الــطّاهر الهــمّامي النّـــــــقابي


إبراهيم العثماني
2024 / 5 / 13 - 22:14     

مقــــــــــدّمة:
لم يكن الطّاهر الهمّامي (1947-2009) شاعرا وناقدا ومفكّرا وباحثا وأستاذا جامعيّا فحسب بل كان أيضا نقابيّا مدافعا شرسا عن استقلاليّة الاتّحاد العام التّونسي للشّغل والدّيمقراطيّة النّقابيّة لايخشى أذى قيادة الاتّحاد والسّلطة الحاكمة في آن، يصدح برأيه دون لفّ ودوران، ويكتب بجرأة نادرة، ويؤرّخ الأحداث للعبرة والاعتبار.
وبمناسبة مرور15 سنة على رحيله ارتأينا أن نعود إلى نصوص نقابيّة كتبها بعد صدور كتابه الموسوم ب"دفاعا عن الدّيمقراطيّة النقابيّة ماي 1984- ماي 1985"(دار النّشر للمغرب العربي- أفريل 1985)، ولم يتضمّنها كتابه"ذاكرة شعب"( ط1- دارصامد/ جوان 1989).
ولكن قبل أن ننظر في هذه النّصوص نودّ أن نعود قليلا للوراء.

I - للذّكرى فقط !!:

دشّن قطاع التّعليم الثّانوي في منتصف سبعينات القرن العشرين محطّة نضاليّة شكّلت منطلقا لمسارطويل قِوامه النّضال في سبيل ديمقراطيّة العمل النّقابي واستقلاليّة القرار، وقد كانت الانطلاقة عسيرة والتّضحيات جسيمة و"الفاتورة" باهظة. فقد قرّرت الهيئة الإداريّة القطاعيّة المنعقدة يومي 7و8 ديسمبر1974 إضرابا ليوم 28 جانفي 1975 دفاعا عن جملة من المطالب من بينها إرجاع الأساتذة الّذين حوكموا من أجل أفكارهم وطردوا من عملهم، وأصرّت النّقابة على تنفيذه. لكن المكتب التّنفيذي والحبيب عاشور بالذّات المتحكّم في دواليب الاتّحاد والملتزم بمقرّرات حزب الدّستور رأى في المطالب شحنة سياسيّة فرفض تبنّي الإضراب، وقرّرحلّ النّقابة العامّة وبعض النّقابات الجهويّة من بينها نقابة تونس الّتي كان الطّاهر أحد أعضائها(انظر جريدة"الشّعب" بتاريخ 16 ماي 1975 ص2).
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ فقد تواطأ الحبيب عاشور مع وزير التّربية فتشفّيا من النّقابيّين ونكّلا بهم وشتّتا شمل أسرهم (نقل تعسّفيّة بعيدا عن مقار سكناهم). ولمّا سئل الطّاهر الهمّامي عن سبب اختفائه عن السّاحة الأدبيّة في هذه الفترة أجاب قائلا:"..وفي سنة74 وقع اعتقال أخي حمّة لمدّة ستّ سنوات، وفي سنة75 تعرّضت لنقلة تعسّفيّة لمدّة خمس سنوات إثر إضراب أساتذة الثّانوي، وتبعا لذلك أرهقتني الصّعوبات وأنا موزّع بين قفّة السّجين وواجب النّقابي ومسؤوليّة ربّ الأسرة (طفلتان)، وأنا أناضل في سبيل قوتي اليومي كان عليّ أن أقطع يوميّا مسافة 130كلم لألتحق بسليانة حيث كنت أدرّس... وكان علي أن أتحمّل كلّ ذلك، بالإضافة إلى الوضع السّائد بالبلاد مثل غياب حرية التّعبير والنّشر خلال المرحلتين السّياسيّتين، مرحلة"التّعاضد" ومرحلة"ميثاق التّقدّم"(انظرحوار الطاهر الهمّامي مع العروسي العمري تحت عنوان: Tahar Hammami, contre ces néos- soufis attardés, in le Maghreb n° 13 -4, Juillet 1981, p. 48).
(التّرجمة من عندنا).
كما سجّل الطّاهر، في الكتيب الموسوم ب"دفاعا عن الديمقراطية النقابية.."، فصولا من الحملة الشّعواء الّتي شنّها الحبيب عاشور على اليسار النّقابي سنة 84 بدءا بقطاع التّعليم الثانوي وانتهاء بالنّقابيين الدّيمقراطيين وتعرّض فيها صاحبنا للطّرد (انظر نصّه "رسالة من طريد "الضّيعة" ص37 ضمن هذا الكتاب)
أمّا الأزمة الّتي عصفت بالاتّحاد سنة 1985 فقد خصّها الطّاهر بأكثرمن مقال.

