ملاحظات حول مقال - معركة طوفان الأقصى ... الأبعاد الإستراتيجيّة - أمضاه - ماركسيّون لينينيّون ماويّون عرب -


ناظم الماوي
2024 / 1 / 17 - 21:38     

ملاحظات حول مقال " معركة طوفان الأقصى ... الأبعاد الإستراتيجيّة "
أمضاه " ماركسيّون لينينيّون ماويّون عرب "

- ... كان ماركس رجل علم ... لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركيّة - ديناميّة - تاريخيّة و قوّة ثوريّة ... كان ماركس قبل كلّ شيء ثوريّا .
( إنجلز ، " خطاب على قبر كارل ماركس " )
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
- إنّ الثورة الشيوعيّة تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة .
ماركس و إنجلز ، " بيان الحزب الشيوعي "
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
- هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضروريّة للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقيّة ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليه و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعيّة التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه .
كارل ماركس ، " الصراع الطبقي فى فرنسا 1848-1850 "
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
- يجب أن يكون هناك حزب ثوريّ ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوريّ ، حزب مؤسّس وفق النظريّة الماركسيّة اللينينيّة الثوريّة و طبق الأسلوب الماركسي اللينينيّ الثوريّ ، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب و السير بها إلى الإنتصار على الإمبرياليّة و عملائها .
( ماو تسى تونغ ، " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ "، ص 1-2)

- " على الشيوعيّين أن يكونوا مستعدّين فى كلّ وقت للتمسّك بالحقيقة ، فالحقيقة ، أية حقيقة ، تتّفق مع مصلحة الشعب. وعلى الشيوعيّين أن يكونوا فى كلّ وقت على أهبة لإصلاح أخطائهم ، فالأخطاء كلّها ضد مصلحة الشعب ".
( ماو تسى تونغ- 1945)
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعيّة .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
جوهر ما يوجد فى الولايات المتّحدة ليس ديمقراطيّة و إنّما رأسماليّة - إمبرياليّة و هياكل سياسيّة تعزّز الرأسماليّة - الإمبرياليّة . و ما تنشره الولايات المتّحدة عبر العالم ليس الديمقراطيّة و إنّما الإمبرياليّة و الهياكل السياسيّة لتعزيز تلك الإمبرياليّة .
( بوب أفاكيان ، جريدة " الثورة " عدد 43 ، 16 أفريل 2006 )
" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانيّة المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولي عهدها تاريخيّا ضمن النظام الإمبرياليّ . و هذان القطبان الرجعيّان يعزّزان بعضهما البعض ، حتّى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنّك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . و فى حين أنّ هذه صيغة مهمّة جدّا و حيويّة فى فهم الكثير من الديناميكيّة التى تحرّك الأشياء فى العالم فى هذه المرحلة ، فى نفس الوقت ، يجب أن نكون واضحين حول أيّ من " هذين النموذجين الذين عفا عليهما الزمن " قد ألحق أكبر الضرر و يمثّل أكبر تهديد للإنسانيّة : إنّه الطبقة الحاكمة للنظام الإمبرياليّ التى عفا عليها الزمن تاريخيّا ، و بوجه خاص إمبرياليّو الولايات المتّحدة ."
( التقدّم بطريقة أخرى، جريدة " الثورة " عدد 86 ، 29 أفريل 2007؛ " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان وكتاباته مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي )
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

