الفصل الثاني: على أبواب الصحراء - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة عمال المناجم المغاربة في شمالي فرنسا”
ماري سيغارا
2024 / 3 / 31 - 18:20
الفصل الثاني: على أبواب الصحراء
La Gare Saint-Lazare, 1877 | Claude Monet
من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة عمال المناجم المغاربة في شمالي فرنسا”، للكاتبة ماري سيغارا
CEGARRA, Marie. Deuxième partie. Aux portes du désert In: La mémoire confisquée: Les mineurs marocains dans le Nord de la France [online]. Villeneuve d’Ascq: Presses universitaires du Septentrion, 1999 (generated 29 mars 2024). Available on the Internet: <http://books.openedition.org/septentrion/122013>. ISBN: 978-2-7574-3459-8. DOI: https://doi.org/10.4000/books.septentrion.122013.
الهجرة المغربية: الخلفية
تعود الهجرة المغربية إلى أوروبا، وخاصة إلى فرنسا، إلى بداية القرن العشرين. حصلت فعلياً هجرة داخلية مرتبطة بشكل أساسي بسوء المحاصيل، ولكن دخول فرنسا الكولونيالي إلى المغرب سيطلق هجرة دولية واسعة النطاق.
بشكل عام، إن عملية الهجرة هي ثمرة العلاقات الإقتصادية والسياسية والثقافية بين البلدين. في حالة المغرب وفرنسا، كانت الهجرة موازية للنمو الاقتصادي. سببت فترات النمو والتحولات البنيوية والتغيير الأساسي في تطلعات السكان نقصاً في اليد العاملة في القطاعات الاستراتيجية، فملأ العمال المهاجرون هذا النقص. وقد أطلقت سلسلة كاملة من الدعوات بهدف ضمان التنمية الاقتصادية وجاء العمال المهاجرون لشغل مساحة جديدة مدفوعين كذلك بأسباب مرتبطة ببلدهم: أسباب داخلية مثل الفقر والبطالة التي لا يستطيع حتى التضامن الأسري إخفاءها أو حلها.
لذلك، الهجرة هي كذلك قصة فردية، ومسار حياة. وقد لعبت الدوافع الفردية المتضمنة أيديولوجيا مجتمعية دوراً من المهم التأكيد عليه. لذلك، كان لموجة الهجرة هذه مميزات محددة.
آثار الكولونيالية
على مستوى الدول الأوروبية وكولونيالاتها السابقة، لا يمكن تناول ظاهرة الهجرة بمعزل عن التطور التاريخي الذي تشهده العلاقات بين المهاجرين ودول الهجرة. في تاريخ أوروبا والعالم الثالث، كان للعلاقات الموروثة من الفترة الكولونيالية، والتي جرى محوها اليوم، بالغ الأثر ولا يمكن تجاهلها.
الهجرة المغربية، وكبقية هجرة شمال غربي إفريقيا، هي، في الواقع، واحدة من نتائج الكولونيالية. لقد لعبت تأثيراتها دوراً كبيراً، من خلال إقامة الكولونيالات، المتمحورة حول الأقطاب الاقتصادية الصناعية، وما تطلبه ذلك من بناء شبكات لسكك الحديد والموانئ، ثم وضع اليد على الأراضي الزراعية، وتجزئة الممتلكات وحتى مصادرتها.
تسببت الكولونيالية في إفقار مجتمعات الفلاحين نتيجة الاستيلاء على الممتلكات (الأراضي، الماشية والمحاصيل). استعملت وسائل عسكرية كبيرة لمواجهة المقاومة الشعبية: حرق المحاصيل وتدمير مخازن الحبوب الجماعية، والقطعان والمعدات الهيدروليكية. (23)
في الوقت عينه، زاد عدد الكولونياليين، ما أدى إلى زيادة النهب الزراعي حتى الأراضي الخاصة المملوكة من الأفراد. أما بالنسبة إلى القبائل التي تمارس الرعي بشكل أساسي، فقد دفعهم تقليص أراضي الرعي، إضافة إلى الجفاف الدوري، إلى اللجوء إلى سفوح الجبال.