II-النّصوص النّقابيّة ومحاورها:

أ‌- حول قضيّة جريدة"الشّعب": "هنشير بابا" يامسكين/ مجلّة"حقائق" عدد69-الجمعة 31 ماي 1985 ص8/9.
ب‌- أزمة في الاتّحاد: ما العمل؟ حقائق عدد72/ الجمعة28 جوان 1985 ص9/10.
ج- ما أشبه اللّيلة بالبارحة ! حقائق عدد74- الجمعة 12جويلية 1985 ص6.
د- ارفعوا أيديكم عن الاتّحاد !- حقائق عدد84- الجمعة 20سبتمبر 1985 ص 18/19.
ه- نرفض هذا الحبّ !- حقائق عدد 92- الجمعة 8 نوفمبر 1985 ص19.
يتبيّن قارئ هذه النّصوص أنّ أزمة الاتّحاد في منتصف ثمانينات القرن العشرين أزمة مركّبة ساهمت فيها قيادة الاتّحاد وانتهت بإزاحتها من المسؤوليّة ممّا يؤكّد عجزها عن استخلاص الدّروس من تاريخ المنظّمة الحافل بالعبر، وقصرنظرالشّقوق الّتي تعوّل على سلطة لايؤتمن جانبها وكانت دوما متأهّبة لاقتناص أيّ فرصة تساعدها على تدجين الاتّحاد.

1-أزمة الدّيمقراطيّة النّقابيّة:

