الميثولوجيا وبيولوجيا الحمل والإنجاب


طلعت خيري
2024 / 6 / 10 - 09:44     

أعطى الفكر الميثولوجي المكي، للملائكة بنات الله علما غيبيا في بيولوجيا الحمل والإنجاب ، وطول الأجل وقصره ، ناسبا لهن ما يقره الله في الأرحام ، ولكي ينتزع التنزيل عقائديا ، بيولوجيا التكاثر ومسخرات السماء والأرض من استحواذ الملائكة بنات الله ، افتتح الموضوع بمراحل الخلق ، فالتراب المادة الأساسية في خلق جميع الكائنات الحية ، والله خلقكم من تراب ، أشارة منه الى البداية الأولي لخلق ادم وزوجه ، ثم انتقل الى المراحل الأخرى للتكوين التي تبدأ من النطفة ، وتنتهي بالإنجاب إما بذكر وإما بأنثى ، وبعد البلوغ الجنسي تتكرر نفس المراحل من جديد بالأزواج ، ثم جعلكم أزوجا ، لقد كان لغيبية الحمل والإنجاب وطول الأجل وقصره فرصة لشياطين الدين السياسي والكهنة والمشعوذين في استغلال الفرد اقتصاديا وجنسيا ، اقتصاديا يتم بيع العقاقير والأطعمة والإحراز والبخور وادخنة النباتات والمستخلصات العشبية والنذور على اللواتي تعذر حملهن ، فمن باب التوعية الشاملة ، قال الله وما تحمل من أنثى ، والا تضع إلا بعلمه ، أما جنسيا لقد استغلت المرأة باسم روح الله في ملائكته ، ولقد كان لتدخلهن في بيولوجيا الحمل والإنجاب فرصة لتشريع الفاحشة ،على اعتقاد ان الكهنة ورجال الدين هم روح الله في الملائكة ، فيحق لهم شرعا الاتصال الجنسي بأي امراة تعثر حملها ، أطعمة الأخرى استغلت للكسب المالي ، روج لها المشعوذين والشياطين على اعتقاد أنها تطيل العمر، رد الله أكاذيبهم قائلا ، وما يعمر من معمر ، ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ، ان ذلك على الله يسير

وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{11}

ربط الفكر الميثولوجي المكي ، مصادر الرزق البحري بالملائكة بنات الله ، على اعتقاد هن من سخر البحر للرزق ، وهن من يحفظ مراكب الصيد من مخاطر البحر ، ومن المعروف ان البحر يتكون من كتل مائية عذبة وأخرى مالحة ، تفصل بينهما خصائص فيزيائية كالكثافة ، ذلك مما نوع أصناف الأسماك ، فالفوارق بين الكتلتين لا يعرفها إلا صائدي السمك ، ورغم اختلاف الخصائص بينهما ، إلا إنهما يوفران ثروة سمكية هائلة ، انتزع التنزيل البحر من استحواذ الملائكة بنات الله قائلا وما يستوي البحران ، هذا عذب فرات سائغ شرابه ، وهذا ملح أجاج ، ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها كاللؤلؤ، ان رحالات الصيد البحري تستغرق أياما ، بما ان الأسماك سريعة التلف ، لهذا يتم خزنها في المواخر، والمواخر مكان أسفل المركب لا تصل إليه أشعة الشمس ، فعندما يشق المركب سطح الماء لبعض الأمتار يصل الى المياه الباردة ، فيكتسب المكان برودة تحافظ على الأسماك من التلف ، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا فضلا من ربكم ولعلكم تشكرون

