صفحات من مؤلف ( اليسار العراقي توأم الدولة العراقية الحديثة 1921-2021) الكتاب الأول ( أختطاف الحزب الشيوعي العراقي)
جريدة اليسار العراقي
2024 / 5 / 17 - 11:23
المقدمة
كنت قد وضعت مهمة انجاز البحث التأريخي هذا منذ سنوات واصداره بكتاب، غير أن الانشغال في العمل والمهام المتعددة، قد دفعت بمشروع الكتاب الى التأجيل المستمر.واليوم أذ تصادف الذكرى الثمانين لتأسيس الجركة الشيوعية واليسارية العراقية، في فترة يمر بها العراق هي من اخطر الفترات، حيث يتعرض الى مخاطر التقسيم على يد الإمبريالية الامريكية واتباعها من القوى الطائفية والأثنية والإرهابية.وتواجه الحركة الشيوعية واليسارية أسوء أزمة في تاريخها المديد على مدى عمر الدولة العراقية الحديثة، إذ تفسخت المدرسة الانتهازية التقليدية وسقطت أما في احضان المحتل ونظامه الطائفي الاثني الفاسد (جماعة حميد مجيد) أو في احضان فلول البعث المتشرذمة المتشاتمة (مجموعة باقر إبراهيم الموسوي).
أن الحزب الشيوعي العراقي بصفته حزباً طبقياً ووطنياً، خاض المعركة تلو الأخرى منذ تكون أولى حلقاته الماركسية بالتزامن مع نشأة الدولة العراقية الحديثة عام 1921 والإعلان عن تأسيسه رسمياً في 31 أذار 1934.واصبح بحق توأم الدولة العراقية.حيث قاد الإضرابات العمالية والانتفاضات الفلاحية والهبات والوثبات الشعبية، وساهم مساهمة فعالة وتأريخية في انتصار ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية الخالدة، وعبأ الشعب العراقي برمته لدعم حكومة الثورة لتحقيق منجزات سياسية - اقتصادية - واجتماعية كبرى لصالح الشعب .
إن مسيرة الحزب الشيوعي العراقي المشرقة والمشرفة المعمدة بدماء قادته الشهداء فهد ورفاقه، سلام عادل ورفاقه والآلاف من الشهيدات والشهداء، الممتدة بين فترة تأسيس الدولة العراقية حتى انقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي الأسود- الامريكية التدبير.تمثل الفترة التأريخية التي يعترف فيها العدو الطبقي قبل الصديق، بفاعلية ودور الحزب الشيوعي العراقي الطبقي والوطني والعربي والاممي.
إن تراجع قيادة الحزب الشيوعي عن استراتيجية سلام عادل في تطوير الثورة ومن ثم اتخاذها قرار إبعاده مع رفيقه جمال الحيدري، مهد الطريق لانتصار قوى الردة، وهذا ما عبر عنه الشهيد سلام عادل في حوار مع الشهيد جمال الحيدري في خضم قيادتهما المقاومة الشعبية للانقلاب الفاشي.«قال جمال الحيدري إن الانقلاب كما يبدو قد بدأ منذ الصباح.فعلق سلام عادل قائلاً: كلا.لقد بدأ الانقلاب في منتصف تموز 1959، وسهلت الكتلة مروره.