يتّصل المقال الأوّل بحجز الحبيب عاشور جريدة"الشّعب" (عدد10 بتاريخ ماي 1985) قبل صدورها والقيام بدورالبوليس وتغيير المسؤول عنها. وقد كان هذا الحدث العجيب الغريب مثار سخرية وامتعاض وجدل استقطب اهتمام الرّأي العام النّقابي والدّيمقراطي على حدّ سواء، وكان الطّاهر الهمّامي من الّذين جنّدوا أقلامهم لتحليل هذه البدعة. والمقال عبارة عن محاكمة لسجلّ الحبيب عاشور الحافل بمثل هذه المناورات.لذا وجدناه يستحضر بعض المحطّات الّتي تدعّم كلامه (اللّجوء إلى قوّات الأمن وتبرير تدخّلها ضد التّحرّكات العمّاليّة والمناضلين، ضبط قوات الأمن قائمات فيهم قصد "تأديبهم"، أو تدبير الانقلابات وتصفية الحسابات مع غير المرغوب فيهم، والدّخول في صراعات سياسيّة طمعا في خلافة الرّئيس).
ولم يقصر الطّاهر كلامه على ماضي الحبيب عاشور بل نجده يدين مجموعة نقابيّة اعتبرها انتهازيّة لأنها امتعضت ممّا فعله الأمين العام في حين برّرت تصفيته لليسار النّقابي واعتبرت ذلك"إجراء حكيما" وندّدت بالضّحايا.
وبعد هذه التّوطئة تساءل الطّاهر عن طبيعة الصّراع الّذي يدور داخل المكتب التّنفيذي وعلاقته بمصلحة القاعدة النّقابيّة والعمّاليّة والمعركة الدّيمقراطيّة والوطنيّة. وقد رأى أنّ هذا الحدث ليس مفاجئا بل له جذور تمتدّ إلى نهاية سنة1981 لمّا رُفع الاستثناء عن الحبيب عاشور وشروعه في تصفية خصومه: التّخلّص من أعضاء المكتب التّنفيذي الّذين شاركوا في "جبهة انتخابيّة وطنيّة" مع الحزب الحاكم (بمساعدة اليساروالبكّوش على هذا التخلّص )، ثمّ تصفية اليسار النّقابي (مساعدة البكوش والظّلاميين)، ولمّ "خلا له الجوّ" استفرد بالطيب البكوش فعزله وعيّن، على رأس جريد ة الشّعب "كمال سعد أحد رجال التّيجاني عبيد بالقيروان سابقا والمعروف بدعمه للإسلاميّين ضد الدّيمقراطيّين هناك"(ص9).
وهذا التّعيين هو رسالة موجّهة إلى حركة الاتّجاه الإسلامي الّتي تحالفت مع عاشور لضرب اليسار الدّيمقراطي وتكرّرت زيارات أعضاء المكتب التّنفيذي لشيوخها بل إنّ عاشور تحالف مع بعض رموزها في الجهات.
وعلاقة الاتجاه الإسلامي بقيادة الاتّحاد ليست سرّا. فقد ذكرها الطيب البكوش قائلا:"أراد الحبيب عاشور أن يتقرّب من جماعة الاتّجاه الإسلامي الّذين زاره وفد من قيادته ضمّ راشد الغنّوشي وعبد الفتّاح مورو والهاشمي الحامدي. وعلمت أنّهم ادّعوا أنّ جريدة الشّعب أصبحت مفتوحة "لليساريّين" دون "الإسلاميّين" (انظر: الطيب البكوش: الرّئيس بورقيبة كما عرفته خفايا اللّقاءات حول الأزمة النقابيّة / ط1- تونس 2021 ص151).
ويعتبر الطاهر الهمّامي هذه الزّيارة خطرا على مستقبل الدّيمقراطيّة النّقابيّة في الاتّحاد والدّيمقراطيّة في البلاد، واستقلاليّة العمل النّقابي، ويحثّ القوى العقلانيّة والدّيمقراطيّة على ضرورة التّصدّي لهذا الخطر ويطالب بأن تكون الصّحافة النّقابيّة صحافة ديمقراطيّة تخدم مصالح العمّال وتترجم شواغلهم وتضمن لهم حرية التّعبير وترفع من وعيهم. فكيف تصرّفت السّلطة؟

2- استغلال الأزمة والتّضييق على العمل النّقابي:

استغلّت السّلطة الحاكمة الوهن الّذي ألحقه الحبيب عاشور بأداة نضال الطّبقة العاملة فشرعت في فرض شروطها وتعسير ظروف التّفاوض مع المكتب التّنفيذي. وقد استعرض الطّاهر في مقاله" أزمة في الاتّحاد" فشل المفاوضات الاجتماعيّة وتنكّر السّلطة الحاكمة لأسلوب التّعامل الّذي دأبت عليه منذ عقود(السّياسة التّعاقديّة)، وربط الأجور بتطوّر الأسعار وليس بالإنتاج والإنتاجيّة، وعدم التّراجع عن الاتّفاقيات الممضاة.
وأمعنت السّلطة في التّضييق على العمل النّقابي بمنع الاجتماعات النقابيّة بالمؤسّسات (المنشور عدد40)، وضرب حق الإضراب (التّسخير والخصم والملاحقة القضائيّة)، والمساعي الحثيثة لتفكيك المنظّمة، ومصادرة الحريات النّقابيّة والسّياسيّة.
أمّا الاتّحاد فيتعرّض لخطرين اثنين: خطر خارجي تقوده السّلطة لتدجينه وخطر داخلي يتمثّل في دور البيروقراطيّة النقابيّة العائق لتطوّره وأسلوب التّسخين والتّبريد وتصفية الحسابات.
ويرى الطاهر أنّ وضع البلاد الاقتصادي المتدهور يعود إلى الاختيارات الكبرى الّتي اتّبعتها السّلطة (التّبعيّة للمؤسّسات الماليّة والدّول الأجنبيّة، سياسة طبقيّة في خدمة الأثرياء، جباية مثقلة لكاهل الفقراء)
ولكنّ صاحبنا لا يكتفي بتشخيص الواقع بل يقترح برنامج الحدّ الأدنى المتكوّن من ثلاثة محاور
1) البرنامج المطلبي:
التّعويض عن تدهور المقدرة الشرائيّة/ إلغاء المنشورعدد40 واحترام الحريات النقابية/ إرجاع المطرودين/ تطبيق الاتّفاقيّات الممضاة
2) الدّيقراطيّة النّقابيّة:
المطالبة برفع مظلمة التّجريد/ الوقوف ضد الممارسات الفرديّة والفوقيّة ومقاومة النّزعات الجهويّة والعروشية/ التّعويض عن لعبة التّسخين والتّبريد باحترام إرادة القواعد وتنفيذ مقرّراتها/ فتح صحافة الاتّحاد ومقرّاته للنّشاط النقابي وللنّقابيّين دون ميز أو استثناء/ تطوير قوانين المنظّمة بالطّرق الدّيمقراطيّة/ مناهضة التيّارات الفاشيّة مهما كان غلافها سماويّا أو أرضيّا.
3) الاستقلاليّة الفعليّة:
الاستغناء عن "خدمات" رأس المال المقدّمة إلى المنظّمة
تولّي مصالح الاتّحاد الخصم المباشر لمعاليم الانخراط شهريّا/ دفع الاتحاد جرايات الملحقين بالعمل النّقابي.
ويقترح عقد مجلس وطني لرسم خطّة نضاليّة لمواجهة الأخطار المحدقة به في هذه المرحلة الدّقيقة. فما مصير هذه المقترحات؟

