النظرية الماركسية (17) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأممية الشيوعية

الرابطة الأممية للعمال
2023 / 11 / 13 - 22:06     

المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
النظرية الماركسية(17) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة


ينبغي أن تكون اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية منظمة على الشكل الذي يمكنها من اتخاذ موقف من كل قضايا عمل البروليتاريا. ومتخطية أطر الدعوات العامة كما تم إطلاقها حتى الآن حول هذه المسألة المطروحة للنقاش أو تلك، ينبغي أن تسعى اللجنة التنفيذية، أكثر فأكثر، لإيجاد الوسائل والطرق لتطوير مبادرتها العملية بصدد التحرك المشترك لمختلف فروعها في المسائل العالمية قيد النقاش، على صعيدي التنظيم والدعاوة. ينبغي أن تصبح الأممية الشيوعية أممية فعلية، أممية تقود النضالات المشتركة واليومية للبروليتاريا الثورية في جميع البلدان. إن الشروط التي لا مفر منها لذلك هي التالية:
1- ينبغي أن تقوم الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الشيوعية بكل ما في وسعها من أجل الحفاظ على الاتصال الأكثر وثوقا ونشاطا مع اللجنة التنفيذية؛ فلا ينبغي فقط أن ترسل إلى التنفيذية أفضل ممثلي بلدانها، بل أن تزودها أيضا بشكل دائم بالمعلومات الأكثر احتراسا ويقظة، كي تتمكن من اتخاذ موقف بالاستناد إلى وثائق ومعلومات معمّقة حول المشاكل السياسية التي تنشأ. ومن أجل الصياغة المثمرة لهذه المواد، يجب أن تنظم التنفيذية أقساما خاصة في مختلف الفروع. ويضاف إلى ذلك ضرورة إنشاء معهد عالمي للاقتصاد والإحصاء تابع للحركة العمالية والشيوعية لدى اللجنة التنفيذية.
2- ينبغي أن تقيم الأحزاب المنتسبة أوثق العلاقات فيما بينها، من أجل الإعلام المتبادل والاتصال العضوي، وبشكل خاص عندما تكون هذه الأحزاب متجاورة، ومهتمة تبعا لذلك أيضا بالصراعات السياسية المتولدة من التضادات الرأسمالية. إن أفضل وسيلة حاليا لإقامة هذه العلاقات هي تبادل قرارات الكونفرنسات الأكثر أهمية، والتبادل العام للمناضلين الذين يتم اختيارهم بدقة. يجب أن يصبح هذا التبادل ممارسة دائمة ومباشرة بالنسبة لكل فرع قادر على الفعل.
3- ينبغي أن تحثّ التنفيذية على الاندماج الضروري بين كل الفروع القومية في حزب أممي متماسك للدعاوة والنشاط البروليتاريين المشتركين. ومن أجل ذلك ينبغي أن تصدر في أوروبا الغربية نشرة مراسلة سياسية باللغات الأكثر أهمية يتم بواسطتها إبراز الفكرة الشيوعية بشكل أكثر فأكثر وضوحا واتساعا، وتمنح، عبر إعلام مخلص ومنتظم، قاعدة عمل نشط ومتزامن لمختلف الفروع.
4- إن إرسال ممثلين مسؤولين عن اللجنة التنفيذية إلى الفروع يسمح لها بدعم فعلي للاتجاه، الذي يتخذه النضال اليومي والمشترك للبروليتاريا في جميع البلدان، نحو أممية فعلية. وتكون مهمة هؤلاء الممثلين أن يُعْلموا التنفيذية بالشروط الخاصة التي على الأحزاب الشيوعية أن تناضل ضمنها في البلدان الرأسمالية أو المستعمَرة. وينبغي أن يسهروا، بعد ذلك، على أن تحفظ هذه الأحزاب الاتصال الأكثر وثوقا، سواء مع التنفيذية أو فيما بينها، من أجل مضاعفة قوة الهجوم لدى هذه وتلك. وينبغي أن تسهر التنفيذية كما الأحزاب على أن تصبح العلاقات المتبادلة بين المنتسبين سواء كانت شخصية أو بواسطة المراسلات المكتوبة، أكثر تواترا وسرعة لكي تتمكن من اتخاذ موقف إجماعي بصدد جميع القضايا السياسية الكبرى.
5- ينبغي أن تكون التنفيذية موسعة جدا لكي تكون قادرة على بذل نشاط متنام باستمرار. إن الفروع التي منحها هذا المؤتمر 40 صوتا، كذلك اللجنة التنفيذية لأممية الشبيبة الشيوعية، يكون لها صوتان في التنفيذية؛ أمّا الفروع التي حصلت على 30 و 20 صوتا في المؤتمر فيكون لها صوت واحد. ويمتلك الحزب الشيوعي الروسي كما في الماضي خمسة أصوات. ويكون لممثلي الفروع الأخرى صوت استشاري. ويُنتخب رئيس التنفيذية من قبل المؤتمر. وتكلف التنفيذية بتعيين ثلاثة أمناء يتم اختيارهم، قدر الإمكان، من مختلف الفروع. يضاف إلى ذلك، أن الأعضاء المندوبين إلى اللجنة التنفيذية من مختلف الفروع مجبرون على المشاركة في إنجاز العمل الجاري، سواء عبر قيادة الفرع الوطني الملائم، أو عبر التكفّل بدراسة هذا المجال أو ذاك. ويُنتخب أعضاء مكتب الأعمال الصغير في تصويت خاص للجنة التنفيذية.
6- يكون مقر التنفيذية في روسيا، الدولة البروليتارية الأولى. وينبغي أن تسعى التنفيذية مع ذلك، لأجل مركزة القيادة السياسية والعضوية للأممية بأكملها، بشكل أقوى، إلى توسيع دائرة نفوذها عن طريق الكونفرنسات التي ستعقدها خارج روسيا.