نشر " ماركسيّون لينينيّون ماويّون عرب " " مقال " معركة طوفان الأقصى ... الأبعاد الإستراتيجيّة " على صفحات موقع أنترنت الحوارالمتمدّن بتاريخ 6 جانفي 2024 . و لمّا وقعت عليه أعيننا أسرعنا إلى الإطلاع عليه و تفحّص مضامينه فالكتّاب و المكتوب كلاهما مهمّان . و قد إستوقفتنا نقاط عديدة ذات دلالة إيجابيّة منها و سلبيّة تستدعى النقاش العميق غير أنّنا سنكتفى هنا ببعض الملاحظات النقديّة لمسائل نرى أنّه لا بدّ من الخوض فيها الآن و هنا و لو بشكل مقتضب و مكثّف.
1- مقتضيات البحث العلمي :
هنا لن نتناول بالبحث الأسلوب الذى كُتب به المقال و لن نعلّق على كثرة الأخطاء المطبعيّة التي تشوّه قراءة النصّ سوى أنّها قد تتسرّب إلى أيّ مقال على أنّه من المطلوب تقليلها قدر الإمكان ، و إنّما سنركز على مسألتين متصلتين بمقتضيات البحث العلمي لمن يتطلّع لكتابة بحوث و مقالات علميّة . و أوّلهما وجوب أن نذكر بدقّة متناهية مصدر المقتطفات من ماو تسى تونغ أو من غيره ( الكتاب أو المجلّد و الطبعة و اللغة و الصفحة ...) ، خاصة إذا لم تكن المقولة معروفة . و ينسحب هذا على مقولة لماو تسى تونغ وقع تصدير المقال بها حيث إكتفى أصحاب المقال بوضع ماو تسى تونغ إثر إيراد تلك المقولة . و هذا لا يفى بالغرض علميّا . و اللافت أيضا أنّ ذات المقولة تُستخدم في الفقرة الثانية من المقال غير أنّها ترد مختلفة في جزئها الثاني عم ما وردت عليه في التصدير ! ( و كيما يتمكّن القرّاء من إلقاء نظرة بأنفسهم دون العودة إلى الأنترنت و البحث ، المقال المعني وثّقناه كملحق لمقالنا هذا أدناه )
هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، لمسنا تضاربا في الأفكار لا ينبغي أن يحدث أصلا . و من ذلك مثلا الجملتين التاليتين :
- " إنّ ربط التكتيك بالإستراتيجية من النايحة السياسيّة يعنى ضرورة الإنتباه إلى إتّجاهات تطوّر الوضع الكلّي و إلى نقد و تفحّص كلّ الشعارات و الخطوات و المعارك التكتيكيّة ..." ( الفقرة الرابعة )
و على بُعد فقرات ثلاث قصيرة من ذلك ، نعثر على " لا يمكن و لا يجب المحاكمة بالشعارات و بالمبادئ العامّة ..."
في مناسبة ، يتعيّن " نقد و تفحّص كلّ الشعارات " و في مناسبة أخرى ، " لا يجب المحاكمة بالشعرات " !؟
و نحن نلفت عناية من يقف وراء المقال الذى نحن بصدده و جميع القرّاء ، إلى أنّنا تولّينا في مقالنا " فلسطين تكشف بعض الحقائق : لا للتعصّب الدينيّ و الشوفينيّة القوميّة – الشيوعيّة الثوريّة لتحرير الإنسانيّة " الذى نُشر على الحوار المتمدّن كالعادة ، نقد نماذج من الشعارات الخاطئة و بيّننا خطل و ضرر شعارات من مثل " خيبر خيبر يا يهود ، جيش محمّد سيعود " و " يا أمريكي يا جبان ، الشعب العربي / الفلسطيني لا يهان " . و كشفنا الأساس الفلسفي الذى تستند إليه تلك الشعرات و مدى مناهضتها للمنهج و المقاربة العلميّين . و أتى عملنا ذاك في سياق الإضطلاع بالمسؤوليّة الشيوعيّة الثوريّة و خوض الصراع الإيديولوجي و السياسي الضروريّ لرسم خطوط التمايز و الدفاع عن الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة كما قال لينين العظيم و لإجلاء طبيعة الصراع و التفريق بين الأصدقاء و الأعداء و بطبيعة الحال لنشر المنهج و المقاربة العلميّين للشيوعيّة الثوريّة ، الشيوعيّة الجديدة . و بهذا نكون ، فضلا عن ذلك ، قد طبّقنا ما أوصانا به ماو تسى تونغ في " ضد الليبراليّة " من " الصراع الإيديولوجي الإيجابي " و ما أوصانا بتجنّبه بما هو الشكل الثامن من الليبراليّة : " أن يرى المرء عملا ضارا بمصالح الجماهير ، و لكنّه لا يسخط ، و لا ينصح مرتكبه ، و لا يمنعه ، و لا يناقشه ، بل يتغاضى عنه و يسكت . " ( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الثاني ، الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1969، الصفحة 40)
و من يرغب في نقاش ما أقدمنا عليه في المناسبة إيّاها ( أو قبلها في مقالات و كتب ) على أنّه في غير محلّ لأسباب ما و بحجج ما فلنقاشه و جداله منّا كلّ الترحيب ذلك أنّنا بلا مراء دعاة الصراع الإيديولوجي و السياسي لمزيد توضيح المواقف و الآراء و البرامج و الرؤى ...
2- في بعض المفاهيم الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة :
عمد أصحاب المقال الذى ننقد إلى إيراد مصطلح " النضال الفكري" ( " نضال فكري سياسي " فقرة 16) و كأنّنا بهم لم يستوعبوا مفردات و معانى و مغزى مقولة شهيرة لماو تسى تونغ ألا وهي " صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة في كلّ شيء " . ماويّا نتحدّث إذن عن نضال إيديولوجي و سياسي ( و من كانت له إحترازات على كلمة إيديولوجيا كما يفعل بعض الليبراليّين و المعادين للماركسيّة فليعلن ذلك أو ليطرح الموضوع للنقاش ) . و أكيد أنّ مفردة " فكري " لا تساوي إيديولوجي فهي أشمل و بالتالى ليست بدقّة إيديولوجي في سياق حديثنا الماويّ هذا .
كما سجّلنا إستخدام كتّا ب مقال " معركة ..." لمقولتين غير دقيقتين بل لطالما ناضل ضدّهما لينين و نقصد " الديمقراطيّة الحقيقيّة " ( السطر الخامس من الفقرة 15 التي تبدأ ب " أوّلا " ) و " الحرّية الحقيقيّة " . و هنا نجد أنفسنا مضطرّين إضطرارا إلى التذكير السريع بما قاله لينين العظيم في هذا المضمار :
1- " الديمقراطية هي أيضا دولة و أنّ الديمقراطيّة تزول هي أيضا ، تبعا لذلك ، عندما تزول الدولة ".
( لينين ، " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ، الطبعة العربية لدار التقدّم ، موسكو ؛ صفحة 20 )
2- " طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ، - لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة " ، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط ( و نقول بين هلالين إنّ " الديمقراطية الخالصة" ليست فقط صيغة جاهلة تنم عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة على حدّ سواء ، بل هي أيضا صيغة جوفاء و لا أجوف، لأنّ الديمقراطية، ستضمحلّ ، إذ تتطور فى المجتمع الشيوعي و تتحوّل إلى عادة ، و لكنها لن تصبح أبدا ديمقراطية " خالصة ".
إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست سوى تعبير كاذب للبيرالي يخدع العمّال . إنّ التاريخ يعرف الديمقراطية البرجوازية التى تحلّ محلّ النظام الإقطاعي ، و الديمقراطية البروليتارية التى تحلّ محلّ الديمقراطية البرجوازية " )."
( " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ، الطبعة العربية لدار التقدّم ، موسكو ؛ صفحة 18)
3- " الحرية كلمة عظيمة ، و لكن تحت لواء حرية الصناعة شنّت أفظع حروب السلب و النهب ، و تحت لواء حرية العمل جرى نهب الشغيلة . "
( لينين ، " ما العمل ؟ " ، فصل " الجمود العقائدي و " حرّية الإنتقاد " )
و من يرنو إلى الإطلاع على النقاشات و الجدالات التي خاضها ناظم الماوي بهذا الصدد إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعيّة / الشيوعيّة الجديدة ، نحيله/ها على مقالاته و كتبه بموقعه الفرعي على الحوار المتمدّن و بمكتبته .
و نمرّ إلى نقطتين في غاية الأهمّية .
بداية ، نعرّج على إستخدام كتّاب مقال " معركة ..." لكلمة " البرجوازيّة " في الحديث عن عدّة برجوازيّات في حين أنّ الماويّة حدّدت أنواعا من البرجوازيّة متباينة ففي البلدان الرأسماليّة الإمبرياليّة هناك البرجوازيّة الرأسماليّة الإمبرياليّة و في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ، هناك برجوازيّتان واحدة وطنيّة و أخرى كمبرادوريّة / بيروقراطيّة . و هذا أمر معروف و لا نظنّ أنّنا في حاجة إلى مراجع بهذا الشأن و من لديه أدنى شكّ ليلقى / لتلقى نظرة على ما ورد في كتابات ماو تسى تونغ و كتابات الماويّين عالميّا . و عدم التفريق بين البرجوازيّات خطأ تروتسكي نبّه إلى مغبّته الماويّون لعقود . فالتروتسكيّون يرون أنّ العالم كلّه رأسمالي موحّد في ظلّ الرأسماليّة فيما يكشف التحليل العلميّ أنّ العالم منقسم إلى حفنة بلدان إمبرياليّة سائدة و بقيّة البلدان من أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينيّة ترزح تحت وطأة الإستعمار الإمبريالي بشكل أو آخر ( مباشر و غير مباشر ) و من ثمّة طبيعة الثورة الضروريّة و المرغوب فيها ، ماويّا، في البلدان الرأسماليّة الإمبرياليّة هي الثورة الإشتراكيّة و في البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة هي الثورة الديمقراطيّة الجديدة / الوطنيّة الديمقراطية كتمهيد للثورة الإشتراكية المكمّلة لها و كجزء من الثورة البروليتاريّة العالميّة ، و النوعان من الثورات بقيادة الأحزاب الشيوعية و الإيديولوجيا الشيوعيّة و هدفهما الأسمى هو المجتمع الشيوعي العالمي . أمّا تروتسكيّا ، فالثورة الإشتراكيّة هي التي تقع على جدول الأعمال في جيمع بلدان العالم .
و يبيّن لنا تطبيق هذه المفاهيم المتباينة للبرجوازيّات أنّه حين يتّصل الحديث بالبرجوازيّة الفلسطينيّة ينبغي تاكيد أنّ البرجوازيّة الوطنيّة التي رفعت السلاح في وجه الغاصب الصهيوني لعقود تحوّلت إلى برجوازيّة كمبرادوريّة ( السلطة الفلسطينيّة عميلة الكيان الصهيوني ) ...
و كذلك ، لا بدّ من التنبيه إلى أنّ من سهروا على صياغة المقال الحامل لعنوان " معركة ..." سقطوا في فخّ الإيديولوجيا و الخطاب السائدين لا سيما لدي محلّلين في قنوات تلفزيّة أبعد ما يكونوا عن الماركسيّة ( السائد نعيد التأكيد ) و نسرع إلى الشرح فنقول إنّ المقولة التي تكرّرت في المقال إيّاه ، مقولة أنّ الكيان الصهيوني " جيش و بُنيت له دولة عنصريّة " و " جيش من المجرمين بُنيت له دولة " و " جيش صُنعت له الإمبرياليّة دولة " ( صيغة كرّرت مرّتين ) و " أحد أهمّ مقوّمات هذا الكيان هو الجيش " ( القسم من المقال الحامل للعنوان الفرعي " الكيان الصهيوني " ) ، مقولة لا صلة لها بالماركسيّة و لا بالواقع بل هي تتنكّر للماركسيّة و ما كشفته من حقيقة الدولة .
ففي " أصل العائلة و الملكيّة الخاصة و الدولة " ، دلّل إنجلز بفضل بحوثه العلميّة و التاريخيّة على أصل الدولة و دورها و ما إلى ذلك و جاء لينين في " الدولة و الثورة " ليعيد تأكيد ذلك و يتوسّع في تناول قضايا ممتّصلة بالدولة و الثورة و الديمقراطيّة و إضمحلال الدولة و هكذا .
قال لينين : " برأي ماركس ، الدولة هي هيئة للسيادة الطبقيّة ، هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى ، هي تكوين " نظام " يمسح هذا الظلم بمسحة القانون و يوطّده ، ملطّفا إصطدام الطبقات."
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 8 )
ثمّ ، مراكمة التجربة العمليّة و النظريّة ، توصّل ماو تسى تونغ إلى التشديد على الحقيقة التالية :
" يعتبر الجيش ، حسب النظريّة الماركسيّة حول الدولة ، العنصر الرئيسيّ فى سلطة الدولة . فكلّ من يريد الإستيلاء على السلطة و المحافظة عليها ، لا بدّ أن يكون لديه جيش قويّ ."
( ماو تسى تونغ، " قضايا الحرب و الإستراتيجية "6 نوفمبر- تشرين الثاني 1938 ؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني ، الصفحة 66 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )
و عليه ، الكيان الصهيوني ككلّ دولة قوامها و عمادها و عنصرها الأساسيّ هو الجيش ( و إن كانت لها خصصيّات ) و من يدرس تاريخ الصهيونيّة و تطوّرها في الأراضي الفلسطينيّة سيلاحظ أنّ مؤسّسات أخرى تابعة للدولة ، سجونا و محاكما و قوّات أمن / شرطة و دواوين... ، فضلا عن " العصابات " التي ستتحوّل إلى العامود الفقريّ للجيش ، كانت جنينيّة إبّان إحتلال الإنجليز لفلسطين و تشجيع أنجلترا للصهاينة و إعدادها لهم ليتسلّموا الحكم من بعدها ، قبل إعلان نشوء الدولة الصهيونيّة سنة 1948 ، و صحيح أنّها تعزّزت بأشكال مختلفة بعد ذلك بمساعدة القوى الإمبرياليّة .
و ككلّ دولة ، إذا تمّ إسقاط و سحق عمادها ، الجيش ، تسقط الدولة و تنهار . و العكس صحيح كما أفصح عن ذلك ماو تسى تونغ حين أعرب عن أنّ " كلّ من يريد الإستيلاء على السلطة والمحافظة عليها، لا بدّ أن يكون لديه جيش قويّ ." و من هنا ضرورة الكفاح المسلّح ضد الدولة الصهيونيّة . و يقينا أنّ تجربة " داعش " تسلّط المزيد من الضوء على الحقائق التي لخّصتها الشيوعيّة بشأن الدولة و تدحض ترّهات أعداء الشيوعيّة .
و في ختام هذه النقطة ، لا مفرّ من جلب الإنتباه إلى ما دعانا إليه إنجلز منذ عقود :
" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظريّة و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليديّة المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أن الاشتراكيّة ، مذ غدت علما ، تتطلّب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلّب أن تدرس و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمّال بهمّة مضاعفة أبدا..."
( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل ؟ " )

