من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - نضال ماركس وانجلس ضد جدور التحريفية1


عبدالرحيم قروي
2024 / 6 / 13 - 18:14     

مفاهيم أولية(نضال ماركس وأنجلز ضد التحريفية)
-----------------------------------
نضال ماركس وأنجلز ضد جذور التحريفية
-------------------------------

دخلت الماركسية حلبة التاريخ منذ نشوئها مباشرة كنظرية تقدم حلا جذريا لمشاكل المجتمع والإنسان ، وبسبب الحل الجذري المتمثل بنزع الملكية الخاصة وقيام مجتمع لا طبقي مجتمع العدالة الاجتماعية ، فقد كان لا بد من أن تواجه صراعا حادا في المجالين النظري والعملي من نشاطها. ولقد قضمت كافة النظريات البرجوازية القديمة والجديدة من حيث لا علميتها وفشلها في تقديم حلول لقضايا البشر والصراع الطبقي الدائر، ومع انتشار الماركسية – اللينينية الساحق في أنحاء المعمورة ظهرت فكرة العمل على تشتيت الحركة الشيوعية من خلال تشويه النظرية العلمية الوحيدة التي ارتبطت بنضال الطبقة العاملة والشرائح الكادحة من المجتمع.
كان لا بد من الدخول في صراع حول دور الطبقة العاملة في التاريخ ومفهوم الطبقة والثورة والمفهوم المادي للتاريخ وأسس تكوين الثروات الرأسمالية والحزب الثوري وطرائق تنظيم الطبقة العاملة ومفهوم الاشتراكية والدولة وديكتاتورية البروليتاريا.ولقد نشط ضد الماركسية جملة من المنظرين وأشباههم في فترة نشوء الأحزاب الاشتراكية للطبقة العاملة فقد اشتهر الفيكونت دوشاتوبريان بمذهبه ألظلامي الداعي لمنع العمال من التعلم ونعت الصحفي جيراردين العمال بالبرابرة الجدد، ونرتبط بهذه الاتجاهات نظريات شوبنهاور ونيتشه وشبيغلير الذي يقول " من خلق ليسيطر يمكنه أن يستخدم الجماهير إلا أنه يحتقرها" وينفي أرنولد توينبي مفهوم التقدم الاجتماعي وطرحت نظرية الاتفاق بين البروليتاريا والبرجوازية في الأحزاب القومية.
عمل أتباع أوغست كونت وسبنسر لتركيب مفاهيم غير اقتصادية للطبقة لدحض الماركسية التي نظرت إلى الطبقة ليس من وجهة نظر اقتصادية بحته وإنما كمفهوم اجتماعي أوسع ومن هنا تستقي بعض الأفكار اليسارية المتطرفة منابعها زاعمة أن الفئات البرجوازية الصغيرة هي القوة الأساسية المحركة للتقدم الاجتماعي ، وعن قرب منهما زعم الفوضويين أن الدور الأساسي هو للبروليتاريا المتسولة الرثة بل وراهنوا على انتفاضة الفلاحين بصفتها بديل الثورة العمالية. إن تضخيم دور البرجوازية الصغيرة التي هي ضحية النظام الرأسمالي يعني عدم فهم أسباب تحركها السياسي حيث هي ثورية بمقدار ما يترتب عليها الانتقال إلى صفوف البروليتاريا.
ولكن أنجلز قال صدقا يوما : "منذ أصبحت الاشتراكية علما فهي تطلبت أن تعامل كعلم" وهذه المهمة هي التي بدأ بها ماركس وأنجلز.
ظهرت الماركسية في أربعينيات القرن التاسع عشر على يد معلمي البروليتاريا العظيمين كارل ماركس وفريدرك أنجلز ، وشكل هذا الحدث التاريخي انعطافا هاما في تاريخ الفكر والعمل السياسي بسبب تداخله مع مختلف جوانب الفلسفة والاقتصاد السياسي والنضال الطبقي والاكتشافات العلمية وكان لا بد للماركسية من أن تنمو داخل الطبقة العاملة التي كانت لا تزال طبقة ذيليه للبرجوازية وخاضعة لتأثيراتها مما شكل بذرة نمو التحريفية والانتهازية.