نعم، انها الكتلة اليمينية التي حملها الشهيد الخالد سلام عادل مسئولية تمرير انقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي الاسود.هي من انحدر بمسيرة الحزب نحو الاسفل وحولت الى مسيرة تراجعية، تحت قيادة المؤسسة الانتهازية التي نصبت نفسها قيادة لا شرعية على الحزب (زمرة عزيز محمد – باقر إبراهيم الموسوي) ولاحقاً تحت هيمنة (فخري - حميد – مفيد) فقد دفعت الحزب الشيوعي العراقي نحو هاوية المسيرة المهزومة المنحدرة من محطة هزيمة الى أخرى، والتي بدأت عقب انقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي وامتدت حتى السقوط في مستنقع الخيانة الوطنية في 9 نيسان 2003، إثر سقوط النظام البعثي الفاشي المقبور على يد أسياده الامريكان والتحاق هذه الزمرة بعربة المحتل كجزء من تركيبة اتباعه الطائفية الاثنية المعادية لتطلعات الشعب العراقي في تأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
انه السقوط المريع لزمرة اختارت طوعاً الالتحاق بالقطار الامريكي الذي حمل { الكريهون اصدقاؤنا خونة بلدانهم } حسب توصيف المخابرات الامريكية رسمياً لهم، إذ تعرف السي اي اي المعارضة اللاوطنية التي تدعمها حرفياُ -«إننا نناصر قضيتهم، لأنها قضيتنا أيضاً.ونحن نختار البعض منهم ليلتحقوا بالمدارس العسكرية الأمريكية ونمنحهم شهادات التخرج.
إننا نطعمهم ونسكنهم في الولايات المتحدة، ونمنحهم الهدايا، ونقدم لهم العاهرات.
إننا ندربهم ونمنحهم أسلحتهم وستراتهم الرسمية.
إننا نعلمهم أساليب صنع القنابل، وأساليب الاغتيال وأساليب الاستجواب - نقصد التعذيب.
إننا نزودهم بالمعلومات عن الأشخاص من القواعد الدولية الضخمة للبيانات التابعة للوكالة.وينتهي الأمر بتعذيب أو اغتيال هؤلاء الأشخاص.
إننا نتستر على الفضائع التي يرتكبونها.
أننا نسهل ونتستر على تهريبهم المخدرات.
إننا نقيم علاقات اجتماعية معهم،إنهم أصدقاؤنا، لقد خانوا بلدهم عادة من أجلنا.-
لقد مرّ على إعدام فهد ورفيقيه ما يزيد على نصف قرن، لتجري أكبر محاولة في التاريخ بهدف إعدام ذاكرة الشعب العراقي الحديثة والحضارية على حد سواء، ولم تكن مصادفة أن يرى المحتل الأمريكي في المتحف الوطني العراقي موقعاً لتنفيذ حكم الإعدام هذه في 9 نيسان 2003.
إن إعدام فهد في ساحة المتحف العراقي للحفاظ على النظام الاستعماري وضمان الهيمنة على النفط العراقي، وإعاقة تحول العراق إلى قلعة للتحرر الوطني والعربي والعالمي، هي ذات الأسباب التي دفعت الإمبريالية الأمريكية لاحتلال العراق، لكنها لم تواجه هذه المرة فهداً لإعدامه، فكان لا بد من إعدام الذاكرة التاريخية لشعب فهد.وهكذا تم تنفيذ حكم الإعدام بالمتحف الوطني العراقي على يد الحلف غير المقدس بين المستعمر القديم بريطانيا العجوز التي كانت هي التي قد نفذ حكم الإعدام بفهد ورفيقيه في 14- 15 شباط 1949، بواسطة الحكم الملكي العميل والاستعمار الجديد ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية لذات الأسباب القديمة – الجديدة.
دأبت العصبة اليمينية الانتهازية الذيلية على استخدام ذريعة "إن الوقت ليس بوقت المحاسبة" أو "عدم نشر الغسيل الوسخ أمام الاعداء"، هذه الذريعة التي انطلت على جريدة طريق الشعب وعلى قطاعات غير قليلة من الرفاق في الحزب في مراحل معينة، وتعاطفوا معها بعاطفية ساذجة حتى لحظة تكشف الحقيقة المرة، المتمثلة بأن إغفال التطبيق الدقيق لحق الرفيق في رسم سياسة الحزب، كان سياسة ثابتة لهذه العصبة الانتهازية.