لذلك إن الفقر العام للفلاحين، الذين شكلوا غالبية سكان المغرب، دفع وعزز حاجة فرد من كل عائلة إلى الذهاب للمدينة لإعالتها. شجع هذا التفكك على هجرة المغاربة الريفيين وبلترتهم، ما وفر مخزوناً من العمل للصناعات الصغيرة في المدينة ولكن كذلك للهجرة. (24)
بالتالي إن البطالة المقنعة هي العلة الأساسية الموجودة في الدول التي دفعت بموجات كبيرة من المهاجرين. والمغرب ليس استثناء عن هذه القاعدة. وفي حين إن الكثافة السكانية للمساحة المستثمرة هي شديدة الأهمية، لكن جاذبية الدول المتقدمة مالت إلى جعل من مشروع الهجرة ضمن منظور تحقيق النجاح الاقتصادي المحتمل.
الكولونيالية والضرورة الاقتصادية والعسكرية لفرنسا
تضاف إلى هذه الأسباب الأساسية أسباب خارجية مرتبطة بحاجات الدول الطالبة [للمهاجرين]. سواء كانت عسكرية، أو إقتصادية فقط، فقد أدت إلى إنشاء بنى محددة، مثل مكاتب التوظيف. يمكن لثلاث فترات رئيسية أن تحدد موجات الهجرة المغربية. ترتبط أول اثنتين بشكل أو بآخر بالتجنيد العسكري الذي جرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبالتوظيف الجماعي للعمال في المصانع. وتكونت الهجرة بشكل أساسي من السوسيين الذين غادروا المغرب عام 1912 إلى فرنسا. وترتبط الفترة الثانية مع سياق مختلف تماماً يتميز بشكل خاص مع تغير الوضع الاقتصادي في المغرب، الذي نال استقلاله عام 1956. أما الفترة الثالثة، أخيراً، وهي الأقرب إلينا، فقد تحولت إلى موجة هجرة للذكور وتحولت بشدة إلى هجرة عائلية طويلة الأمد.
أول المغاربة الذين وجدوا عملاً كعمال في فرنسا كانوا من وهران. (25) كانوا حوالي 10 أشخاص عملوا في صناعة المعادن في نانت. وأصلهم من سوس، وقد لحقوا بإخوتهم الجزائريين في الدين إلى فرنسا.
انطلقت الهجرة المغاربية فعلياً مع بداية الحرب العالمية الأولى. نزل 4000 مجنداً مغربياً في بوردو يوم 17 آب/أغسطس عام 1914، وشاركوا في معركة المارن في بداية الشهر التالي. واستمر التجنيد طوال الحرب، وفي نهايتها، بلغ مجموع التجنيد 35506 من عمال وعسكر. (26)
مع نهاية الحرب، أعيد أغلب المغاربة إلى بلادهم، ما عدا من استطاع الفرار من التشريعات الاعتباطية. وبالنسبة للجنود الناجين، فقد انضووا في صفوف جيش نهر الراين، قبل تمركزهم في مدن فرنسية مختلفة.
ولكن في نهاية الحرب، سجل وجود 4000 سوسياً الذين انضموا إلى وحدات عسكرية جديدة، على الرغم من القيود والقرارات الصادرة. (27) عمل العديد منهم في مناجم با-دو-كاليه واللوار.
منذ عام 1925، ارتفعت نسبة الهجرة المغربية إلى فرنسا ومن ثم تقلصت شيئاً فشيئاً مع اقترابنا من الأزمة الإقتصادية، (28) وهو اتجاه استمر في الزمن حتى عام 1937 تقريباً.
الانتعاش الاقتصادي عام 1936 كان مرحباً للهجرة السياسية الجديدة، وأكثر مرونة ولكن كذلك أكثر تنظيماً. أدى مع وصول الجبهة الشعبية إلى السلطة، وتنامي القوة الألمانية وانحسار المقاومة المغربية، إلى إعادة إطلاق التوظيف في المغرب وتنظيم العمال المغاربة في فرنسا.