قرار حول تحرك آذار (مارس) وحول الحزب الشيوعي الألماني الموحّد

يسجل المؤتمر العالمي الثالث، بارتياح، أن القرارات الأكثر أهمية، وخاصة الجزء من القرار حول التكتيك المتعلق بتحرك آذار/ مارس الذي جرت مناقشته بحرارة، قد جرى تبنيها بالإجماع. وبأن ممثلي المعارضة الألمانية قد وقفوا في قرارهم حول تحرك آذار/ مارس في الواقع على أرضية مماثلة لقرار المؤتمر.
ويرى المؤتمر في ذلك برهانا على أن العمل المتماسك والتعاون الحميم على قاعدة قرارات المؤتمر الثالث ليست فقط مستحبة، بل هي ممكنة داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحّد. ويعتبر المؤتمر أن كل تبديد للقوى داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحّد، وكل تشكيل لتكتلات، دون الحديث حتى عن انشقاق، يشكل أكبر خطورة على مجمل الحركة.
وينتظر المؤتمر من القيادة المركزية وأغلبية الحزب الشيوعي الألماني الموحد موقفا متساهلا إزاء المعارضة القديمة شرط أن تطبق بإخلاص القرارات المتخذة من قبل المؤتمر الثالث؛ وهذا الأخير بالإضافة إلى ذلك مقتنع بأن القيادة المركزية ستبذل جهدها من أجل تجميع كل قوى الحزب.
ويطلب المؤتمر من المعارضة القديمة أن تحل مباشرة كل تنظيم تكتلي، وأن تخضع جناحها البرلماني كليا وبشكل مطلق للقيادة المركزية، وأن تخضع الصحافة كليا للمنظمات التابعة للحزب، وأن توقف مباشرة كل تعاون (في المجلات، إلخ) مع بول ليفي، المطرود من الحزب والأممية الشيوعية.
ويكلف المؤتمر التنفيذية بمتابعة التطور اللاحق للحركة الألمانية بانتباه، وأن تتخذ مباشرة الإجراءات الأكثر حزما في حال حدوث أقل إخلال بالانضباط.