3- في البديل الشيوعي الثوريّ :
قبل كلّ شيء ، لا مندوحة من دحض مقتضب لما يسمّى ب " الحتميّة التاريخيّة " و " حتميّة إنهيار هذا الكيان الغاصب ". فمن الإختراقات التي حقّقتها الخلاصة الجديدة للشيوعيّة / الشيوعيّة الجديدة و مهندسها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، نقدها لمقولة لطالما إلتصقت بالحركة الشيوعيّة العالميّة و ألحقت بها الضرر و نعنى " الحتميّة " . ذلك أنّه في التاريخ ثمّة نزعات و ما من شيء حتميّ ، و التاريخ تصنعه الشعوب ، في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكيّة ، بقيادة أحزاب شيوعيّة و إيديولوجيا شيوعيّة . و قد تزول الإنسانيّة بأكملها من على وجه الكوكب قيربا جرّاء تدمير البيئة و إتبعاته أو حرب أو حروب نوويّة ! و قد ناقشنا هذا الموضوع بتفاصيل أكثر في عدّة مقالات و كتب لنا نرجو أن يطّلع عليها من يودّ التعمّق في المسألة و من يودّ أيضا أن يستقى وجهة نظر الشيوعيّة الجديدة من مصدرها الأصليّ ، عليه/ها بكتاب بوب أفاكيان " إختراقات ..." و قد عرّبه و نشره على صفحات الحوار المتمدّن شادي الشماوي ، وهو متوفّر للتنزيل كاملا من مكتبة الحوار المتمدّن .
و في نهاية مقال " معركة ..." ، إثر إيراد عدّة نقاط من " ما حقّقته هذه المعركة " ، كنّا نتوقّع ، منطقيّا ، أن يقترح أصحاب المقال تكتيكا ثوريّا إعتبارا لحديثهم المطوّل عن الإستراتيجيا و التكتيك في مستهلّ المقال و كمدخل له ، بيد أنّ ما عثرنا عليه لا يتجاوز طرح جملة من الأسئلة الملحّة لقضايا حارقة .
و أيضا ، كنّا ننتظر ، منطقيّا ، شرح كيف أنّ تلك المعركة تمثّل " عن حقّ منعطفا حقيقيّا في الصراع ضد الكيان الصهيوني" و أنّها " مكّنت من إحداث تغييرات جذريّة على مجمل الصراع مع العدوّ الصهيوني و أحدثت تغييرات جذريّة في وضع الحرب الكلّي لتفتح المستقبل على مسارات جديدة لصالح القضيّة الفلسطينيّة ". و لم ننل الشرح المرجوّ بل إكتفى مؤلّفو المقال بتلك التأكيدات ، لا غير . و يبدو هذا التقييم نوعا رومانسيّا مثاليّا ذاتيّا حالما لعدّة أسباب منها أنّنا في الوقاع الملموس، لا نرى " تغييرات جذريّة في وضع الحرب الكلّي " . فهل حرّرت المقاومة أراضي جديدة و مواقع إستراتيجيّة ؟ لا . هل صار جيشا قويّا بحيث يقدر على مقارعة العدوّ في عقر داره ، في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة و يفتكّ منه قطعا من الأرض ؟ لا . هل تغيّر ميزان القوى لصالح المقاومة ؟ لا . فالمقاومة ، بلغة ماويّة ، لا تزال في مرحلة دفاع إستراتيجي و لم تبلغ مرحلة التوازن الإستراتيجي فما بالك بمرحلة الهجوم الإستراتيجي . و هل أصبحت القيادة السائدة شيوعيّة ثوريّة؟ لا .
أضف إلى ذلك ، أنّه كما ورد في العنوان هي " معركة " و ليست " أمّ المعارك " و لا هي المعركة الحاسمة في مسار المقاومة و لا في مسار الكيان الصهيوني . و ليعلم الجميع أن من يخسر معركة لم يخسر الحرب و قد يتمكّن من ترميم قواه و ينهض مجدّدا أقوى و أعتى ، و هذا أمر بديهيّ و لا ندرى لماذا يستبعده البعض و يسبحون في الأحلام . و الظاهر أنّ حسن نصر الله أكثر واقعيّة في قراءة الواقع و الصراع من الحالمين إذ أكّد في خطاب من خطاباته أنّها ليست المعركة الفاصلة و أنّ الأمر يتعلّق ب " تسجيل نقاط " لا غير !
و لزاما أن ينتبه الكثيرون إلى أنّ القوى الأصوليّة الإسلاميّة لا زالت متشبّثة بفرض قوالبها الجاهزة على الواقع في ما يتعلّق بطبيعة الصراع الدائر فأبو عبيدة وهو الناطق الرسمي باسم حماس الفصيل الأصولي الإسلامي المهيمن حاليّا على المقاومة ، في خطابه بمناسبة اليوم 100 من الحرب و المقاومة ، إنطلق في حديثة في البداية بأنّ العدوّ هو الاحتلال الصهيوني النازي ليعود قبيل ختام الخطاب نفسه ليشدّد على أنّ طبيعة الصراع دينيّة مشيرا إلى تدمير المساجد . و في هذا تضارب و تناقض صارخين . و قد صغنا مقالنا " فلسطين تكشف بعض الحقائق : لا للتعصّب الدينيّ و الشوفينيّة القوميّة – الشيوعيّة الثوريّة لتحرير الإنسانيّة " قبل أيّام من ذلك الخطاب لنعرض مجدّدا طبيعة الصراع واقعيّا . و ممّا لا يرقى إليه شكّ الآن أنّ تحديد طبيعة الصراع على أنّها دينيّة في الأساس ( لاحظوا أنّ أبا عبيدة لم يشر يومها إلى تدمير الكنائس المسيحيّة في غزّة ) يُلحق ضرارا كبيرا بفهم من هم أصدقاء حركة التحرّر الفلسطينيّة و من هم أعداؤها . و قد شرحنا ذلك بشيء من التفصيل في مقالنا المشار إليه أعلاه .
و بخصوص مقولة " المسارات الجديدة لصالح القضيّة الفلسطينيّة " التي لم يفسّرها أصحابها ، نلفت عناية القرّاء لى أنّ جديدة لا تعنى ثوريّة و تحرّريّة و أنّها قد تكون رجعيّة و قد تصبّ هذه المسارات الجديدة في خدمة قوّة توسّعيّة أو أخرى بالمنطقة . و حتّى كما سبق أن حصل مع منظّمة التحرير الفلسطينيّة ، قد يتمّ التوصّل إلى حلّ جزئيّ أو إستسلامي يوصف كما وُصف سابقه ( أوسلو ) ب " سلام الشجعان ". و التاريخ يعلّمنا أنّ الحركة تسير في إتّجاهين متناقضين و إن كانت لولبيّة تصاعديّة ، الحركة الصاعدة قد تشهد نزولا و المتقدّمة قد تشهد تراجعا و العكس بالعكس .
الوضع حمّال إمكانيّات و ليس إمكانيّة واحدة و بالنسبة إلى الشيوعيّين الثوريّين ، كما قال ماو تسى تونغ ، " صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي محدّدة في كلّ شيء " ، و " يجب أن يكون هناك حزب ثوري ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوري ، حزب مؤسس وفق النظرية الماركسية اللينينية الثورية و طبق الأسلوب الماركسي اللينيني الثوري، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب و السير بها إلى الإنتصار على الإمبريالية و عملائها. "
( ماو تسى تونغ ، " قوى العالم الثوريّة ، إتحدي و قاومي العدوان الإمبريالي " ( نوفمبر ، تشرين الثاني – 1948) ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الرابع ).
و اليوم لا نشاهد توفّر هذين الشرطين الأساسيّين لمضيّ حركة التحرّر الوطني الفلسطيني قُدما و بخطى ثابتة و ثوريّة نحو تحرير البلاد و العباد .
و حينما أنهى أصحاب مقال " معركة ..." نصّهم بشعارين هما " عاشت فلسطين " و " عاش النضال الثوريّ الفلسطيني "، أصبنا بصدمة إنكار واقع المساندة الأمميّة الإنسانيّة عالميّا ، من جهة ، و إهدار البعد الأممي البروليتاري و البعد الإيديولوجي و السياسي الشيوعيّين الثوريّين في شعارات من الواجب رفعها إلى جانب الشعارين إيّاهما . هل ينمّ هذا عن إستهانة بالأمميّة البروليتاريّة و تعويضها بشيء آخر ؟
و نتوقّف هنا لنتذكّر و نذكّر من نسي بما قاله لينين :
- " أمّا الإشتراكي ، البروليتاري الثوري ، الأممي ، فإنّه يحاكم على نحو آخر : ... فليس من وجهة نظر بلاد"ي" يتعين علي أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قومي تافه ضيق الأفق، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازية الإمبريالية ) ، بل من وجهة نظر إشتراكي أنا فى تحضير الثورة البروليتارية العالمية ، فى الدعاية لها ، فى تقريبها. هذه هي الروح الأممية ، هذا هو الواجب الأممي ، واجب العامل الثوري ، واجب الإشتراكي [ إقرأوا الشيوعي ] الحقيقي ."
( لينين ، " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي"، الطبعة العربيّة لدار التقدّم موسكو، الصفحة 68-69 )
و إلى ذلك ، نلمح إلى أنّ الجدليّة تعلّمنا أنّ " عاش " لها نقيض " يسقط " ؛ " عاش" للقوى الثوريّة و حلفائها و " يسقط " لأعدائها و من لفّ لفّهم . فأين الجدليّة في صياغة الشعارات في خاتمة المقال ؟
و بالعودة إلى الأسئلة المطروحة في نهاية المقال ، لا يسعنا إلاّ أن نشير إلى أنّ أنصار الشيوعيّة الجديدة قد أجابوا على تلك الأسئلة و غيرها كبديل شيوعي ثوريّ ليس عربيّا و حسب بل عالميّا . و في هذا السياق ، تجدر الإشارة إلى أنّ ألّف كتابين جداليّين دفاعا عن الشيوعيّة الجديدة عربيّا ، و عناوينهما معبّران للغاية ، " صراع خطين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية - هجوم محمّد علي الماوي اللامبدئي و ردود ناظم الماوي نموذجا عربياّ " و " ضد التحريفية و الدغمائيّة ، من أجل تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا " . فليدرسها نقديّا من يرنو
و ليعلم من يطلقون على أنفسهم " ماركسيّين لينينيّين ماويّين عرب " أنّ الماويّة إنقسمت منذ سنوات و قد سجّل شادي الشماوي الصراعات حول ذلك في كتابه " الماويّة تنقسم إلى إثنين ". و في المدّة الأخيرة ، تشكّلت منظّمة ماويّة عالميّة جديدة هي الرابطة الشيوعيّة العالميّة للماويّين أنصار " فكر غنزالو " ( أنظروا كتاب شادي الشماوي ، " صراعات حول الخطّ الإيديولوجي و السياسي للمنظمة الماويّة العالميّة الجديدة : الرابطة الشيوعيّة العالميّة " ) . فليدرسها من يرنو / ترنو حقّا ، قولا و فعلا ، إلى المساهمة في الثورة الشيوعيّة و تحرير الإنسانيّة جمعاء من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي .
و تأكيدا لهذه الضرورة صرّح لينين بأنّ :
" الحركة الإشتراكية - الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية ] هي حركة أممية فى جوهرها . و ذلك لا يعنى فقط أنّه يتعيّن علينا أن نناضل ضد الشوفينية القومية بل ذلك يعنى أيضا أن الحركة المبتدئة فى بلاد فتيّة لا يمكن أن تكون ناجحة إلاّ إذا طبقت تجربة البلدان الأخرى . و لبلوغ ذلك لا يكفي مجرد الإطلاع على هذه التجربة أومجرّد نسخ القرارات الأخيرة . إنّما يتطلّب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة و أن يتحقّق منها بنفسه. و كلّ من يستطيع أن يتصوّر مبلغ إتساع و تشعب حركة العمال المعاصرة، يفهم مبلغ ما يتطلّبه القيام بهذه المهمّة من إحتياطي من القوى النظرية و التجربة السياسية ( الثورية أيضا ). "
( لينين ، " ما العمل؟ " )
و كما صدحنا بالحقيقة المجسّدة اليوم لمقولة لينين الشهيرة الواردة في" ما العمل ؟ " ،" لا حركة ثوريّة دون نظريّة ثوريّة "، في مقال سابق لنا ، " ما هي الحقائق التي سجّلتها مقولات ماويّة منذ عقود و تؤكّدها الآن مجدّدا المعركة في فلسطين و حولها ، و أين تكمن مصالح الإنسانيّة ؟ "، النظريّة الثوريّة اليوم ،
" شيوعيّة اليوم ، الشيوعيّة الأكثر تطوّرا و تقدّما و رسوخا علميّا ، الإطار النظري الثوري للموجة الجديدة من الثورة الشيوعية و الذى على أساسه ينبغي تأسيس الأحزاب الشيوعيّة الثوريّة هو الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعيّة الجديدة و مهندسها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة .
و التعريف المقتضب لهذه الشيوعيّة الجديدة هو :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( شادي الشماوي ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، مكتبة الحوار المتمدّن )
و للإطلاع عن كثب على مضمون هذه الشيوعيّة الجديدة و دراستها بشموليّة و عمق لازمين و نقديّا ، ننصح بكتابين ترجمة شادي الشماوي ، متوفّرين للتنزيل من مكتبة موقع الحوار المتمدّن و هما " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " و " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " . و من يتطلّع إلى الغوص في جدالات حول و إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة فعليه / عليها بمقالات و كتب ناظم الماوي وهي أيضا متوفّرة بصفحات موقع أنترنت الحوار المتمدّن و بمكتبته . "
الملحق
معركة طوفان الأقصى ... الأبعاد الإستراتيجية
ماركسيون لينينيون ماويون عرب
2024 / 1 / 6 - 00:57
"حيثما كانت حرب، يوجد وضع كلي للحرب يوجد وضع كلي للحرب. وقد يشمل الوضع الكلي للحرب العالم بأسره أو قطرا بأكمله أو منطقة مستقلة لحرب العصابات أو جبهة مستقلة كبرى للعمليات العسكرية. وكل وضع حربي يجب أن تؤخذ فيه بعين الاعتبار مختلف الجوانب والمراحل. وإن دراسة القوانين الموجهة للحرب والتي تتحكم في وضع الحرب الكلي هي مهمة علم الاستراتيجية" ماو تسي تونغ
إن الشيوعيين – ات من الناحية المبدئية (والعملية أيضا) يحددون هدفهم الاستراتيجي انطلاقا من البعد الأممي ومن مضمونه في التقدم نحو الثورة العالمية ونحو الشيوعية. غير أن الشيوعيات والشيوعيين اليوم يناضلون ويقاتلون من أجل نجاح وانتصار البديل الثوري في كل بلد، ويهدفون إلى تقوية خط البروليتاريا وحسمها للسلطة السياسية. وهذا الاتجاه نابع من أن نجاح البروليتاريا في إقامة ديكتاتوريها في بلد معين سوف يمد الحركة الشيوعية أمميا بمزيد من الدعم والقوة ويشكل انتصار البروليتاريا في أي بلد من هذا المنظور تقدما أيضا للثورة العالمية إذا ما ربط هذا الانتصار عمليا بالثورة العالمية.
إن النضال من أجل الشيوعية التي تشكل الهدف النهائي للشيوعيين – ات لا يعميهم عن الهدف النهائي لنضالهم الراهن أي حسم السلطة السياسية وبناء السلطة السياسية سلطة ديكتاتورية البروليتاريا، إن نسيان هذه الحقيقة لا يعني الارتماء في حضن التروتسكية و فقط بل يعني التضحية بالثورة في كل بلد والتضحية بالثورة العالمية نفسها.
إن انتصار الثورة الاشتراكية في بلد معين يمكن أن يجعل من هذا البلد نقطة ارتكاز وقاعدة حمراء للثورة العالمية، حيث يستطيع من خلالها وعبرها، الشيوعيين – ات التقدم أمميا إذا ما توفرت الشروط السياسية والتنظيمية لذلك، بمعنى توفر أممية شيوعية حقا، تضع على عاتقها قيادة الثورة الشيوعية العالمية. إن عملا من هذا النوع أي عملا يربط التكتيك الثوري بالإستراتيجية الثورية على النطاق العالمي والأممي يشكل أحد مبادئ الشيوعية نفسها وأحد العناصر الأساسية لكل خط سياسي شيوعي حقا.
غير أنه عندما نتحدث عن الإستراتيجية يجب أن نعرف جيدا عن ماذا نتحدث بالضبط؟
إن مفهوم الإستراتيجية يعني أساسا دراسة الوضع الكلي للحرب، يعني النظر إلى الوضع الكلي وقد يشمل الوضع الكلي للحرب العالم بأسره أو بلدا معينا أو منطقة أكثر اتساعا. "حيثما كانت حرب، يوجد وضع كلي للحرب وأن دراسة القوانين الموجهة للحرب والتي تتحكم في وضع الحرب الكلي هي مهمة علم الإستراتيجية " ماو. وهكذا عندما نتحدث عن الإستراتيجية الثورية يجب أن نأخذ بعين الاعتبار وأن نحدد مجال الصراع / الحرب التي نتناولها بالدراسة.
إن الإستراتيجية لا تعني تحديد الهدف النهائي و فقط بل أنها تعني أساسا دراسة القوانين التي تتحكم في الوضع الكلي للمعركة أي معرفة كيفية الوصول إلى الهدف في ظل كل المتغيرات التي تحدث مع تطور النضال والعمل، وهو ما يعني الاهتمام أكثر خصوصا في المعارك التي تؤثر على الوضع الكلي للحرب والصراع.
إن أهمية استحضار الإستراتيجية في كل لحظة لا يعني عدم الاهتمام بالقضايا والمعارك الجزئية أو ما نطلق عليه علم التكتيك فهذا الأخير هو الذي يهتم بدراسة القوانين الموجهة للحرب والثورة المتعلقة بأوضاعها الجزئية. إن العلاقة بين الإستراتيجية والتكتيك هي علاقة الكل بالجزء ففهم الكل يساعد على معالجة الأجزاء على وجه أكمل.
إن الكل مكون من الأجزاء، لذلك قد لا تؤثر هزائم تكتيكية معينة على الوضع الكلي للحرب وللثورة وقد تؤدي حركة واحدة طائشة ‘إلى خسارة كبيرة أي أنها يمكن أن تغير الوضع الكلي بأكمله. لذلك كانت العلاقة بين الإستراتيجية والتكتيك علاقة ومترابطة لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى.
ومنه فإن التكتيك الثوري هن هذا المنظور يجب أن يخضع ويوجه انطلاقا مما هو استراتيجي، بمعنى أن يراكم لما هو استراتيجي وأن يعمل على تغيير الوضع الكلي لما فيه مصلحة للثورة وأن يتفادى كل ما من شأنه أن يغير الوضع الكلي لصالح العدو أو أن يخدم استمرار الوضع الكلي لصالح العدو.
إن ربط التكتيك بالإستراتيجية من الناحية السياسية يعني ضرورة الانتباه إلى اتجاهات تطور الوضع الكلي وإلى نقد وتفحص كل الشعارات والخطوات والمعارك التكتيكية (أي الجزئية) وتبيان مدى تأثيرها السلبي أو الايجابي على ما هو كلي. أي إلى مدى توفير شروط تقدم المشروع الثوري أو توفير شروط عرقلته.
بالنسبة للشيوعيين (ات) إن شرط قيادة النضال الثوري من الناحية الإستراتيجية ومعرفة ربط التكتيك الثوري بهذه الإستراتيجية هو وجود حزب ثوري حقيقي، حزب يسترشد بالنظرية الثورية وهي المسألة الأكثر إلحاحا والأكثر ضرورية في وقتنا الراهن داخل كل بلد ينعدم فيه هذا الحزب.
ففي ظل غياب هذا الحزب سوف يظل النضال عفويا غير قادر على التوجه نحو ما هو استراتيجي وبالتالي تكون المهمة المركزية لكل الشيوعيين (ات) إنما هي تأسيس وبناء هذا الحزب ويجب أن تكون كل المعارك وكل أوجه النضال تتمحور حول هذه المسألة بالذات.
وفي ظل الصراع الطبقي قد تختلف الأوضاع من بلد إلى بلد آخر حسب الظروف التاريخية والجغرافية ... ومعها قد تختلف بعض التكتيكات لكن ذلك ليس مبررا أبدا لممارسة سياسية تعمق من السيطرة الرجعية أو من سيادة خطوط تتجه نحو أهداف إستراتيجية ضد الجماهير وضد الثورة البروليتارية.
وهنا لا يمكن ولا يجب المحاكمة بالشعارات وبالمبادئ العامة بل يجب المحاكمة عبر تحليل الواقع المباشر والانتقال من المجرد إلى الملموس والعيني.
فالحديث عن الملموس والعيني بتونس ليس هو نفسه الملموس والعيني بالعراق، وماهو ملموس وعيني بمصر ليس هو نفسه باليمن وما هو ملموس وعيني بالمغرب ليس هو نفسه بالسعودية بالرغم من أن الأهداف الإستراتيجية بالنسبة للشيوعيين (ات) هي واحدة في كل هذه البلدان.
فما هو إذن الملموس والعيني بفلسطين اليوم؟ وما هي تبعا لذلك مهام الشيوعيين (ات) بفلسطين؟ وما هي مهام الشيوعيين (ات) في كل العالم اتجاه الثورة الفلسطينية؟
فلسطين بلد محتل وهذه أولى المقدمات. غير أن احتلال فلسطين ليس شأنه ومضمونه نفس الاحتلال الذي تعرضت له مصر من طرف انجلترا ولا هو نفسه الذي تعرضت له تونس أو الجزائر أو المغرب من طرف فرنسا.
إن الاحتلال الذي تتعرض له فلسطين ليس من دولة لها سيادة على أرض أخرى بمعنى أنه ليس مجرد استعمار امبريالي كما عرفته جل البلدان في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، إنما هو استيطان وهذا الواقع الملموس والعيني وهو ثاني المقدمات.