ولقد اضطر ماركس وأنجلز أن يصوغا أفكارهما من خلال التصدي لجميع المحاولات التي تعمل على تشويه الفكر الجديد وتحاربه وتناقضه ، كانت البداية الجديدة في العام 1943 عندما توصل ماركس لاستنتاج حول دور العلاقات المادية الاقتصادية في تحديد طبيعة الدولة بدأ لديه الفهم المادي للتاريخ وهو ما جعله وأنجلز يتوجهان تحو الشيوعية ، وفي الوقت نفسه تعرفا على الحركة العمالية واجتماعاتها ومنظماتها خاصة في باريس وانفصلا نهائيا عن الهيغيلية صاحبة التأثير الكبير في أوروبا ، وأقدما في هذه الفترة على التفكير بدور البروليتاريا في الصراع الطبقي وتحدثا عن ضرورة الجمع بين الطبقة الثورية والنظرية الثورية " لا شك أن سلاح النقد لا يمكن أن يحل مكان النقد بالسلاح وينبغي قلب القوة المادية بقوة مادية مشابهة إلا أن النظرية تصبح قوة مادية حالما تمتلك الجماهير، فكما تجد الفلسفة سلاحها المادي في البروليتاريا ، كذلك تجد البروليتاريا سلاحها الروحي في الفلسفة".
ولقد توصل أنجلز من خلال دراسته لوضع الطبقة العاملة في إنكلترا وكان للقائهما التاريخي في أيلول 1844 الدور الأبرز في توضيح كل منهما للآخر نظرته للعالم ، وبدءا عملا مشتركا سيهز العالم ويغيره وكان من ثماره الأولى كتاب "العائلة المقدسة" الذي أوضح التناقض المتزايد بين البروليتاريا وعملها المأجور وبين البرجوازية وملكيتها الخاصة وكيفية حل هذا التناقض عبر القضاء على الملكية الخاصة ، وتضمن الكتاب فكرة العلاقة بين تحرير البروليتاريا لنفسها وتحريرها للبشرية والمجتمع كاملا.
وفي كتابهما المشترك الآخر "الإيديولوجية الألمانية" وجها ضربات قوية للفلسفة الألمانية بإبرازهما المفهوم المادي للتاريخ ودخلا في صراع حاد مع المثاليين الهيغيليين خاصة مع إدراجهما لأول مرة لفكرة ديكتاتورية البروليتاريا. وفي كتابه "بؤس الفلسفة" واجه ماركس الأيديولوجية البرجوازية الصغيرة للفوضويين مبرهنا أن العلاقات الرأسمالية لم تأت من لا شيء وإنما هي نتيجة لتطور الإنتاج البرجوازي الصغير ، البدايات الصدامية لماركس وأنجلز أبعدتهما عن كل الاتجاهات ووجهتهما نحو العمل لإنشاء حزب شيوعي.
لقد كان واضحا لهما أن المطلوب ليس فقط نشر النظرية الماركسية وإنما أن يتألف حزب بروليتاري شيوعي باعتباره وسيلة لتحرير الطبقة العاملة تحريرا فكريا وسياسيا ، كتب أنجلز يقول قبل وفاته: " ولكي تصبح البروليتاريا في اللحظة الحاسمة قوية إلى حد كاف وتستطيع تحقيق النصر لا بد لها – وقد أصر ماركس وأنا على هذا الموقف منذ العام 1847 – أن تشكل حزبها الخاص المنفصل عن الأحزاب الأخرى كلها والمجابه بها- الحزب الذي يعي نفسه كحزب طبقي". لهذا نشط ماركس وأنجلز من خلال لجان المراسلة الشيوعية ومن ثم في اتحاد العادلين الذي أصبح اسمه "عصبة الشيوعيين" باقتراح من مؤتمر الاتحاد المنعقد في حزيران 1847 في لندن حيث أخرج من العصبة كل من لا ينادي بالأفكار الشيوعية كمجموعة فيتلينغ وغريون ووضع شعار" يا عمال العالم اتحدوا" وبدأ تشكيل المنظمات العمالية والعصب الشيوعية ، مما أدى لنقاشات مطولة مع أعضاء المنظمات الديمقراطية والثورية مع انتقاد جميع الآراء الإصلاحية أو المتطرفة.
