مراجعة لفشل وهزيمة الحزب الشيوعي العراقي


ماجد فيادي
2024 / 1 / 4 - 09:31     

أي مراجعة تاتي بعد كبوة، لا بد من وصف الكبوة بشكل دقيق حتى تكون المراجعة مبنية على أسس واقعية، تحقق رغبة الباحث المخلص، في الخروج بحصيلة، مهما كانت غير مرضية، ان تكون دافعا إيجابيا للبدء من جديد بهمة اكبر. في نفس الوقت لا يمكن لباحث مخلص ان يكون شامتا او متشفيا، لان هذه النزعة ستكون أداة حرفٍ للبحث والنتائج المستخلصة. من هنا سأكون مخلصا لانتمائي الشيوعي، بالنقد وتشخيص الخلل في محاولة لإيصال وجهة نظري لأكبر عدد من الرفيقات والرفاق، بعيدا عن الإساءة حتى لا أسيء لنفسي.
لا اريد التوسع والخوض في الأسباب الموضوعية التي أدت الى عدم حصول مرشحي الحزب الشيوعي العراقي أي مقعد من مقاعد مجالس المحافظات، فهي مشخصة بوضوح لدى قاعدة وقيادة الحزب، وقد كانت السبب الرئيسي في مقاطعة الحزب للانتخابات البرلمانية 2021، وهي نفس الأسباب التي دفعت الرفيقات والرفاق وبنسبة كبيرة داخل التنظيم، للدعوة الى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات 2023. لا يختلف اثنان ان تلك الأسباب الموضوعية مثلت المطرقة، فكانت الأسباب الذاتية تمثل السندان، اللتان هرستا الحزب بلا رحمة، حتى وقع في الهزيمة القاسية، التي نعمل اليوم مجتمعين على تشخيص أسبابها وطرح معالجاتها، بنفس مخلص للحزب.
مقابل الأسباب الموضوعية التي دفعت نسبة كبيرة من التنظيم، رفض المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات 2023، والمتمثلة بالفساد وانتشار الفصائل المسلحة وعدم تنفيذ قانون الأحزاب على الجميع وعدم الكشف عن قتلة ثوار تشرين وبقاء مفوضية الانتخابات على أسس طائفية وقانون انتخابات مفصل على مقاس الفاسدين، وقف فريقٌ اخر، يرى في المشاركة حق دستوري، من الخطأ التنازل عنه للقوى الفاسدة، خاصة وقد أتت نتائج الانتخابات البرلمانية 2021، بأصوات غير قليلة للقوى الناشئة. موقفي كان مؤيدا للفريق الداعي للمشاركة، "لكن" بعد ان نستعد لها بشكل جيد، وان يكون لنا مؤيدين مقتنعين بطروحاتنا، وتنظيم حزبي قوي، قادر على خوض تجربة الانتخابات امام حيتان الفساد، مستندا في موقفي الى شعار الحزب "التغيير الشامل: دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية" باللجوء الى الطرق السلمية، وعلى راسها الانتخابات.
ولان النظام الداخلي للحزب لا يوفر آلية تنظيمية لإيقاف ورد اللجنة المركزية عن قرارها، الا سبيل الاقناع، يقفز في هذه الحالات مقدار وعي الرفيقات والرفاق المعارضين لقرارها، في دعمه او اهماله او الوقوف ضده. هذا ما حصل مع قرار المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، فهل كان القرار بالنسبة للمعترضين بحجم يمكن تقبله على مضض ام يستوجب الوقوف بوجهه؟ انقسم التنظيم بين هذا وذاك ولا يمكن لاحد ان ينتقد او يلوم أي من الطرفين، لأنهما يمتلكان كل الحجج التي تسند رأييهما، حتى جاءت النتائج صادمة وكارثية لهذا التشظي، الذي تتحمل اللجنة المركزية مسؤوليته. إن قساوة النتيجة لا يمكن القبول بها او السكوت عنها، فالحزب لم يحصل على أي مقعد في أي محافظة، على العكس من ذلك فقد الكثير من قواه التصويتية (التقديرات تقول فقد 80% من اصواته عن اخر انتخابات شارك بها)، والاحراج الأكبر ان الحزب لم يتمكن من المنافسة امام أحزاب ناشئة، داخل تحالف قيم المدني.
حتى نعطي وصفا دقيقا لما حدث، يجب ان نسأل، هل جاءت النتيجة بمعزل عن الماضي؟ وفقا للديالكتيك جاءت منسجمة مع أسلوب قيادة الحزب، لهذا اصفها فشل وهزيمة. الفشل يعود على مدار سنين العمل النضالي في الساحة العراقية وقبلها خارج الوطن، والهزيمة تعود كنتيجة حتمية للفشل. اذا الأولى بنا قبل البحث في الهزيمة، ان نبحث بالفشل الذي رافق اداء أعضاء اللجنة المركزية وسكرتاري المحليات ومنظمات الخارج، في صياغة سياسة وخطاب الحزب، تطوير العمل التنظيمي، نوعية المواقف السياسية كالتحالفات والمشاركة في الانتخابات، ادارة اعلام الحزب المركزي. وقبل هذا وذاك لا بد من توجيه أصابع الاتهام الى التقاليد الحزبية البالية، التي لم تعد قادرة على مواكبة العصر.
في المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي، كانت هناك طروحات جريئة ومخلصة، قدمها مندوبين مخلصين للحزب، اصطدمت بجدار من التقاليد وثغرات تنظيمية وتحشيد بالضد من رفاق مخضرمين، اعاقت الاخذ بها. هنا يجب ان أوضح ان تشبث رفاق مخضرمين بمواقعهم، أعاق وصول رفيقات ورفاق مشهود لهم بالكفاءة والقدرة على القيادة، خاصة وهم يحملون أفكارا تجديدية بالعمل التنظيمي، في جانب اخر لم تعد عضوية اللجنة المركزية أي هيبة ولا مكانة يبحث عنها الاكفاء، لان الترشيح جاء سهلا لعدد ممن لا كفاءة له.
من هكذا واقع تقليدي نتجت لجنة مركزية ولجان محلية (اذا ما استبعدنا منظمات الخارج كونها تعمل خارج الساحة العراقية) لا يمكن ان نتوقع منها بناء تنظيم سياسي كفوء، مدرب على العمل النضالي، يمتلك قناعة كافية بدوره في التغيير، ومستعد للتضحية اذا ما استوجب الامر. تركيبة غير قادرة على زيادة القاعدة الشبابية والنسوية، فهي بلا برنامج مرسوم ومخصص له مالية واضحة، تعمل المحليات على تنفيذه وتعدل عليه وفقا لظروفها. هذه التركيبة غير قادرة على التواصل مع الجماهير، خاصة واعلامنا الحزبي لا يزال يعوم على اساليب ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
اذا ما ناقشنا محاولات التصحيح التي تقدم بها رفيقات ورفاق مخلصون، فإنها جاءت موؤده في مهدها، بفعل التقاليد الحزبية وثغرات النظام الداخلي المتهالك. مثلا محاولات تغيير الخطاب السياسي للحزب اخذ نقاشات عديدة، مباشرة او على الصحافة او على مواقع التواصل الاجتماعي، انتهت جميعها بجواب واحد ومكرر "اننا نزن كل كلمة نقولها ونكتبها في خطاب الحزب السياسي". في حين كل الأحزاب الحاكمة غيرت من خطابها انسجاما مع الظروف، ولم تستح من ذلك، فقط الحزب الشيوعي العراقي تمسك بقوالب لم تعد مقبولة لدى الناس. محاولات تطبيق اساليب العمل الحديث على الشبيبة، قوبلت بالإهمال والرفض، وبدل ان نستعين بتقاليدنا الحزبية الناجحة في كسب الشبيبة، راح رفاق ماسكين بهذا المرفق على التعامل مع الشبيبة بأسلوب شديد وانضباط لم يعد مقبولا بعد سقوط الصنم واحتلال العراق، فالشبيبة أصبحت تبحث عن أسلوب تربوي مختلف، ينسجم وروح العصر. اما دعوات تطوير إعلام الحزب فقد جوبهت برفض شديد من رفاق يمسكون به منذ عقود، لا يجيدون متطلبات التكنلوجية، لولوج الاعلام الحديث، تاركين الساحة للمنافسين، كهدية لا ترد.
كُتِبَ عن النظام الداخلي الكثير من الملاحظات، قدمت الى المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب ومن قبله الى المؤتمرات السابقة، لكن دائما يجري توجيه النقاش داخل المؤتمرات، نحو نتيجة واحدة وهي تغييرات شكلية ولفظية لا قيمة لها. هذا نتيجة نظام إدارة الجلسات الذي يسمح لرفاق مخضرمين في اللجنة المركزية بقيادة المؤتمر، ليس من أولوياتهم ادخال أفكار التجديد على فقرات النظام الداخلي. اذاً كيف تُفَعِل القاعدة الحزبية دورها الديمقراطي ونظامنا الداخلي عمره قرابة المائة عام، وغير محفز على التجديد.
لم تتعلم اللجنة المركزية من تجربة الجبهة الوطنية مع حزب البعث المنحل، ولا التحالف مع الأحزاب الكردستانية، على العكس راحت تتحالف مع القائمة العراقية بقيادة اياد علاوي الشخصية المنفردة بكل شيء، والعقلية المخابراتية التي لا تسمح لاحد بلعب دور ما، فانتها التحالف بطريقة دراماتيكية. ثم جاء تحالف سائرون برؤية فردية، انتهى نتيجة كارثة دموية راح ضحيتها ثوار تشرين. تحالف قيم المدني هو الاخر لم يكن مثاليا، ورغم عدم امتلاك الحلفاء لقواعد جماهيرية، لم نتمكن من منافستهم في سباق الانتخابات المحلية، فكانت الهزيمة الأكبر.