هو استيطان من كيان صهيوني لا بديل لحله سوى بدك هذا الكيان والقضاء عليه كليا وليس طرده كما كان الشأن في حروب التحرير الوطنية التي عرفها التاريخ سابقا * وتبعا لذلك تكون المهمة الأساسية والمباشرة هي حرب التحرير الوطنية من أجل القضاء على الكيان الصهيوني والتقدم نحو بناء دولة الديمقراطية الجديدة ذات الأفق الاشتراكي.
وحتى نتناول القضايا الإستراتيجية للثورة الفلسطينية أي دراسة الوضع الكلي لهذه الثورة يجب أن نتناول ما هو ملموس وعيني وهو طبيعة هذا الاحتلال أي مضمون هذا الكيان الصهيوني والذي يتعدى بكل تأكيد أرض فلسطين التاريخية، فأبعاد هذا الكيان الإستراتيجية ليست مرتبطة باحتلاله لأرض فلسطين وهو ما يعني أن تناول القضايا الإستراتيجية للحرب ضد هذا الكيان يجب أن يتناول الأوضاع الكلية للحرب في كل المنطقة وربما تتسع لأكبر من ذلك.
إن أهم ما يجب الانتباه إليه هنا دون الدخول في تاريخ وجود هذا الكيان الغاصب هو أنه قاعدة ارتكاز للإمبريالية الأمريكية والأوروبية في المنطقة، من أجل شل كل حركة ثورية بهذه المنطقة ونهب خيراتها الكثيرة والكبيرة التي لها تأثير مباشر وعظيم على اقتصاد كل الدول الامبريالية، وكذا قاعدة ارتكاز لإخضاع كافة الشعوب بالمنطقة وليس الشعب الفلسطيني وحده.