وفي مؤتمر العصبة الثاني الذي عقد في نهاية تشرين الأول 1847 كلف ماركس وأنجلز بوضع "البيان الشيوعي" الذي أصبح برنامجا موحدا لنضال الطبقة العاملة ، وهكذا اندمجت نظرية الشيوعية العلمية بالنضال العملي للبروليتاريا وذلك مع حدوث أول الثورات العمالية في مختلف دول أوروبا في العام 1848.
أدت ثورات وانتفاضات 1848 إلى حدوث أول ارتفاع هائل في وعي الطبقة العاملة لوضعها كطبقة مستقلة عن البرجوازية وثورية مغيرة للمجتمعات ، ومن ناحية أخرى فقد أدت هزيمة الطبقة العاملة إلى ظهور نزعات وفاقية انتهازية أسست لنشوء الميول الإصلاحية مثلها على الخصوص في ألمانيا ستيفان بورن الذي تزعم منذ آب 1848 المؤتمر العمالي الألماني في برلين ومن ثم المنظمة العمالية الوطنية التي أنشأها المؤتمر واعتبر ماركس وأنجلز أن الجانب الطوباوي من أفكار بورن موجود ضمن ظروف جماهيرية المنظمة التي يقودها ومقترن بسمات ثورية ويجسد هذا الاقتران بشكل أساسي نقاط ضعف الإدراك لدى العمال الألمان وبالتالي مثل بورن بالنسبة لهما حركة جماهيرية تتحرر من الأوهام أكثر مما تقع في شراكها.
أدت هزائم 1848 إلى تفشي سيطرة الرجعية الأوربية وكان على ماركس وأنجلز أن يحاربا الارتدادات اليمينية واليسارية في عصبة الشيوعيين ، وأن يهاجما أصحاب الجمل البرجوازية الصغيرة والمغامرة الذين أرادوا استبدال العلاقات الواقعية بالنظرة الإرادية كقوة محركة للثورة وهذه الأفكار جسدتها كتلة شابير – فيللية ، وحدثت خلافات حادة حول طبيعة الثورة القادمة وكيفية طرائق العمل من حينها ، وفي هذه الخلافات أوضح ماركس معنى الاشتراكية كطور ممهد للشيوعية ومختلف عنها " رسالة فيديماير" .
وكان النهوض الجديد للحركة الثورية منذ نهاية الخمسينيات مرتبط بتطور نشاط البروليتاريا كطبقة ثورية على النطاق العالمي من أجل بناء الاشتراكية وعبر التغلب على الأفكار البرجوازية الصغيرة ومذهب النقابية القائمة على الطوائف العمالية الضيقة وضد التشتت القومي للعمال وضد اللامبالاة التي انتشرت في أعقاب هزيمة ثورات 1848. وكان للتيارات السياسية والأيديولوجية الموجودة في الأوساط العمالية تأثيرات متباينة من أهمها جوزيف مازييني في إيطاليا الذي ربط نشاطه بتعاون الطبقات من أجل توحيد إيطاليا وكذلك كان لغاريبالدي آراء مماثلة لكنهما ساهما من خلال أعمالهما الثورية في محاربة اللامبالاة على مستوى القارة بأكملها.
وفي فرنسا أدت خيبة أمل العمال في ممثليهم السياسيين للتمهيد أمام برودون من أجل نشر أفكاره الفوضوية القائمة ليس على القضاء على الرأسمالية ، وإنما لتخليصها من الشوائب ، وجرى نشر العداء لكل دولة ونظام والتنكر للنضال السياسي وحتى الدفاع عن الملكية الخاصة. كما أثرت النزعة النقابية التريديونيونية في الطبقة العاملة الانكليزية على الخصوص ونشط منهم أتباع أوغست كونت وهاريسون وبيزلي ، وكانت شعاراتهم تتمحور حول مبدأ لا سياسة أيا كانت في النقابات.