لقد كتب أحد الرفاق في تفنيد هذه الذريعة «وأبادر إلى التذكير أن ثمة من يعترض على مثل هذه المكاشفة، طارحاً بعاطفة يفترص أنها نبيلة، السؤال التقليدي وهو لمصلحة من نشر غسيلنا أمام الآخرين؟ ويمكن الجواب على هذا السؤال بعدد من الأسئلة هل من مصلحة الحزب والشعب والمجتمع أن نتستر على أوساخ العالقة في جسم الحزب جراء مسلك القيادة، إلا يؤدي ذلك إلى التعفن؟ أليس من مصلحة الحزب أن نكشف عن نقاط ضعفنا ليتسنى لنا تلافيها؟ ثم لماذا الاستهانة بالحزب وبأعضاء الحزب وعدم قول الحقيقة لهم؟ وكشيوعيين أين شعارنا القائل كل الحقيقة للجماهير؟ أليس الكشف عن النواقص علامة هامة من علامات جدية الحزب في تحمل مسؤوليته أمام الجماهير؟
إن تحول القيادة الانتهازية إلى عصبة انتهازية، قد اقترن بفقدان الحزب الشيوعي العراقي لأول مرة في تاريخه إلى القرار الوطني المستقل، وتحول مركز القرار إلى يد القيادة العشائرية الكردية (البارازنية - الطالبانية) حيث جعلت منها العصبة الانتهازية "موسكو" الجديدة، مما أدى إلى كارثة انخراطها في مشروع الاحتلال الإمبريالي الصهيوني للعراق.
توهمت هذه العصبة الانتهازية الخائنة للحزب والشعب، بأن عودتها إلى العراق ضمن جوقة العائدين على الدبابة الأمريكية،والامتيازات التي حصلت عليها، ستمكنها من خداع مناضلي وجماهير الحزب داخل الوطن، حيث شنت حملة دعائية واسعة النطاق لتقديم صورة عن أوضاعها حين كانت خارج العراق، هي غير صورتها الحقيقية المعروفة لرفاق المنفى، مستغلة العواطف الإنسانية المشروعة لمناضلي الداخل في حقهم باستقبال حزبهم العائد، بعد قطيعة دامت ربع قرن من الزمان، فلعبت على أوتار هذه العاطفة الجياشة، مقدمة صورة وهمية مزورة، وقد خاب ظنها فقد نسيت أو تناست، بأن 5% من أعضاء الحزب هو رصيدها، عاد غالبيتهم معها على شكل زيارات سياحية، لتجد نفسها غريقة وسط نسبة الأكثرية المطلقة 95 % العائدة إلى الوطن، وهي خارج التنظيم العصبوي الانتهازي.
لقد اتسمت المؤسسة الانتهازية المتفسخة بأسوأ الصفات، الكذب والنفاق وتزييف الوقائع، ناهيكم عن استخدام اكثر الوسائل وضاعة في محاربة كل رفيق يمارس حقه في رسم سياسة الحزب وفق ما هو مثبت في النظام الداخلي، أساليب وصلت حد اعتقال الرفاق بل وتصفيتهم كما جرى لي شخصياً حيت تم اعتقالي على يد هذه الزمرة في القامشلي عام 1982 واستشهاد الرفيق منتصر تحت التعذيب في كردستان العراق بعد اعتقاله وعدد من رفاقه لشهور.إنها قيادة انتهازية وصولية تفتقد إلى الأمانة ويحضرني وان أسطر هذه الكلمات عشرات الأمثلة ساكتفي بمثال واحد أما البقية فيمكن الاطلاع عليها في صفحات الكتاب، وإيرادي لهذا المثل لسبب مزدوج الأول يتعلق بالتوضيح المطلوب حول سبب تأخر إصدارالكتاب، أما الثاني فلتدليل على مدى فقدان الأمانة في سلوك ومواقف هذه المؤسسة الانتهازية المتفسخة,واكتفي هنا بالاستشهاد من مذكرات باقرإبراهيم الموسوي الخاص بمنظمة سلام عادل، الذي يفتقد إلى الأمانة الحزبية والتأريخية في وقت يسطر فيه السيد باقر المقالات والبيانات عن عدم امانة جماعة حميد مجيد التي أبعدته ورفاقه عن دفة قيادة الحزب، أبرهن فيه على انعدام الأمانة حيث كتب باقر إبراهيم الموسوي في مذكراته -ص 260-261 حول النشاط المنظم خارج الحزب (منظمة سلام عادل: بدأت بإصدار بيانات داخل العراق، في الفترة التي اشتدت فيها حملة القمع الحكومية ضد الحزب الشيوعي العراقي عام 1978 شخصيتها البارزة وربما الوحيدة صباح زيارة، عضو في الحزب الشيوعي، الاتجاه السياسي للمنظمة هو "اليسار" وضمنه الدعوة إلى إسقاط النظام واتهام قيادة الحزب باليمينية.