إن هذه الخصائص التي تميز العدو الصهيوني وحدها كفيلة للقول بأن مضمون وشكل الصراع يختلف كثيرا على ما عرفناه في التاريخ الاستعماري الامبريالي سابقا و تتطلب تبعا لذلك مقاربة مغايرة وحذرا من السقوط في محاولة تكرار نفس التحاليل السابقة حول الاستعمار في مصر أو تونس أو العراق أو الأرجنتين.
فالمسألة ليست مرتبطة بإنهاء الاحتلال، بل القضاء على الكيان الصهيوني، تحطيم دولته وإجلاء/ إرجاع الصهاينة من حيث أتوا . وإنشاء دولة ديمقراطية شعبية والتقدم نحو بناء مجتمع اشتراكي يقدم للشعب الفلسطيني الحرية الحقيقية.
وما هو ملموس وعيني اليوم وسط حركة التحرر الفلسطيني، وما هو ملموس وعيني اليوم أمام الثورة الفلسطينية أنها دخلت من جديد في طريق الكفاح المسلح وأن هذا الكفاح المسلح يتطور ويتقدم باضطراد. وان حركة التحرر الفلسطيني هي اليوم تحت قيادة خط برجوازي رجعي في مضمونه الاستراتيجي وضعف واضح للخط الثوري وتقلص للخط الانهزامي الذي لا زال حاضرا أو مؤثرا.
أن الحرب التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني هي حرب عادلة، فهي ليست حربا بين الإمبرياليات وليست حربا بين وكلاء الإمبرياليات، إنها حرب من أجل التحرر من الاستيطان الصهيوني حرب من أجل حرية الشعب الفلسطيني لدلك يجب دعمها والإشادة بها، غير أن النضال العسكري الذي تخوضه حركة التحرر الوطني الفلسطيني اليوم هو تحت قيادة حماس (رغم مشاركة العديد من الفصائل الفلسطينية الاخرى). إن قيادة هذا النضال المسلح ضد العدو الصهيوني تجعل الشيوعيين(ات) أمام مهمتين رئيسيتين:
أولا: دعم الكفاح المسلح وتعميقه وسط الجماهير من جهة، والنضال الحازم من أجل انتزاع قيادة هذا الكفاح والرقي به ليشمل أوسع بنات وأبناء الشعب الفلسطيني. غير أن النضال من اجل انتزاع قيادة هذا النضال العسكري والسياسي لا يجب أن تكون كيفما كان الحال، ضد هذا الكفاح المسلح نفسه أو ضد المقاومة المسلحة، بل على العكس يجب أن تكون من خلاله وعبره، والعمل على تطويره وتصليبه وتوسيعه أكثر. إن الحد الفاصل اليوم بين الخطوط هو أولا مقاومة الكيان الصهيوني، وأساسا من خلال الكفاح المسلح وهو ثانيا النضال من اجل التحرر من قبضة الامبريالية وبناء الديمقراطية الحقيقية. إن النقد الذي يوجهه البعض لفصائل المقاومة، النقد الذي لا يراعي هذين البعدين يسقط عمليا وسياسيا في أحضان الامبريالية ويصب في اهاف العدو الصهيوني.
إن النضال من اجل الرقي بالنضال إلى مستوى القيادة السياسية والعسكرية هو نضال طويل ومرير، وهو نضال فكري وسياسي في نفس الوقت، نضال من أجل لف أكبر عدد من الجماهير حول برنامج ثوري حقيقي. وهو نضال لا يمكن تحقيقه إلا بالعمل في قلب الجماهير ومع الجماهير، ويتطلب دعما شاملا من جميع النواحي للثوريين والشيوعيين الفلسطينيين من طرف كل شيوعي على المستوى الأممي.
وفي طريق هذا النضال الدي يصبوا إلى الرقي بالعمل الثوري إلى درجة قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطينية والثورة الفلسطينية، يجب تدعيم كل نضال مسلح ضد العدو الصهيوني الغاشم دون التهاون في توضيح آفاق هذا النضال وسبل الوصول إليه، أي تدمير الكيان الصهيوني، وبناء الدولة الديمقراطية الشعبية، وفي ظل هكذا وضع، فإنه يجب التأكيد على ان كل نضال من اجل التحرر الوطني هو في نفس الوقت نضال طبقي، ومنه يجب معرفة كيفية المزاوجة بين الاثنين.
إن السياسة الثورية الحقيقية في وضع مثل هذا الوضع تعني المشاركة الفعالة في الكفاح المسلح الجاري اليوم، والاستعداد ة العمل سياسيا وفكريا وتنظيميا وعسكريا للإطاحة بقيادة الخطوط البرجوازية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، تلك هي أكبر التحديات التي تجابه الثورة الفلسطينية واليسار الثوري بفلسطين او على الصعيد الأممي.
إن حركة التحرر الوطني الفلسطيني تناضل ضد عدو همجي يشكل قاعدة ارتكاز حقيقية للإمبريالية في المنطقة، وهي تناضل أيضا من أجل القضاء على هذا الكيان، وتحرير أرض فلسطين. والشيوعيين لا يقفون هنا، بل يؤكدون أيضا أنهم يناضلون من أجل بناء دولة ديمقراطية شعبية حقيقية أيضا. وهذا هو السبب الرئيسي لضرورة قيادتهم لحركة التحرر الوطني وللثورة الفلسطينية. غير أن مهام الغد لا يجب في أي حال من الأحوال أن تنسينا واجبات اليوم: تصعيد الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني، ومن خلاله وبواسطته يتم تربية الجماهير فكريا وسياسيا وتنظيميا من اجل قيادة هذا النضال سياسيا وعسكريا لدحر العدو، وبناء دولة الديمقراطية الجديدة.
إن الحرب هي استمرار للسياسة، لكن العمل العسكري يختلف عن العمل السياسي فله قوانينه ومتطلباته الخاصة.
وعلى ضوء كل ما قيل أعلاه، كيف يمكن إذن أن نقيم معركة "طوفان الأقصى" التي انطلقت من السابع من أكتوبر الماضي؟ هل هذه المعركة سوف تغير من الوضع الكلي للحرب؟ بمعنى هل لها بعد استراتيجي على الصراع ضد العدو الصهيوني؟
لكي نتناول هذا السؤال أولا يجب أن نحدد قوة العدو الصهيوني ونقط ضعفه، وان نحدد أيضا الوضع الكلي للحرب قبل معركة طوفان الأقصى التي انطلقت يوم 7 أكتوبر. وان نحدد جميع هذه النقاط في الجانب الثاني من هذا التناقض، أي جانب حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
الكيان الصهيوني:
نحن هنا لا نريد أن نغوص في تاريخ تشكل هذا الكيان الغاضب (على الأقل الآن)، ما يهمنا هو ان نحاول إبراز مقومات وجود هذا الكيان الذي بدأ بمجموعة من العصابات المدججة بالسلاح وبأشد ما هو رجعي في "الفكر اليهودي". وتحولت عن طريق الامبريالية إلى جيش وبنيت له دولة عنصريةـ وهذا يحيلنا إلى ضرورة لفت الانتباه إلى ضرورة استحضار مفهوم الدولة من وجهة نظر ماركسية، فالدولة من المنظور الماركسي تعني الشكل التنظيمي والسياسي الأعلى لممارسة ديكتاتورية طبقة على أخرى، والدولة هي تعبير عن استحالة حل التناقضات الطبقية، وهي نتاج تطور تاريخي طويل تتغير أشكالها ووسائلها، ويبقى مضمونها الأساسي واحد: ممارسة الديكتاتورية الطبقية.
غير أننا هنا في حالة الكيان الصهيوني فإن الدولة الصهيونية وجودها التاريخي وأساسها الطبقي ليس مرتبطا بالصراع الطبقي بفلسطين، ومضمونها السياسي الأساسي يرتبط مباشرة بالسيطرة الامبريالية على منطقة الشرق الأوسط. صحيح أنه مع قيام دولة الكيان الصهيوني وتطورها كان من الطبيعي بروز التناقضات الطبقية داخل المجتمع الصهيوني وظهور الاستغلال الرأسمالي بكل أنواع وأشكاله داخل المجتمع الصهيوني.

إن تشكل دولة الكيان الصهيوني قام على قاعدة تشكل جيش من المجرمين بنيت له دولة، إن ذلك جعل ويجعل من الجيش الركيزة الأساسية لهذه الدولة الصهيونية ومعه باقي المؤسسات الاستخباراتية والأمنية..
إن تطور الاقتصاد الصهيوني مرتبط بالإمبريالية الأمريكية والأوروبية، وهذه العلاقة ليست نفسها العلاقة التي تربط الإمبريالية مع الدول المستعمرة أو الدولة الشبه مستعمرة، فالاقتصاد الصهيوني تطور أساسا بفعل " تصدير الكم الهائل من الرأسمال الامبريالي داخل الكيان الصهيوني في مشاريع مختلفة ولا زال الى اليوم معتمد على هذا الرأسمال الامبريالي سواء الرسمي من طرف الامبريالية الأمريكية والأوربية أو غير الرسمي من طرف المؤسسات المالية والصناعية الكبرى.
صحيح أن الكيان الصهيوني قد استطاع توجيه الرأسمال المتدفق نحو مشاريع اقتصادية مهمة كان على رأسها التكنولوجيا وتطبيقاتها خصوصا في المجال العسكري والاستخباراتي، والمجال الفلاحي والطبي، واستطاع بذلك بناء بعض المؤسسات الاقتصادية التي تمددت على المستوى العالمي وأصبحت تدر فائض قيمة مهمة لاقتصاده، غير أن تطور هذه الاقتصاد ظل مرتبطا بمتطلبات الأوضاع السياسية والعسكرية. إن من يوجه داخل الكيان الصهيوني ليس الاقتصاد إنما السياسة الاستعمارية. والاقتصاد هو في خدمة وتابع لهذه السياسة الصهيونية.

فإذا كانت علاقات الإنتاج ومستوى تطور القوى المنتجة هي التي تحدد مضمون كل مجتمع معين، وبالتالي هي التي تحدد الاشكال السياسة المتوافقة مع هذا البناء التحتي الذي تشكل العلاقات الاقتصادية مركزه الأساسي فإن حال الكيان الصهيوني يختلف تماما، وهذا الاختلاف يمكن ان نحدده في طبيعة هذا الكيان الصهيوني نفسه، باعتباره قاعدة ارتكاز للإمبريالية والأوروبية داخل المنطقة، ومنه فإن ما يحدد السياسة الصهيونية ليس الاقتصاد الصهيوني، وإنما الامبريالي مباشرة. بمعنى أن البناء الفوقي لهذا الكيان لا يستمد من العلاقات الاقتصادية ومن طبيعة التناقضات الداخلية التي لها بكل تأكيد تأثير واضح، إنما يستمد من خلال التقسيم الامبريالي لمناطق النفوذ. وهذه الخاصية هي نابعة مما قللناه سابقا عن طبيعة الدولة الصهيونية، فهي جيش صنعت له الامبريالية دولة.

