حراك شغيلة التعليم: ظواهرٌ سلبية على صعيد حرية التعبير والديمقراطية..
المناضل-ة
2024 / 1 / 8 - 09:53
تستمد الحركة النضالية، الجارية بقطاع التعليم منذُ شهرين، قوتها غير المسبوقة من حجم المشاركة الجماهيرية، ومن تنسيق الخطوات النضالية بين الهيئات القائدة للنضال: التنسيقية الوطنية والتنسيق الوطني وتنسيقية التأهيلي.
وجليٌّ أن قوة المشاركة الجماعية في النضال (الإضراب، المسيرات، وشتى صنوف الاحتجاج…) إنما تتعزز بالمشاركة الجماعية أيضا في اتخاذ القرارات المتعلقة بسير المعركة وآفاقها. فبقدر ما تكون الديمقراطية في التسيير سائدة، تتقوى المشاركة الجماعية وتتجنب الحركة السقوط بين يدي أقلية منفردة بالقرار.
المشاركة الجماعية في القرار تتطلب الماما بمعطيات الشأن النضالي، سواء ما يجمع الشغيلة من مطالب رئيسية، تستوعب ما يتعلق بهذه الفئة أو تلك، أو ما يتعلق بمناورات الخصم، وخططه لتمزيق صف الشغيلة، سواء بتنازلات هزيلة أو بعقوبات أو سعي لكسر الإضراب. لذا فإن رواج المعلومة وعدم احتكارها من الشروط الأساسية لإسهام جماعي في اتخاذ القرار. ثاني الشروط حرية التعبير عن الرأي وحرية اقتراح ما يراه أي رجل أو امرأة تعليم مفيدا للحركة. وهذه الاقتراحات و الآراء يجب أن تكون موضوع نقاش جماعي بكل حرية وبدون إقصاء أو إسكات لهذا الصوت أو ذاك بأي مبرر كان.
وفضلا عن هذا كله، لا تستقيم أي حركة نضال إلا بانتخاب المندوبين، سواء كمنسقين، أو ممثلين للتفاوض أو أي مسؤولية نضالية بما فيها في اللجن الوظيفية التي يقتضيها التسيير اليومي للنضال.
وقد نشأ الحراك الجاري في التعليم حاملا معه أشكال من حرية التعبير وممارسة الديمقراطية وكل الشروط التي أتينا على ذكرها. وهذا ما عزز ثقة الشغيلة في أنفسهم وأعطى الحركة الزخم الذي نشهد.
لكن عوض تطوير أشكال حرية التعبير و الديمقراطية الأولية، هذه، بدأت تظهر هنا وهناك في مختلف هيئات حراك التعليم، ببعض المناطق، ممارسات لا تمت لحرية التعبير و للديمقراطية بصلة غير صلة العداء.
رب قائل إن إثارة هذه الأمور سيشوش على المعركة ويضر في آخر المطاف بمصلحة شغيلة التعليم. مثْلُ قائل هذا مثلُ من يرفض إصلاح عجلة مثقوبة وغض الطرف عن المشكلة بمبرر أن عربتنا تسير وكل حديث عن العجلة المعطوبة تشويش على سيرها.
ظهور مشكلات في تدبير نضالنا أمر عادي ومُنتظر، ومن له إطلاع على تجارب نضالات الشغيلة ببلدنا وبأقطار المعمور، يعرف أن الأعطاب يجب إصلاحها في خضم النضالات، وأن الترياق الشافي هو الديمقراطية أولا و الديمقراطية أخيرا.
ولا شك أن اتخاذ مبررات، كيفما كانت، للامتناع عن معالجة أعطاب الحركة، لا ينم بتاتا عن حرص على مصلحة الشغيلة المناضلين-ات.
هكذا بتنا نشهد منذ مدة عددا من الظواهر السلبية في تسيير النضال، سواء الجموع العامة أو العلاقة بالمنسقين أو حتى مجرد حرية التعبير في أبسط تجلياتها.
دعُونا نجْرُد تلك الظواهر السلبية التي يتعين تحمل كامل المسؤولية في معالجتها قبل أن تلحق بالغ الضرر بمعركتنا. ما سنأتي على ذكره ليس قاعدة عامة بل هو حالات قائمة إلى جانب ما هو ايجابي في تجربتنا النضالية.
الظواهر السلبية هي كالتالي:
حرية التعبير وإبداء الرأي و الاقتراح: يتواصل الشغيلة بيسر عبر مجموعات واتساب. وهذه وسيلة فعالة عندما تتيح لأي كان أن يوصل رأيه للآخرين، ويتوصل منهم بالردود التي تُعدل الفكرة وتطورها إلى غاية بلوغ أصوب صيغة واتفاق الأغلبية عليها. لكن وسيلة التواصل هذه تتيح في الآن ذاته سهولة في ممارسة الرقابة، والإقصاء، من قبل المشرفين عليها .