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{12}

ادعى الفكر الميثولوجي المكي،ان للملائكة تأثير مادي على الأرض ، من خلال تحكمهن بالمسخرات السماوية بشكل عام ، ولكي ينتزع التنزيل الظواهر الطبيعية والشمس والقمر من استحواذ الملائكة بنات الله ، قال يولج الليل ، يولج يداخل الزمن لتتعقب المنازل ، لإنهاء زمن الليل ودخول زمن النهار ، وكذلك النهار بالنسبة لليل ، وبغض النظر دوران الشمس حول نفسها أو حول الأرض فهي المسخر المسئول عن الولوج الزمني بين الليل والنهار ، ومنازل القمر ، فالقمر أيضا له ولولج زمني مع الليل والنهار فبعض منازله لا تظهر إلا في الليل، وبعض منها لا تظهر إلا في النهار ، كل يجري لأجل مسمى ، اجل زمني له بداية وله نهاية ، والجري هي الحركة الدئبية الكونية للشمس والقمر ، ذلكم الله ربكم له الملك ، المالك الحقيقي لكل المسخرات ، والذين تدعون من دونه الملائكة بنات الله ، لا يملكون في السماوات والأرض من قطمير ، قال المفسرون قطمير تعني الغشاء الأبيض الذي يغطي نواة التمر ، بما ان الاية تصف التداخل الزمني بين الليل والنهار ، إذن قطمير تعني برهة من الزمن

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ{13}

ولكي يزيل الله التأثير المادي للملائكة بنات الله ، عن الأرض وعن الحياة بشكل عام ، اطلع الجمهور المكي على ماهية الملائكة ، ليؤكد على عزلهن المادي عن السماوات والأرض ، قائلا ان تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، أما أخرويا لقد جعل الله للملائكة حضورا ماديا فقال ، ويوم القيامة يكفرون ، أي الملائكة بشرككم ، بما أشركتموه مع الله ، ولا ينبئك مثل خبير

إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{14}

ادعى الفكر الميثولوجي المكي ان الله فقير، لا يملك شيء ، طبعا للادعاء أبعاد سياسية واقتصادية ، سياسية ليعكس استحواذ الملائكة بنات الله على مسخرات السماوات والأرض بشكل كامل ، واقتصاديا لإرغام الفرد على دفع جزء من دخله وكسبه للمنتفعين ، على اعتقاد ان ما ينفقه الفرد على الله ، سيعزز كيانه الوجودي ، ويبعده عن مخاطر الحياة ، كالتهديد الأمني والنقص الغذائي قال الله ، يا أيها الناس انتم الفقراء الى الله ، وليس الله هو الفقير ، فما سخره لكم يجعله في غنى عنكم ، ان الله هو الغني الحميد ، ان يشاء يذهبكم ، يلغي وجودكم المؤمن بفقر الله ، ويأتي بخلق جديد يؤمن بغناه ، وما ذلك على الله بعزيز

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{15} إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ{16} وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ{17}

قطعت الدعوة القرآنية شوطا طويلا في مكة ، مصححة اعتقادات الفكر الوثني الشركي ، وموضحة لهم ان الأعمال والنذور والطقوس والقرابين والاعتقادات الظاهرية والباطنية كلها أوزارا ، لن تقربكم الى الله زلفى ، وكرد فعل سياسي ادعى منظري الميثولوجيا بأنهم سيحملون الأوزار عن أتباعهم يوم القيامة ، تصدى التنزيل لطرحهم ، مطلعا الجمهور المكي على المصير الأخروي لحملي الأوزار، قائلا ولا تزر، تزر تعني تساند وزارة نفس محملة بالأوزار ، وازوة أخرى نفس أخرى تحمل أوزارا ، وان تدعو المثقلة بالأوزار ، الى نفس أخرى مثلها لتحمل من أوزارها ، لا يحمل منه شيء ، ولو كان ذا قربى مقرب الى الله ، أو قريب من المثقل بالأوزار ، أنهى الله الجدال مع منظري الميثولوجيا تاركا للفرد حرية الاختيار قائلا ، إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ، غيب الله عن الوجود المادي، وأقاموا الصلاة ومن تزكى ، ترك الأوزار فإنما يتزكى لنفسه ، والى الله المصير

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ{18}