كيل إموهاغ (الطوارق) شعب الصحراء الكبرى
كوسلا ابشن
2024 / 2 / 11 - 20:52
كيل إموهاغ (الطوارق) شعب الصحراء الكبرى, موطنهم الأصلي من المحيط الأطلسي الى حدود تشاد شرقا و من بلدان السودان جنوبا الى المجال الشمالي لتامازغا, هم أحفاد باليوأمازيغ في الصحراء منذ عصور ما قبل التاريخ, عندما كانت الصحراء سهولا خضراء و غابات تعج بالحيوانات المفترسة و الاليفة و كذا وفرة الأنهار و المياه, و كلها عناصر دالة على إمكانية التواجد و التكاثر البشريين. و الأثار التي تركها أجدادهم في مواقع الفن الصخري المصور لواقع المنطقة آنذاك, دالة على قدمهم. لغتهم هي الأمازيغية بلسانهم المحلي ( تمازجق و تماشق و تماهق) هي السائدة في الصحراء الكبرى حتى عصرنا هذا. تكتب لغتهم بحروف تيفيناغ وتعود أصولها إلى الأبجدية الليبية القديمة. يقول محمد شفيق في المعجم العربي الأمازيغي, ج 1, ص: 9- 10: "والواقع الملموس هو أن الطارقية هي التي حافظت على الجذور أكثر من أي لهجة أخرى, وذلك بحكم عزلة الطوارق منذ قرون وقرون في جزيرتهم الجبلية الصحراوية. وبفضل ما احتفظت به لهجتهم من الجذور, يمكن المرء أن يكون لنفسه تصورا واضحا تمام الوضوح لقواعد الاشتقاق الأمازيغي, ويمكنه بالتالي أن يرد الكلمات إلى أصولها وأن يتبين المعاني التي وضعت لها". و يقول ابن خلدون فيهم: "الطوارق هذه الطبقة من صنهاجة هم الملثمون المواطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب, أبعدوا في المجالات هنالك منذ دهور قبل الفتح لايعرف أولها. فأصحروا عن الأرياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها, واعتاضوا منها بألبان الأنعام ولحومها انتباذا عن العمران, واستئناسا بالإنفراد, وتوحشا بالعز عن الغلبة والقهر. فنزلوا من ريف الحبشة جوارا, وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حجزا وإتخذوا اللثام خطاما تميزوا بشعاره بين الأمم, وعفوا في تلك البلاد وكثروا. وتعددت قبائلهم من كذالة فلمتونة فمسوقة فوتريكة فناوكا فزغاوة ثم لمطة إخوة صنهاجة كلهم ما بين بحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة". تاريخ ابن خلدون ( ج 6, ص: 241). و كما قال ابن خلدون فهم المواطنون الوحيدون بالصحراء, أمازيغ صنهاجة, أسياد الصحراء الكبرى من المحيط الى دولة تشاد, و ما الهويات المصطنعة في المنطقة, فمن مخلفات الأنظمة الإستعمارية.
ذكرهم هيرودوت بتسمية الجرمانتيين (نسبة الى مدينتهم التاريخية جرمة جنوب ليبيا), قال عنهم هيرودوت: "يطارد هؤلاء الجرمانتيون بعرباتهم ذات الخيول الأربعة الأثيوبيين, الذين يتميزون بالجري السريع, لا يضاهيم في ذلك أي من الأقوام المعروفة". هؤلاء الجرمانتيون هم أسلاف كيل إموهارغ الذين مازالوا يقطنون جنوب ليبيا. بفضل الفن الصخري و بعض الشواهد المصرية و كتابات الإغريق و الرومان تأكد العمق الحضاري لشعب كيل إموهارغ ( الطوارق) الضارب في التاريخ. شعب يعرف بالملثمين كما ذكر ابن خلدون, يعتز بهويته الأمازيغية و يرفض الهويات الزائفة و الأسماء اللقيطة.
كيل إموهاغ (الطوارق) هم أسياد الصحراء الكبري, و المهيمنين بدون منازع على الطرق التجارية منذ العصور الوسطى بين الجنوب السوداني و الشمال الأمازيغي, و ما زالوا المراقبين لطرق القوافل. ذكر المستكشفون الفرنسيون في القرن 19, أن كيل إموهاغ (الطوارق), الشعب الوحيد الذي عرفوه في الصحراء.
