إستثناء الأمازيغية). من مهام الخلية الإهتمام بالمسائل الدينية للموركيين و الإرتباط بالنخبة العروبية الإسلامية بتحالف مصلحي يهدف الى القضاء على المقاومة الأمازيغية و محاربة كل المعارضين للحكم آل علوي و الوجود الفرنسي.
لقد تبنى ليوطي إستراتيجية الإستلاب الفكري و الثقافي و اللغوي بتأسيس مكاتب اللغة العربية و تعليم العربية للأهالي, و أمر بتعليم أعداء فرنسا من القبائل الأمازيغية اللغة الفرنسية بدعوى التواصل معهم, لكنه في هذا الجانب لم يفلح ليوطي في فرنسة الأمازيغ, و إستمرت البندقية الأمازيغية في مقاومة الإحتلال, و رفض الفرنسة. لم ينجح ليوطي في إحتواء الأمازيغ في بلقنة اللغة و الثقافة. الإستراتيجية التي رحبت بها النخبة المخزنية العروبية الخيانية التي أرسل ليوطي أبناءها الى فرنسا, أمثال محمد بن عبد الجليل ( تنصر في فرنسا و تنكرت له عائلته الفاسية) و أخوه عمر أبناء خليفة باشا فاس, وكذا محمد بن الحسن الوزاني و بلفريج والصبيحي, و كلهم أصبحوا أعضاء الحركة اللاوطنية, أرسلهم ليوطي من أجل التعيلم في الجامعات الفرنسية, ليقودوا الدولة العروإسلام الكولونيالية المستقبلية, و التي ستولد على يد الإستعمار الفرنسي و الإمبريالية العالمية. يقول ليوطي في مذكراته عن هذه النخبة اللاوطنية: "لا يسعنا سوى أن نقول إننا اليوم في حضرة نخبة سياسية اقتصادية لا يمكن تجاوزها وعدم الإستعانة بها, لأنها مرتبطة بتشعب بمنجزاتنا في المورك, إذ يجب وواجب عليها أن تقدم يد العون إلى وطنها و بشدة".
منذ الحرب العالمية الاولى نشب صراع إمبريالي بين فرنسا و ألمانيا على أحقية الدفاع عن الإسلام و العروبة في بلاد الامازيغ. فقد أعلن القيصر غليوم الثاني دفاعه عن العرب و الاسلام, و إدعى المستشرق و الديبلوماسي ماكس اوبنهايم أن غليوم الثاني إعتنق الاسلام و إستعاض عن اسمه بإسم حيدر. قبل الحرب العالمية الثانية أعلن هتلر ان لإلمانيا و العرب أعداء مشتركين و وعد بإن يقدم للعرب الدعم الشامل و أكد إحترامه العميق للاسلام. عن بونداريفسكي (الغرب ضد العالم الإسلامي). السياسة العروإسلام لألمانيا النازية, قدمت الدعم الإعلامي للنخبة الخيانية بتأسيس المخابرات النازية (غيستابو) مكتب تمثيلي لأعضاء الحركة الخيانية سمي بالمكتب " المورك العربي" و صحيفة بنفس الإسم سنة 1943. و في إطار التنافس على الصناعة العروإسلامية, فتح فرع للمكتب في باريس بعد الحرب. لقد قامت الأنظمة الإستعمارية الإمبريالية بكل الأساليب القذرة في تنفيذ إستراتيجيتها في بلاد الأمازيغ لصناعة دولة العروأسلام الكولونيالية.
لعب الإسلام في السياسة الإستعمارية الدور الرجعي الداعم الأساسي للإستعمار الفرنسي في إحتلال بلاد الأمازيغ و أستخدم الإسلام في القضاء على المقاومة المسلحة الأمازيغية و صناعة الدولة العروبية الكواونيالية. لقد قدمت النخبة العروإسلامية خدماتها الدعوية للإستعمار الفرنسي, باللجوء الى التقية لإضفاء الشرعية عن الوجود الفرنسي, الذي إدعت النخبة العروإسلامية أن مهمته حماية البلاد من الفتن و حماية الإسلام و ترسيخ و تحديث البلاد و تطوير بنيته التحتية.
هكذا رعت الإمبريالية, الإيديولوجية الإسلامية الرجعية و التضليلية, كما صنعت دولة العروبة الإستعمارية, و بواسطتها تم حرمان الشعب الأمازيغي من سيادته على أرضه و حرمانه من التحكم في خيراته. لقد أصبحت السلطة العروبية الإستعمارية أشد إنتهاكا للحقوق القومية و الإجتماعية للشعب الأمازيغي.