إن الإمبريالية من الناحية الاقتصادية هي الاحتكار، هي عصر تاريخي يميز انتقال الرأسمالية من مرحلة تاريخية الى مرحلة تاريخية اخرى، الانتقال من مرحلة المنافسة الحرة إلى مرحلة الاحتكار، أي الاننقال من نظام اجتماعي الى نظام اجتماعي اخر، حيث تشكل علاقات السيطرة والقسر الناجم عنها أهم ما يميز هده "المرحلة الحديثة في تطور الرأسمالية" على حد تعبير لينين. وخلال هده المرحلة يكتسب تصدير رأس المال خلافا لتصدير البضائع أهمية في منتهى الخطورة" لينين، حيث يعتبر أي تصدير الراس مال، عصب علاقات السيطرة والقسر، ف"مصالح الرأسمال تدفع إلى الاستيلاء على المستعمرات" لينين. لإنشاء "مناطق النفود" ولإزاحة المنافسين، وإيجاد أو السيطرة على مناطق الصفقات المربحة والامتيازات والأرباح الاحتكارية.

إن الدور الدي يلعبه تصدير الرأسمال في إنشاء شبكة التبعية والترابط العالمية للرأسمال المالي قد تم كشفه مند كتاب لينين الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية وكل المعطيات اللاحقة والراهنة لازالت تأكد صحة الأطروحات والاستنتاجات التي وضعها لينين في كتابه دلك. وإدا كان تصدير الرأسمال من الناحية الاقتصادية والسياسية يطمح إلى الاستغلال الاكثر قسوة، وإلى نزع أكبر نسبة من فائض القيمة وإلى الالحاق والسيطرة السياسية، فإن الامر يختلف تماما عندما نأخذ حالة الكيان الصهيوني.

إن الصفة المتفردة لهدا الكيان يمكن أن نصيغها على النحو التالي: إن الكيان الصهيوني يمول من طرف الامبريالية وبواسطتها دون أن يستغل من طرفها. والوجه المكمل لهده الصيغة هو: أن الكيان الصهيوني يمول من طرف الامبريالية وبواسطتها من أجل استغلال ونهب شعوب أخرى، نهب واستغلال شعوب المنطقة العربية.
هده هي الاطروحة التي نحاول ابرازها والدفاع عنها. وبإلقاء نظرة إلى حجم الرأسمال الذي يتم تصديره للكيان الصهيوني يمكن ان نرى صده السمة بوضوح. فحج الرأسمال الدي تم تصديره إلى الكيان من طرف الإمبريالية الامريكية ما بين 1946 الى 2023 يقدر بنحو 158,6 مليار دولار في شكل مساعدات معظمها اتجه نحو القطاع العسكري. ألمانيا تعتبر الممول الثاني للكيان الصهيوني حيث تقدر حجم المساعدات الالمانية سنة 1954 ما يناهز 30 في المائة من الموارد الصهيونية وبلغت المساعدات الالمانية ما يقارب 37 مليار دولار إلى حدود سنة 1987 وإلى 60 مليار دولار سنة 1996 وسوف تستمر هده المساعدات الى سنة 2030
في المرتبة الثالثة نجد ما يسمى "الجباية اليهودية" اي اموال مقدمة من طرف صهاينة العالم حيث قدرت ما بين 1948 الى 1996 بنحو 179,4 مليار دولار
وهكذا فإدا كان تصدير الرأسمال يهدف إلى السيطرة وإلى رفع درجة الاستغلال، فإن الحال بالنسبة للكيان الصهيوني هو مختلف. فأغلب الرأسمال المتدفق نحو دولة الكيان يكون على شكل مساعدات أو قروض طويلة الأمد مع نسب فائدة لا يمكن مقارنتها ابدا مع الوضع في باقي الدول التي يصدر إليها الرأسمال من طرف نفس الامبريالية.
والخاصية الاخرى التي تستحق الدكر هنا هو أن تصدير الرأسمال إلى دولة الكيان لا تستفيد منه البرجوازية البيروقراطية بل تستفيد منه كل طبقات المجتمع الصهيوني. فالبرجوازي الصغير أو العامل داخل الكيان الصهيوني يتلقى نصيبه من هدا الرأسمال في شكل سكن جديد ورخيص وفي شكل توفير العمل من خلال انشاء المشاريع الاقتصادية الضرورية لاستقبال تدفق "اليهود" نحو دولة الكيان، ويستفيد منه أيضا في شكل مستوى معيشة مرتفع لا يتناسب اطلاقا مه إنتاجية المجتمع الصهيوني.

وهكذا يكون لكل المجتمع الصهيوني مصلحة في تدفق هدا الرأسمال وتستفيد منه كل الطبقات بدون استثناء، ويخاض الصراع بينها ليس فقط من اجل فائض القيمة التي تنتجها الطبقة العاملة ، لكن أيضا وأساسا من أجل حصة كل طبقة وكل فئة من هدا الرأسمال القادم من الخارج.

لقد سبق أن اوضحنا أن أحد خصائص طبيعة الدولة الصهيونية، كونها جيش صنعت له الامبريالية دولة.
ويكون أحد أهم مقومات هذا الكيان الصهيوني هو الجيش، وهكذا نجد أن جل المستوطنين هم بمثابة جيش احتياط داخل الكيان، يتلقون إلزاما تدريبا عسكريا، ويتم استدعائهم للخدمة العسكرية في زمن الحروب.
يجب الانتباه أن كل المجتمع الصهيوني (باستثناء شريحة من الصهاينة المتدينين) أي كل افراد الطبقة العاملة (من غير العرب) والبرجوازية هم جنود في الجيش يتم استدعائهم للخدمة العسكرية كل ما كان دلك ضروريا.
لقد حاول وعمل الكيان الصهيوني من بداية نشوئه إلى تقديم نفسه سواء للمستوطنين أو لأعدائه وحلفائه بانه أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وعمل على مدار المعارك التي خاضها ان يثبت هذا البعد عبر ما يسميه " قوة الردع الأقوى".
وقوة الردع الأقوى هذه وإن كان الجيش هو مركزها فقد استطاع تعزيزها بالعديد من الدعائم أهمها: قوته الاستخباراتية والأمنية، وكذا مستوى تطوره التكنولوجي والتقني الذي يخدم هذه الدعامة. لقد استطاع الكيان الصهيوني بناء كل هذه الأدوات، واستطاع أن يغرس في وعي جمهوره ووعي الآخرين هذه الأسطورة لزمن طويل، ومن خلالها وبواسطتها استطاع اقناع العديد من اليهود الى الهجرة لفلسطين، ورسخ في وعي العديد من الخونة والعملاء هذه الأسطورة، ومعها رسخ لديهم ضرورة القبول بالأمر الواقع، أي القبول به، والقبول باستحالة التغلب عليه واستحالة زواله. وبواسطة هذه الدعامة، وبفضل الدعم السياسي للإمبريالية استطاع الكيان الصهيوني تحقيق العديد من الاختراقات السياسية والفكرية أيضا في صفوف الفلسطينيين وفي صوف العرب، وربما كان أخطرها هو اتفاق اوسلو. إن هزيمة الأنظمة العربية سنة 1967 قد شكلت نقطة تحول أساسية في مسار المواجهة وقد كانت لها تأثيرات استراتيجيه هائلة لكن اتفاق اوسلو وممهداته (مؤتمر مدريد) قد شكل اختراقا سياسيا للكيان الصهيوني داخل حركة التحرر الوطني الفلسطيني نفسها حيث قبلت المنظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني وأزالت من برنامجها شعار القضاء عليه، وقبلت بتقسيم فلسطين وأخذ الفتات والارتماء في وهم السلام مع كيان مجرم.

لقد أوصل الخط البرجوازي داخل حركة التحرر الوطني الفلسطيني الذي كان يقود سياسيا هذه الحركة إلى نقطة تصفية القضية الفلسطينية، وتصفية المقاومة الفلسطينية، وأدخل هذا الخط البرجوازي الرجعي كل القضية الفلسطينية في مسار الاستسلام للعدو الصهيوني ومسلسل تجريم المقاومة المسلحة ضد هذا العدو، وها هو اليوم يصبح أكبر عميل للكيان وأكبر قبة حديدية له ضد نضالات الشعب الفلسطيني،