وكان موضع الاستغراب لدى كثير من أعضاء قيادة الحزب مااكتشفوه فيما بعد من وجود "إشراف حزبي" من قبل أحد قادته، هو المرحوم ثابت حبيب.نشطت "المنظمة" في الخارج لفترة معينة ثم أعلنت عن حل نفسها.) وما أورده باقر إبراهيم معلومات مزيفة عمداُ خصوصاً عن إشراف الرفيق الراحل ثابت حبيب العاني على نشاط منظمة سلام عادل وكذلك عن موقعي في الحزب...الخ.
إن السبب الرئيسي المعلن من قبل القوى القومية الفاشية للإطاحة بحكومة ثورة 14 تموز 1958 الوطنية، رفض الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم مشروع الوحدة الفورية مع مصر وسوريا مفضلاً التدرج من الاتحاد العربي وصولاً الى الوحدة العربية، الموقف المدعوم من قبل الحزب الشيوعي العراقي.كما تاجر تجار القومية العربية بقضية فلسطين ايضاً.وبالعودة الى الموقف الشيوعي المبدئي للرفيق الشهيد الخالد فهد من قرار التقسيم وما آلت اليه قضية الشعب الفلسطيني اليوم على هذه القوى القومجية، نجد إن متاجرة الحركة القومية العربية بكل أجنحتها بالقضية الفلسطينية على مدى نصف قرن من الزمان، كانت محصلته ضياع فلسطين بالكامل، وكان لتكالب هذه الحركة على مختلف تسمياتها (البعثية، الناصرية، القوميون العرب..إلخ) على ثورة 14 تموز 1958 المجيدة بحجة عدم قيام الوحدة العربية الفورية وضرورة القضاء على المد الشيوعي في العراق الدور الأساسي بما آلت إليه أوضاع العراق منذ انقلاب 8 شباط 1963 الأسود حتى تسليمها العراق للاحتلال الأمريكي – البريطاني المباشر.وجرى كل ذلك تحت يافطة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.فأين موقف الشهيد فهد من القضية الفلسطينية؟ وألم يكن موقفه هذا السبب الرئيسي الثاني لإعدامه؟ فلنطالع الوثيقة التاريخية التالية التي صيغت من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في ضوء ملاحظات فهد بشأن القضية الفلسطينية، ووزعت في رسالة داخلية إلى أعضاء الحزب في كانون الأول 1947 والتي أعلنت رفض الحزب القاطع لتحرير فلسطين.
أولاً: إن الحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية رجعية، ومزيفة بالنسبة إلى الجماهير اليهودية.
ثانياً: إن الهجرة اليهودية لا تحل مشكلات اليهود المقتلعين من أوروبا، بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية، واستمرارها بشكلها الحالي يهدد السكان الأصليين في حياتهم وحريتهم.
ثالثاً: إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم، يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب.
رابعاً: إن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يتحدد إلا من قبل الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في فلسطين فعلاً، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أية منظمة أو دولة أو مجموعة أخرى.
خامساً: إن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة.
سادساً: إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جدياً على آمال السلام في الشرق الأوسط.
