العقيدة السياسية بين الميثولوجيا والدين السياسي
طلعت خيري
2024 / 5 / 26 - 11:37
حالة غريبة لا تجدها في أي حزب سياسي رصين في العالم ، إلا في أحزاب الدين السياسي ، اذكر بعض منها للتوضيح فقط ، فلا تستغرب عندما تكتشف حزب إسلامي ينظر للمسيحية ، أو حزب يهودي ينظر للصهيونية ، أو حزب ديني ينظر للوثنية ، أو طائفة تنظر لطائفة أخرى ، ففي هذا الموضوع سنكتشف مدى انعدام المبادئ والقيم لدى حزب ديني سياسي ، ارتبطت مصالحه الاقتصادية والسياسية مع عقيدة ميثولوجية الملائكة بنات الله ، قلنا في موضوع سابق ، ظهرت عبادة الجن تاريخيا من بعد موت سليمان ، وانهيار المملكة السبئية ، وشتات سكانها الى مناطق العربية ، كالعراق وشبه الجزيرة وبلاد الشام ، ولقد كان للعقيدة الظنية جمهور واسع في شبه الجزيرة وخصوصا في مكة ، تستمد أفكارها العقائدية والسياسية من تراث النبي سليمان ومن ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، ولكي تحافظ العقيدة الظنية عبادة الجن على كيانها السياسي والاقتصادي الى جانب الديانات الأخرى في مكة ، اتبع منظريها أسلوب التضليل السياسي ، بما ان العقيدة الظنية انبثقت من تسخير الجن لسليمان ، إذن هي عقيدة سياسية ميثولوجية ، من أساليبها المضللة ، إذا لقوا أتباعهم أصحاب العقيدة الظنية ادعوا بأنهم على عبادة الجن ، وإذا لقوا زعماء وأسياد مكة ادعوا بأنهم على عقيدة الملائكة بنات ، ولكي يفكك التنزيل جمهور العقيدة السياسية الظنية دنيويا ، فضح ادعاء منظريها بعبادتهم للملائكة ، مستدعيا الملائكة أخرويا للاستجواب ، ويوم يحشرهم جميعا ، يوم القيامة ، ثم يقول للملائكة أهؤلاء ، أي منظري العقيدة السياسية ، اياكم كانوا يعبدون ، رد الملائكة ، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم ، بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم به مؤمنون
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ{41}
ان من أبعاد فضح الأساليب التضليلية للعقيدة السياسية ، لتعريتها عقائديا أمام جمهورها ، وشل أنشطتها الاقتصادية المرتبطة بالملائكة بنات الله ، ولكي يستقطب التنزيل جمهور العقيدة الظنية عقائديا ، أطلعهم على مدى التفكك الأخروي الذي سيحل بهم ، بعد تخلي شركاء الله كالجن والملائكة عنهم ، فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ، ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ، ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ{42}
ولكي تعيد العقيدة السياسية الثقة الى جمهورها بعد الفضيحة التي منيت بها ، تولت مهمة التصدي السياسي للتنزيل ، مدافعة عن الإرث التاريخي والتراثي لعقيدة الآباء ، مبدية مدى حرصها على الأبناء من الانجرار وراء التغير العقائدي ، ولكن بالحقيقة هي تريد استعادة نفوذها ومصالحها الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالملائكة بنات الله ، وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات على جمهور العقيدة الظنية ، قالوا ، منظري العقيدة السياسية ، ما هذا إلا رجل يريد ان يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ، وقالوا يضأ ، ما هذا آلافك مفترى ، وقال الذين كفروا ، المؤيدون للعقيدة السياسية ، للحق لما جاءهم ان هذا إلا سحر مبين
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ{43}
ولكي تستعيد العقيدة السياسية ثقلها السياسي ، داخل جمهور العقيدة الظنية ، أوصت بالتمسك بالإرث التاريخي والتراثي للآباء ، مدعية ان ما يمارسه الجمهور من طقوس ونذور واعتقادات باسم الله ، نقلها آبائهم من كتب انزلها الله على رسل منهم ، رد الله على أكاذيبهم قائلا ، وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير
وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ{44}