موضوعات حول تكتيك الحزب الشيوعي الروسي

1- الوضع العالمي للجمهورية الفيدرالية السوفياتية في روسيا

يتميز الوضع العالمي للجمهورية الفيدرالية لسوفيتات روسيا حاليا ببعض التوازن، الذي، على الرغم من كونه غير مستقر إلى أقصى حد، خلق وضعا فريدا في السياسة العالمية.
وتقوم هذه الفرادة على التالي: من جهة، البرجوازية العالمية معبأة بكره وعداء شديدين إزاء روسيا السوفياتية ومستعدة في كل لحظة لأن تندفع لخنقها. ومن جهة ثانية، انتهت كل محاولات التدخل المسلح، التي كلفت هذه البرجوازية مئات ملايين الفرنكات، بهزيمة كاملة، على الرغم من أن السلطة السوفياتية كانت أضعف بكثير مما هي عليه اليوم، وأن كبار الملاكين والرأسماليين كانوا يملكون جيوشا كاملة على أرض الجمهورية الفيدرالية السوفياتية الروسية. فقد تعززت المعارضة ضد الحرب مع روسيا السوفياتية إلى أقصى حد في البلدان الرأسمالية، مغذية بذلك الحركة الثورية البروليتارية وشاملة جماهير واسعة جدا من جماهير الديمقراطية البرجوازية. إن اختلاف المصالح القائم بين مختلف الدول البرجوازية تفاقم، وهو يتفاقم بشكل متزايد يوما بعد يوم. فيما تتنامى الحركة الثورية بين مئات الملايين من السكان المضطهدين في الشرق بقوة ملحوظة. وكنتيجة لمجمل هذه الشروط، وجدت الإمبريالية العالمية نفسها عاجزة عن خنق روسيا، على الرغم من أنها كانت أقوى منها بكثير، وأجبرت على الاعتراف بها أو شبه الاعتراف بها الآن، وعلى الدخول في مبادلات تجارية معها.
وجاءت النتيجة توازنا ربما كان مهتزا إلى أقصى حد، وغير مستقر إلى أقصى حد، ولكنه توازن يسمح، مع ذلك، للجمهورية الاشتراكية بالعيش، لوقت غير طويل بالطبع، في محيطها الرأسمالي.

2- ميزان القوى الاجتماعي في العالم أجمع

لقد استقر ميزان القوى الاجتماعي في العالم أجمع على قاعدة هذا الوضع على الشكل التالي:
بقيت البرجوازية، المحرومة من وسيلة شن حرب معلنة ضد روسيا السوفياتية، في وضع انتظاري باحثة عن اللحظة التي تسمح الظروف فيها باستئناف هذه الحرب.
وقد فرزت البروليتاريا في البلدان الرأسمالية المتقدمة طليعة تتقدمها بشخص الأحزاب الشيوعية، التي تنمو وتسير دون كلل تجاه كسب أغلبية البروليتاريا في كل بلد، مدمرة نفوذ البيروقراطيين النقابيين القدامى، وقادة الطبقة العاملة الأميركية والغربية المفسدين بالامتيازات الإمبريالية.
وتشكل الديمقراطية البرجوازية الصغيرة في البلدان الرأسمالية حاليا، التي تمثل جزأها المتقدم الأمميتان 2 و ½ 2؛ الدعامة الرئيسية للرأسمالية، بقدر ما لا يزال نفوذها يطول أغلبية، أو جزءا هاما من العمال والمستخدمين في الصناعة والتجارة، الذين يخافون إن حدثت الثورة أن يفقدوا رفاهيتهم البرجوازية الصغيرة النسبية، المتأتية من الامتيازات الإمبريالية. ولكن الأزمة الاقتصادية المتنامية تُفاقم وضع الجماهير حيثما كان، وهذا الظرف، مضافا إلى الحتمية التي تصبح أكثر فأكثر بديهية لحدوث حروب إمبريالية جديدة إذا ما استمرت الرأسمالية، يجعل هذا الدعم مهتزا بشكل متزايد.
لقد استيقظت الجماهير الكادحة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، جماهير تشكل الأغلبية العظمى من سكان الأرض، على الحياة السياسية منذ بداية القرن العشرين، بشكل خاص بفعل الثورات الروسية والتركية والإيرانية والصينية. إن الحرب الإمبريالية بين عامي 1914ـ 1918 والسلطة السوفياتية في روسيا تحولان هذه الجماهير بشكل حاسم إلى عامل فعال في السياسة العالمية وفي التدمير الثوري للإمبريالية، على الرغم من أن البرجوازية الصغيرة المستنيرة في أوروبا وأميركا، ومن ضمنها قادة الأممية الثانية والأممية ½ 2، ترفض بعناد رؤية ذلك. وتقف الهند البريطانية على رأس هذه البلدان، وهناك تنمو الثورة بسرعة تزداد كلما باتت البروليتاريا الصناعية وبروليتاريا سكك الحديد داخلها أكثر أهمية، من جهة، وكلما أصبح الإرهاب الذي يمارسه الإنكليز أكثر شراسة، من جهة ثانية، إذ يلجأون بشكل متزايد إلى أعمال القتل الجماعية (أمريستار) وأعمال الجلد العلنية، إلخ…

