الاحتكار الرأسمالي لثمار التكنولوجيا والبحث العلمي العائق امام تحرر البشرية


مؤيد احمد
2024 / 1 / 1 - 23:05     

الاحتكار الرأسمالي لثمار التكنولوجيا والبحث العلمي
العائق امام تحرر البشرية

مؤيد احمد
سنة جديدة سعيدة

ندخل سنة جديدة والعالم الرأسمالي المعاصر يمر بعهد ما يسميه البعض بالكارثة، عهد تسوده أزمات متعددة مركبة؛ اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية، ويتسم باستمرار الحروب وصعود الدكتاتوريات وتزايد العسكرتاريا والتسلح والصراعات الجيو سياسية وغيرها. هذا، وفي الوقت ذاته، ان التطور التكنولوجي وتطبيقات البحث العلمي مقيدان في إطار رأس المال بالرغم من اشتداد التناقض بينهما وبين هذا الاطار.
شاهدنا خلال ثلاثة اشهر الأخيرة وما نزال نشاهد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة إسرائيل والمؤسسة الحاكمة البرجوازية الصهيونية بحق سكان غزة من أطفال ونساء ورجال من كل الاعمار، وراينا ونرى تهجيرهم القسري وتدمير دورهم ومبانيهم ومستشفياتهم ومدارسهم وغيرها بأحدث أسلحة دمار وتكنولوجيا أمريكية وإسرائيلية.
يبدو انه ليس هناك ولحد الان آفاق تبشر بانتهاء هذه المجازر في السنة الجديدة ولا انتهاء الحرب في السودان وأوكرانيا وغيرها، وهذا ما يجعلنا ومع بدء السنة الجديدة ان نضم صوتنا الى جميع محبي الإنسانية بالإيقاف الفوري لكل هذه الحروب والمجازر.
اذا نظرنا الى كل تلك الحروب والمجازر من زاوية سيرورة التاريخ العالمي، نرى انها تجليات مأساوية محلية لنظام سياسي دولي واقليمي أوسع واشمل ولحركة راس مال ونظام اقتصادي واجتماعي عالمي وهو الرأسمالية المعاصرة وتناقضاتها والصراعات السياسية الطبقية والجيو السياسية الملازمة لها.
ان هذا النظام الرأسمالي هو قبل كل شيء شكل وعلاقات انتاج معينة تحيط بالقوى المنتجة المادية والذهنية للبشرية بحيث تتقدم وتتطور الأخيرة في اطاره، ولكن بشكل انتقالي كي يحل محله، نظام وشكل اجتماعي آخر ارقى، الشيوعية، وذلك بسبب تطور تناقضاته الداخلية وليست لأسباب خارج عن هذه الديناميكية. غير ان إحلال نظام باخر ليس مجرد عملية ميكانيكية بل عملية صراع طبقي وسياسي وفكري وهذا ما يستوجب الوقوف عنده.
ندخل عام 2024 والتطور التكنولوجي والقوة المادية والذهنية المنتجة في العالم في منحنى تصاعدي انفجاري، ان تطبيقات الروبوت والذكاء الاصطناعي في طريقها الى احداث تغييرات نوعية في مجالات الحياة المختلفة الاقتصادية والإدارية والخدمية والطبية والتعليمية والفنية وغيرها. كما وان السحاب الإنترنيتي واحتكاره بدرجة الأساس من قبل شركات أمريكية وصينية كبرى، اوجد عالما مترابطا تجمع هذه الشركات؛ كوكل والفيس بوك و امازون وتيك توك وعلي بابا وغيرها، ومثل ما يقول يانيس فاروفاكس، الريع من مواطني العالم.
غير ان كل هذه التطورات لا تزال تحدث في اطار علاقات الانتاج الرأسمالي ويتحكم بها راس المال ويجري استخدامها في اطار هذه العلاقة الاجتماعية، وبالتالي لا يتم تطبيقها لصالح تحسين مستوى معيشة ورفاهية معظم سكان الكرة الأرضية، والارتقاء بالثقافة والتعليم الإنساني التحرري، بعيدا عن كل عصبية قومية ودينية وطائفية وعنصرية وجندرية وغيرها، ولا يتم استخدامها لصالح العمال والشغيلة العالمية وسكان كوكبنا عموما بالشكل الذي يحقق المساواة بين الافراد، ويفتح الافاق امام تطورهم الحر والخلاق. ليس هذا فحسب، بل لا يُخلّص كل هذ التقدم الهائل العلمي والتكنولوجي، البشرية من الاضطهاد الاقتصادي والافقار، ومن البطريركية والذكورية والقمع السياسي والتراجع المعنوي، دع جانبا الخلاص من الحروب او حتى توفير مياه صالحة للشرب للكثير من سكان الأرض.
