نصوص حول الحركة الطلابية التونسية
حزب الكادحين
2024 / 5 / 25 - 16:34
.
النص الأول
الحركة الطلاّبيّة التونسية : محاولة تقييميّة
تعدُّ الجامعة التونسيّة اليوم ما يناهز الـ 350 ألف طالبة و طالب يتوزّعون على أكثر من 190 مؤسسة تعليم عالي. وبالرّغم من أنّ هذا العدد لا يمثّل سوى نسبة 27% من مجموع الفئة العمريّة المعنيّة، فإنّه يمثّل بالمقابل خزّانا نضاليّا مهمّا بالنّظر لما توفّره فرصة الالتحاق بالتعليم العالي لهؤلاء من مزايا من أهمّها اكتساب التكوين العلمي والمعرفة من جهة والتمرّس على النّشاط النقابي والسياسي من جهة أخرى خصوصا أنّ الأوضاع الماديّة والمعنويّة التي يعاني منها أغلب الطلبة والمؤسسات الجامعيّة بالبلاد تُعدّ دافعا هامّا نحو الانخراط في هذه الأنشطة.
على عكس هذه المعطيات، فإنّ حالة الرّكود النّضالي -إن لم نقل الهبوط- تميّز اليوم السّاحة الطلابيّة، وهي حالة لم يسبق تقريبا وأن شهدت الجامعة التونسيّة لها مثيلا منذ عقود طويلة، كما أنّ هذه الحالة صارت مزمنة بما أنّ الحراك الاجتماعي والشعبي الذي ميّز البلاد خصوصا منذ 17 ديسمبر 2010 لم يؤثّر إيجابا على الحركة الطلابيّة
.
لقد كانت الحركة الطلابيّة ومنظمتها النقابية الاتحاد العام لطلبة تونس طرفا مهما ضمن القوى الاجتماعيّة المناضلة وشريكا أساسيا للكادحين في النضال والثورة مثبتة انها جزء لا يتجزّأ من الحركة الشّعبيّة. وهذا ما شهدته مسيرتها عبر عديد المحطّات التاريخيّة التي لا تُنسى، بدءا بدورها في الكفاح الوطني ضدّ الاستعمار المباشر منذ تأسيس الاتحاد في بداية سنة 1952، مرورا بتحرّكات جوان 1967- مارس 1968 وبحركة فيفري 1972 والسنوات التي تبعتها وصولا إلى دورها في الانتفاضات الشعبية وأهمّها جانفي 1978 و جانفي 1984. والنّاظر في مختلف هذه المحطّات يلحظ أنّ الحركة الطلابيّة لم تكن تقتصر في نشاطها وتحرّكاتها على القضايا الطلابيّة المحضة وإنّما أيضا في علاقة بالقضايا الوطنية والاجتماعيّة للقطر وكذلك في علاقة بالقضايا القوميّة والأمميّة أيضا.
إنّ الغاية من ذكر هذه المحطّات هى إبراز الدّور المهم للحركة الطلابيّة والاتحاد العام لطلبة تونس في مختلف القضايا التي تهمّ الشعب في كفاحه ضد النظام والمساهمة في الدفاع عن قضايا الشعوب والأمم المضطهَدة التي تبنّاها الاتحاد وعبّر عنها في قانونه الأساسي في فصله الخامس:"يناضل الاتحاد العام لطلبة تونس إلى جانب شعوب وأمم العالم المضطهَدة ضد الاستعمار والعنصرية والاضطهاد الديني والقومي". أمّا اليوم، فبالرّغم من حالة النّهوض الثّوري النّسبيّة التي تجتاح عديد البلدان في العالم ومنها الوطن العربي، فإنّنا لا نكاد نسمع صوتـا لهذه الحركة أو حتّى صدى لهذا الصّوت، فحتّى خلال أوج الانتفاضة الشعبيّة لمّا كانت المواجهات على أشدّها في جهات عديدة من أرجاء القطر، غاب دور الحركة الطلابيّة كقطاع منظّم ما عدا بعض التحرّكات المحدودة في عدد لا يتجاوز عـدد أصابع اليد من الأجزاء الجامعيّة رغم مشاركة الطلبة -كأفراد- في التحرّكات. وقد قابل حالة الغياب هذه، حضور مكثّف ولافت للتحرّكات التلمذيّة التي ساهمت بدور أكبر في الكفاح الشّعبي عبر تنظيم الإضرابات والمسيرات والمشاركة في المواجهات مع أنّها كانت تفتقد إلى هيكل نقابي أو سياسيّ ينظّمها.
