أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - تجليات الصور الفنية في قصيدة -الكلُّ عائدُ،هكذَا الأدوارُ!- للشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي (قراءة أسلوبية-متعجلة)














المزيد.....

تجليات الصور الفنية في قصيدة -الكلُّ عائدُ،هكذَا الأدوارُ!- للشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي (قراءة أسلوبية-متعجلة)


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7866 - 2024 / 1 / 24 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


بين يدي قصيدة معبّرة خير تعبير عن عاطفة صادقة يشترك فيها الشاعر وكل فاقد للأب-في زمن مفروش بالرحيل-،وهي قصيدة تعاضدت فيها المستويات الأسلوبية،والفنون البلاغية مع بعضها البعض في بنية النص الشعري والتي تتيح للمتلقي أن يكون جزءا منه ومشاركا له من خلال مشاعره وعواطفه،كما أثارت المهيمنات الأسلوبية الداخلية للنص نفسية المتلقي من خلال بنيات نصيّة كالإيقاع الصوتي وتكرار الحروف والكلمات مما أدّى إلى نغمات بكائية.
لنقرأ معا:
الكلُّ عائدُ،هكذَا الأدوارُ!

يا والدي قد رُجّتِ الأوتارُ
بِتُّ اليتيمَ وصُحبَتِي الأشعارُ
بِتُّ اليتيمَ وفي رحيلِكَ غُصَّةٌ
طَعْم المَنِيّة يُحزَنُ الأحجارُ
دارٌ كئِيبَةٌ حين غاب ضِياؤكُمْ
والدّمعُ سالَ وفي الحَشاشةِ نارُ
والأمُّ باكيَةٌ وتدعو ربَّها
يا ربِّ صبْراً،فارقَ المِغوارُ!
حِمْلي ثقيلٌ والفِراقُ مُبرِّحٌ
كمْ كنتُ أرْجو يُكمَلُ المِشوارُ
قد فَارَق الخِلُّ الذي آنستُهُ
قد شَاءَ ذاكَ الواحِدُ القهّارُ
فَاسْكِنْهُ قُربَ نبيِّنا وشَفيعِنا
جنّاتُ عَدْنٍ قُربُهُ وفَخارُ
ثبِّتٌهُ عندَ سؤالِهِ وارأفْ بهِ
واغفِرْ،فأنتَ الرّاحِمُ،الغفّارُ
هذا أبي ربّاهُ عاد،توَلّهُ
والكُلُّ عائدُ،هكَذا الأدوارُ !