هذا الحال الذي وصلنا اليه يطرح مفهوم وحدة الارادة والعمل على طاولة التشريح، هل هي ممكنة وما هي أساليب ممارستها ومن هو المسؤول الأول اذا ما فشل الحزب في تحقيقها. من الناحية النظرية فان وحدة الإرادة والعمل تعد من نقاط قوة كل حزب، لكن عمليا تستوجب العديد من الإجراءات التنظيمية والنشاطات الفكرية وتوزيع المهام واطلاع القاعدة على ما تفكر به القيادة، وصولا الى اشراك الجميع قدر المستطاع في اتخاذ القرارات. اذا هي ممارسة يومية للجسم الحزبي تقلص الفجوات الفكرية والسياسية والاجرائية، داخل التنظيم، وتشعر كل عضو في الحزب ان ما يتخذ من قرارات، هو شريك فيها. اما اللجوء اللفظي الى مبدأ وحدة الإرادة والعمل وفرضها بطرق فوقية على التنظيم، ستعود على الحزب بالتشظي وتنصل المعترضين عن أي مسؤولية في اتخاذ قرار لم يثبت صحته على الأرض، وسيقع كل اللوم على اللجنة المركزية بسبب ضعف الممارسة الديمقراطية.
ماذا نحتاج؟؟؟
نحن بحاجة ماسة لكل رفيقة ورفيق ابتعد عن التنظيم لأسباب شخصية او عدم قناعة بسياسة الحزب، ان يدلوا برأيهم ويقدموا المساعدة بطرق تنظيمية تتناسب ومكانتهم الاجتماعية واعمارهم ورغبتهم في العمل بجانب محدد او اكثر، خاصة وإنهم بأعداد غير قليلة. نحن بحاجة الى دعوة مختصين او مطلعين على أنظمة داخلية لأحزاب شقيقة وصديقة، لكتابة نظام داخلي جديد، يطرح للنقاش العلني. نحن بحاجة الى مراجعة حقيقية لسياسة الحزب بعد العام 2003، يكتبها رفاق يحضون بالثقة داخل القاعدة الحزبية، ولهم مقدرة على البحث والتمحيص، حتى وان تواجدوا خارج التنظيم. نحن بحاجة الى دعوة المهتمين والمختصين بالإعلام لعقد جلسات حوارية مطولة للوقوف على خطة واضحة تنتقل بالإعلام الحزبي الى مواقع جديدة. نحن بحاجة الى اشراك الشبيبة وأصحاب الخبرة بالعمل الشبابي، للخروج ببرنامج لكسب الشبيبة، يتم تكييفه حسب ظروف كل محلية. نحن بحاجة الى مركز دراسات، يقوم بدراسات واستطلاعات رأي واستفتاءات تنتهي بنتائج توضع امام اللجنة المركزية لتمكينها من اتخاذ القرارات المناسبة. نحن بحاجة الى عمل فكري بطريقة مختلفة، يتناسب مع مستويات الوعي المختلفة داخل المجتمع، يخرج عن القوالب الفكرية الجاهزة، ويذهب الى فضاءات الحرية والابداع. نحن بحاجة للاستفادة من تقاليدنا الناجحة في تنشيط الشبيبة مثل الفرق الغنائية والمسرحية والسفرات الجماعية، لكسر كل القيود الشكلية التي تعمل الأحزاب الحاكمة على فرضها وتقييد المجتمع بها، في نفس الوقت نعمل على خلق تقاليد جديدة باستخدام التكنلوجيا الحديثة. نحن بحاجة الى كسر حاجز الخوف والوثوق بالرفيقات والرفاق ومنحهم الفرصة، بزجهم في العمل وعدم حصر القرارات لدى الرفاق المخضرمين.
حتى نتمكن من تحقيق ذلك يجب عقد اجتماعا للمجلس الحزبي يضاف له نسبة جيدة من الخبراء وأصحاب الرأي وان تواجدوا خارج التنظيم، يتخذ تلك القرارات، ويجري استبدال غير الكفؤين من قيادات وكوادر مختصات اللجنة المركزية، بمجرد حصول خطة من أصحاب الاختصاص الذين كلفوا باعلاه من الاعمال، وتوضع فترة بين تسعة اشهر وسنة تحضير لعقد مؤتمر وطني مبكر، تخطط له لجان كفؤة، بتكليف من المجلس الحزبي، بغض النظر عن انتماء اعضائها الى اللجنة المركزية او التنظيم، مؤتمر تقر فيه السياسة الجديدة للحزب، وينتخب لجنة مركزية أوسع في عددها، تأخذ على عاتقها النهوض بالحزب من جديد.