هذه الحالة من الرّكود-أو الهبوط- في دور الحركة الطلابية في الكفاح السياسي و الاجتماعي يطرح العديد من التساؤلات حول المسبّبات والعوامل التي أدّت بهذا القطاع إلى هذا الوضع ؟
لا أحد يشكّ في أنّ الجامعة التونسيّة خضعت، مثلها مثل بقية القطاعات الاجتماعيّة، لعمليّة إخضاع ممنهجة من قبل النظام في إطار إحكام قبضته على مختلف روافد النشاط السياسي والنقابي الذي قد يهدّده في أيّ لحظة من اللّحظات، وفي هذا الإطار جاء مشروع بن ضياء الذي جعل من التسيّس في الساحات الجامعيّة حجّة لممارسة القمع الموجّه ضدّ الحركة الطلابيّة وتلاه في شهر مارس 1991 أصدار محمد الشرفي الذي كان وزيرا للتربية والصادق شعبان الذي كان وقتها كاتب دولة للتعليم العالي مراسيم وزارية مُنع بموجبها القيام بأيّ نشاط فكري أو سياسي أو ثقافي في ساحات الكليات ما لم يقع الإعلام عنه وأخذ ترخيص مسبق في ذلك بعد إن تمّ حرمان الطلبة من ممارسة هذه الأنشطة بالمبيتات والأحياء الجامعيّة.
إلى جانب ذلك تم تشتيت الوحدة الطلابيّة بصناعة الاتحاد العام التونسي للطلبة في مارس 1985 زمن الوزير الأول محمد مزالي ثمّ منظمة طلبة التجمع سنة 1988. وسياسة الحصار والتشتيت هذه جعلت من الحركة الطلابيّة المناضلة التي رفعت منذ فيفري 1972 شعار "القطيعة السياسيّة والتنظيميّة مع طلبة الحزب الحاكم" تخسر إشعاعها مع ما كانت توفّره السلطة الحاكمة من امتيازات ودعم لطلبتها وهو ما جعل منظّمتهم تنمو عدديا بسرعة (30 ألف طالب سنة 2004 من مجموع حوالي 208 آلاف طالب) وقد بلغ الحصار إلى حدّ منع عقد الاتحاد العام لطلبة تونس لمؤتمره التوحيدي منذ سنة 2009. وهذا الحصار لن يتغيّر بعد الحلّ الصورى للتجمع الدستورى ومنظّمته الطلابية، إذ أنّ صعود النهضة إلى السّلطة سيدعم نشاط منظّمتها الطلابية أيضا في السّاحة. يضاف إلى هذه السياسة، مخطّطات التهميش الموجّهة ضدّ الطالب عبر السياسات التعليمية وظروف الدراسة واللاّمركزيّة المفرطة في بعث المؤسسات الجامعية، وهي مخططات تهدف إلى جعل الطالب مجرّد كائن مستهلك لقدر معيّن من المعرفة تكفيه مشاكله اليوميّة من الانخراط في قضايا الوطن و الشعب.
هذه العوامل الموضوعيّة لا تكفي وحدها لتحديد المعوقات التي حدّت من فعل الحركة الطلابية ومن فاعليتها في حقل الكفاح الجماهيري. إذ أن الحركة في حدّ ذاتها تحمل في داخلها معضلات ربّما لم تقدر على توصيفها للقضاء عليها قبل أن تقضي هي على الحركة. وهذه المعضلات مرتبطة أساسا بمحاور النّضال وبالصّراع داخل المنظّمة الطلابيّة. فبقدر ما ازدادت مشاكل الطلبة والجامعة عموما على المستويين المادي والمعنوي بقدر ما فتر نسق النضال الطلابي المرتبط بها وهذا يعود إمّا إلى تغييب وإهمال هذا المحور القادر على توحيد أكبر عدد من الطّلبة أو عزله عن السياق العامّ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتنزّل فيه بما أنّ مشاكل الطلبة هي جزء من مشاكل الطبقات الاجتماعيّة المسحوقة. إضافة إلى عدم الإمساك بمختلف محاور النّضال التي تبنّتها الحركة الطلابيّة وخصوصا تفاعلها مع القضايا القطرية والقوميّة والعالميّة التي تجذب الجماهير ولا تنفّرها وهذا من شأنه أن يُسهم في إضعاف الحركة إن تمّ تجاهله. أمّا الصّراع الدّاخلي فيتحمّل القسط الأوفر ممّا آلت إليه أوضاع هذه الحركة، من ذلك مساعي الهيمنة الحزبيّة الضيّقة من طرف الإصلاحيين والانتهازيين على الاتحاد وتكريسها وتغليب المصالح الذاتية والشخصيّة أحيانا وهو ما يجعل العناصر القياديّة غالبا ما تنحرف عن المطالب الأساسيّة للطّلبة وتتّجه إلى اتّباع خطّ المهادنة مع السّلطة مقابل بعض التّرضيات لا غير، ويصبح بالتالي الصّراع داخل