3- ميزان القوى الاجتماعية في روسيا

يحدد الوضع السياسي الداخلي لروسيا السوفياتي بواقع أننا نشهد في هذا البلد، وللمرة الأولى في مجرى التاريخ العالمي، وجود طبقتين فقط، خلال عدة سنوات: البروليتاريا التي تدرَّبت خلال عشرات السنوات بواسطة صناعة آلية فتيَّة جدا، ولكنها، مع ذلك، حديثة وكبيرة، وطبقة صغار الفلاحين التي تشكل الأغلبية الواسعة من السكان.
لم يختف كبار الملاكين العقاريين وكبار الرأسماليين في روسيا. لكنهم خضعوا لعملية مصادرة كاملة وانهزموا سياسيا كطبقة بشكل كامل، وتختبئ فلولهم فقط بين المستخدمين الحكوميين في السلطة السوفياتية. ولم يجر الحفاظ على تنظيمهم الطبقي إلا في الخارج، على شكل جالية من المحتمل أنها تعد من مليون ونصف إلى مليوني شخص، وتملك أكثر من خمسين صحيفة يومية لكل الأحزاب البرجوازية و«الاشتراكية» (أي البرجوازية الصغيرة)، وكذلك فلول جيش، وروابط متعددة مع البرجوازية العالمية. وتعمل هذه الجالية بكل جهدها وبكل الوسائل لتقويض السلطة السوفياتية وإعادة الرأسمالية لروسيا.

4- البروليتاريا وطبقة الفلاحين في روسيا

نظرا لهذا الوضع الداخلي، ينبغي للبروليتاريا الروسية، باعتبارها طبقة سائدة، أن تطرح على نفسها الآن، بشكل أساسي، تعيين الإجراءات الضرورية لقيادة طبقة الفلاحين، بذكاء، وتنفيذ هذه الإجراءات، من أجل الإبقاء على تحالف صارم معها، ولكي تُقطع المراحل العديدة المتلاحقة المؤدية إلى جماعية الزراعة بالجملة. وهذه المهمة صعبة بشكل خاص في روسيا، سواء بالنظر إلى الطابع المتأخر لبلدنا، أو بالنظر إلى الدمار الواسع بعد سبع سنوات في الحرب الإمبريالية والأهلية. ولكن، يضاف إلى هذه الخاصية، أن هذه المهمة تنتمي إلى عدد من المشاكل الأكثر صعوبة للتنظيم الاشتراكي، مشاكل تنطرح في جميع الدول الرأسمالية، ربما باستثناء إنجلترا. ومن المستحيل أن ننسى أنه إذا كانت طبقة صغار المزارعين – الأكارين قليلة العدد بشكل خاص، فإننا بالمقابل نجد نسبة مرتفعة بشكل استثنائي من العمال والمستخدمين الذين يمتلكون موقعا برجوازيا صغيرا بفعل العبودية الفعلية لمئات الملايين من سكان المستعمرات «التابعة» لإنجلترا.
لهذا فإن أهمية الحقبة التي تمر بها روسيا، من وجهة نظر تطور الثورة البروليتارية العالمية كسيرورة شاملة، تكمن بأنها تسمح بامتحان سياسة البروليتاريا التي تمسك بيدها السلطة الحكومية وبالتحقق منها عمليا، حيال جمهور برجوازي صغير.