وبمبادرة من مجلس النقابات اللندني التقى في 23 تموز 1863 ممثلو العمال الانجليز مع الفرنسيين وتقرر إقامة منظمة عالمية للبروليتاريا وعقد الاجتماع التأسيسي للجمعية الرفاقية العمالية "الأممية الأولى" في 28 أيلول 1864 في لندن ، حضره ممثلو الطبقة العاملة الانكليزية والفرنسية والألمانية والايطالية والبولونية ، ووقعت الجمعية تحت خط سيطرة الديمقراطيين البرجوازيين والتريديونيونيين لولا تدخل ماركس وظهور الماركسية كنظرية علمية وحيدة قادرة على إعطاء المنظمة طابعها الطبقي.
لم تغلق الأممية أبوابها أمام ممثلي مختلف التيارات الفكرية إذا أقروا أن تحرير الطبقة العاملة يجب أن يكون قضية الطبقة العاملة ، وقبلوا شعار " يا عمال العالم اتحدوا " ومن ضمن من دخل على هذا الأساس في الأممية فرديناد لاسال ، الذي أعلن نفسه تلميذا لماركس وانجلز ولكنه بقي هيغيليا وبعيدا عن أفكار النضال الطبقي ونفى ضرورة النشاط النقابي ، وكانت له شعبية كبيرة بسبب خطابيته ، وساهم بنشاط الاتحاد العمالي الألماني العام.
ساعد نشاط لاسال على تغلغل الانتهازية في صفوف العمال الألمان لكنه سهل عملية تحريرهم من تأثير البرجوازية الليبرالية وتنظيمهم في حزب مستقل للنضال من أجل حق الاقتراع العام كوسيلة اعتبرها لاسال وحيدة قادرة على القضاء على كل التناقضات الطبقة في المجتمع وعمل خلف لاسال على تعزيز سمات الإصلاحية والانعزالية في الاتحاد العمالي..
رأى ماركس في نجاحات الأممية بداية طريق تكوين الوعي الاشتراكي لدى البروليتاريا وسرع صدور المجلد الأول من " رأس المال " تلاحم النواة الماركسية في الأممية وهيأ لتقبل برنامج النضال من الاشتراكية في المؤتمر الثالث للأممية الذي انعقد في بروكسل 1868 وفيه صوتت الأغلبية لصالح ( الاشتراكية) لأول مرة في التاريخ. وجرى تطوير أفكار مؤتمر بروكسل في مؤتمر بازل 1869 فيما يتعلق بتأميم الأرض ووسائل الإنتاج والنقل وبرنامج الثورة الاشتراكية ودور الدولة وأشكال تنظيم قوى البروليتاريا ، واحتد الصراع مع الفوضويين الذي تزعمهم باكونين.
في هذه الفترة كثف ماركس نشاطه العملي من أجل إخراج الطبقة العاملة الانكليزية من سيطرة الأوهام الإصلاحية ولإزاحة النفوذ البرجوازي الليبرالي والراديكالي على حد سواء ، واحتاج الأمر لعدة تجارب إضافية لكي تبدأ الطبقة العاملة الانكليزية بالابتعاد عن زعماء الإصلاح. ساهم نشاط الأممية بتوحيد البروليتاريا على النطاق الوطني في دول أوروبا وأدى إلى توحيد المنظمات والجمعيات في أحزاب عمالية اشتراكية.
وتوافق ذلك مع تصاعد نضال الطبقة العاملة ، هذا التصاعد الذي كانت ذروته كومونة باريس 1871 ، ولقد قام ماركس وأنجلز ليس فقط بدعم الكومونة واستخلاص النتائج لاحقا ، ولكن أيضا خاضا صراعا حادا ضد الأفكار المغلوطة التي انتشرت عقب هزيمة الكومونة ومن أهمها الموقف من الدولة، ومن ديكتاتورية البروليتاريا ، ومن التنظيم الثوري والتحالفات ، وكذلك التدابير السياسية والاقتصادية الملحة للثورة البروليتارية ووسائل النضال السري والعلني وهذه القضايا كان الخلاف حولها على أشده مع الفوضويين ، وكل من تأثر أو اقترب منهم من البلانكيين والتريديونيونيين والبردونيين اليساريين، وكانت ذروة الصراع في مؤتمر الأممية الذي انعقد في لندن أيلول 1871 ، حيث ظهرت فكرة الفوضوية السنديكانية التي دعت إلى تأسيس منظمة دولية للنقابات كبديل لتنظيم البروليتاريا سياسيا في حزب ، وبمساهمة ماركس وأنجلز النشيطة في المؤتمر ثبت فكرة أن الطبقة العاملة لا تستطيع العمل ضد السلطة الموحدة للطبقات الحاكمة إلا إذا انتظمت في حزب سياسي خاص من أجل ضمان انتصار الثورة الاشتراكية والقضاء على الطبقات ، وهو ما دعا الباكونيين للاجتماع في سويسرا وإصدار ما سمي بتعميم سونفيل الذي طالب بإعادة النظر في المفاهيم النظرية للأممية وإلغاء النضال السياسي وهو ما سبب رد فعل في فروع الأممية أدى لعزل الفوضوية تماما رغم المؤامرات التي حاكها باكونين.