الهياكل الطلابيّة في حدّ ذاته محور النشاط الرئيسي فتغيب بموجبه المحاور الأساسيّة مثلما هو الحال بالنسبة لواقع الاتحاد منذ المؤتمر 22 والذي تعمّق بعد عقد المجموعة السياسيّة المهيمنة على قيادة الاتحاد للمؤتمر 23 سنة 2004 بإحدى الشقق بنهج فلسطين بالعاصمة وسط غياب لجماهير الطلبة. ورغم الإجماع من قبل المهتمّين بالشّأن الطلابي على ضرورة عقد مؤتمر توحيدي إلاّ أنّ حالة الصّراع لم تفض إلى وحدة فعليّة وإنّما مجرّد وحدة على مستوى النّوايا والدّليل أنّ هذا المؤتمر لم ينجز إلى حدّ اليوم. . و إلى جانب هذا الدّاء، فإنّ داءا آخر لا يقلّ خطورة لا زال ينخر جسم الاتّحاد وهو مرتبط بالقوانين الدّاخليّة للمنظّمة الطلابيّة التي تسمح بأبديّة الحفاظ على المناصب العليا داخلها من ذلك الأمانة العامّة أو العضويّة في المكتب التنفيذي وهو ما يسمح للبعض بتبوّء هذه المناصب وإن كان من خارج الصفّ الطلابي كما هو الحال لقيادة الاتحاد اليوم.
هذه بعض المعضلات التي تقف عائقا أمام استعادة الحركة الطلابيّة لمكانها الطبيعي إلى جانب القوى الاجتماعيّة المناضلة و قيادتها للكفاح الطلابي ، ولا نظنّ أنّنا أتينا بهذا العرض السّريع على كلّ المشاكل التي يعاني منها القطاع الطلابي وحركته، وإنّما هي محاولة منّا للمساهمة في رفع السّتار عمّا تعانيه هذه الحركة من معضلات و نهدف من خلالها إلى المساهمة في النقاش الدّائر حول سبل تجاوز هذا الوضع الرّاكد الذي تعيشه الحركة الطلابيّة والذي نرى انّه لن يتحقّق إلاّ بحل هذه المعضلات وغيرها التي تمنع بناء حركة مناضلة وثوريّة في الوسط الطلابي
شبيبة الكادحين
الجمعة، 15 فبراير، 2013
النص الثاني .
كانت حركة فيفرى المجيدة خطوة على طريق الثورة
في يوم 5 فيفري 1972 خرجت جموع الطلبة و التلاميذ في مدن تونسية مختلفة تنديدا بانقلاب حزب الدستور على ممثلي الطلبة الشرعيين في مؤتمر قربة المنعقد في صائفة 1971 و تعيين مكتب تنفيذي عميل يأتمر بأوامر سلطة بورقيبة الرجعية .كانت تلك انتفاضة الطلبة و التلاميذ التي شارك فيها الآلاف منهم و أدت إلى جرح و اعتقال العشرات من جهة و لكنها من جهة ثانية كانت خطوة مهمة على طريق الثورة فقد ازدادت جماهيرية الحركة الطلابية التي تجذرت شعاراتها و قطعت مع الدساترة و اتجهت ناحية التمايز مع بقية مكونات النظام الطبقية .
و من بين الشعارات التاريخية لحركة فيفري التي رددتها الأجيال بعد ذلك في الاجتماعات و حلقات النقاش و المظاهرات الطلابية إلى حد اليوم : جامعة شعبية، تعليم ديمقراطي، ثقافة وطنية :الحركة الطلابية جزء من الحركة الشعبية / النضال ضد الامبريالية و الوقوف إلى جانب قضايا التحرر في العالم /القطيعة التنظيمية و السياسية مع النظام .
جرت حركة فيفرى المجيدة في مناخ ثوري تونسيا و عربيا و عالميا ، ففي تونس كان رد الفلاحين على " اشتراكية " بن صالح المزيفة عنيفا و وصل في بعض الجهات إلى استعمال السلاح فقد عمدت السلطة الرجعية الى تجريد الفلاحين الفقراء و المتوسطين من أرضهم و بسطت سيطرتها عليها و أصبح الكادحون مثل العبيد لا يتلقون إلا القليل مما يسد الرمق من دقيق أمريكا و زيت برنامج الغذاء العالمي و في الوطن العربي كان اليسار الثوري يقاوم الصهيونية و الرجعية و الامبريالية بقوة السلاح و هو ما تجسد وقتها في معركة الكرامة و معارك عمان و اربد و الزرقاء أو ما عرف بأيلول الأسود و في العالم كانت الثورة الثقافية الكبرى في الصين بقيادة الشيوعيين الماويين و في مقدمتهم الرفيق ماوتسي تونغ ضد التحريفية فضلا عن بطولات قوات الأنصار الشيوعيين في فيتنام و كمبوديا و لاوس و أمريكا اللاتينية بالإضافة إلى انتفاضة ماى 1968 في فرنسا .