5- التحالف العسكري بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين في الجمهورية الفيدرالية السوفياتية الروسية

لقد طرحت الحقبة الممتدة من 1917 إلى 1921 أسس العلاقات المتبادلة العقلانية بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين في روسيا السوفياتية، في حين أن غزو الرأسماليين وكبار الملاكين الذي تلقى في الوقت نفسه دعم البرجوازية العالمية بمجملها، وجميع أحزاب الديمقراطية البرجوازية الصغيرة (اشتراكيين – ثوريين ومناشفة)، ولّد التحالف العسكري بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين من أجل الدفاع عن السلطة السوفياتية، وثبته وحدده. إن الحرب الأهلية هي الشكل الأكثر حدة للصراع الطبقي. وكلما نشط هذا الصراع كلما أظهرت الممارسة نفسها، بسرعة أكبر ووضوح أكبر للشرائح الأكثر تخلفا حتى من طبقة الفلاحين، أن هذه الطبقة لا يمكن أن تنقذ إلا بواسطة دكتاتورية البروليتاريا، فيما يلعب الاشتراكيون – الثوريون والمناشفة، في الواقع، دور خدم كبار الملاكين والرأسماليين.
ولكن إذا كان تحالف البروليتاريا وطبقة الفلاحين العسكري ـ ولا يمكنه أن يكون إلاّ كذلك – الشكل الأول لتحالف صلب، فذلك لا يمنع أنه لا يمكن أن يستمر حتى لبضعة أسابيع، دون تحالف اقتصادي بين هاتين الطبقتين نفسيهما. لقد تلقى الفلاحون في الدولة العمالية الأرض والحماية ضد الملاك الكبير والمستغل القروي؛ وحصل العمال من الفلاحين على مواد أولية، على سبيل التسليف، بانتظار ترميم الصناعة الكبيرة.

6- كيف يمكن إقامة العلاقات الاقتصادية العقلانية بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين؟

لا يمكن أن يتحقق تحالف عقلاني بشكل كامل ومستقر، من وجهة نظر اشتراكية بين صغار الفلاحين والبروليتاريا إلاّ في اليوم الذي يسمح فيه النقل والصناعة الكبرى، بعد ترميمهما بشكل كامل، للبروليتاريا بإعطاء الفلاحين، مقابل المواد الغذائية، كل الأدوات التي هم بحاجة لاستخدامها والتي تحسِّن من استثمارهم للأرض. ونظرا لدمار البلد الكبير كان من المستحيل الوصول إلى هذه النتيجة دفعة واحدة. وقد شكلت المصادرات الإجراء الحكومي الأسهل منالا بالنسبة لدولة منظمة بشكل غير كاف، والذي سمح لها بالاستمرار في حرب بالغة الصعوبة ضد كبار المالكين. وقد فاقم المحصول السيء لعام 1920 البؤس الذي كان يرهق الفلاحين أصلا، وجعل التحول الفوري نحو الضريبة الغذائية ضروريا بشكل مطلق.
وتؤمن هذه الضريبة المعتدلة انفراجا كبيرا في وضع طبقة الفلاحين وتثير اهتمامها في الوقت نفسه بتوسيع المساحة المزروعة وتحسين أساليب الزراعة لديها.
وتشكل الضريبة الغذائية مرحلة وسيطة بين مصادرة جميع فوائض زروع (céréales) الفلاحين والتبادل العقلاني للمنتجات الذي تتوقعه الاشتراكية بين الصناعة والزراعة.

