في يوم الأرض:إلى الأمام من أجل تكوين جيش التحرير الشعبي الفلسطيني
حمه الهمامي
2024 / 3 / 31 - 18:18
« لا بدّ أن تُعلّم أبناءك أنّ أديم الأرض تحت أقدامهـم من رفات أجدادنا. فهم بذاك يحترمون الأرض. علّمهم ما علّمنا آباؤنا أنّ هذه الأرض أمّنا وأنّ المكروه الذي يصيبها سوف يصيب أبناء الأرض قاطبة »
من خطبة “سياتل” لزعيم هنود “دواميش” وهي تعرف بـ“خطبة الهندي الأحمر” وقد ألقاها في شعبه سنة 1854. من كتاب “أمريكا والإبادات الجماعية“، ص163، تأليف د. منير العكش
« كلّ ثمن تدفعه في المقاومة ستحصل على مقابله إذا لم يكن في حياتك فستأخذه لاحقا…المقاومة جدوى مستمرّة »
الشهيد باسل الأعرج
إن أكثر الناس تفاؤلا وتعاطفا مع القضية الفلسطينية ما كان ليجزم يوم انطلاق “معركة طوفان الأقصى” وردّة فعل جيش الاحتلال الجنونية الموغلة في الوحشية المتجاوزة بدرجات وحشية النازي، أن المقاومة الفلسطينية في غزّة قادرة على الصمود كل هذا الوقت في وجه الآلة الحربية البشعة للكيان الصهيوني/النازي المدعوم مباشرة بالسلاح والمال والإعلام والغطاء السياسي من الامبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين. إن ستة جيوش عربية بما فيها الجيش المصري، انهزمت في جوان/يونيو 1967 في ستّة أيام في أول حرب واسعة مع جيش الاحتلال. ولكن جيشا صغيرا من المقاومين المحاصرين برّا وبحرا وجوّا بأحدث الأسلحة وأفتكها وأكثرها دمارا في مساحة لا تتجاوز 360 كلم مربّعا، تمكّنوا من تدمير أسطورة “الجيش الذي لا يهزم” وتمريغ أنفه في تراب غزّة وتكبيده خسائر لا تنسى، وهم يواصلون اليوم المعركة بنفس القوة التي بدأوا بها في اليوم الأوّل.
لقد أظهرت المقاومة الفلسطينية في غزة وعلى رأسها “كتائب القسام“، الجناح العسكري لحركة “حماس” صمودا أسطوريا دوّخ جنرالات الكيان. وقد اتّضح يوما بعد يوم أن هذا الصمود ليس وليد الصدفة ولا هو نابع من الإيمان/القناعة بالقضية فقط وإنما هو أيضا نتاج لبراعة مذهلة في التنظيم/التكتيك العسكري الملائم لطبيعة الأرض والذي يأخذ في الحسبان إمكانيات العدو التي تفوق آلاف المرات إمكانيات المقاومة المحاصرة في مساحة صغيرة من الأرض. إن الإيمان بالقضية وإن كان هو الأساس لكلّ بناء، يبقى غير كاف لتحقيق النصر. فمن الضروري دعمه بعنصر آخر ألا وهو إتقان فنون الحرب بكل عناصرها الاستخبارية والحربية التي تأخذ بعين الاعتبار التطورات التقنية في هذا المجال. وهو ما يحصل في مواجهة اليوم وما تؤكّده نجاحات المقاومة باعتراف جنرالات المحتل ومحلليه العسكرييّن المصابين بذهول لن يمّحي أبدا من أذهانهم.
