حزب الله: وجهة نظر الحزب الشيوعي اللبناني
ماري ناصيف
2006 / 11 / 24 - 10:19
مقابلة مع ماري ناصيف-دبس
حزب الله: وجهة نظر الحزب الشيوعي اللبناني
الحزب الشيوعي اللبناني حزب علماني منخرط في المقاومة الوطنية. كيف كانت علاقاته مع حزب الله؟
ماري ناصيف-دبس: شهدت تلك العلاقات تحولات كبيرة منذ عقدين. قبل عشرين عاما، شن حزب الله حربا بلا هوادة ضد الشيوعيين. أعتقد أن الاتجاه السلفي الإسلامي الممثل بوجه خاص بحزب الدعوة –حزب سلفي بقواعد في العراق وإيران، ليست شيعية وحسب، بل ذات أغلبية شيعية- كان يرى في الحزب الشيوعي نقيضه في كل شيء. كان يسعى لإلغاء كل فكرة عن العلمانية والانفتاح وفلسفة مغايرة الخ. بدأت العلاقات متوترة للغاية ووصل حزب الله حد اغتيال العديد من رفاقنا، وبوجه خاص مثقفين وأطر جامعية. قتلوا على سبيل المثال مهدي عامل الذي كان اشتغل على مسائل الاستعمار والدين، وهو مثقف بارز وفيلسوف مرموق. واغتالوا أيضا حسين مروة، فيلسوف كبير ألف كتابا في غاية الأهمية بعنوان "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" والمترجم إلى اللغة الفرنسية. كان قد بدأ شيخا و ذهب للدراسة في النجف بالعراق. هناك اكتشف أن الامر لا يرضيه وأصبح شيوعيا. إن مؤلفه في غاية الأهمية. نشبت معارك صغيرة سواء في بيروت أو في البقاع الغربي، في مناطق عديدة، حيث كان ميزان قوى يتيح قضاء طرف على آخر. ساعد ذلك أيضا ميل سوريا الى استئصال شيوعيي المقاومة الوطنية. كان ثمة تفاهم ما بين القوى السورية وحزب الله وقوى اخرى ايضا. كنا ملاحقين، وكان ثمة رفاق ذهبوا للقيام بعمليات مقاومة واغتيلوا – اطلق عليهم النار من خلف.
بعد ذلك، تطورت العلاقات إيجابيا. كان في السجون والمعتقلات الإسرائيلية شيوعيون وأعضاء في حزب الله جنبا إلى جنب. كانوا أغلبية شيوعية وأعضاء أقل في حزب الله. هناك تعارفوا، وخلق ذلك علاقات بين أطر المنظمتين. وبعد الإفراج عنهم، تطورت العلاقات إلى هذا الحد أو ذاك.
هذا علاوة على أن حزب الله تطور فكريا، وبوجه خاص بعد انتخاب حسن نصر الله الى منصب الأمين العام، لأنه –وهذه وجهة نظري مع رفاق عديدين- عربي أكثر بكثير مما هو مسلم، أي أنه يرى الأشياء بعيون عربي: إنه لا يسعى لتحرير القدس لكونها من مقدسات الإسلام، بل لوجوب عودة الفلسطينيين إلى أرض أسلافهم، وقيام دولة خاصة بهم... له رؤية مغايرة لمن سبقوه. ثم كنا قد ربطنا علاقات معتدلة إلى هذا الحد أو ذاك، تارة حسنة وطورا سيئة.
وكيف هي العلاقات حاليا؟
ماري ناصيف-دبس: تطورت علاقاتنا بوجه خاص بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، حيث دعونا نحن إلى تشكيل جبهة مقاومة وطنية، وكونا ميلشيات تصدت لدخول إسرائيل إلى عدة قرى، بما في ذلك بعض محاولات دخول فرق كوماندو إسرائيلية، في البقاع قرب بعلبك حيث تصدينا للكوماندو الذي كان يريد دخول قرية جاماليه، قرية ذات أغلبية شيوعية. استشهد ثمة ثلاث من رفاقنا.