ولكل هذه الأسباب، فإن الحزب الشيوعي العراقي يرفض بشكل قاطع خطة تقسيم فلسطين.(1)
إن رؤية فهد الثورية لطبيعة المشروع الإمبريالي– الصهيوني، سجلت سابقة تاريخية على صعيد استقلال القرار الوطني القومي المستقل عن المركز العالمي للحركة الشيوعية آنذاك.نعني به الاتحاد السوفييتي، ويوثق لرؤية تاريخية مبكرة لاتجاهات هذا الصراع، والذي ترى صورته الحاضرة المأساوية التي حذر منها فهد في نهاية الأربعينيات.لقد واصل فهد تأكيده هذا الموقف المبدئي من سجنه خصوصاً حين وردت معلومات مدسوسة تشير إلى تغير موقف الحزب هذا، في تقرير باسم (ضوء على القضية الفلسطينية) نشر في آب 1948 بطريقة غامضة.(ويذكر الذين زاملوا فهد في سجن الكوت، أنه حين تسلم التقرير طلب إلى أحد رفاقه أن يقرأه بصوت عال ليسمعه السجناء السياسيون في تنظيم الشيوعيين كما في العادة في التعامل مع أدبيات الحزب التي تصل السجن، -ولم يكن قد اطلع على محتواه بعد – ولكن ما أن بدأ القارئ بتلاوة الفقرات الأولى من التقرير حتى بادر إلى إيقافه من دون أن يخفي استياءه، ولم يقرأ التقرير بعدها.وقد أكد هذه الواقعة أيضاً الشخصية السياسية والقانونية المعروف في العراق سالم عبيد النعمان، الذي كان سجيناً مع فهد يومذاك في حديث له مع بطاطو.
قام الشهيد سلام عادل في حسم أمرهذا التقرير المزيف في الكونفرنس الثاني للحزب في عام 1956-–.حيث قدم تقرير بعنوان خطتنا السياسية في سبيل التحرر الوطني والقومي.
(1) حنا بطاطو: العراق والطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، الكتاب الثاني، ص256.
في الجانب الآخر، أعني به, القوى القومية العربية، فقد واصلت سياسة التشويه والدعاية الكاذبة، ورفع الشعارات الرنانة عن الوحدة والحرية والاشتراكية، لتترجمها بأبشع انقلاب دموي على ثورة 14 تموز 1958 الوطنية، لتتوجها باغتصاب الحكم في العراق على يد بلطجي اسمه صدام حسين ليمثل خير صورة عن هذا المشروع القومي لتحرير فلسطين، وإذا به يختم مسيرة أربعين عاماً من السياسة التدميرية تحت شعار (لا صوت يرتفع على صوت المعركة المركزية) ليلقي بالعراق قلب الأمة العربية والشرق الأوسط في فم الاحتلال الأمريكي، بعد حروب بالنيابة كلها في الاتجاه المعاكس لمعركة تحرير فلسطين.
يسجل التأريخ مأثرة عظيمة لقواعد وكوادر الحزب الشيوعي العراقي، ممثلة بالدور الطبقي والوطني الواعي لمهمة الحزب الثورية، فقد تصدت لكل التوجهات الانتهازية المنحرفة عن النظرية الثورية، ولم تكن ولادة قوى يسارية وطنية من رحم الحزب الأم الحزب الشيوعي العراقي مصادفة، بل، هي ولادة تأريخية موضوعية، هذه الولادة العسيرة، وشكلت القوى الشيوعية واليسارية التي كافحت على مدى عقود من اجل اصلاح مسيرة الحزب وإعادته إلى الجادة الثورية.
كتبت عام 2005 - تتواصل عملية البحث والحوار في الأوساط اليسارية العراقية،بشان وضع الحركة الثورية في بلادنا، ومستقبل اليسار، وهي ظاهرة موصولة لربع قرن خلى، هو عمر النظام الصدامي الفاشي، ظاهرة اقترنت بالفعل الثوري وتقديم الشهداء على مذبح الحرية.