ادعت العقيدة السياسية ان آبائهم حضوا بكم هائل من الكتب والرسل ، أكثر مما جاء به القران ، للادعاء أهداف سياسية تصب في ثقافة وتاريخ وتراث العقيدة الظنية ، لإقناع الجمهور على أنهم أكثر حرصا وأمانة على عقيدتهم ، رد الله على ادعائهم ، قائلا ، وكذب الذين من قبلهم ، ما بلغوا معاشر ، ما وصلوا معاشر، أجزاء العشر وهي نسبة قليلة حضت به الأمم السابقة ، مقارنة مع ما انزل على العقيدة الظنية من آيات قرآنية ، فكذبوا رسولي فكيف كان نكير، نكير العذاب الدنيوي
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{45}
حضت العقيدة الظنية بكم هائل من الآيات القرآنية المصححة للاعتقاد ، منها العقائدية والتاريخية والدعوية ، ولكن منظري العقيدة السياسية ، لازالوا يطرحون الأسئلة المضللة لمنع الجمهور من الانجرار وراء التغير العقائدي ، أنهى الله الجدال ، تركا للفرد حرية الاعتقاد ، قل لهم يا محمد ، إنما أعظكم بواحدة ، بعبارة مختصرة ، ان تقوموا لله مثنى أكثر من واحد، أو فردى منفردين ، ثم تتفكروا ما بصحابكم محمد من جنة ، جنون بتأثير مس الجن ، العبارة المختصرة هي ، ان هو إلا نذير لكم ، بين يدي عذاب شديد
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ{46}
من الاعتقادات الوثنية التي كان يمارسها جمهور العقيدة الظنية ، تقديم الأجر والثواب لشركاء الله ، كالجن والملائكة ، على اعتقاد ان هؤلاء يقربون عند الله زلفى ، ادعت العقيدة السياسية ، ان محمد يهدف من دعوته الاستيلاء على الأجر والثواب ، ليتقرب به الى الله ، قل لهم يا محمد ، ما سألتكم من اجر، أي ما أرشدتكم على اجر فهو لكم ، أما أنا فاجري على الله ، وهو على كل شيء شهيد ، ان ربي يقذف بالحق علام الغيوب ، أنهى الله الجدال مع العقيدة السياسية ببعض الآيات ، قل لهم يا محمد ، جاء الحق ، وما يبدئ الباطل من بعد اليوم لا بداية للباطل ، وما يعيد ، ولا يعيد نفسه من جديد ، اتهمت العقيدة السياسية محمد بالضلالة ، قل لهم ان ضللت فإنما أضل على نفسي ، وان اهتديت فبما أوحي الي ربي انه سميع قريب
قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{47} قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ{48} قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ{49} قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ{50}
تراعي الدعوة القرآنية ، ثقافة المجتمعات ولغاتها الدارجة والمصطلحات ولكنة الكلام ، عند التعبير عن الأفكار الدينية ، لإيصال المفاهيم بشكل سليم وواضح الى الجمهور، وخاصة منها التي تتعلق بالبعث والنشور الأخروي ، لذا نجد ان أسلوب الخطاب الأخروي يختلف من قوم الى أخر ، ومن دين الى أخر، من العبارات الاخروية التي لم نعتد عليها ، الفوت والتناوش ويقذفون بالغيب ، اطلع التنزيل العقيدة السياسية على مصيرها الأخروي قائلا ، ولو ترى ، ترى رؤية تصورية فكرية مستقبلية ، اذ فزعوا ، الفزع حالة من الخوف مما هو مرتقب ، فلا فوت ، فوت ، تعني الإحاطة الكلية بالجميع ، فلا مفر من الحضور ، واخذوا للعذاب من مكان قريب ، للمشهد الأخروي رد فعل على الذين فزعوا ، وقالوا أمنا به ، أي أمنا بالبعث والنشور ، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ، بمعنى لا ينفع إيمانهم بعد ان أصبحوا في متناول اليد ، بعد ان كفروا به من مكان بعيد ، وقد كفروا به من قبل ، ويقذفون بالغيب ، يرفضون غيب الآخرة من مكان بعيد ، في الدنيا لاستحالة وقوعه ، وحيل ينهم وبين ما يشتهون ، حال الله بينهم وبين رغبتهم في الإيمان بالآخرة ، كما فعل بأشياعهم من قبل ، بأمثالهم من الأمم الأخرى ، أنهم كانوا في شك من الآخرة مريب
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ{51} وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ{52} وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ{53} وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ{54}