وفي سنة 1938، أنشئ مكتب للهجرة في المغرب تحت إشراف الأمانة العامة للكولونية. كان هذا المكتب مسؤولاً عن إبرام الاتفاقيات مع أصحاب العمل (29) ونَقل مجموعات المهاجرين المغاربة. أفاد ا. بارودي، عن وصول 3 فرق من 15000 عامل، في الفترة الممتدة من تشرين الأول/أكتوبر 1939 إلى 1940، من بينهم 10000 عملوا في الزراعة، و5000 عملوا في المصانع الحربية والمناجم. شجعت الحرب العالمية الثانية على تشغيل 30 ألف عامل مغربي. وقد عمل الأخيرون بموجب عقد عمل مدته 6 أشهر، وخضعوا بالكامل لسلطة الجيش، وقد ألبسهم وأطعمهم وأسكنهم وأشرف عليهم ضباط فرنسيون. وقد عملوا في المصانع الحربية وفي المناجم ومصانع الصلب. عام 1944، بلغ عدد المغاربة في فرنسا حوالي 40 ألف رجل.
بعد إعادتهم إلى بلادهم وتسريحهم، عاد جزء كبير منهم إلى فرنسا؛ كما حصل خلال الحرب العالمية الأولى، للبحث عن عمل، وبسبب حتمية الهجرة التي فرضتها عملية إعادة الإعمار الفرنسية. كانت الهجرة تحت إشراف المكتب الوطني للهجرة، الذي وظفهم بين عامي 1946 و1958، في شركة فحم فرنسا. (31) خلال المعركة من أجل الإنتاجية كان الفحم يشغل مرتبة مرجحة. ولتحقيق هدف معركة الفحم، (32) تطلب الأمر وجود الكثير من اليد العاملة. لكن الشباب الفرنسيين هجروا المنجم وبدأ عدد مراكز التوظيف القديمة بالتقلص، لكن تزامن برنامج التوظيف مع إجراءات مادية لتحديث المناجم.
عام 1946 طلبت شركة الفحم الوطنية (حوض اللوار واللورين) استقدام عمال مغاربة طوعيين بعقد عمل مدته 18 شهراً، بشرط إعادتهم إلى بلادهم بعد انتهاء المدة. وقد جرى الإتفاق على إقامة خدمة اجتماعية (33) في كل حوض. وبعد أن كانت التجربة حاسمة، طلبت شركة الفحم في نور وبا-دو-كاليه بدورها، عام 1947، الإتيان بالمزيد منهم تحت نفس الشروط. في هذا التاريخ، وصل ١٣١٦ مغربياً للعمل في دواي، وفالانسيين، وكورير، وأويني. وقد وظفهم المكتب الوطني للهجرة، وكانوا من أكادير ومراكش وورزازات وتافيلالت ومكناس.
جيء بهؤلاء العمال بالشاحنات أو الحافلات إلى الدار البيضاء للانضمام لقوافل متجهة إلى بوردو أو مرسيليا. وقد نقلوا بواسطة القطارات إلى دواي، ليتم توزيعهم على المجموعات المختلفة في الحوض.
وقد أقام هؤلاء العمال في معسكرين، واحد منهما يقع في لامبرخت، كومونة والر، والثاني في شاتو ديراس، كومونة بوفراج بالنسبة لمجموعة فالنسيين، وفي معسكر فلين، وفي فلين-لي-راش بالنسبة لمجموعة دواي.
في مقاطعة با-دو-كاليه: مجموعة وايني في معسكر الحفرة 13 في كارفين، ومجموعة كورير في معسكر أفران الفحم، مجموعة بيتون في هارن، وفي معسكر الطوب في بولي-لي-مين. (34)
عام 1948، وصل 732 عاملاً جديداً، الموظفين دوماً من قبل المكتب الوطني للهجرة، ولكن هذه المرة بواسطة الطائرة. في شهر نيسان/أبريل 1950، قررت إدارة حوضي نور وبا-دو-كاليه، بعد أن اضطرت إلى تخفيض عدد الموظفين، نقل من مجموعتي بيتون وكورير وكلهم من العمال المغاربة إلى مجموعة فالنسيين.
في بداية عام 1951، نقل عمال من مجموعة لانس إلى الحفرة 2 في لووس-أن-غوهيل، وإلى معسكر ليمارشان في وينغل. وقد جرى توظيف 1008 عمال من قبل شركات الفحم، وقد نقلوا بواسطة الباخرة إلى بوردو ومرسيليا، وغيرهم بواسطة الطائرة إلى مارينيان حيث نقلوا إلى المجموعة المعينة لهم. (35)
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى وصول عدد معين من العمال إلى المنطقة، إما مباشرة من المغرب، الذي غالباً ما غادروه سراً، مروراً بالجزائر، أو من مناطق مختلفة من فرنسا، حيث كانوا عاطلين عن العمل وجرى توظيفهم في المناجم أو في مختلف الصناعات المحلية.