مقاومة كيل إموهارغ للإحتلال الفرنسي و مخططات الشركات الفوق القومية في إستنزاف خيراتهم الباطنية, كان السبب المباشر للإحتلال الفرنسي لإرتكاب مذابح وحشية و اللاإنسانية في حق الشعب كيل إموهاغ. الشعب الوحيد الذي إصتدم به الفرنسيون في الصحراء الكبرى, و عانى الإستعمار الفرنسي من حرب الصحراء و الإنتفاضات المسلحة, و حاول إستمالة شيخهم و تفكيك و حدة كيل إموهاغ و إدماجه في الجيش الفرنسي و حماية القوافل التجارية, إلا أن الحركة المسلحة لشعب كيل إموهاغ لم تقبل بالإستسلام و رغم فشلها في محاولة انشاء دولتهم المستقلة سنة 1957, إلا انها قاومت الإستعمار الفرنسي حتى طرده, ما خلف حقد لدى الإستعمار الفرنسي, و عاقب الشعب كيل إموهاغ بتقسيم بلاده التاريخية بشكل تعسفي على الدويلات المصطنعة, بين دول السودان و السلطات الكولونيالية العروبية القابلة للتبعية. و إدراكا من الإستعمار أن قيام دولة كيل إموهاغ المستقلة لا ترضى بالتبعية للإمبريالية, و لهذا قسم أرضهم على الدول المجاورة و فكك وحدتهم.
منذ سنة 1960 و بتواطئ جبهة الخيانة في دزاير, أصبح كيل إموهاغ مادة للتجارب النووية الفرنسية بتفجير أول قنبلة نووية قرب واحة رقان (1960), و إستمرت التجارب النووية الفرنسية حتى سنة 1966, برعاية سلطة الجنرالات بدزاير, هاته الأخيرة كانت تهدف الى آبادة شعب كيل إموهاغ و منعه من حمل السلاح ضد الإستعمار الجديد, و مازالت منطقة أهقار تعاني من الإشعاعات النووية التي خلفتها 17 تجربة نووية في ظرف ستة سنوات, و تتحمل السلطة العسكرية الكولونيالية العروبية كامل المسؤولية الأخلاقية و السياسية على جريمة الآبادة الجماعية لشعب كيل إموهاغ.
تقسيم بلاد كيل إموهاغ لم يمنع الشعب من مواصلة المقاومة المسلحة في الجنوب مع التهدئة في الشمال, رغم أن سياسة الإضطهاد الإجتماعي و القومي تمارس ضد كيل إموهاغ في كل بلاده المقسمة (أهقار, أزواد, أزواغ, فزان). تجاهل المجتمع الدولي لقضية كيل إموهاغ ( الطوارق), زاد من معاناتهم و تهميشهم في ظل الإستعمار الهمجي اللاإنساني. تبقى قضية شعب كيل إموهاغ من أقدم القضايا التي لم تجد حلا عادلا, بسبب التجاهل المتعمد للمحافل الدولية و خاصة مجلس الآمن الدولي الذي تتحكم فيه الدول الامبريالية, و إقليميا ظلت القضية محور تلاعب و إستقطاب بين السلطات الكولونيالية الجديدة خاصة في دزاير و ليبيا (أكبر أعداء شعب كيل إموهاغ), من أجل آبادة شعب كيل إموهاغ و آماتة هذه القضية مع إستغلالها لمصالحمها الداخلية و الإقليمية.
يعاني شعب كيل إموهاغ من التهميش و الإقصاء و الإضطهاد و مصادرة موارده الطبيعية ( النفط و الغاز و اليورانيوم و غيرها من المعادن), نتيجة سياسة التمييز العنصري و إنتهاك الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية, التي تمارسها الأنظمة نيوكولونيالية ضد شعب كيل إموهاغ. الإضطهاد القومي و الإجتماعي و الآبادة الجماعية خاصة في أزواد يدفع بالكثير من الأسر و الشباب للتهجير القسري من أرضهم. في ظروف المعانات و المآسي و الغارات العشوائية لجيوش الإحتلال بالتنسيق مع العصابة الإرهابية لمرتزقة فاغنر, أصدرت المنظمات الحقوقية و السياسية المحلية و الدولية لبيانات إستنكار للإنتهاكات حقوق الإنسان في بلاد كيل إموهاغ, في غياب رد حاسم أممي و خاصة من مجلس الآمن, يفرض إختيارات جديدة تنصف شعب كيل إموهاغ, بوضعه تحت الحماية الدولية, تقيه من تعرض للعمليات الآبادة الجماعية و تعمل على المساعدة بإخراجه من هول الوضعية الكارثية و اللاإنسانية نتيجة سياسة الإضطهاد و التمييز و التقتيل التي تمارسها الأنظمة الإستعمارية الهمجية المقسمة لبلاد كيل إموهاغ. لقد آن الأوان للمنظمات التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة, أن تتعامل مع القضايا الأنسانية في العالم بالمساواة دون تمييز بين ضحايا الحروب و الإضطهاد العرقي, حسب الإثنية أو العرق أو اللغة أو المعتقد الديني. و من جهة ثانية, لقد آن الأوان للمجمع المسيحي و منظماته الإنسانية, خاصة الصليب الأحمر للتدخل السريع لتقديم المساعدات الإنسانية لشعب كيل إموهاغ و خاصة الأطفال و النساء و الشيوخ, بعدما تخلى عنه المجمع العروإسلامي العنصري, الذي لا يرى في الأمازيغ إلا أعداء أو بقرة حلوب أو جنود في الصفوف الأمامية في الدفاع عن قضايا ظالمة للعروإسلام.