ان تغير هذا العالم المقلوب مرهون بطبيعة الحال بتحرر نفس هذه القوى المنتجة من اطار الإنتاج بهدف الربح الرأسمالي. ان التطور التكنولوجي وتقدم البحث العلمي في كافة المجالات يجري في معظم الحالات عن طريق الدعم من خزينة الدولة والثروات العامة للمجتمع، غير ان ملكية الاختراعات واحتكار التطور التكنولوجي لا تزال حق احتكاري للشركات وأصحاب راس المال في المجتمعات التي تسودها رأسمالية السوق الحرة وتبقى احتكار الدول الدكتاتورية والشركات المملوكة من قبل الافراد في هذه الدول التي تسودها رأسمالية الدولة مثل الصين.
من المعلوم، ان القوى المنتجة الاجتماعية، التي تتحكم بها راس المال، في كلا الشكلين راس المال الخاص ورأسمالية الدولة، ليست مكونة من وسائل الإنتاج والتكنولوجيا فحسب، بل من قوة العمل أيضا، ويشكل استغلال الاخيرة العنصر الأساس الذي يستند عليه الإنتاج من اجل الربح الرأسمالي. وهنا سر التاريخ ومحركه؛ الصراع الطبقي. ان الطبقة العاملة العالمية ونضالها من اجل الخلاص من عبودية نظام العمل المأجور، التي تتميز قوة عملها بإنتاجية فائقة في عهدنا، تشكل القوة المحركة لإحداث التغيير وتحرير نفسها ومجمل قوى المنتجة الاجتماعية من الاستغلال الرأسمالي الحالي. ان هذه المبادئ الأساسية والقوانين التي تتحكم بحركة راس المال والتي عبر عنها ماركس قبل اكثر من 170 سنة، تثبت نفسها اليوم باضطراد في عالم لم يبق مكان فيه لم يصله راس المال وحركته.
يقولون ان تطبيقات التطور التكنلوجي والذكاء الاصطناعي والروبوتات تخطو نحو الغاء استغلال العمل في عملية الإنتاج، وبذلك سيتوفر الوقت الزائد للبشرية كي تعيش برفاهية ورخاء بدون الحاجة الى العمل. دع طوباوية هذه الفكرة وتكرارها مع كل تطور تكنولوجي جديد على مر التاريخ، جانبا، ولو افترضنا وصول التطور التكنولوجي الى هذه الدرجة من التقدم، فان ذلك يعني بالضرورة تلاشي الشكل الاجتماعي الرأسمالي الحالي، وذلك لان الركن الاساس للنظام الرأسمالي هو إنتاج فائض القيمة عن طريق استغلال قوة عمل الانسان، فان زوال استغلال قوة العمل في عملية الإنتاج الاجتماعي يعني تلاشي الشكل الرأسمالي للإنتاج، والذي في اطاره يتحقق التقدم التكنولوجي الحالي. وهذا يتناقض مع قوانين تطور الرأسمالية.
فمن اين كانت نقطة الانطلاق سواء بثورة اجتماعية عمالية او بالفكرة الطوباوية حول زوال عمل الانسان في عملية الإنتاج، سنصل بالنهاية الى ضرورة الغاء الشكل الرأسمالي الحالي الذي يتحقق فيه تطور القوى المنتجة المادية والذهنية، وذلك كي تتمتع البشرية بشكل متساو من ثمار هذا التطور. ان الرأسمالية او بعبارة أخرى الإنتاج بهدف الربح الرأسمالي باتت تهدد البيئة وتدمرها باستمرار، فان هذا الشكل الذي يجري الإنتاج الاجتماعي في اطاره هو نفسه السبب الأساس لدمار البيئة الصالحة للحياة وحدوث كوارث طبيعية مختلفة ومتكررة.
وقائع العالم وتاريخ تطوره وسمات العهد الذي نعيشه تعطينا لوحة واضحة عما هو يجري وموجود؛ وهي عالم في حركة مستمرة لا يتوقف لحظة وشامل ومترابط وملئ بالتناقضات والصراعات والحروب، فان النضال من اجل تحرر القوى المنتجة المادية والذهنية من قبضة راس المال واخضاعها لصالح الانسان وضمان سلامة البيئة، نضال عالمي لطبقة اجتماعية موجودة في قلب نفس العملية التاريخية ونفس حركة راس المال العالمي. ان أي تصور سياسي وفكري او أي تيار وحركة وحزب او نشاط سيجد مكانه في التحليل الأخير اما هو على مسار التاريخ الصاعد او على مساره المعاكس، يكون جزءً من تحرير القوى المنتجة المادية لصالح البشرية ام ابقائها لصالح انتاج الربح الرأسمالي والمأساة التي تلازمها.
عندما ننظر الى العالم واحداثه ومحطات تطوره من هذه الزاوية التحررية الإنسانية الشاملة سنرى ان كل تقوقع في اطار الامة والقومية والفكر الديني والطائفي والوطن، وكل تقوقع في فكر ذكوري وعنصري وفاشي هو تقوقع في عهد ما قبل التاريخ الحقيقي والحر للإنسان.
1/1/2024