3- مقدّمات لتدجين الاتّحاد:

كشفت الأيّام الّلاحقة أنّ السّلطة الحاكمة قرّرت إنهاء الدّور الكلاسيكي للنّقابات والمتمثّل في تحسين المقدرة الشّرائيّة للعمّال وربط الأجور بالأسعار وشنّ الإضرابات إن تعطّلت لغة الحوار، واستعاضت عن كلّ ذلك بمفاهيم جديدة من قبيل زيادة الإنتاج والإنتاجيّة وتقاسم أعباء الأزمة. وهذه المفاهيم هي، في الحقيقة، مدخل إلى تدجين الاتّحاد كما حدث في ستينات القرن العشرين أثناء فترة بناء"الاشتراكيّة"، وإجبار المنظّمات القوميّة على الانخراط في هذا البناء، وتطبيق النّقابات تعليمات الحزب وتحوّلها إلى جهاز حزبي وهيكل صوري بعد إزاحة الحبيب عاشور وتعويضه بالبشير بالاغة الملتزم بسياسة الحزب الحاكم أثناء فترة التّعاضد.
وقد لاحظ الطّاهر الهمّامي أنّ السّلطة الحاكمة سائرة على النّهج الّذي اعتادت اتّباعه في الماضي. لذا تخيّر عنوانا لمقاله موحيا سمّاه " ما أشبه اللّيلة بالبارحة" وكأنّ عقارب السّاعة تجمّدت وعجلة التّاريخ توقّفت.
لكنّ إصرار السّلطة على تدجين الاتّحاد أصبح أمرا لا رجعة فيه. فبالإضافة إلى الأزمة الاقتصاديّة الّتي مافتئت تتعمّق ظلّت السّلطة تمعن في محاصرة قيادة الاتّحاد الّتي أصرّت على المحافظة على الحدّ الأدنى من الحقوق المكتسبة، وأحكمت تطويقها وذلك برفض أي زيادة، وتشجيع البدائل لمضايقة الاتّحاد (مركزيّة موازية، شعب مهنيّة)، وإذكاء التّناحر داخل المنظّمة لإضعافها..، واستغلال الأزمة مع النّظام اللّيبي للإجهاز على ما تبقّى: إبطال الخصم المباشر، وإلغاء التّفرّغ، وحجز بعض بيانات الأطر النّقابيّة وشن حملة إعلاميّة على قيادة الاتّحاد واتّهام بعض قادته بالتّخاذل في علاقة بالملف اللّيبي.
وأمام اشتداد هذه الحملة على الاتّحاد أطلق الطّاهر صيحة فزع مُفادُها"ارفعوا أيديكم عن الاتّحاد" محذّرا من العودة إلى أساليب الماضي. لكن "سبق السّيف العذل" فالسّلطة مصمّمة على تفكيك المنظّمة.