ما جرى في العديد من الحالات أن من يشرفون على مجموعة واتساب يتدخلون لاتهام الأفكار التي لا تروقهم بأنها تشوش على المعركة، كأن التزام الصمت والسير بدون بصيرة ولا تبصر هو الذي سيؤدي الى النصر. ويعمد قامعو حرية التعبير هؤلاء إلى أساليب لتحوير النقاشات الجوهرية بقصد منع تبلور أفكار غير التي في رؤوسهم، ساعين بذلك عمليا إلى الانفراد بتوجيه الحركة أي عمليا فرض أفكار لم تخضع لأي نقاش وبالتالي ليست تعبيرا عن رأي الشغيلة. وبلغ الأمر أحيانا حد إغلاق مجموعات الواتساب لحظات الانتقادات أو لحظات بروز اختلافات واستعمال أساليب ماكرة لإظهار المنتقدين كعناصر مخربة. لا بل جرى في حالات سحب مهمة الادمين من مناضلين يحترمون حرية التعبير لإسنادها لمكلفين بقمعها من الطيعين.
إجهاز على الجموع العامة الدورية المفترض أن تكون أداة تسيير المعركة ميدانيا، فقد حدث أن تم الإجهاز كليا على هذه الطريقة الديمقراطية التي لجأ إليها الشغيلة، إجهازٌ له نفس غاية نزع تدبير الأمور من أيدي أصحابها واستئثار البعض بها لغايات في نفس يعقوب. وقد جرت الاستعاضة عن الجموع العامة التي تتيح بلوغ النقاش الجماعي أفكارا ومقترحات صائبة باشتغال العقل الجماعي عليها، بالتصويب والإضافة والتطوير، جرت الاستعاضة عنها باستبيانات تتعامل مع الشغيلة فردا فردا، أي مشتتين لا يبلورون جماعيا بتفاعلات الأخذ و الرد. استبيانات عن بعد كأن هيئة النضال شركة تجارية تدرُس السوق.
وثمة حالات لم يعد فيها تواصل مع الجمع العام، بل يكتفي المنسق بالتواصل مع “أصحابه”. فتحجب المعلومة عن عامة الشغيلة، ما يضعف مشاركتهم في القرار.
التحايل والخداع لعرقلة انعقاد جموع عامة معينة بمبررات تستصغر عقول الشغيلة من قبيل انعدام مكان اجتماع يتسع لعدد المجتمعين. بينما يجد مدعو ذلك أمكنة رحبة لعقد ندوات صحفية ومجالس وطنية وإقليمية. كما تُستَعمل ذريعة صعوبة الحصول على مقر للاجتماع، والحال أنه تم قصدا سد هذا الباب برفض استعمال مقرات نقابية أو حزبية أو جمعوية، كأن هذه الصفة بذاتها ستنال من إرادة شغيلة التعليم. إنها وصاية ومعاملة للشغيلة كصبية. ..
إعدام الديمقراطية كليا بالسعي الحثيث من أجل استحواذ أقلية قليلة على كل جوانب المعركة ولجانها وذلك بخنق أي صوت نقدي. هذا لدرجة عدم احترام ما خرج به الجمع العام والاستعاضة عنه بما تريد أقلية، ومن الأمور التي جرى فيها هذا التعسف الفظ أمر تنسيق النضال مع مكونات أخرى في حراك الشغيلة.
ويروي مناضل تجربته المباشرة مفصلا أساليب التحايل لقمع التعبير عن الرأي وذلك بتفاهمات قبلية لمحاصرة الآراء الناقدة والتشويش على مداخلات المنادين بالديمقراطية، وتعمد افتعال كلام الجنبات، وخلق أجواء غير صحية لدفع المترددين إلى تفادي الانتقاد. هذا فضلا عن احتكار التسيير من طرف عنصر واحد وقيامه بتوجيه النقاش بما يخدم منظوره المسبق. كما يتم اللجوء إلى التلاعب بتفادي حسم الأمور العملية في المجالس الموسعة وتركها للجان أغلبها احتكر منذُ البداية، مع رفض تطعيم اللجن بشكل متجدد. وتبلغ وقاحة البعض مستوى محاربة عملية، بمختلف الحيل، للرأي المغاير بمبرر أن صاحبه نقابي، رغم أن معظم الدافعين بهذه الحجة المخادعة والقمعية هم أنفسهم منتمون إلى نقابات.
هكذا هناك سعي لفرض توجه بعينه بما فيه أخطر ما يهدد حراكنا وهو رفض التنسيق مع تنسيقيات أخرى، مع التنازل لفظا لتطلعات الشغيلة الى وحدة النضال بالإعلان عن الاستعداد للوحدة. وجلي أن هذا المسعى يحركه الخوف من انفلات الحركة من تحكم من يعتقد انه سيد أمرها.
تلكم مجمل الأساليب المستعملة لممارسة “ديمقراطية” ظاهرية جوهرها استبداد بالرأي وبالقرار.
وبدون تهويل، وبكامل الثقة في مقدرة الشغيلة على تصحيح ما يشوب أدوات النضال من نواقص، نختم هذا المقال بدعوة كافة الشغيلة إلى رفع مستوى المشاركة في تسيير النضال، وعدم الارتكان إلى السلبية وتفويض الأمر إلى “قادة” مهما كان مستواهم، وبالتالي التمسك بحرية التعبير، كاملة غير منقوصة، وبالحق في المعلومة، وبانتداب حر وديمقراطي لمن تسند لهم مهام، على كل المستويات، وبالحق في المشاركة التامة في اتخاذ القرار.
بقلم: م.ب