لقد شكل هذا الاتفاق المشؤوم (اتفاق أوسلو) نجاحاً هائلاً للإمبريالية الأمريكية وللكيان الصهيوني وللرجعيات العربية التي وجدت فيه حجة أمام شعوبها لإعلان ما كان يُقام تحت الطاولة وفي الظل، ولن نبالغ إذا ما قلنا بأنه (اتفاق أوسلو) شكل نقطة الانطلاق الحقيقية لمسلسل التطبيع العلني الذي امتد إلى يومنا هذا.
لقد عمل الجناح البرجوازي الرجعي الذي كان سائدا داخل حركة التحرر الوطني الفلسطيني كل ما بوسعه من أجل القضاء على المقاومة المسلحة ضد الكيان الصهيوني وعمل بمساعدة الكيان الصهيوني نفسه والامبريالية والرجعيات العربية على محاولة تزييف وعي الجماهير بعدم جدوى المقاومة المسلحة ضد هذا العدو "القوي"، والقبول بالأمر الواقع إلى درجة أنه أنشأ مع الكيان الصهيوني اتفاقيات أمنية مشتركة بمعنى تحوله إلى مؤسسة استخباراتية وقمعية للكيان الصهيوني داخل غزة والضفة الغربية.
إلى هذا الحد أوصل أحد الخطوط البرجوازية القضية الفلسطينية، وفي هذا المستنقع المتسخ اصبح يسكن، مجرد عميل مباشر للكيان الصهيوني و سلاح بالمعنى الحرفي وليس المجازي في يد الصهاينة للنيل من القضية الفلسطينية ومن المقاومة المسلحة الفلسطينية.
ويجب ألا ننسى أن هذا الخط البرجوازي الذي كان سائداً على طول مرحلة من تطور حركة التحرر الوطني الفلسطيني قد كان حاملاً للسلاح ضد العدو الصهيوني ورافعاً لشعار المقاومة المسلحة ومنخرطاً فيها. إن هذا الدرس بالغ الأهمية، الدرس الذي يؤكد كيف يتحول طرفي التناقض، الدرس الذي يؤكد كيف يمكن أن يتحول الخط البرجوازي من المقاومة المسلحة إلى موقع العدو وإلى العمالة السافرة. ومن المهم أن نوضح، حتى يكون الدرس مفيداً، صيرورة هذا التحول وهو ما سوف نعمل عليه لاحقاً.
إن خلاصة ما سبق أن قلناه أعلاه هو أن الكيان الصهيوني تم إنشائه من طرف الامبريالية واستمراره طول هذا التاريخ كان بدعم من الامبريالية ومن الأنظمة الرجعية وبفعل خيانة أحد الخطوط البرجوازية داخل حركة التحرر الوطني، لكن يجب الانتباه أن انهيار هذا الكيان لا يشترط بالضرورة انهيار من أنشأه أي الامبريالية الغربية. إن الإمبريالية يمكن أن تفقد قاعدة أو حتى بعض قواعد ارتكازها دون ان يؤدي دلك إلى انهيارها.
وكما قلنا سابقًا، إن هذا الكيان هو قاعدة ارتكاز للامبريالية الغربية داخل المنطقة من أجل الاستحواذ على ثروات الشعوب وخيراتها وكذا تصفية أي مشروع تحرري حقيقي في المنطقة. ولأنه كذلك فهو مرتبط بمدى تطور الصراع بين الامبرياليات، ومدى تطور هذا الصراع الذي أصبح يشتد يوماً بعد آخر مما قد يفرض ضرورة إعادة تقسيم العالم وتقسيم مراكز النفوذ، إن الصراع بين الامبرياليات هو صراع حتمي يفرضه قانون التطور اللامتكافئ، وما نشهده اليوم في أوكرانيا وتايوان والحرب المشتعلة في أفريقيا والانقلابات العسكرية المتتالية وبناء التحالفات الاقتصادية والعسكرية هي مؤشرات واضحة لمدى تطور هذا الصراع واحتداده المستمر.
إن انهيار الكيان الصهيوني ليس بالضرورة مرتبط بانهيار الامبريالية الأمريكية، فتطور الصراع بين الامبرياليات قد يشكل عاملاً مهماً يمكن الاستفادة منه للنيل من هذا الكيان الغاصب، لكن هذه المسألة يمكن أن يتم تناولها من زاويتين وعلى ضوء رؤيتان، رؤية الخط البرجوازي الذي يحاول الرهان على الامبريالية الروسية أو الصينية والأنظمة الرجعية المرتبطة بها، أو رؤية الخط الثوري الذي يجب أن يعمل على النقيض من ذلك ويعرف كيفية الاستفادة من هذا التناقض للدفع بالثورة الفلسطينية نحو الأمام والمساهمة في إنضاج شروط تحطيم الامبريالية كنظام اقتصادي وسياسي.
إننا نؤمن بحتمية انهيار هذا الكيان الصهيوني الغاصب، وهذه الحتمية التاريخية تجد أساسها في التاريخ نفسه فهذا التناقض العدائي لا يجد حلاً له إلا بالقضاء على أحد طرفي هذا التناقض وتحول التناقض المنتصر. والتاريخ علمنا جيداً عبر كل صيروراته من هو الطرف المنتصر، والحاضر أيضاً يعلمنا كذلك مستوى تراجع هذا الكيان الصهيوني، ودون الدخول في استحضار كل المعطيات التاريخية المرتبطة بتاريخ هذا الكيان يمكننا أن نشير إلى بعض النقاط التي لها دلالة على هذا الاتجاه الانحداري للكيان الصهيوني.
صحيح أنه على المستوى السياسي فإن دولة الكيان الصهيوني قد استطاعت بفعل الدعم العسكري والسياسي للإمبريالية من تحقيق بعض المكاسب السياسية بعد اتفاق اوسلو المشؤوم ووصلت حد إطلاق مسلسل التطبيع العلني عبر اتفاقية ابراهام التي تشكل نقطة من ما سمي بصفقة القرن التي حاولت فرض وضع سياسي وثقافي داخل المنطقة للقبول بتصفية القضية الفلسطينية وجعل الكيان الصهيوني المركز السياسي والعسكري في المنطقة وما يستوجبه ذلك من حصار والقضاء على كل فكر مقاوم وكل حركة مقاومة وتحررية لكن رغم ذلك يمكن أن نشير إلى الوجه الآخر لهذه التطورات خلال السنوات الأخيرة.
إن أحد أهم ركائز الكيان الصهيوني كما سلفنا الذكر هي ما يسميه قوة الردع وأن هذا الكيان الصهيوني لم يكن يتردد إلى الدخول في الحرب للقضاء على كل ما يمكن أن يهدد هذه القوة غير أننا يمكن أن نلاحظ أنه انطلاقاً من سنوات بداية الألفية أنه أصبح يتردد في ذلك ولا يلجأ مباشرة لإعلان الحرب خصوصاً بعدما اندحر عسكرياً في جنوب لبنان سنة 2000 وفي غزة سنة 2004، والهزيمة المدوية التي لحقت به سنة 2006 في لبنان وهزائمه المتتالية في غزة سنوات 2008/2009 و 2012/2014 ومعركة 2021 (سيف القدس) التي شارك فيها فلسطينيو 48 بشكل ملفت
إن كل المعارك العسكرية التي دخلها الاحتلال في العشرين سنة الماضية قد كانت بمثابة هزائم مدوية له وهزائم لكل مشروعاته وشعاراته، وهذه المحطات وهذه ... بالغة الدلالة ولا يجب الاستهانة بها ابداً، فهذا الوحش الذي دمر الجيوش العربية سنة 1967، واجتاح لبنان سنة 1982، وكان يصول ويجول كلما أراد وأينما أراد لم يعد كذلك ولم تعد له ذات القوة و الإرادة لفعل ذلك بفضل تنامي المقاومة المسلحة وبفضل الضربات التي أصبح يتلقاها داخل الأراضي المحتلة وفي صفوف جنوده ومستوطنيه، إن كل ذلك له دلالة بالغة على هذا المنحى الانحداري لقوة العدو الصهيوني
إن حركة التحرر الوطني الفلسطيني اليوم وبعد انحدار الجناح الرجعي الاستسلامي وضعف الجناح الثوري هي تحت قيادة خط برجوازي يقاتل الكيان الصهيوني بقوة السلاح ويحقق الانتصار عليه بفضل قوة التنظيم والتسليح* وبظل صمود الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه وقضيته، أضف إلى ذلك تنامي هذا الخط في العديد من دول المنطقة بالعراق، اليمن، بلبنان أساساً وإيران وسوريا مع بعض الاختلافات السياسية والإيديولوجية. تلك هي بعض من ملامح الوضع العام الذي انطلقت خلاله معركة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر.
بالرغم من المجازر الهائلة التي يرتكبها اليوم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وبالرغم من المخطط الامبريالي الصهيوني الذي يحاول استغلال هذه المعركة من أجل تصفية القضية الفلسطينية وإعادة نكبة 48 عبر محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة نحو سيناء المصرية للانتقال إلى فعل نفس الشيء بالضفة الغربية، فإن ما حققته هذه المعركة لا يمكن ابداً التقليل منه بل إنها في اعتقادنا قد غيرت من الوضع الكلي للحرب ضد العدو الصهيوني، وحققت نتائج لها بُعد استراتيجي سوف يلقي بضلاله على المستقبل بشكل كبير سواء على المقاومة المسلحة أو على الكيان الصهيوني وعلى الأنظمة الرجعية وعلى الإمبريالية نفسها.
لقد استطاعت معركة طوفان الأقصى من كسر هيبة الجيش الصهيوني وكل مؤسساته، لقد تمكن ألف من المقاتلين من القضاء على فرقة عسكرية كاملة (فرقة غزة تتكون من لواءان و ...)، وهي فرقة من أكثر الفرق تدريباً وتجربة داخل جيش الاحتلال الصهيوني وعلى ضوء هذه الهزيمة سارعت الإمبريالية الأمريكية لإدراكها لحجم الهزيمة وحجم الخطر إلى إرسال بوارج وسفن بحرية وتقديم الدعم الكلي..
وتم الهجوم في ضوء عمل استخباراتي جد ملفت للنظر من طرف المقاومة الفلسطينية تحطمت معه أسطورة التفوق التكنولوجي وأظهرت بذلك أن الأهم ليس القدرة التكنولوجية وإنما الإنسان هو أثمن رأس المال.
واستطاعت المقاومة خلال معركة 7 أكتوبر من أسر المئات من الجنود ومن المستوطنين الصهاينة وهي بذلك شكلت بداية حل لأحد أكبر الملفات الإستراتيجية في الصراع مع العدو الصهيوني: ملف الأسرى.
لقد تمكنت معركة 7 أكتوبر أيضاً من تعميق تناقضات العدو وطرحت مصير المستوطنات (على الأقل المحاذية لغزة) قاب قوسين، وعمقت بذلك الوعي لدى المستوطنين أن لا أمن و لا أمان داخل دولة الكيان أو على الأقل لا أمان بمستوطنات غلاف غزة، وهذا الوعي من الناحية الإستراتيجية سوف يمتد على كل أراضي فلسطين المحتلة ومعه تتوقف كل المشاريع داخل هذه المستوطنات ويصبح نقل المستوطنين إليها مسألة صعبة جداً،
إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وانتكاسة قوية ومروعة لكل سياسات التطبيع التي عمل عليها العدو الصهيوني والإمبريالية لمدة طويلة هي أيضا من بين النتائج اللافتة لهده المعركة الكبيرة،
وقد مكنت هده الجولة من الصراع الحالي من احداث هزة قوية في وعي المستوطنين حول دولة الكيان، وحول تقتهم في قدرتها على تأمين العيش والامن لهم وهزة تقتهم في جيشهم وقادتهم. وما عمق هده الهزة هو صمود الشعب الفلسطيني، فصموده كان عن حق ملفتا واستثنائيا وعميقا، ادخل الرعب في دولة الاحتلال وفي المستوطنين وأربك الصهاينة والامبريالية على حد سواء، لقد قدم الشعب الفلسطيني نموذجا ملموسا لكيفية التشبث بالأرض وبالوطن، إن هدا الصمود كان هو أكبر الضمانات لنجاح وانتصار المقاومة. إن هدا الصمود ة الإصرار الاستثنائي هو من حدد الانتصار في معركة الوعي ونقل القضية الفلسطينية الى الواجهة على المستوى الاممي لتصبح مرة أخرى القضية الأولى وسط حركات التحرر الوطني ووسط كل شعوب العالم.
لقد عزز الاجرام الصهيوني ضد الأطفال وضد كل ما هو حي وسط غزة فلسطين الصورة الحقيقة لإجرام هدا الكيان وعرى كل الدعاية الصهيونية حول "ديمقراطيته" وحول "حرياته". إن تلك الدعاية التي عمل على نشرها و تثبيتها لعشرات السنين و صرف عليها ملايير الدولارات قد تحطمت كليا خلال أقل من شهريين من العدوان الوحشي بفضل صمود الشعب الفلسطيني و تحطمت مها دعايته حول "مظلوميته" من طرف النازيين إد ظهر ابشع حتى من النازيين أنفسهم، إن لكل دلك تأثير هائل على مستقبل الصراع من الناحية الاستراتيجية، حيث أن كل تلك الدماء الزكية سوف تشكل حصنا ضد كل اللدين يحاولون تزيف وعي الشعوب "بديمقراطية "الكيان الصهيوني أو أولائك الدين يحاولون اقناع الشعب الفلسطيني بالتعايش مع الكيان أو ثنيه على مقاومته.
إن عمق هده المعركة لم يحطم الدعاية الصهيونية وحدها بل امتد ليعري أيضا جل شعارات الامبريالية نفسها ووضع أمام شعوب العالم حقيقة "حقوق الانسان" وحقيقة "الديمقراطية" و "الحرية" التي تتغنى بها هده الامبرياليات كاشفا حجم سقوطها الإنساني والأخلاقي أمام العالم. إن الاصطفاف المطلق والكلي للإمبريالية الامريكية والأوروبية خلف العدو الصهيوني وتبرير جرائمه وتقديمهم الغطاء السياسي والإعلامي يقدم درسا واضحا على أن الامبريالية هي بالفعل "الرجعية على طول الخط".
لم تقتصر معركة طوفان الأقصى من الناحية العسكرية على الصراع بين غزة والكيان الصهيوني بل امتد هدا الطوفان إلى ابعد من دلك حيث تنامت المقاومة بالضفة الغربية بشكل قوي ودخل كل من حزب الله في الحرب وبعض الفصائل في العراق ضد القواعد الامريكية وكدا انخراط اليمن بشكل مباشر في الهجوم العسكري بدعم قوي من إيران.
إن هده الاحداث ليست مجرد ردود أفعال بل إنها تحمل من الدلالات السياسية و العسكرية ما يثبت ان هناك تغيرا في الوضع الكلي للحرب بين حركة التحرر الوطني بفلسطين و الكيان الصهيوني, وهكذا، فلأول مرة في تاريخ هدا الكيان نجده في موقع الدفاع في شمال فلسطين حيث تمكن حزب الله من القيام بعمليات عسكرية واسعة و موجعة للكيان و هجر بفعلها عشرات الالاف من المستوطنين من الجليل الأعلى دون أن تكون لجيش الاحتلال القدرة على الرد سوى بضربات عسكرية محدودة على اطراف بلدات الجنوب اللبناني، إنها المرة الأولى في التاريخ نشاهد هدا العجز الصهيوني عسكريا و سياسيا، أنها المرة الاولى مند قيام هدا الكيان نجده في موقع الدفاع لا الهجوم. إن هدا التغير في السلوك العسكري هو أحد أكبر الدلالات على حجم الضربة التي اخدها يوم 7 أكتوبر ودليل على قوة المعركة وما أحدثته من تغير في الوضع الكلي للحرب.
وهو نفس الواقع الدي يمكن رصده في الضربات التي يتلقاها من اليمن دون أن تكون له القدرة على الرد ولا تكون حتى للإمبريالية القدرة على التدخل. إن اليمن الدي انخرط في الحرب من خلال الهجوم العسكري على الكيان الصهيوني في جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة قد رفع السقف عاليا بمنع سفن الاحتلال أو تلك المرتبطة به من عبور البحر الأحمر، إن ما يخلفه دلك من تأثير اقتصادي وسياسي ودعائي هو عن حق كبير جدا سواء على الكيان الصهيوني أو على كل الامبرياليات الداعمة له، و بالرغم من كل دلك لا يجد القدرة على الرد كما كان يفعل سابقا في احداث اقل من هاته و بقوة همجية لا يمكن اغفالها, ان كل دلك يوضح أن الوضع الكلي للحرب قد تغير فعلا و يقدم لنا في نفس الوقت اتجاهات هدا التغير.

