ما العمل ؟ افتتاحية العدد 76 من جريدة طريق الثّورة
حزب الكادحين
2023 / 12 / 18 - 17:02
في فجر السّابع من أكتوبر شاهد العالم، "الجدار المنيع الذي لا يمكن اختراقه" يتداعى ويتحطّم على يد 1200 مقاتل فلسطيني عبروا برّا وجوّا عبر وسائل بسيطة من قطاع غزة، تلك الأرض الضيّقة بمساحتها الواقعة تحت الحصار الدّائم والمطلق من قبل العدوّ الصهيوني، تلك القطعة من الأرض العربيّة الكبيرة بإرادة التحرّر التي يملكها أطفالها وشبابها وشيوخها ونساؤها وحتّى الأجنّة في بطون أمهاتهم والشّهداء في باطن تربتها. تحطّم الجدار الأسطورة الذي لم يكن أحد يعتقد أنّ التقنيات العسكرية المتطوّرة التي تحميه لا يمكنها ان تسمح لورقة تطير وسط الرّياح بالعبور من فوقه دون ان تدوّي صفّارات الإنذار والأخطار في كلّ شبر من الأرض المحتلّة. تحطّم ذاك الجدار، وعبر المقاتلون إلى قسم من الأرض التي هُجّر منها آباؤهم وأجدادهم قسرا وقهرًا فصاروا غرباء عنها وصارت تحت سيطرة غرباء عنها.
في ذلك الفجر، أطلّ المقاتلون من على ذاك الجدار وحطّوا الرّحال لسويعات قليلة فنهض كلّ شهداء فلسطين وكلّ الشهداء الذين سقطوا من كلّ بلاد العالم من أجل فلسطين، والتحقوا يتقدّمهم عز الدين القسّام وأيمن الزعرورة وغيفارا غزة وأبو الرّائد وفؤاد حجازي وناجي العلي وعمران المقدمي وعطا الزير ومحمد جمجوم والدرّة وغسّان كنفاني... كانوا في صفوف طويلة بأزيائهم العسكريّة كأشجار الزّيتون.. وعلى تلك الأرض العربية المستعمَرة التي اهتزّت فرحًا تجمّع رجال ونساء حرب التحرير الوطني الأحياء منهم والشّهداء الأسرى والجرحى والمشرّدون ثمّ تبادلوا تحيّة الثّورة وهتفوا بنشيد العودة ووزّعوا المهامّ.
في تلك السّويعات القليلة من آخر تلك اللّيلة، أنجز المقاتلون مهمّتهم الآنيّة وودّعوا الأرض التي استقبلتهم بالزّغاريد على أمل أن تكون عودتهم في المرّة القادمة دائمة.. ودّعوها حاملين معهم رهائن من جيش العدوّ الوزن الثقيل والثّمين بعد أن قضوْا على أعداد أخرى من جنوده وضبّاطه محدثين ارتباكا غير مسبوق في صفوف الصّهاينة والإمبرياليين الذين استفاقوا على هول حصيلة ثقيلة من القتلى والمخطوفين والمصابين وحصيلة هزيلة خلّفها جدارهم العنصريّ المنيع وجيشهم الذي لا يُقهر وترسانتهم الاستخباراتيّة التي لا يفوتها ضحك النّملة.. لقد اكتشف العالم أنّ أولئك الصهاينة والإمبرياليين الذين يظهرون في شكل نمور مخيفة هم في حقيقة الأمر مجرّد نمور من ورق سُرعان ما تحترق أمام إرادة الشعوب وعزمها على الكفاح.