عام 1947، نظمت شركات المناجم، وفي كل المخيمات مطاعم تقدم طعاماً صحياً وفيراً وبأسعار متهاودة. كان يتردد إليها، بداية، كل العمال، ولكن ما إن جمعوا بعض المدخرات، حتى اشتروا معدات للطبخ، وتذرعوا بحجج مختلفة وطلبوا تركها [للمطاعم]، وكان بالتالي لا بد من إقفالها. في الواقع، اضطروا إلى توفير أكبر قدر من المال، وأرادوا إطعام أنفسهم بأقل تكلفة، دون أن يعرفوا أنه لكي يعيشوا حياة صعبة، في بلد رطب وبارد، غير معتادين عليه، يجب الحصول على غذاء من مكان قريب، بشكل أفضل مما حصلوا عليه في وطنهم الأم. ورويداً بدؤوا بفهم الموضوع، وعملياً لم يعد هناك أي ملاحظة يمكن قولها حول هذا الموضوع. وقد تجمعوا إنطلاقاً من الألفة التي تجمعهم، سواء بأعداد صغيرة مؤلفة من 3 أشخاص أو أكثر، وطبخوا طعامهم على النار في غرفهم، يغذيها الفحم الذي كانت المناجم تؤمنه مجاناً.
بدءا من 1960: تزايد الهجرة المغربية
كان الوضع الاقتصادي (الخطة الثالثة 1958-1961 التي وفرت 175 ألف فرصة عمل إضافية والأحداث السياسية (أهمها الصراع الجزائري)) مشجعاً على تزايد الهجرة المغربية. ولذلك بدأ الازدهار الحقيقي خلال الستينيات. وقد مكنت التطورات التي حصلت على تأمين احتياجات الاقتصاد الفرنسي من إعادة تدريب المواطنين. وتطلب سوق العمل مصادر تَعرض اليد العاملة، فتوجهت الدولة الفرنسية إلى يوغسلافيا وتركيا والبرتغال ثم إلى الكولونيالات السابقة.
عام 1963، وقعت فرنسا والمغرب اتفاقية بشأن اليد العاملة. ما أضفى طابعاً رسمياً على الهجرة إلى فرنسا. فوراً، وبعد هذا التوقيع، أرسلت بعثة دائمة إلى دار البيضاء للمكتب الوطني للهجرة، والهدف منها تطبيق شروط الاتفاق المتعلقة بتوظيف العمال المغاربة (الاختيار المهني الأولي، الرقابة الصحية، تحديد الحصص، وإرسال وتوجيه العمال).
مهّد هذا الاتفاق الطريق أمام تيار واسع من الهجرة من الأصول الريفية بشكل رئيس والذي ضمّ الفئات العمرية الأصغر سناً. في حين كان المهاجرون في السنوات السابقة من أرباب الأسر، ومعدل أعمارهم أكثر من 35 سنة، وكانت مدة إقامتهم محدودة، في حين من هاجر في الستينيات والسبعينيات كانوا أكثر شباباً، ومن العازبين، ومن أصول ريفية أو سكان حديثين في المدن وكانت هجرتهم دون عودة.
بين عامي 1965 و1968، يمكننا ملاحظة من جديد إنخفاضاً مفاجئاً في تدفق الهجرة المغربية مرتبطاً بقضية بن بركة، التي أدت إلى فتور في العلاقات المغربية-الفرنسية وتفضيل العمال العمل في دول أخرى مثل بلجيكا وهولندا وجمهورية ألمانيا الاتحادية والدول النفطية (السعودية وليبيا والعراق).
وبالتالي، في حين كانت الهجرة المغربية تتجه حصراً تقريباً نحو فرنسا، بدءاً من السبعينيات، بدأت الحركة بالتوزع والانتشار إلى مجموعة جديدة من الدول الغربية أو العربية. وقد خفّت تقريباً منذ عام 1973، عندما قررت الدول الأوروبية الموقعة لاتفاقية مع المغرب وقف الهجرة.