فما الجديد في البحث هذا راهناً؟ هل وصل الحوار إلى المستوى العملي الشامل المطلوب للتقدم إلى أمام؟ أين هي تلك العلاقة بين الحوار فكرياً والفعل الثوري على أرض الواقع؟
لكي نجيب على هذه الأسئلة، لابد من العودة قليلاً إلى الوراء، فلا حاضر دون ماض، ولا قيمة للحوار الفكري مهما ارتفع مستواه دون تجربة كفاحية على أرض المعركة.ان تقييم الوضع العراقي الراهن منعزلاً عن المرحلة السابقة، هي بمثابة القفز في الهواء،والشي ذاته يشير إلى أن تواصل الحوار الفكري منقطعاً عن تجربة الحركة الثورية العراقية لما قبل اللحظة الراهنة، مؤاده أي الحوار ان يتحول إلى تنظير صالونات نخبوية، أو صالونات الكترونية في لغة عصرنا الراهن.دون فعل ثوري مباشرفي المعركة الوطنية والطبقية الجارية في عراقنا.
يرى بعض الرفاق إنه قد كتب الكثير عن تجربة الماضي، والمطلوب تقديم البديل! نعم إنه رأي صائب، وعليه ينبغي تجنب التكرار إلا عند الضرورة، والاكتفاء جهد الامكان بالوقوف عند ماهو رئيسي في هذه التقييمات، من أجل ربط الصورة المعنية.
إن تجربة الصراع مع القيادة اليمينية الذيلية الانتهازية للحزب الشيوعي، التي هيمنت على قيادة الحزب منذ استشهاد الرفيق سلام عادل في انقلاب 8 شباط الأسود 1963تنقسم إلى مرحلتين:
الأولى منذ انقلاب 8 شباط الأسود حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وفقدان هذه القيادة لسندها البيروقراطي "الرفاق السوفييت" فتعرضت القيادة الانتهازية ذاتها إلى التفسخ بفعل ضربات القاعدة الثورية للحزب، إذ حققت هذه القاعدة البطولية، رغم إرهاب اليمين الانتهازي والأنظمة الرجعية المتعاقبة، انتصارات كبيرة،أهمها إفشال مخطط قيادة عزيز محمد الخروشوفي في حل الحزب الشيوعي العراقي وضمه إلى حزب عبد السلام عارف "الاشتراكي" فيما عرف بخط آب 1964،انتفاضة القاعدة والكوادر في 17 أيلول 1967 وبدء حركة الكفاح المسلح لإسقاط النظام العارفي الرجعي، حيث قدم شهداء الانتفاضة المسلحة في الأهوار آيات البطولة الاستشهادية في سبيل الوطن والشعب،إعاقة القاعدة الحزبية المشروع الذيلي لحزب البعث "الجبهة الوطنية" سيئة الصيت،إجبار القيادة الانتهازية على الاستجابة لمطلب القاعدة الحزبية، في البدء بخوض الكفاح المسلح ضد النظام الصدامي البعثي الفاشي 1979، انبثاق منظمة سلام عادل في الحزب الشيوعي العراقي في بغداد 8.تموز1979 بعد هروب القيادة الانتهازية إلى خارج العراق بتسهيل من صدام شخصياً، لقد كانا عاملي الاسناد لاستمرار هذه القيادة حتى تفسخها، هما الدعم السوفييتي المطلق، والتعاون مع الأنظمة البرجوازية الصغيرة الحاكمة.تشكيل " شيوعيون عراقيون "بقيادة الشهيد ستار غانم المعروف باسم سامي حركات، تشكيل احزاب شيوعية ويسارية فترة التسعينيات.ولاحقاً بعد الاحتلال.
الثانية: هي تلك الفترة الممتدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حتى الانهيار النهائي للقيادة الانتهازية بارتمائها باحضان الاحتلال الأمريكي الإمبريالي للعراق في 9 نيسان 2003، وتحالفها مع القوى الطائفية والعنصرية، التي لفظتها كالعادة لاحقاً.