طبعت حركة فيفرى المجيدة الجامعة التونسية بطابعها و سرعان ما تشكلت الهياكل النقابية المؤقتة التي نشأت في السرية و شيئا فشيئا تم عزل الدساترة الذين فرض عليهم التواري عن الأنظار و أصبحت الهياكل النقابية تعمل علنا في الجامعة أما الدساترة فلم ينشطوا حتى في السرية فقد كانوا مرتزقة يبتغون فقط العيش على ما تدره عليهم دار الحزب الدستوري من أموال و منح و منافع .
و تربت أجيال متتالية من الثوريين في الجامعة التي تواصل فيها النضال ضد ورثة الدساترة مثل الاخوانجية و الانتهازيين و الإصلاحيين و لا يزال الكفاح مستمرا في ظل رجحان موازين القوى عالميا و عربيا و محليا لصالح الرجعية مما أثر سلبيا على الحركة الطلابية التونسية التي تعانى اليوم من الانحسار و التشتت و الانقسام ، غير ان ما تركته حركة فيفرى من مكاسب ثورية ثمينة سيظل يستنهض الجماهير الطلابية على مواصلة النضال بعزيمة اقوي فاقوي فأمام تفشى البطالة و انحدار التكوين الاكاديمى و الانتقاء في التعليم و بيع الوطن للامبريالية و استغلال الكادحين و اضطهادهم لا حل غير السير على طريق الثورة الوطنية الديمقراطية المتحولة إلى الاشتراكية التي يمثل جمهور الطلاب و التلاميذ عنصرا من عناصرها الأساسية .
النص الثالث :
الحركة الطلابية وانتخابات المجالس العلمية :
تمر الحركة الطلابية التونسية منذ مدة بازمة ما فتئت تتصاعد نتيجة جملة من العوامل لعل ابرزها تدخل النظام في التاثير عليها بمختلف الوسائل المتاحة لديه . واذا كانت سلطة بن على في السابق قد اعتمدت على القمع البوليسي وتكوين جناح طلابي من المرتزقة لهذا الغرض فإن سلطتي الترويكا والتوافق بعد 14 جانفي 2011 لا تختلفان عنها جوهريا من جهة الهدف العام وهو تخريب الحركة والسعي للقضاء عليها تدريجيا ، يضاف الى ذلك عامل آخر لا يقل خطورة وهو التخريب الانتهازي فالاطراف الطلابية المرتبطة باحزاب اليسار البرلماني لم تدخر اى فرصة لجعل الحركة وخاصة الاتحاد العام لطلبة تونس منظمة تابعة لها وتوظيفه في معاركها السياسية الخاسرة .
وفي ظل هذا الوضع ظلت القوى الطلابية الثورية عاجزة عن انقاذ الحركة الطلابية حتى الان جراء انخرام موازين القوى لصالح الرجعية التى نجحت في جر جموع من الطلبة لصالح تنفيذ سياساتها بينما ظلت جموع اخرى على هامش الصراع ، كما ان تلك القوى تعاني بدورها من أمراض الفئوية والليبرالية والانعزالية ولم تدرك بعد ان المعركة تتطلب دون تأخير توحيد الصفوف ووضع خطة انقاذ ثورية موضع التنفيذ تقوم على تحديد جملة من الأهداف التنظيمية والنقابية والسياسية والثقافية واضحة المعالم .
وقد انعكس هذا الوضع على الحركة الطلابية ومن ابرز ملامحه انحسار جماهيريتها وتردي الوعي الفكري والسياسي والنقابي والانخرام التنظيمي وسيادة اللامبالاة والابتذال والانحطاط والخضوع للثقافة السائدة وضعف روح المقاومة .
وتمثل نتائج انتخابات المجالس العلمية في الكليات والمعاهد العليا مرآة يمكن أن نقرأ فيها ذلك الوضع فقد نجحت الرجعية الدينية في تدعيم مواقعها في الجامعة بما يمثل خطوة أخرى نحو اخونتها وتصفية مكاسب تاريخية حققتها اجيال متلاحقة من الطلبة عبر سنين متواصلة من الكفاح والتضحية وهو ما سينعكس سلبيا على مجموع الحركة الشعبية التى تمثل الحركة الطلابية فصيلا من فصائلها .
3 مارس2018