لذلك، إن الفترة الممتدة من هذا التاريخ وحتى اليوم تتميز بتباطؤ هجرة العمال الأجانب. ومع ذلك، إن المناجم ستستمر في تشغيل عمال المناجم المغاربة… وكان الركود الإقتصادي هو السبب الأساسي. مع ذلك، يستمر تيار الهجرة المغربي بتسجيل ارتفاعات ملحوظة لناحية العدد من ناحية لمّ شمل العائلات.
بكلام آخر، منذ التوقف الرسمي للهجرة، زاد الدخول إلى فرنسا ضمن إطار الهجرة العائلية. ونتيجة لذلك، إن الإنتقال من هجرة العمل إلى الهجرة العائلية غيّر من طبيعة الهجرة المغربية، التي باتت دائمة. وأكد العمال المغاربة رغبتهم في تمديد إقامتهم أكثر فأكثر لأن الإقتصاد المغربي عانى من صعوبات ولا يستطيع دعم عودة أعداد كبيرة من المهاجرين.
في النهاية، يمكن القول إن الهجرة المغربية لا تختلف عن سواها من الهجرات. وكما هو الحال مع بقية الدول، يمكن تفسير ذلك بأسباب سياسية وإقتصادية. إن آثار الكولونيالية تحمل بصماتها، والبنى الزراعية التقليدية، وعدم كفاية البنى التحتية الصناعية، والبطالة المتفشية، وعدم إمكانية تأمين المعيشة، والاحتياجات الجديدة التي أدخلها الإقتصاد النقدي، كلها عوامل دفعت المهاجرين إلى مغادرة بلادهم. ولكن بالإضافة إلى ذلك، هناك مؤثرات محددة عملت كمحفز: نقص الغذاء، النفي السياسي، المشروع العائلي، ظاهرة تقليد الآخرين. لذلك إن موجات الهجرة والأفراد التي شكلوها ليس لها نفس التمثلات أو نفس الدوافع. ينشأ خيار الهجرة من مجموعة عوامل اجتماعية وديموغرافية واقتصادية، ولكنه ينشأ كذلك من البعد المعيشي.
لكن بعض المناطق تأثرت أكثر من غيرها: منها المنطقة الجنوبية الغربية (أكادير ومجمل منطقة سوس) التي كانت أول وأهم منطقة للهجرة الداخلية والخارجية. وتلي هذه المجموعة مجموعة ثانية من المنطقة الشمالية الشرقية (من الحسيمة إلى وجدة). يتوزع المهاجرون الأكبر من الأوائل والأكثر تصميماً على البقاء في الخارج، على مختلف دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية، خاصة هولندا وبلجيكا. وأخيراً، منطقة ساحل المحيط الأطلسي ومناطق فاس ومكناس شكلت الموجة الأخيرة من المهاجرين في السبعينيات، والتي تختلف عن الأولى لناحية الثقافة المُدنية والصناعية، وبشكل عام أكثر تأهيلاً وأكثر تأقلماً مع العمل الصناعي.
الهوامش:
23. Voir à ce sujet R Montagne : Naissance du prolétariat marocain, Peyronnet, Paris, 1950, p. 96.
24. هكذا نزح ما يقارب 600 ألف مغربي، خلال أقل من ربع قرن، تركوا ريفهم إلى المدينة، حيث جذبهم العمل في البناء والمصانع برواتب منخفضة ولكن منتظمة. A. Ayache, F. Joly, J. Fardel, L. Suech, Géographie du Maroc, librairie Delagrave, Paris, 1949, p 79.
25. Ray. J, les Marocains en France, Paris : Sirey, 1938.
26. Cahiers de L’E. S. N. A, n° 37, février 1954 : Spillman G, Du protectorat à l’indépendance : Maroc 1912-1955, Plon, Paris, pp. 92-93.
27. مرسوم 27 أيلول/سبتمبر 1921: منع إنشاء مكاتب جديدة للتشغيل، ومرسوم 24 أيلول/سبتمبر: منع تصدير العمالة المغربية.