ما زلنا على قدر من الارتياب بصدد علاقاتنا إزاء حزب الله، لأن ثمة لحد الساعة مواضيع خلاف بيننا. منها مثلا مسألة إلغاء النظام الطائفي، فموقفهم غير واضح للغاية، رغم ما شهد من تطور.
نشا بيننا خلاف في العام 2005، بعد انسحاب القوات السورية. كان حزب الله اثناء الانتخابات التشريعية يفضل، بقصدالاحتماء من القرار 1559، التحالف مع من كانوا مع سوريا وتحولوا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أي حزب القوات اللبنانية، والحريري (المستقبل) والحزب الاشتراكي التقدمي بقيادة جنبلاط. وبفضل ذاك التحالف حصلت قوى 14 آذار على الأغلبية وتمكنت من تشكيل الحكومة، وهذا امر يعترف به حسن نصر الله. لو تحالف حزب الله مع الشيوعيين ومع بعض أنصار ميشيل عون، لما قامت الأغلبية الحالية.
نعتبر إذن حزب الله حزب مقاومة، منتم إلى حركة التحرر الوطني على المستوى الوطني والعربي، غير أننا نختلف معه فيما يخص طريقة معالجة الوضع السياسي والاقتصادي بلبنان. لكنه شهد تطورا بهذا الصدد ايضا، لا سيما منذ أربعة أشهر إذ شارك في تظاهرة 10 مايو الكبرى بشكل فعلي جدا. مع أنهم لم يعلنوا لحد الآن مواقفهم بشأن مشاكل عديدة. لديهم وزيران بالحكومة القائمة، احدهما وزير الطاقة. ويجري حاليا الحديث عن خصخصة كهرباء لبنان، والوزير فاتر شيئا ما، وغير كفاحي.
وتتمثل المشكلة الثانية في أن حزب الله لم يعلن موقفا من مسألة النظام والإصلاحات السياسية في اتجاه العلمانية والتحديث. يتعلق الأمر بموضوعي خلاف أساسيين. وثمة خلاف ثالث: كنا ضد تجديد انتخاب إميل لحود رئيسا للجمهورية عام 2004، لكن حزب الله تمسك به.
هل ترون إمكانيات تحول أهم لحزب الله؟
ماري ناصيف-دبس: إنهم متجمعون إلى هذا الحد أو ذاك في اتجاهين كبيرين. اتجاه الدعوة الذي لا يريد غير الإسلام. والاتجاه الآخر، الذي تطور، وهو يتحدث عن تقسيم السلطة و عن البديل الخ. وليس لهؤلاء بنظري من خيار غير مواصلة التطور، سنواصل النقاش معهم، ونعتقد أن توقف تطورهم سيفقدهم ثمار النصر مرة ثانية... لأن ما جرى في يوليو- اغسطس، اسميه انتصارا. لقد صمدنا بوجه إسرائيل أكبر قوة بالمنطقة...
نعتقد أن على حزب الله، ان اراد الاستفادة من النصر، وافادة اللبنانيين منه، أن يتطور. وإلا سنعود إلى نفس نقطة العام 2000. ففي العام 2000، تحرر بلدنا لأول مرة في التاريخ العربي بفضل المقاومة الإسلامية. لكن الطائفية التهمت النصر. اعتقد أن قسما من أطر حزب الله أدرك ذلك. ونأمل ألا يخسروا مرة أخرى بالتقيد من جديد بمواقف طائفة، وهذا صراع مستمر داخل حزبهم.