7- طبيعة قبول السلطة السوفياتية بالرأسمالية وبالامتيازات وشروط ذلك

إن الضريبة الغذائية بجوهرها بالذات تعادل بالنسبة للفلاح الحرية في امتلاك الفوائض التي تبقى بعد دفع الضريبة. وبالقدر الذي ستكون فيه الدولة عاجزة عن تقديم منتجات الصناعة الاشتراكية للفلاح، مقابل مجموع هذه الفوائض، فإن حرية التجارة، التي تنتج عن ذلك، تعادل حتما حرية نمو بالنسبة للرأسمالية.
مع ذلك، وضمن الحدود المشار إليها، فإن الأمر ليس مخيفا بالنسبة للاشتراكية، طالما بقيت النقليات والصناعة الكبيرة بأيدي البروليتاريا. على العكس، فإن تطور الرأسمالية تحت إشراف الدولة البروليتارية وتنظيمها (أي تطور رأسمالية «الدولة» بهذا المعنى للكلمة) مفيد وضروري في بلد فلاحي صغير مهدم إلى أقصى الحدود ومتأخر (وبطبيعة الحال لمستوى معين فقط)، بمقدار ما يَنتج عن ذلك تسريع فوري لتطور الزراعة الفلاحية.
إن التعويض الممنوح للحاصلين على امتيازات، على شكل نسبة مئوية مقتطعة من منتجات ذات قيمة عالية، هو دون شك ضريبة تدفعها الدولة العمالية للبرجوازية العالمية. ودون إخفاء هذا الواقع أبداً، ينبغي أن نفهم بوضوح أنه سيكون من المفيد لنا أن ندفع هذه الضريبة، إذا كنا سنحصل بذلك على ترميم صناعتنا الكبيرة بسرعة وتحسين وضع العمال والفلاحين بشكل جدي.

8- نجاحات سياستنا الغذائية

لقد كانت السياسة الغذائية لروسيا السوفياتية في المرحلة الممتدة بين 1917 و1921 دون شك فظة جدا وناقصة جدا، وفسحت المجال أمام الكثير من التعسف. وقد ارتكب العديد من الأخطاء لدى وضعها موضع التنفيذ، ولكنها كانت السياسة الوحيدة الممكنة ضمن الشروط المعطاة، إذا نظرنا إليها بمجملها. وقد أدت مهمتها التاريخية: أنقذت دكتاتورية البروليتاريا في بلد مهدم ومتأخر. والحقيقة التي لا جدال فيها هي أنها تحسنت بشكل مضطرد. ففي العام الأول الذي اكتملت فيه سلطتنا (أول آب / أغسطس 1918- 1 آب / أغسطس 1919)، جمعت الدولة 110 ملايين بود (pouds) من الزروع، وفي العام التالي – 220 مليونا، وفي الثالث – أكثر من 285.
وننوي اليوم، مزودين بتجربة عملية، أن نجمع 400 مليون بود، ونحن نعتمد على نجاح ذلك (حددت الضريبة الغذائية ب 240 مليونا).
وفقط إذا كانت الدولة العمالية تمتلك فعليا رأسمالا غذائيا كافيا، فإنها ستكون قادرة على الصمود بصلابة من وجهة نظر اقتصادية، وأن تضمن ترميما، بطيئا لكن منتظما، للصناعة الكبيرة، وأن تبني نظاما ماليا عقلانيا.

9- القاعدة المادية للاشتراكية وخطة توليد الكهرباء في روسيا

إن القاعدة المادية الوحيدة التي يمكن أن تملكها الاشتراكية هي الصناعة الكبيرة الآلية، القادرة على إعادة تنظيم الزراعة بالذات. ولكن لا يمكن أن نقف عند هذا الافتراض العام. بل ينبغي تجسيده. إن الصناعة الكبيرة التي تستجيب لمستوى التقنية الحديثة والقادرة على إعادة تنظيم الزراعة، إنما هي توليد الكهرباء للبلد بأكمله. وقد كان علينا تنفيذ الأعمال العلمية التحضيرية لخطة الإنارة هذه لجمهورية روسيا الفيدرالية، وقمنا بتنفيذها. وأنجز هذا العمل بالتعاون مع أكثر من 200 من أفضل العلماء والمهندسين والخبراء الزراعيين وجرى طبعه في شكل مجلد كبير، وأقر بمجمله في المؤتمر الثامن لسوفيتات روسيا في كانون الأول / ديسمبر 1920. ونحن اليوم جاهزون سلفا للدعوة لمؤتمر لعامة روسيا، يحضره تقنيو الكهرباء وينعقد في شهر آب / أغسطس 1920. وسيبحث بالتفصيل هذا العمل، الذي سيحصل آنذاك على التصديق النهائي من جانب الدولة. وتمتد أعمال الإنارة المعلنة كضرورة في أقصى الإلحاح على فترة عشر سنوات، وتتطلب 370 مليون يوم عمل تقريبا.