28. من 1924 إلى 1930، عانت الهجرة من التباطؤ إثر التدابير التي اتخذها المغرب لمنع هجرة العمال في حين كانت الإدارة الفرنسية بالتعاون مع إسبانيا، في أشد الحاجة إلى وضع حد للمقاومة المغربية بقيادة عبد الكريم في الريف. صدرت 3 نصوص قانونية: تعميمي 28-9-1925، و13-7-1928، ومرسوم 27-10-1931 علقت بموجبها هجرة المغاربة ونظمت هجرة العمال. هذه النصوص ليست منفصلة عن عملية إخضاع منطقة جنوب المغرب. وقد قننت هذه النصوص الهجرة من خلال إخضاع أي مرشح للهجرة لمراقبة شديدة وفرض حصوله على عقد عمل، وإفادة صحية، وإيداع مالي. لكن هذه القيود لم تمنع من تدفق الهجرة المغربية لتبلغ عام 1929 حوالي 21 ألف مهاجر. compte-rendu de la mission à la direction des offices du Maroc, juillet 1948, oct. 1951, p 1)
29. الاتحاد الفرنسي لأصحاب العمل الزراعيين في الزراعة، الشركة العامة للهجرة من أجل الصناعة.
30. A Baroudi, Maroc, impérialisme et émigration, Sycomore, Paris, 1978, pp. 20-21.
31. P. Devillars, l’immigration marocaine en France, bulletin économique et social du Maroc, n° 46, vol XIII, 2e trimestre 1950, RABAT, p 7.
32. نداء أطلقته حكومة ديغول إلى العمال لزيادة الإنتاجية.
33. أنشئت الخدمة الاجتماعية المغربية في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1947. وألحقت بالخدمة الاجتماعية لتسيير المكاتب المغربية في فرنسا، تضم مراقباً اجتماعياً، وموظفاً سابقاً لشؤون السكان الأصليين، ورئيس مصلحة بتصرف إدارة دواي و5 مراقبين اجتماعيين منتدبين لمختلف المجموعات. كل واحد منهم يهتم بمعسكر للعمال. كل المراقبين يتحدثون العربية وعاشوا في المغرب، ويعرفون عقليات، وأخلاق وعادات البلاد. كانت المهمة الأساسية للخدمة الاجتماعية هي الاهتمام بتأقلم العمال. أمّن المراقبون التواصل بين العمال والمهندسين ورؤساء العمال، وخدمات البريد والهاتف والتلغراف والخدمات الصحية، ومراكز الشرطة والمحافظة، سوى ذلك… وكانوا مسؤولين كذلك عن تحديد العمال المنوي إعادتهم إلى البلاد، وحل الخلافات التي يمكن أن تنشب في المعسكرات، وكتابة التفويضات والدفعات والسحوبات من صندوق المدخرات.
وأنشئ ملحق لإدارة مكاتب المغرب في فرنسا في ليل عام 1950 باسم مكتب المغرب. وكانت هذه الخدمة مسؤولة عن توفير كل المعلومات التجارية والإقتصادية والمالية التي يمكن أن تطلبها سلطة الكولونيالة، وإقامة الصلات بين الصناعيين، وربط التجار بالكولونيالة، وتوفير المعلومات حول الإمكانيات التي يتيحها المغرب للمرشحين الراغبين بالاستقرار هناك وحل مسائل متعلقة بالعمال المغاربة العاملين في المناجم.
34. العمال المغاربة في مقاطعات نور وبا-دو-كاليه، rapport de F D’Achon, chef du bureau du Maroc, résidence générale de la République Française au Maroc, Bureau du Maroc de Lille, 1952.
35. لكن الفترة من 1946 إلى 1950، حصل تدفق هائل للمغاربة. وتزامن هذا التراجع مع تنامي المقاومة المغربية والكفاح الحاسم من أجل استقلال المغرب، المعلن في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1956.
36. Rapport de F D’Achon, opus cité.
37. أما بالنسبة لعدد السكان الفرنسيين في المغرب، فقد انخفض بشدة. وشمل شريحة قديمة استقرت في أرض الكولونيالة وأخرى استقرت مرتبطة بالتعاون العلمي والفني والثقافي. ولكن الأخيرة تراجع عددها بشكل كبير منذ عام 1970، بسبب مَغربة الكوادر والمدرّسين.