4- الاتّحاد في مهبّ الرّيح:

بأسلوب ساخر ولغة قائمة على التّهكّم تجمع بين الشّيء ونقيضه شخّص الطّاهر الهمّامي، في مقاله - نرفض هذا الحبّ !- (هل هو حبّ أم اغتصاب تمارسه العضلات المفتولة لميليشيات الحزب الحاكم؟) الوضع الّذي آل إليه الاتّحاد العام التّونسي للشّغل والمسلسل الّذي اتّبعته السّلطة بدءا بتطويق المقرّات وانتهاء بالتّدخّل السّافرفي شؤونه والاستيلاء على وثائقه وتنصيب"رجال الحزب على رأس هياكله".
وأمام هذا الانقلاب المكشوف يطرح الطّاهر الهمّامي الخطّة الواجب اتّباعها للتّصدّي لهذا الهجوم بكلّ حزم ودون تردّد:
الدّفاع عن المركزيّة وعن هياكلها الصّامدة
- رفض الانقلاب ونتائجه
- الاستفادة من تجارب الماضي( أحداث 26 جانفي 1978)
- مباركة الكاتب موقف القوى الدّيمقراطيّة والنّقابيّين المناهض للانقلاب وتوحّدهم ضمن جبهة واقتناعهم بحلّ القضايا الخلافيّة داخل أطر الاتّحاد وهياكله المنتخبة وبالطّرق الدّيمقراطيّة لسدّ الباب أمام التّدخلات الخارجيّة
- وقوف اليسار النّقابي- رغم "خلافاته مع قيادة الاتّحاد وجراحاته منها"- في طليعة المدافعين عن استقلاليّة الاتّحاد وديقراطيّته ونضاليّته.
- رفض اليسار النّقابي أساليب العنف الّتي اعتمدتها ميليشيات الحزب الحاكم والتجاء السّلطة إلى السّجون والطّرد التّعسّفي وتكسير النّضالات المشروعة في ظلّ أزمة رأس المال، والغاية من تفكيك هياكل الاتّحاد هي تحميل الشّعب فاتورة الأزمة الخانقة.
وهكذا جُمّد نشاط الاتّحاد واستمرّت أزمته سنوات ولم تجد طريقها للحلّ إلاّ بعد الانقلاب الّذي قاده الجنرال ابن علي في 7نوفمبر1987.

خاتـــــــــــمة:

تعكس هذه النّصوص فصلا آخر من فصول العلاقة المتوتّرة بين السّلطة الحاكمة واتّحاد الشّغل الّتي بدأت مع منتصف الخمسينات ولم تنته مع أزمة الثّمانينات. وقد تميّز الطّاهر الهمّامي بعمق تحليله، وقدرته الفائقة على الإمساك بالحلقة المركزيّة في كلّ مسألة مدروسة، والنّفاذ إلى جوهرها وسبر أغوارها بلغة سلسة وأسلوب آسر ساخر متهكّم أحيانا.
كُتبت هذه النّصوص منذ أربعة عقود تقريبا (39سنة) و"دار لقمان على حالها". فالدّيمقراطيّة النّقابيّة تعيش أتعس لحظاتها، ونضاليّة النّقابيّين دبّ في مفاصلها الوهن، والانتهازيّة عشّشت وفرّخت في صفوف "جهابذة " من مناضلي الأمس. أمّا عن علاقة السّلطة بالاتّحاد فحدّث ولا حرج. فهي تطبّق عليه "فلسفة "مخصوصة قوامها لا دور للنّقابات ولا التفاتة إليها، دعها وشأنها سيكون مآلها الزّوال التّدريجي. ولكن" إلّلي يحسب وحدو يفضلّو".