في عام 1918، كان لدينا فقط 8 محطات كهربائية مبنية حديثا مع 4557 كيلووات. وفي العام 1919 ارتفع هذا الرقم إلى 36 مع 1648 كيلووات، وفي العام 1920 إلى 100 مع 8699 كيلووات.

ومهما كانت متواضعة هذه البدايات لبلدنا الشاسع، فإن الأساس قد أرسي مع ذلك. وبدأ العمل، وهو يتقدم من حسن إلى أحسن. ولم يعد الفلاح الروسي، بعد الحرب الإمبريالية، ومليون سجين تآلفوا في ألمانيا مع التقنية الحديثة المتقنة، وبعد التجربة القاسية ولكن المفيدة لثلاث سنوات من الحرب الأهلية، لم يعد كما كان سابقا أبداً. فهو يرى شهرا بعد شهر بوضوح أكبر وبديهية أكبر أن قيادة البروليتاريا هي الوحيدة القادرة على انتزاع جمهور صغار المزارعين من عبودية رأس المال من أجل إيصالهم إلى الاشتراكية.

10- دور «الديمقراطية المحضة» للأمميتين 2 و½ 2 والاشتراكيين الثوريين والمناشفة باعتبارهم حلفاء لرأس المال

لا تعني دكتاتورية البروليتاريا توقف الصراع الطبقي، بل بالضبط استمراره بشكل جديد، وبواسطة أسلحة جديدة. وطالما بقيت الطبقات، وطالما ضاعفت البرجوازية، المطاحة في بلد معين، هجماتها عشرات المرات في العالم أجمع فإن هذه الدكتاتورية ضرورية. ولا يمكن إلا أن تمر طبقة صغار الملاكين العقاريين بسلسلة تذبذبات، خلال المرحلة الانتقالية، فصعوبات الوضع الانتقالي وتأثير البرجوازية، يستثيران بشكل محتم تقلبات في ذهنية هذا الجمهور. وتقع على عاتق البروليتاريا الموهنة والفاقدة هويتها الطبقية إلى حد ما بفعل تفكك قاعدتها الحيوية، أي الصناعة الكبرى الآلية، المهمة الصعبة جدا والمهمة الأكبر تاريخيا، وهي أن تصمد على الرغم من هذه التقلبات، وتنجز بنجاح عملها المتمثل بتحرير العمل من نير رأسٍ المال.
وتجد تقلبات البرجوازية الصغيرة تعبيرها السياسي في سياسة أحزاب الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، أي أحزاب الأممية الثانية والأممية ½ 2 الممثلة في روسيا بـ «الاشتراكيين – الثوريين» والمناشفة. هذه الأحزاب التي تملك اليوم أركان حربها وصحفها في الخارج، تتكتل مع الثورة المضادة البرجوازية بأكملها وتشكل خدامها المخلصين.
لقد ثمّن قادة البرجوازية الكبيرة الروسية، وعلى رأسهم ميليوكوف، زعيم حزب الكاديت («الديمقراطي – الدستوري») بوضوح ودقة وصراحة تامة، هذا الدور الذي لعبته الديمقراطية البرجوازية – الصغيرة، أي الاشتراكيون الثوريون وكتب مطوِّرا هذه الفكرة: «المجد وحرية الحركة» للاشتراكيين الثوريين والمناشفة («برافدا» 1921، العدد… من باريس)، لأنه عليهم تقع مهمة التحويل الأول للسلطة، بالانفصال عن البلاشفة. لقد تنبه ميليكوف بذكاء للدروس التي قدمتها كل الثورات التي أظهرت أن الديمقراطية البرجوازية الصغيرة عاجزة عن الحفاظ على السلطة بما أنها لم تكن يوما إلاّ قناعا لدكتاتورية البرجوازية الكبيرة، ودرجة توصل إلى أتوقراطية البرجوازية الكبرى.
إن الثورة البروليتارية في روسيا تؤكد مرة أخرى من جديد هذا الدرس المستخلص من ثورات 1789-1794 و1848-1849، وتؤكد كلمات فريدريك انجلز، الذي كتب في 11 كانون الأول / ديسمبر في رسالة إلى بيبل: «… إن الديمقراطية المحضة تكتسب لحظة الثورة، ولوقت محدود، أهمية مؤقتة… باعتبارها الملاذ الأخير لكل النظام الاقتصادي البرجوازي وحتى الإقطاعي… في عام 1848، من آذار / مارس إلى أيلول / سبتمبر، لم تتوقف كتلة الإقطاع والبيروقراطية بأكملها عن دعم الليبراليين من أجل المحافظة على خضوع الجماهير الثورية. وفي كل الحالات، خلال الأزمة، وغداة الأزمة، سيكون عدونا الوحيد الكتلة الرجعية بأكملها، المجتمعة حول الديمقراطية المحضة. وهذه الحقيقة، برأيي، لا يجب أن تغيب عن نظرنا أبدا» (نشرت في روسيا بصحيفة «العمل الشيوعي»، العدد 360 في 9 حزيران / يونيو 1921، في مقال أدورا – تسكي تحت عنوان «ماركس وانجلز، حول الديمقراطية»، وفي ألمانيا في كتاب: فريدريك انجلز «وصية سياسية» برلين 1920. المكتبة الأممية للشبيبة، العدد 12، الصفحات 18- 19).