ومن هول الفاجعة، ضغطت النّمور الورقيّة على أزرار القنابل المدمّرة وشرعت في تدمير كلّ ما تحتها فتهاطلت القنابل من أمريكا على أراضي غزة العربيّة ليلا ونهارا فسوّى الرّعب والظلام بين الزّمنيْن وشرع العالم يحصي أعداد الشّهداء والجرحى والمفقودين ويرى المشاهد الموجعة التي تخلّفها آلة الحرب الصّهيو –أمريكيّة.. ومازال بعد مضيّ أكثر من شهرين يحصي، بينما تلك النّمور لم تُشبع بعدُ نهمها من اللّحم المحروق والمشويّ والممزّق والمتناثر مختلطا بالصّخور والغبار والأتربة ولم تُروِ سواقي الدّماء التي غطّت أرضا لا تفوت مساحتها 365 كم2 ظمأها.. وبتسجيل حوالي 20 ألف شهيد يتجاوز المعدّل 54 شهيدا لكلّ كلم2 من أرض قطاع غزّة، دون اعتبار آلاف المدفونين تحت الرّكام، منذ بدْءِ هذه الحرب التي ارتقت، وفق كلّ المعايير، إلى حرب إبادة جماعيّة يشنّها الكيان المحتلّ بمباركة ودعم من القوى الإمبرياليّة الغربيّة وبمباركة مقنّعة من قبل الرّجعيّات العربيّة التي تكشّفت مرّة أخرى عوراتها لا أمام الشعب العربي فحسب وإنّما أمام شعوب العالم حتّى أنّ بعض الأنظمة في العالم كانت لها مواقف مشرّفة في رفضها لهذه الحرب وفي اتّخاذها خطوات معيّنة ضدّ العدوّ الصّهيوني، حتّى وإن كانت تلك الخطوات محدودة في فاعليتها ولكنّها تحسب لها في مقارنة بتلك الرّجعيات العربية وخاصّة المطبّعة منها والتي لم تتجرّأ حتّى على التهديد بقطع علاقاتها مع العدوّ.
لقد عرّت هذه الحربُ جُبن الرّجعيات العربيّة من خلال صمتها، وكذلك بعض القوى الإقليمية، وأيضا جبن الصهيونية والإمبرياليّة لأنّها تصبّ براميل بارودها على رؤوس شعب أعزل. كما أنّها عرّت المقولات البرجوازية التي غزت العالم منذ قرون، فنزعت عنها تلك الهالة التي لم يكن يرق إليها أدنى شكّ فتمرّغت قيم "حقوق الإنسان" و"الحرية" و"حق تقرير المصير" و"القوانين والمواثيق الدولية" ومختلف التّشريعات البرجوازية في الطّحين الذي تخلّفه يوميّا هذه الحرب التي تطحن البشر والحجر ببعضها البعض دون تمييز لانّ الضحية هذه المرّة هو الشعب العربي الواقع تحت الاضطهاد الصهيوني والإمبريالي وهو بالتالي شعب لا تشمله تلك المقولات والشعارات الليبرالية التي تسلّلت منذ عقود إلى فئات مختلفة داخل المجتمع العربي وحتّى في صفوف بعض الثوريين الذين انبهروا بتلك الحقوق والشرعيات والديمقراطية والحريات التي ترفعها البرجوازية في البلدان الإمبريالية وهي شعارات زائفة لا تخدم إلاّ أعداء الشعوب والأمم والطبقات المضطهدة.
إنّ عملية طوفان الأقصى وما ترتّب عنها إلى حدود اليوم السّبعين من مقاومة باسلة وصمودٍ منقطع النّظير لشعبنا العربي في فلسطين قد فجّرت طورًا جديدًا من أطوار حرب التحرير الوطني العربيّة، وهي حرب طويلة لا يمكن تحقيقها في ليلة أو في أشهر وحرب تستدعي جبهة وطنية موحّدة ضدّ أعداء الشعب والوطن وجيشا شعبيّا منظّما يمثّل الطّبقات الشعبيّة والثورية وفي مقدّمتها العمّال والفلاّحون. ويطرح هذا الطّور الجديد من الكفاح على على جدول أعمال الوطنيين والثوريين والشيوعيين تنظيم صفوف الشعب وتوحيدها وتسليحها بالفكر الثوري وشحنها بإرادة الانتصار والقدرة على هزيمة الحركة الصّهيونية والإمبرياليّة وأعوانهما الرجعيين مهما امتلكوا من أسلحة تدميرية وجيوش جرّارة وتكنولوجيا متطوّرة لأنّ العامل الحاسم في نتيجة الحروب العادلة هو الإنسان وليس السلاح وكم من شعب تغلّب بادوات بسيطة على عدوّ مدجّج بالسّلاح، فالوطن العربي قادر أن يتحوّل إلى صين وفيتنام جديدتيْن، والشعب الذي يتجرّأ على المقاومة يتجرّأ حتما على الانتصار !
-----------------------------------------------------------------------------------
طريق الثورة، أكتوبر - نوفمبر 2023