إن إعادة بناء الحزب اليساري في العراق، عملية لايمكن لها أن تتم بعيداً عن النضال المباشر وسط الجماهير الشعبية، وعليه فإن الفصل القسري بين البرنامج الوطني المرحلي والاستراتيجية الشاملة للحزب اليساري، يكاد يكون أمراً مستحيلاً،إن الإعلان عن برنامج وطني تحرري ديمقراطي، يهدف إلى تحرير العراق من الاحتلال وإقامة نظام وطني ديمقراطي، سيشكل الرافعة الوطنية للوصول إلى البرنامج اليساري الوطني الديمقراطي، فمواصلة خوض الكفاح الوطني ضد نظام الاحتلال الطائفي العنصري الإرهابي، سيضع اليسار في قلب المعركة، وستلتف من حوله القوى الوطنية والديمقراطية في المجتمع.
إن المتحاورين في الوسط اليساري، يتمتعون بخبرات نضالية طويلة، فكرية وتنظيمية وعسكرية وإنسانية، ويسجل لهم مواقفهم الثورية الواعية المبكرة، في الوقوف في وجه الدكتاتورية والانتهازية والتبعية لموسكو، يمتلك هؤلاء ايمان مطلق بحتمية انتصار ثورة العدالة والتقدم، ويجمعهم كل من موقعه النضالي التقييم السياسي السليم للتطوارات التي مرت بها بلادنا منذ تسلم صدام الفاشي الحكم حتى سقوطه على يد أسياده الأمريكان واحتلال البلاد في 9 نيسان 2003.ويمتلك هؤلاء الرفاق الناصية التاريخية لمجرى الصراع الطبقي في العراق منذ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار 1934،إضافة إلى المعرفة التاريخية الشاملة ببلادنا والمنطقة والعالم.
جاء تشكيل لجنة العمل اليساري العراقي المشترك في 1 شباط 2012 تتويجاً لهذا الجهد الجماعي لقوى اليسار العراقي واستجابة موضوعية لضرورة تبلور الخيار اليساري العراقي في مواجهة القوى الظلامية والاستغلالية.حيث أعلنت اللجنة في بلاغها : (يتطلع اليسار الماركسي والشيوعي والحركة اليسارية والعمالية بشكل عام إلى إجراء تغيير سياسي وأحداث تغيير جذري وتقدمي في البلد، لمصلحة الطبقة العاملة والكادحين وعموم الشعب العراقي.وقد انعكس تشتت صفوفه سلباً في تحقيق أهدافه وتطلعاته، وعلى لعب دور فاعل ومؤثر على صعيد المجتمع العراقي.من هذا المنطلق فأن تشكيل لجنة العمل اليساري المشترك يهدف إلى :
تفعيل التنسيق وتعزيز العمل المشترك بين مختلف مكوناته وفصائله والشخصيات اليسارية والماركسية والتقدمية، بأشكال وصور مختلفة تخدم أهدافه وتطلعاته.
النضال من أجل بناء دولة مدنية وديمقراطية حديثة، وأنهاء نظام المحاصصة الطائفية والقومية البغيضة في البلد، ومحاربة وكنس مخلفات وآثار الاحتلال الأمريكي والحروب.
تطوير وإنماء الحركة المطلبية والاحتجاجية في سبيل إجراءإصلاحات اقتصادية واجتماعية وخدمية أساسية، وضمان البطالة ورفع الأجوروالرواتب بما يتناسب مع مستويات العيش والرفاه المعاصر، وصولاً لتحقيق العدالة الاجتماعية.
الدفاع عن الحريات والحقوق الأساسية كحرية التعبير والصحافة والمعتقد والحريات النقابية والمهنية والمدنية.
الدفاع عن حرية المرأة العراقية وحصولها على كافة حقوقها الأساسية في العمل وفي قوانين الأحوال الشخصية، بما يضمن مساواتها مع الرجل.