طاهر مشّي
القصيدة تحتوي على بكائية شديدة تتجلى في الكلمات "اليتيم،غصّة،المنية،الدّمع،الحشاشة،الفراق.."وغير ذلك من المفردات التي تدلّ على تعلّق الشاعر د-طاهر مشي بوالده،الذي غاب جسديا وبقي شعريا في مخيلته.لذا جاءت (القصيدة) منسجمة تماما مع دلالاتها التي يختزنها الوزن العروضي،لأنها تتحدّث عن عمق المأساة التي عصفت بقلب هذا الشاعر الملتاع.ومما يدلّنا على قوّة العاطفة،وشدة بكائيتها ما جاء في القصيدة من كلمات لها أثرها الفعّال على نفسية المتلقي "دارٌ كئِيبَةٌ حين غاب ضِياؤكُمْ /والدّمعُ سالَ وفي الحَشاشةِ نارُ/والأمُّ باكيَةٌ وتدعو ربَّها /يا ربِّ صبْراً،فارقَ المِغوارُ!.."
هذه القصيدة -الموجعة-حد البكاء،تصلح لكلّ رثاء يوجهه إبن إلى والده،فهي تترجم عاطفة صادقة،وطافحة بالمعاني الإنسانية النبيلة وهي بالتالي القاسم مشترك بين الشاعر والقارئ،كل هذا يجعل منها ذات ديمومة واضحة وتؤثر في قارئها تأثيرا واضحا ولا سيما أن الجانب الأسلوبي فيها كان جليا.لذلك آثرت دراستها دراسة أسلوبية،وذلك لطغيان المهيمنات الأسلوبية على بنيتها الداخلية والخارجية،والمتلقي لا يسعه وهو يقرأ القصيدة إلا أن يبقى مشدودا لمعانيها وأفكارها،لما تؤديه من معان بلاغية ومقاصد أسلوبية وذلك على المستويات الصوتية والتركيبية والدلالية.
ولغة الشعر منذ نشأته قامت على التنغيم والإيقاع،لأن غايته التعبير عن الإنفعال،ويكاد يتفق نقّاد الشعر ودارسوه (وأزعم أني واحد منهم ) على أن الإيقاع يمثّل ركنا من أركان الشعر بل أعظمها تأثيرا،بما يملك من مقدرة على تحريك الأحاسيس والعواطف صوب قيم النص الفكرية والجمالية،ولهذا تميّز الشعربنواح متعدّدة للجمال،أسرها إلى نفوسنا مافيه من جرس الألفاظ،وانسجام في نواحي المقاطع،وتردّد بعضها بعد قدر معيّن منها،وكل هذا ما نسميه بموسيقى الشعر،ولا غرو في ذلك فهي لبّ الشعر،وعماده التي لا تقوم له قائمة من دونه،من هنا أشاع د-طاهر مشي أجواء موسيقية في القصيدة تتجلى بالإيقاع الخارجي المشتمل على الوزن والقافية،ونقصد به-الموسيقى-المتأتية من تتابع مقاطع تفعيلات الوزن الشعري في نظام الوزن العروضي واطّراد القوافي في آخر أبيات القصيدة..
على سبيل الخاتمة :
انطوت القصيدة (الكلُّ عائدُ،هكذَا الأدوارُ!) على صور فنية بإخفاء الشاعر د-طاهر مشي حزنه،فقد حرص على ستر دموعه،لا إظهارها إلى العلن،وبذا فإنّ هذه الصور القائمة على تعمية الدلالة وعدم التصريح بها،وهي الباثّة للقيم المعنوية في كل الأبيات الشعرية،لكون ما تمّ إخفاؤه (الحزن،الدموع) وهما مما تخجل منه النفوس،في الوقت الذي يثيره جمال الصور في بنيتّها السطحية،وبهذا الكشف والتحليل لما أحالت إليه الصور الفنية من المعاني القريبة والبعيدة،برزت قيمتها ووظيفتها الأسلوبية التي تعتمد على استفزاز متلقيها بما تخفي من دلالات لا يتمّ التوصّل إليها إلا بعد التأليف بين ما تطرح من عناصر تؤدي إلى المعنى الأصلي المقصود منها.
ختاما : دراسة القصيدة في ميزان علم الأسلوبية الحديثة تكشف لنا أبعاد النص الشعري المتفردة أكثر فأكثر،فأستنبطنا في هذه-القراءة المتعجلة-بعض المستويات الأسلوبية المختلفة للقصيدة،كالمستوى الصوتي الإيقاعي،والتركيبي،والدلالي.
الدراسة الصوتية للقصيدة دلّت عليه بوجود توازن مقصود في إيقاعها،وأنّ ألفاظ القصيدة تميّزت بالدقة في الإختيار وبسعة الدلالات وتنوّعها،وبإثارة الخيال وبقوّة التأثير في المتلقين،وأنّ معظم أشكال التكرار في القصيدة انبثقت من العلاقة بين الأب ود-طاهر مشي.
وتبيّن أنّ إختيار الشاعر (د-طاهر مشي) التعبير بالصورة عن المعاني التي يراد اثباتها في ذهن المتلقي فنقل الأفكار والمعاني له بصورة حسيّة.
وقد تظافر التصوير المعتمد على الواقعية والتصوير البلاغي المعتمد على التشبيه والإستعارة في تشكيل الصور الفنية في القصيدة.
طالعتنا،في هذه القصيدة،صورة صادقة لنفس بشرية غارقة في لجج الأحزان والمواجع.
وكان أن ظهرت لصدق الشاعر في رثائه ومشاعره مجموعة من الآثار في الجانب التشكيلي
من قصيدته،فاندغم بذلك الشكل مع المضمون ضمن الإطار الرؤيوي الحاكم على النص.
وقد أبرز رثاء الشاعر معالم واضحة لتجربة الفقد الحزينة والموجعة،حيث البحث المؤلم عن جمالية الكتابة الشعريّة،وكأن الشاعر يكتب نشيد البوح الحزين للذات التي تسترجع عبرها أصوات الآخرين،بل صوت أب توارى خلف الغيوم،وسافر إلى الماوراء حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة-عجولة-في قصيدة (أمّاه..يا مهجة الروح..ونرجس القلب) للش ...
- الشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري-يوصيني خيرا-ببعض ق ...
- مولود إبداعي متميّز (ترانيم العشق )*للشاعر التونسي الكبير د- ...
- هوذا الكاتب التونسي الكبير محسن بن هنية..الذي وضعتني-الأقدار ...
- تأثير الواقع النفسي للشاعر في اتساق اللفظ والمعنى مع واقعه ق ...
- قراءة انطباعية-متعجلة-في قصة قصيرة جدا بعنوان (-رغيف-..مغموس ...
- قصائد تونسية ستبعث في أعماقكم الشعور بالانتماء إلى طين الأرض ...
- وجه من النخبة الفكرية والثقافية التونسية: الشاعر الكبير د-طا ...
- على هامش -الصمت العربي الخلاّب- في ظل محرقة غزة ! هل تنصت آذ ...
- جماليات الصور الشعرية..وتجليات المبنى والمعنى..في قصيدة الشا ...
- على هامش اليوم العالميّ للّغة العربيّة* شعراء عرب يتغزلون في ...
- تمظهرات صهيل الشوق..ولوعة الغياب في قصيدة الشاعر التونسي الك ...
- إشراقات العشق..وتجليات اللغة في قصة -عشق معتّق- للكاتبة العر ...
- ثلة من الشعراء التونسيين يكتبون بحبر الروح ودم القصيدة..انتص ...
- الشاعر التونسي الألمعي د-طاهر مشي : شاعريته تتألق في سماء ال ...
- تجليات الذاتِ الأنثوية..في أفق قصيدة النثر النسوية العربية و ...
- حين يتخفى الشعر..في قناع الوَجَع..قراءة فنية متعجلة في قصيدة ...
- الإدهاش الإبداعي..في أفق قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر ...
- على هامش الحرب-القروسطية-على غزة..أرض العزة غزة: درب الآلام. ...
- حين يتخفى الشعر..في قناع الوَجَع.. قراءة فنية متعجلة في قصيد ...


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - تجليات الصور الفنية في قصيدة -الكلُّ عائدُ،هكذَا الأدوارُ!- للشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي (قراءة أسلوبية-متعجلة)