هل ستستمر جبهة المقاومة الوطنية التي تشكلت خلال الحرب ؟
ماري ناصيف-دبس: نواصل نقاشا حول تحالف على الجبهة السياسية مع حزب الله و أنصار ميشيل عون. يجد قسم كبير من أطرهم في عون شخصا عارض الفاشيين المسيحيين. وثمة حركة عونية أساسية ضمن الشباب، بالجامعات بوجه خاص، كانت في البدء حركة تحرر من النفوذ السوري، لكن على متن موجة ذات ميول عربية، تطرح بالفعل مشاكل لبنانية أساسا، و إصلاحات كذلك. يتجاوز ذلك النضال ضد الفساد، إذ ثمة أيضا مطالبة بتغييرات علمانية حقيقية. يتيح ذلك إمكانية عقد اتفاقات حقيقية. إن الوزير الأول الاسبق سليم الحص، منفتح للغاية وبميول عربية، ويرى النقط الأساسية على هذا النحو: نحن قيد العمل على تجميع من أجل تشكيل حكومة تحالف وطني وفرض انتخابات تشريعية قبل أوانها، على قاعدة قانون انتخابي نسبي وعلماني بقصد انتخاب رئيس الجمهورية من بعد بإجراء تعديلات على الدستور لإلغاء الطائفية السياسية والإدارية.
وتناقشون كل ذلك مع حزب الله؟
ماري ناصيف دبس: نعم! طبعا، نناقش معه ذلك. لأننا نقول لهم –وفهموا ذلك جيدا- إن بوسع شخصية كبيرة كنصر الله، شخصية كرزماتية إلى هذا الحد، أن تكون رمزا للشرق الأوسط برمته (وليس فقط الشرق الأوسط العربي)، لكن يتعذر أن يصبح رئيسا لجمهورية لبنان. إذا أردنا اتاحة وصول الناس إلى مواقع الدولة الأساسية، ينبغي إلغاء الطائفية. فإذا تقدم حاليا للانتخابات، رغم أن كل الشيعة تقريبا سيختارونه و ثمة عدد كبير من الشيعة يحبونه، بوسعه الحصول على أغلبية لصالحه، لكنه لن يصبح رئيسا!
قد يكون الشخص بالغ الأهمية على الصعيد العالمي، لكنه بالغ الصغر ومحدود جد على الصعيد الوطني مع هذا النظام الطائفي. بلبنان 128 نائب، نصفهم مسلمون، وثلث ذاك النصف شيعة. ليس بوسعه الزيادة في عدد نوابه، ولا رفع عدد ممثليه بالحكومة، ثمة حصص نسبية (الكوتا). فإما إلغاء الحصص النسبية، آنذاك قد يتنافس الجميع بناء على برامج محددة بدقة، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهلم جرا، بعقد تحالفات حقيقية، وإما تستمر الكوتا. ثمة عدد كبير من الناس الذين بدأوا التفكير في ذاك الطريق المسدود... كل الاحزاب طائفية ما عدا الحزب الشيوعي وبعض المجموعات اليسارية: حزب الله وأمل شيعيان، القوى اللبنانية مارونية (ثمة أيضا داخلها بعض الروم الأرثودوكس)، الحزب الاشتراكي التقدمي درزي، حزب المستقبل للحريري سني، وهكذا. إن لدينا نظاما يعيد انتاج نفسه. لأن لدينا دوما نواب منتخبون على اساس طائفي، ويستصدرون قوانين تحافظ على مصالحهم. حدثت حروب أهلية وكانت ترتكز على الطائفة، رغم أن ثمة مشاكل عميقة، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتم طمس تلك المشاكل.
استجوبتها ميريل كور ونيقولا كلاندر في 21 شتنبر 2006
(*) ماري منصف دبس مناضلة في الملتقى الوطني من أجل إلغاء الميز ضد النساء، ومناضلة نقابية في التعليم. كاتبة وعضو بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني.
مجلة إنبركور الصادرة عن المكتب التنفيذي للأممية الرابعة- العدد 521/522 نونبر –2006 تعريب المناضل-ة