وفي الوقت نفسه خاض ماركس وأنجلز معركة إصلاحية التريديونيونية المتأثرة بنشاط حكومة غلادستون الانكليزية وقوانينها الليبرالية ، وكان لمؤتمر لاهاي 1872 دور أساسي في ضرب مواقع التحريفيين واليسارويين واليمينيين وهكذا فقد أظهرت الأممية الأولى الدور العملي الكبير لماركس وأنجلز في إرشاد وتصويب حركة الطبقة العمالية العالمية دون أن تقع في شراك الانحرافات وكانت أهمية هذا النشاط العملية ، كبيرة فيها من أجل إنشاء أحزاب بروليتارية من طراز جديد – أحزاب اشتراكية

وتميزت رسائل ماركس وأنجلز إلى بيبل وبراكمة وكراس " ملاحظات على برنامج حزب العمل الألماني " المعروف باسم " تقد برنامج غوته" وركز ماركس نقده على مفهوم الدولة الحرة كقوة فوق الطبقات وهو ما عكس عدم فهم لاسال لطبيعة الدولة الطبقية وكذلك جرى نقد المواقف ألا أممية والموقف من مرحلة الاشتراكية ، وقام الحزب بتعديل العديد من المقترحات اللاسالية آخذا بمقترحات ماركس وهو ما أثر تأثيرا كبيرا في برنامج الأحزاب الاشتراكية الآخذة بالتكون كحزب العمال الفرنسي والحزب الاشتراكي الاسباني والحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي النمساوي ، وبرنامج الاشتراكيين الديمقراطيين الروس والحزب الاشتراكي الأمريكي ، وكان على الأممية الثانية أن تقوم بدور الموجه للأحزاب الجديدة منذ نهاية الثمانينات.
ولدت الأممية الثانية وسط انتشار أسوأ التحريفات الناتجة عن استمرار نفوذ النظريات العمالية السابقة للماركسية، حيث انتشرت في ألمانيا الانتقائية التي روج لها دوهرنغ ، وفي فرنسا استمر النشاط البردونيين اليساريين والاشتراكيين البرجوازيين الصغار ، كما حافظت التريديونيونية على هيمنتها في إنكلترا ، لذا عمل ماركس وأنجلز على نشر البيان الشيوعي ورأس المال بعدة لغات وكانت لمؤلفات أنجلز "انتي دوهرنغ" و " ديالكتيك الطبيعة" و"أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" دورا كبيرا في إيضاح الماركسية وساهمت صحف الأحزاب الاشتراكية في توسيع دائرة المطلعين على الماركسية وكذلك مؤلفات لافارغ-ويتسغين- بيبل- بليخانوف التي لعبت دورا هاما في تثقيف الطبقة العاملة وتم استثمار المحاضرات والندوات وحلقات النقاش والحملات الانتخابية والمنابر البرلمانية لنشر أفكار الماركسية.
لقد منيت اشتراكية ما قبل ماركس بالهزيمة وواصلت الصراع لا في ميدانها الخاص وإنما في ميدان الماركسية بصفتها نزعة تحريفية مستعيدة تلك النظريات البرجوازية التي ماتت منذ زمن بعيد، إن نضال الماركسية منذ نشوئها ضد النزعات التحريفية لم يكن إلا جزءا ممهدا للمعارك الثورية التي خاضتها الحركة الشيوعية بنجاح في مطلع القرن العشرين على يدي لينين ورفاقه وهو ما ساند قيام أعظم انتصارات الحركة حتى الآن ألا وهو ثورة أكتوبر العظمى.
أزاد الملا
يتبع