النضال في سبيل سن قانون عمل تقدمي، يضمن للعمال حقوقهم العادلة وحرية العمل النقابي والمهني وحق الإضراب والتظاهر.
نشر وإشاعة الثقافة اليسارية والماركسية بشكل خاص والثقافة المدنية والديمقراطية والتقدمية بشكل عام.
إن الكتاب، هو سفر الشهداء من أجل وطن حر وشعب سعيد، ورؤية يسارية طبقية وطنية منتصرة مقابل هزيمة المؤسسة الانتهازية.يجيب بالبحث الموثق عن اسئلة الواقع الراهن وطنياً وحزبياً، كما يستعرض مسيرة ثورية تغطي ارض العراق من جباله الى اهواره وباديته....مسيرة رفعت الراية الحمراء عالياً، راية تنتقل من جيل مناضل الى اخر، وتواصل اليوم الكفاح على جميع الجبهات حفاظاً على وحدة العراق واستكمال سيادته وإقامة النظام الوطني التحرري الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
- ما هي عوامل انقسام المؤسسة الانتهازية على اساس قومي شوفيني - عنصري؟
- من المستفيد من شق الحزب الشيوعي العراقي على اساس قومي عربي - كردي؟
- ما هي الخلفية الحزبية لزمرة حميد - مفيد التي سلمت قيادة الحزب في المؤتمر الخامس؟
- لماذا اكتفت العناصر القيادية اليمينية العربية المبعدة من قيادة الحزب بالاستسلام؟
- لماذا كوفئت العناصر القيادية اليمينية الكردية على دورها التصفوي ومنحت تنظيم اقليم كردستان؟
- ماهو الدور التخريبي الذي لعبته القيادة الاقطاعية الكردية في تحقيق حلمها القديم في شق الحزب الشيوعي العراقي على أساس قومي؟
- هل كان يمكن لأي عنصر قيادي في المؤسسة الانتهازية التصفوية المتفسخة أن ينهض بدور تغييري في الحزب؟
أسئلة مفصلية يمكن الإجابة عليها بعد أن استعرضنا تاريخية الصراع في الحزب الشيوعي العراقي، هذا الصراع المرتبط ارتباطا وثيقا بالتطورات الوطنية العراقية، وبالتحديد منذ انتصار ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية، وتخندق القوى في معسكرين متناقضين وطنيا وطبقيا، معسكر ثورة 14 تموز بقيادة الحزب الشيوعي العراقي، ومعسكر قوى الردة الرجعية مجتمعة والتي ضمت القوى الإقطاعية وبقايا البرجوازية الطفيلية والقوى الدينية المتخلفة وشكل البعث الفاشي رأس حربتها، هذا المعسكر الرجعي المدعوم عربيا من قبل الدكتاتور عبد الناصر والموجه من قبل المخابرات الأمريكية.
تهدف هذه الدراسة تنوير الأجيال الجديدة من الشبيبة العراقية بكفاح الشيوعيين العراقيين الوطني والطبقي، هذا التأريخ المعمد بدماء الشهداء قادة وقواعد من اجل وطن حر وشعب سعيد، وفضح الخيانة الوطنية والطبقية للزمرة المتخادمة مع المحتل الإمبريالي الصهيوني لبلادنا.
أخيراً، الكتاب عبارة عن سلسلة مقالات كانت قد نشرت على صفحات جريدتي (الحركة – الكفاح) الناطقة باسم منظمة سلام عادل في الحزب الشيوعي العراقي ما قبل سقوط النظام البعثي الفاشي على يد اسياده الامريكان، وجريدتي (اتحاد الشعب – اليسار) الناطقة باسم التيار اليساري الوطني العراقي بعد احتلال العراق في 9 نيسان 2003، وموقع اليسار العراقي، وعلى صفحات جريدة (قاسيون) اليسارية السورية وموقع الحزب الشيوعي اللبناني الالكتروني وعدد من المواقع الالكترونية العراقية والعربية.
صباح زيارة الموسوي