لقد امتدت الابعاد الاستراتيجية لهده المعركة على نحو كبير اتجاه التأثير أيضا على اتجاهات الصراع بين الإمبرياليات وخطط الامبريالية الامريكية في مناطق ابعد من الشرق الأوسط، وربما كان أهمها تأثيراتها المباشرة على مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. فخلال الاجتماع الثامن عشر لقمة مجموعة العشرين في نيودلهي في 10 سبتمبر 2023 تم اعلان مدكرة التفاهم حول الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا India-Middle East-Europe Economic Corridor (IMEC) ، و هو المشروع الدي ترعاه الإمبريالية الامريكية و يهدف أساسا الى حدّي الصين و محاصرتها، ووقف تمدّدها في منطقة حيوية للمصالح الأميركية. ويتكوّن المشروع من ممرّين: الممرّ الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممرّ الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن والكيان الصهيوني. ويمثل هدا المشروع تحدياً لمشروع «الحزام والطريق" (BRI) الدي أطلقته الصين عام 2013 بهدف بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا لتعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين.
ان المشروع من الناحية الجيوسياسية يعتبر من أكبر المشاريع التي تعتمد عليها الامبريالية الامريكية لمحاصرة الامبريالية الصينية واضعافها، غير أن هدا المشروع له ايضا عدة اهداف أخرى و يتطلب تنفيذه أيضا توفير شروط ومتطلبات عدة، فهو من جهة يهدف أيضا إلى تقزيم دور بعض الدول التي تحاول الخروج من تحت السيطرة التامة للإمبريالية الامريكية و على رأسها تركيا و مصر و ايران و من جهة ثانية يهدف الى جعل/ تثبيت دولة الكيان الصهيوني مركزا اقتصاديا لكل المنطقة و رفع دور بعض الدول العميلة مثل الامارات العربية المتحدة و السعودية و ابعادها عن سيطرة الصين, فقد بلغت قيمة التجارة بين الصين والسعودية أكثر من 106 مليارات دولار أميركي في عام 2022، ما يمثّل نحو ضعف قيمة التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية. وتجاوزت قيمة التجارة غير النفطية بين الصين والإمارات العربية المتحدة 72 مليار دولار أميركي في عام 2022 فقط، إن المشروع قد تجاهل أكبر اقتصاد غير نفطي في المنطقة وتجاوز تركيا باعتبارها الدولة الاولى في المنطقة من ناحية البنية التحتيّة المؤهلّة والمندمجة جغرافيا ولوجستياً مع أوروبا. كما أنه يهدف إلى التقوّيض من الخط التاريخي لقناة السويس ويزيد الضغط المالي والاقتصادي على مصر التي تمّ تجاهلها هي الأخرى بالرغم من أنّها من أكبر أسواق المنطقة.
غير أن هدا المشروع تقف أمامه عدة عقبات ويتطلب تنفيذ خلق وتوفير عدة شروط حتى يتمكن من الوصول إلى أهدافه الاستراتيجية، إذ إنّه يمر من نقطة اختناق أساسيّة في الخليج عند باب هرمز التي يمكن أن تخضع في حالة التوتّر لإيران التي سيبقى بإمكانها تهديد الممر وشل حركته بشكل شبه كامل. كما أنّه يمر من البحر المتوسط حيث النفوذ التركي البحري المتزايد والذي سيكون من الصعب تجاوزه، والأهم أنه يهدف إلى دمج الكيان الصهيوني في المنطقة من خلال تعزيز دوره الاقتصادي وجعله في قلب هدا المشروع وعاملا أساسيا في صيرورة الاندماج الاقتصادي طويل الأمد للكيان مع باقي دول المنطقة. إن كل دلك يستدعي أولا تعزيز عمليات التطبيع الجارية وإعطائها بعداً أكثر شمولا، وهو ما لاحظناه من خلال اتفاقية ابراهام وتطور مسلسل التطبيع مع السعودية. ثانيا، وهو الأهم، تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة وعزلها تماما، فلا يمكن لمشروع من هدا الحجم أن يرى النور دون توفير شروط الاستقرار السياسي على طول مسار هدا الممر.
في مقابل هدا الجهد والتخطيط الجيوسياسي للإمبريالية الامريكية جاءت معركة طوفان الأقصى وحطمت عمليا وفعليا كل هده الرهانات الاستراتيجية الكبرى وهزمت احدى أكبر المشاريع الامبريالية الامريكية والصهيونية وألقت بها الى سلة المهملات. فلم تعد دولة الكيان الصهيوني هي نفسها ما بعد 7 أكتوبر، فالرهان عليها باعتبارها أكبر قاعدة متقدمة للإمبريالية الامريكية وأقواها أصبح قاب قوسين أو أدنى، وعوض ان تكون قاعدة عسكرية يمكن الرهان عليها لحماية مصالح الامبريالية الغربية أصبحت بدأتها في حاجة ماسة للحماية، وأصبحت من أكثر الاعباء وارتفع ثمن الدفاع عنها والاندماج معها مرتفعا كثيرا سياسيا وماليا وأيديولوجيا أيضا.
إن كل ذلك جعل من معركة طوفان الأقصى عن حق منعطفا حقيقيا في الصراع ضد الكيان الصهيوني، فقد مكنت من احداث تغيرات جدرية على مجمل الصراع مع العدو الصهيوني وأحدثت تغيرات جدرية في وضع الحرب الكلي لتفتح المستقبل على مسارات جديدة لصالح القضية الفلسطينية.
وأمام هدا الوضع تنبعت الأسئلة المحرقة أمام كل احرار العالم بشكل عام وعلى الشيوعيين(ات) بشكل خاص. وعلى رأسها: ماهي واجباتنا الفكرية والسياسية من اجل المساهمة في تحطيم الكيان الصهيوني ودعم نضالات الحرب الوطنية التي يخوضها الشعب الفلسطيني ومقاومته وفتح الافاق نحو بناء الدولة الديمقراطية الشعبية بفلسطين؟ وسحب البساط السياسي من تحت أقدام القوى الرجعية والانتهازية؟ كيف نزاوج بين تطوير الحرب الشعبية وتدعيم النضال العسكري للمقاومة وبين نقد الخطوط البرجوازية دون السقوط في الذيلية أو الانتهازية؟
إن تغير وضع الحرب الكلي ضد العدو الصهيوني سوف يلقي بكل تأكيد، بل إنه بدأ بالفعل بإلقاء ظلاله على مستقبل القضية الفلسطينية ككل، وسوف يحدث تغيرات ليس داخل حركة التحرر الوطني الفلسطينية بل وسط كل المنطقة وداخل الحركات الثورية على الصعيد الاممي. لقد تكفلت هده المعركة البطولية من نبد العديد من الأوهام فلنستعد للنضال لنقتحم بوابات النصر.

عاشت فلسطين
عاش النضال الثوري الفلسطيني
12/12/2003
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++