سيسولوجيا الحكمة بين الدين والتراث
طلعت خيري
2024 / 3 / 10 - 11:14
لقمان الحكيم شخصية دينية تاريخية ، ظهرت ما قبل التاريخ ، بعد موسى تحديدا في فترة الملك داوود احد ملوك بني إسرائيل ، الذي حكم مناطق ما وراء نهر الأردن استلهم لقمان سيسولوجيا الحكمة المعرفية ، من الحكمة التي أتاها الله لداوود ، فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ، كوصايا عقائدية واجتماعية ذات توجهات أخروية ، وعظ بها ابنه ، ولكن سرعنما تغيرت بعد تحول الدين الى طوائف سياسية ، فصاغوا لها مفاهيم جديدة ، تصب في توجهاتهم ومصالحهم الطائفية ، فخرجت عن مغزاها العقائدي الاجتماعي ، الى ثقافة تاريخية تراثية وآداب ونصائح اجتماعية توعوية تحمل اسم الإحسان الديني ، فما زالت بعض الطوائف تهتم بها الى يومنا هذا ، بدا التنزيل بمقدمة من الآيات قبل الوصول الى وصايا لقمان لابنه ، الم ، حروف مقطعة تشير الى السور المكية التي نزلت بشكل كامل ، تلك اسم إشارة الى آيات الكتاب الحكيم ، بمعنى ان الآيات سوف توضح حقيقة ما قاله لقمان لابنه في كتاب حكيم ، للمقارنة الفكرية بين الموروث الديني التراثي ، وبين الحقيقة التاريخية لقول لقمان ، بما ان الوصايا التراثية حملت الإحسان الديني قولا لا نصا ، دونت في الكتاب ، الذي هو هدى ورحمة للمحسنين ، ان الاحتفاظ والاهتمام بوصايا لقمان التراثية ليس كافية للإحسان ، فلا بد من أعمال تكرسه واقعيا ، كالصلاة والزكاة وتطهير النفس من الآثام ، والإيقان باليوم الأخر ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة يوقنون ، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون
الم{1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ{2} هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ{3} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4} أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5}
ما لا يقبل الشك ان وصايا لقمان لابنه تغيرت عبر التاريخ ، مع تغير المجتمعات والتوجهات ، وخاصة بعد ان اتخذت الدين طابع سياسي فلسفي تراثي يراعي المصالح الشخصية والرغوية ، فليس كل ما قيل باسم الدين، هو من صميم الدين ، قد يتحول الى لهو دنيوي عندما ترتبط النصوص بالمصالح الاقتصادية للطائفية ، فأي طرح يتعارض مع المصالح يجابه بالرفض والاستهزاء ، ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ، ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ{6}
ان قبول الرأي الأخر أو رفضه سيكولوجية خلقية طبيعية ، وان جمع البشرية على رأي واحد هذا مستحيل جدا ، لكن هناك تنازلات يقدمها الفرد لأجل مصلحته ومستقبله على حساب أهوائه ورغباته ، وهناك تمسك أيضا ، فلا تنازل عن أي شيء لأجل المصالح الدنيوية ، ففي كل الأحوال علاقة الفرد بالدين علاقة أخروية ، وليس مصلحة جماعية دنيوية ، كالطوائف الدينية ، ان الولادة الفردية للإنسان ، وحشره فرادا يوم قيامة ، طرح يجعل الدين يتلاءم مع كافة الظروف والأزمنة والأمكنة ،لأنه غير محصور بجغرافية محددة ، بينما الطوائف الدينية التي تسعى الى الاستقطاب الجماهيري ضمن جغرافية محددة ، سرعنما تتفكك وتندثر وتختفي عن الوجود ، بسبب الصراعات السياسية على المصالح ، فأكثر الأفراد تمسكا بالمصالح الدنيوية ، الرأسمالي الديني ، فأي طرح مناهض لمصالحه يجابه بالرفض القاطع ، وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كان لم يسمعها ، كأن في أذنيه وقرا ، وقرا المادة الصمغية الصفراء التي تسد القناة السمعية ، فبشره بعذاب اليم
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{7}
الهدف من دعوة التنزيل الى الإيمان والعمل الصالح ، لتقليل الإنهاك العقلي والفكري الناجم عن التغلغل والتشعب بالأطماع الدنيوية ، ذلك مما يجعل للفرد غير منتبها لحياته ومستقبله في دنيا لا استقرار لها ، فالذين كانوا يؤمنون بوصايا لقمان على أنها الإحسان الديني ، تغلغلوا بالمصالح فعاشوا بازدواجية مع الدين ، حيث جمعوا بين العمل والشرك ، وبين الإيمان والسيئات ، صحح الله إيمانهم وأعمالهم ، ان الذين امنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ، خالدين فيها وعد الله حقا ، وهو العزيز الحكيم
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ{8} خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{9}
المادة لا تنتج نفسها ، ولكن يمكن أنتاج مادة ذات قياسات علمية عند دمجها مع مواد أخرى ، مثلا ففي الصناعات العسكرية نحتاج الى معادن أكثر صلابة واقل انصهارا ، لتفادي درجات حرارة الانفجار ، فيتم خلط عدد من المعادن المختلفة للوصول الى الغرض المطلوب ، المادة الوثنية كالمثيلوجيا والأصنام والأوثان التي تحمل اسم الله ، لا تنتج نفسها ، ولا تنتج مادة مدمجة ، بينما جعل الله في التربة مواد ذا استخدام واحد ، واستخدامات متعددة ، وخلق ظواهر متجددة ، كحركة الكواكب والنجوم واختلاف الليل والنهار والفصول ، خلق السماوات بغير عمد ترونها ، وألقى في الأرض رواسي ، الرواسي الثوابت الحية المتجددة ، ان تميد بكم ، تنقطع بكم فمن الرواسي ، أولا - الثروة الحيوانية والكائنات الحية التي لها توازن في الطبيعة ، وبث فيها من كل دابة ، ثانيا - الماء أساس الوجود ، وأنزلنا من السماء ماءا ، ثالثا - الإنبات الزراعي والطبيعي بأنواعه ، فانبتنا فيها من كل زوج كريم ، هذا خلق الله ، فاروني ماذا خلق الذين من دونه ، المثيلوجيا والأصنام والأوثان ، بل الظالمون في ضلال مبين
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ{10} هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{11