إن المقاومة الفلسطينية، بحماس والجبهتين الشعبية والديمقراطية والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل، أكّدت في الواقع أنّها استفادت من كافّة التجارب التي راكمتها خلال عقود وارتقت بها إلى درجة نوعيّة جديدة. كما أنها استفادت من تكتيكات الحرب الشعبية التي طوّرتها حركات المقاومة في القرن العشرين في مواجهة أشرس القوى الاستعمارية وأشنعها (الجزائر ضد فرنسا، الصين ضد اليابان، فيتنام ضد فرنسا واليابان والولايات المتحدة الخ…) ودعّمته، كما دعمتها المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في معركة 2006 التاريخيّة، بعناصر جديدة. لقد حافظت المقاومة على أسس الحرب الشعبية من حيث العمل بمجموعات صغيرة قادرة على سرعة الحركة، ومن حيث استخدام عنصر المباغتة والظهور في الوقت والمكان اللذين لا ينتظرهما العدو، وتوجيه ضربات دقيقة ومضمونة النجاح لإرباكه معنويّا الخ… ولكنّها أضافت إلى ذلك عناصر جديدة من حيث الأسلحة المستعملة وأساليب الاتصالات والاستخبارات والتحرّك والهجوم، تماشيا مع التطورات التقنية والحربية الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك كلّه فقد بيّنت المقاومة في غزة أنها تجاوزت مرحلة “المجموعات المسلحة الصغيرة” التي تخوض معارك محدودة في الزمن وفي الأهداف، وانتقلت إلى مرحلة جديدة من حيث التنظيم والتكتيكات الحربية يمكن أن نسمّيها دون مبالغة مرحلة تنظيم “الجيش الشعبي“.
ما من شكّ في أنّ هذه المرحلة ما تزال في بدايتها وغزّة ما هي إلّا نواتها الأولى. وهي في حاجة إلى عمل كبير من أجل وضع ركائزها وتحقيق شروطها. وأولى هذه الركائز والشروط توحيد صفّ المقاومة سياسيّا وعسكريّا. فالمقاومة ما تزال مشتّتة لا يجمعها إطار سياسي وعسكري واحد. وهي تكتفي اليوم بالتنسيق الجماعي أحيانا والثنائي أو الثلاثي أحيانا أخرى. ولكن المسيطر هو التنظيم الخاص. وهذا الشكل من التنظيم غير ناجع من الناحية الاستراتيجية علاوة على كونه يوفّر الفرصة لقوى التواطؤ والمهادنة في رام الله وخارجها للمناورة وشقّ الصفوف. إنّ الساحة محتاجة إلى فرز واضح يفصل بين معسكرين واضحين: معسكر التحرير من جهة ومعسكر التواطؤ والعمالة من جهة ثانية. فمن شأن هذا الفرز توضيح الصورة للشعب الفلسطيني كي يوحّد صفّه، وللشعوب العربية وحتى شعوب العالم كي توجّه دعمها إلى معسكر محدّد ومجمّع. ومن البديهي أن توحيد قوى المقاومة سيكون اللّبنة الأولى والأساسيّة لجيش التحرير الشعبي الذي يتمتّع بقيادة مركزية واحدة تضبط له التكتيكات الملائمة للواقع الفلسطيني المخصوص الذي يختلف عن واقع حركات التحرّر الأخرى. وما من شكّ في أن توحيد المقاومة المسلحة سيسهّل توحيد صفوف الشعب الفلسطيني لا في غزّة فحسب وإنما في كافة مناطق تواجده، حول راية واحدة وسياسة واحدة صلب جيش شعبي واحد ينضّم إليه الجميع، لا رايات وسياسات وفصائل متعدّدة وهو ما يتطلب فتح نقاش وطني، صريح وإيجابي بلا خلفيات عقائدية ضيّقة وقاتلة حول الإطار الوطني المجمّع وتحديدا منظمة التحرير الفلسطينية التي يجمّدها عبّاس ويعطّل دورها كي يستعملها غطاء لتواطؤه. ومن شأن ذلك أيضا أن يوحّد الحركات الشعبية الجماهيرية السياسية والنقابية والنسائية والشبابية والثقافية في الداخل الفلسطيني (48 و67) وفي الشتات في تيار عام حول الحدّ الوطني المشترك مع الحفاظ على التنوع الذي لا يخلّ بذلك الحدّ.
