الميثولوجيا وسيكولوجية عدم الرغبة في التغير الفكري
طلعت خيري
2024 / 6 / 1 - 11:09
الطبيعة الخلقية للفرد ، تميل نحو الخمول الفكري ، فالبعض لا يرغب في ترقية أفكاره ، لرفع المستوى العقلي ، محاولا العيش بعقلية الطفولة والمراهقة كلما تقدم في العمر، نطلق على هذا السلوك ، سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، يتبنى الفكر الميثولوجي والدين السياسي ، سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري، لتحقيق مستوى متدني من الوعي المجتمعي ، ولكن عندما يصادف مجتمع ما دعوة نبي أو رسول ، تختفي تلك السيكولوجية ، لان الفرد قد ارتقى فكريا وعقليا ، ولكن سرعنما ينتكس من جديد على يد الميثولوجيا والدين السياسي ، رغم الأغلال والقيود العقائدية والاقتصادية التي تفرضها الوثنية والدين السياسي على كاهل الفرد ، إلا انه يشعر بالسعادة والراحة النفسية ، لأنها تتلاءم معنويا مع اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري
ان الدوغمائية ، تجعل الفرد لا يتأثر بالأفكار الأخرى الداعية الى الوعي ، لأسباب عقائدية وسياسية وتاريخية وتراثية وثقافية ، لذا فالميثولوجيا الوثنية تطلق عنان الأهواء والرغبات والحريات الشخصية لأتباعها دون قيود للحفاظ على الإرث الديني والتاريخ السياسي ، مع تسخير آلهة متعددة ، تتولي مهمة تدبير المقدرات المعيشية ، محتكرة نعم الله ، لشركائها الملائكة بنات الله ، ليبقى الفرد بعيدا عن خالقه ، وعن البعث والنشور الأخروي ، قرون طويلة والناس خاضعة لعبادة الميثولوجيا الملائكة بنات الله ، فلم يترك الفكر الميثولوجي المكي لا سماءا ولا أرضا ولا رزقا إلا وأخضعه لتدبير الملائكة ، علما انهم لم يروها رؤية مادية ، كما ليس لديهم كتاب من الله يؤكد على إلوهيتهن ، مجرد ادعاءات وافتراءات ، تليني الأهواء والرغبات الشخصية
اثني الله على نفسه ، والثناء نابع من مركز قوة واقتدار، بان لا وجود للإله غيره ، الحمد لله فاطر السماوات والأرض ، فاطر تعني جاعل لكل خلق وظيفة طوعية مسخرة لخدمة الكائن الحي عموما ، فمن باب التوعية الاخروية الشاملة اطلع الله الفكر الوثني الشركي لأهل مكة على فطرة الملائكة ، قائلا جاعل الملائكة رسلا ، رسل لتنفذ أوامر الله فقط ، وليس من شئنهن التدخل في فطرة مسخرات السماء والأرض، صنف الله الملائكة الى ثلاث أصناف مفضلا بعضهن على بعض ، بزيادة عدد الأجنحة ، أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1}
غياب الوعي الأخروي ، سبب في بلورة سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، ان وجودنا في الحياة الدنيا وجودا طوعيا وليس اختياريا ، لأننا لم نشهد خلق أنفسنا لنعطله ، ولا خلق غيرنا لنعترضه ، فالذي أوجدنا سيعيدنا إعادة طوعية الى الآخرة ، وفي كلا الحالتين الوجود فرض خارج إرادتنا ، المشكلة ليس في الوجود الدنيوي المفتوح على الاختيارات الحرة ، إنما في الوجود الأخروي ، الذي لا يقبل إلا بأحد المصيرين أما الجنة وإما السعير، ولكي يطلع الله المجتمع المكي على المصير النهائي لكل إنسان ، بعث الله محمد مبشرا ونذيرا من عواقب الوجود الأخروي ، فمن باب رحمته بالبشرية التوعية الاخروية ، للابتعاد عن دواعي الشيطان الرافض للمصير الأخروي، ما يفتح الله للناس من رحمة ، والرحمة هي التوعية الاخروية الشاملة ، فلا ممسك لها ، فلا احد يتصدى لها ، وما يمسك ، وإذا أوقف توعيته ، فلا احد يأتي بالوعي من بعده لا نبي ولا رسول ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{2}
من الاعتقادات التي بلورة سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، تجريد خالق السماوات والأرض من كل شيء ، وأنساب مسخراته للملائكة بنات الله ، على اعتقاد هن من يتحكمن بالنجوم والكواكب والسحب والبرق والرعد والأمطار، ليعكس منظر الميثولوجيا ، مدى تأثير الملائكة المادي على الأرض ، وعلى حياة الفرد ورزقه ، فمن باب التوعية الاخروية الشاملة ، خاطب الله الناس قائلا ، يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم ، هل من خالق غير الله يرزقكم ، من السماء والأرض ، لا اله إلا هو فأنى تؤفكون ، تؤفكون ، كيف تستغفلون فكريا وعقليا ، من قبل شيطان الميثولوجيا والدين السياسي
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{3}
ثقافة التقوقع حول التراث ، سبب أخر في بلورة سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، من أسباب تمسك المجتمع المكي بالملائكة بنات الله ، لان الطقوس والنذور والأعمال والفواحش والموبقات والمعاصي والرغبات والأهواء مباحة باسم الله ، ذلك مما بلور دوغمائية سياسية متقوقعة حول التراث الثقافي المحفوف باسم الله ، والمدعوم سياسيا واقتصاديا من قبل الكهنة والأسياد والرأسماليين ، فما لا يقل الشك ، أي دعوة فكرية لتغير سيكولوجية اللعب سوف تجابه بالرفض ، لان الأهواء والرغبات أحكمت شرعا باسم الله ، فمن الصعب الإيمان بأي فكر جديد يدعوا الى الله ، وان كذبوك يا محمد ، فالأمر طبيعي ، فقد كذبت رسل من قبلك والى الله ترجع الأمور