قرار حول تكتيك الحزب الشيوعي في روسيا

إن المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية بعد أن استمع إلى خطاب الرفيق لينين حول تكتيك الحزب الشيوعي في روسيا وبعد أن أخذ علما بالموضوعات الملحقة به، يعلن:
يبدي المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية إكباره للبروليتاريا الروسية، التي ناضلت خلال أربعة أعوام، من أجل استلام السلطة السياسية. ويقر المؤتمر بالإجماع سياسة الحزب الشيوعي في روسيا الذي عرف منذ البداية المخاطر التي تتهدده في كل وضع، والذي بقي أمينا لمبادئ الماركسية الثورية وعرف دائما أن يجد سبيلا لتطبيقها، والذي يحشد اليوم أيضا بعد نهاية الحرب الأهلية قوى البروليتاريا كافة، التي يقودها الحزب الشيوعي في روسيا بهدف الحفاظ على دكتاتورية البروليتاريا في روسيا حتى اللحظة التي تأتي فيها البروليتاريا في أوروبا الغربية لنجدتها، يحشدها دائما بفعل سياسته إزاء طبقة الفلاحين، وفي مسألة الامتيازات وإعادة بناء الصناعة.
وإذ يعبر المؤتمر عن اقتناعه، بأنه ليس إلاّ بفضل هذه السياسة الواعية والمنطقية للحزب الشيوعي في روسيا، لا تزال روسيا السوفياتية أول حصن وأهم حصن للثورة العالمية، يستنكر السياسة الخيانية للأحزاب المنشفية التي عززت نضال الرجعية الرأسمالية ضد روسيا، بفعل معارضتها لروسيا السوفياتية ولسياسة الحزب الشيوعي في روسيا، والتي تسعى لتأخير الثورة الاجتماعية في العالم أجمع.
يدعو المؤتمر البروليتاريا في جميع البلدان لأن تصطف إلى جانب العمال والفلاحين الروس من أجل تحقيق ثورة أكتوبر في العالم أجمع.
عاش النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا.

عاشت الثورة الاشتراكية العالمية!

____________

– الإشراف العام على التدقيق والمراجعة والتصحيح والتنضيد الإلكتروني منيف ملحم
– مراجعة فيكتوريوس بيان شمس بالتعاون مع صفحة التراث الأممي الثوري
– نقله إلى العربية لينا عاصي
– راجع الترجمة ودقّقها كميل قيصر داغر