إنّ القيادات السياسية لفصائل المقاومة، وفي مقدّمتها حماس والجبهتان والجهاد، مرجوّ بل مطلوب منها التّفكير في “اليوم التّالي” للمعركة الحاليّة بكلّ أبعاده التكتيكيّة المباشرة والاستراتيجيّة حتّى لا تنهمك في الآني فقط. إنّ مكتسبات المواجهة الحالية العسكريّة والسياسيّة والمعنويّة لن تضيع مهما كانت نتائجها المباشرة في مستوى الخسائر البشريّة والماديّة. فمن المؤكّد أنها ستجد الحاضنة التي تلتقفها لتستخلص منها الدرس وترتقي بها إلى مرحلة جديدة تقرّب من نقطة الفصل النهائي مع الاحتلال الغاصب الآيل إلى زوال طال الزمان أو قصر. فلا تحرير للأرض من النّهر إلى البحر ولا إقامة للدولة الفلسطينيّة وعاصمتها القدس دون تضحيات ولا كرامة دون معاناة وآلام في هذا العالم الذي تتحكّم فيه وحوش الامبريالية وكواسرها. إن قوى المهادنة والردّة بدأت ترفع صوتها لإدانة المقاومة وتحميلها مسؤولية “نكبة ثانية” مزعومة متوهّمة أنها ستستثمر آلام “شعب غزة” الأبيّة لتبسط عليه نفوذها من جديد بدعم من الصهيوني النازي والامبريالي الأمريكي المتوحّش والرجعي العربي الساقط النّذل. إن النكبة الحقيقية لا تتأتّى من المقاومة وإنّما من المهادنة والتنازل والسجود للعدو الغاصب. إن كل الظروف مواتية اليوم للمضي إلى الأمام.
ولا شكّ في أن من العوامل التي تدفع المقاومة الفلسطينيّة إلى تجميع الصفّ ووضع أسس جيش التحرير الشعبي قيام ساحات عدة، سياسيّة وشعبيّة وعسكريّة، لمواجه العدو المغتصب والامبريالي الأمريكي–الغربي. إن هذه الساحات يمكن أن تفتح الباب نحو إقامة حركة تحرير وطني عربية واحدة متنوعة الواجهات حسب خصوصيات كل قطر من الأقطار وموازين القوى والمهام المطروحة فيه. إن “غزة” لا تفتح أفقا للشعب الفلسطيني فحسب وإنما للشعوب العربية والأقليات القومية والأثنية والثقافية المتواجدة بين ظهرانيها كي توحّد صفوفها. إن جبهة عربيّة، وطنيّة ضد الاستعمار والصهيونية وأنظمة العمالة والغدر أكثر من ضرورية اليوم وعناصرها الجنينية متوفرة ومن المهمّ تحليلها وحوصلتها وتنظيمها وتجسيدها في الواقع الملموس. إن المشاريع الوطنية والثورية الكبرى، وفي قضية الحال إنجاز الوحدة العربية على أسس وطنية، لا طائفية/دينية/عرقية، ديمقراطية واجتماعية سليمة، تتطلّب الجرأة والشجاعة واتخاذ الخطوة الأولى. وفي الأخير علينا ألّا ننسى أن غزّة الأبيّة ومقاومتها الأسطورية التي حطّمت أكاذيب العدوّ الذي حاول اختزال المعركة مع حماس “الإرهابيّة” لا مع شعب فلسطين وحركته التحرّريّة المشروعة، أعطت دفعا عظيما للحركة العالمية المناهضة للإمبريالية. إننا أمام حالة لم نشهدها منذ حرب فيتنام وعلينا استغلالها من أجل تجسيد مشروع الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية وفي مقدمتها “رأس الحيّة” الملطّخ تاريخها بدماء الشعوب الزكيّة. لا ينبغي أن تتلاشى مكتسبات معركة طوفان الأقصى. إنها مكتسبات عظيمة فلسطينية، عربيّة، إقليمية، أممية.
في يوم الأرض المجيد:
لنجرؤ على النضال، لنجرؤ على الانتصار.
إن تحرير فلسطين بيد مقاومتها فلا خيار غير خيار المقاومة.
إن تحرير الشعوب العربية وكنس مصاصي دمائها المحليين والأجانب بيد قواها الوطنية والثورية.
إن تحرير الإنسانية من تحرير شعوبها التي تتحد لخلق حضارة جديدة على أنقاض حضارة الوحش الرأسمالي الامبريالي المتهاوية التي تنتظر من يسدد لها الضربة القاضية
إلى الأمام نحو تكوين جيش التحرير الشعبي الفلسطيني
إلى الأمام نحو تكوين الجبهة العربية المناهضة للاستعمار والصهيونية والرجعية