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ{4}
الغرور الدنيوي إزالة قيود وأغلال التهديد والوعيد الأخروي عن الفرد ، ليتسنى له ممارسة الأهواء والحريات الشخصية الدنيوية بكل ما لدية من طاقة جسدية وجنسية ، فالغرور الدنيوي سبب أخر في بلورة سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، لذا نجد ان ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، تدعم الغرور الدنيوي سياسيا عن طريق منظري الفكر الوثني ، لإباحة كل شيء باسم الله ، فمن باب التوعية الاخروية الشاملة للتخلص من الغرور الدنيوي ، دعا التنزيل الى الآخرة قائلا ، يا أيها الناس ان وعد الله حق ، وعد الآخرة حق ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا بملذاتها ، ولا يغرنكم بالله ، الغرور، يغرنكم بالله ، التغرير بالرغبات والأهواء والحريات باسم الله لخداع الفرد على إنها من وصاياه ، أما الغرور، هو شخص مغرور دنيويا ، غرر بالناس للإطاحة بهم أخرويا، فالغَرور هو الشيطان منظر الميثولوجيا والدين السياسي الذي يستقطب المُغَرر بهم سياسيا لتشكيل حزبه ، ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{5} إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{6}
عدم علمية البعث والنشور الأخروي ، سبب أخر في بلورة سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري، ولكي يفكك التنزيل حزب الشيطان المغرر السياسي الميثولوجي ، اطلع المغرر بهم سياسيا على المصير الأخروي للمكذبين بالبعث والنشور الأخروي قائلا ، الذين كفروا لهم عذاب شديد ، والذين امنوا وعملوا الصالحات ، لهم مغفرة واجر كبير
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ{7}
من الأنشطة الاقتصادية المبلورة لسيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، الصناعات اليدوية والحرفية الملمة بثقافة واعتقادات الميثولوجيا ، كالأساور والأقنعة والصلبان والمحابس والقلائد والتحفيات والرايات والملابس والأقمشة والصور والتماثيل والقواقع البحرية والقطع المعدنية والزجاجية ، فتلك الأشياء مكملة للغرور الدنيوي المنسجم وروحيا ونفسيا وعقائديا مع لأعمال السيئة المغرر بها سياسيا ، فالرأسمالية الوثنية تقتنص المنافع الاقتصادية ، كتجارة الجنس والصناعات اليدوية والحرفية التي تنشط حول المعابد الوثنية ، وبهذه الطريقة يتم تزين الأعمال السيئة على أنها حسنة ، أفمن زين له سوء عمله فراه حسنا ، فان الله يضل من يشاء ، رغبة فردية من يشاء الضلالة ، ويهدي من يشاء ، هداية فردية لمن يشاء الهداية ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فلا تتحسر على ضلالة البعض منهم ، ان الله عليم بما يصنعون
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{8}
عدم علمية تأثير المسخرات المناخية على الأمطار ، سبب أخر في بلورة سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، من المعروف ان الأوثان مادة أرضية ترمز الى روح آلهة السماء ، ولكي تجعل الوثنية لروح السماء تأثير مادي على الأرض ، علقت مصادر العيش والرزق بهن ، على اعتقاد ان الملائكة بنات الله هن من يسقن السحب ، وينزلن الماء من المزن ، فمن باب التوعية الاخروية الشاملة ، لمعرفة من هو الخالق الحقيقي للمسخرات المساهمة في تكوين السحب وتأثيرها المادي على الأرض قال ، والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا ، فسقناه الى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها ، كذلك النشور ، كذلك يوم القيامة
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ{9}
المعزة والمحبة سبب أخر في بلورة سيكولوجية اللعب وعدم الرغبة في التغير الفكري ، ادعى الفكر الوثني الشركي لأهل مكة ان معزة الفرد عند الله لا تتحقق إلا بمعزة شركائه الملائكة بنات الله ، على اعتقاد ان معزة الملائكة من معزة الله ، ادعاء كاذب ، بل يردون خلق معزة ومحبة روحية مصطنعة لشركائهم باسم الله ، فهذا الاصطناع الروحي للمحبة ، ينسجم مع الأهواء والرغبات والحريات الشخصية ، ابعد الله عزته عن براثن الشرك الروحي ، قائلا ، من كان يريد العزة فلله العزة جميعا، دون شركاء ، إليه يصعد الكلم الطيب لا المشاعر المعبرة ، والعمل الصالح يرفعه ، يرفعه الى درجات الرضا ، والذين يمكرون السيئات ، يمكرون، يغررون بالسيئات على أنها أعمال صالحة باسم روحية العزة والمحبة لله ، لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور، لا فاعلية له في الآخرة
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ{10}