رضا الظاهر في كتاب جديد اضطهاد النساء .. مقاربة نقدية
رضا الظاهر
2023 / 11 / 11 - 02:50
رضا الظاهر في كتاب جديد
اضطهاء النساء .. مقاربة نقدية
كمال فهمي
بـكتابه الجديد (اضطهاد النساء .. مقاربة نقدية)، الصادر، مؤخرا، عن دار (الرواد)، يضيف الكاتب رضا الظاهر مساهمة جديدة متميزة الى انجازاته الابداعية متمثلة بكتبه وأبحاثه الهامة.
ويضم الكتاب، الذي صمم غلافه تينو نجيرا، وأخرجه فنيا حسين مهدي، 9 فصول تتناول القضايا الأساسية التي يتصدى المؤلف لها، ليبحث في منهجية تحليل الاضطهاد، ومفهومه وجذوره، ويحلل البطرياركية، ويضيء مفهوم الجندر، واختراق إنجلز في كتابه (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة)، ووضع النساء في ظل العولمة الرأسمالية، والعلاقة بين النسوية والماركسية، ويختتم كتابه بفصل يعيد فيه تقييم ماركس بشأن موضوعة اضطهاد النساء.
ومما جاء في نص الغلاف الأخير أن "هذا الكتاب هو محاولة نقدية تمهيدية لتحليل اضطهاد النساء، ومعالجة تسعى الى ايقاظ الجدل لوضع هذه المسألة في سياق نظري منهجي، نبتغي، من خلاله، إضاءة كيف أنه من الممكن (بل ومن الضروري) استخدام المنهجية الماركسية لتنظير الأسس الرأسمالية لاضطهاد النساء، وتشخيص الامكانيات الراهنة المفتوحة أمام النظرية والحركة النسويتين".
ويؤكد الكاتب رضا الظاهر على أننا، كماركسيين، ننطلق من حقيقة أن اضطهاد المرأة، ونحن نعيش في مجتمع بطرياركي، هو، في الجوهر، اضطهاد اجتماعي. وبالتالي فان تحرير النساء لا يتم الا عبر تحرير المجتمع، والعكس صحيح.
ويشير الى حقيقة أن الماركسية دافعت، منذ البداية، عن تحرر المرأة. وجادل ماركس وإنجلز بأن الطبقة الحاكمة تضطهد النساء في المجتمع وداخل الأسرة. وأوردا في (البيان الشيوعي) أنه "ليست امرأة البرجوازي عنده سوى أداة إنتاج بسيطة، وهو يسمع أن أدوات الإنتاج يجب أن تكون مشتركة، فيستنتج من ذلك، بالطبع، أن النساء، أنفسهن، سيسري عليهن ذلك. ولا يدخل في وهم البرجوازي أن المسألة هي على العكس تماما، وأننا نريد إعطاء المرأة دورا غير هذا الدور الذي تقوم به الآن كأداة انتاج بسيطة"
ويضيف المؤلف أن كتابات ماركس حول الجندر والعائلة أكثر جوهرية وقيمة مما هو معترف به عادة. فقد أظهر ماركس بصيرة عميقة في علاقات الجندر في عصره، مشيرا الى الحاجة الى تحويل كامل للمجتمع الذي لابد أن يشتمل على علاقات جديدة بين الرجال والنساء. وكان هذا واضحا في (مخطوطات 1844)، وهو ما تجسد في كتاباته ونشاطه السياسي طوال حياته.
ومن الأهمية بمكان أن قضية تحرير المرأة لم يتم تناولها نظرياً، في سياق التقليد الماركسي، على أنها شأن يخص النساء فقط، وانما كقضية لكل المجتمع.
وفي هذا السياق يرى الظاهر أنه مما له دلالة عميقة أن نتذكر هنا أحاديث لينين البليغة مع الثورية الألمانية كلارا زيتكن عام 1920، اذ قال "هل هناك أي دليل ملموس أكثر (على القمع المستمر للمرأة) من المشهد الشائع لرجل يراقب بهدوء امرأة تفني نفسها في عمل تافه، رتيب، يستنزف الوقت والجهد، مثل الأعمال المنزلية، يراقب روحها تتآكل، ذهنها يزداد قتامة، تخفت نبضات قلبها، وتفتر إرادتها؟ … عدد قليل جداً من الأزواج، ليسوا حتى البروليتاريين، يفكرون بما يمكن من تخفيف أعباء وهموم زوجاتهم، أو تحقيق الراحة لهن، لو مدّوا يد العون في "أعمال النساء". لكن لا .. فهذا من شأنه الحط من "تميز وكرامة الزوج". إنه يطلب أن يتمتع بالراحة والسكينة …
علينا اقتلاع وجهة نظر مالك العبيد القديم، سواء في الحزب أو بين الجماهير. هذه واحدة من مهامنا السياسية، وهي مهمة ضرورية على وجه السرعة بما يوازي تشكيل فريق عمل مؤلف من الرفاق، الرجال والنساء، مع تدريب نظري وعملي شامل لعمل الحزب بين النساء العاملات".
ومن ناحية أخرى، وفي سياق دراسة العلاقة بين الماركسية والنسوية يشير الظاهر الى أن باحثات نسويات ماركسيات انتقدن الحركات التي اختزلت علاقات الجندر الى علاقات طبقية. ووصفت الباحثة الكندية (الايرانية الأصل) شهرزاد مجاب هذا التوجه باعتباره قراءة غير ديالكتيكية لماركس حوّلت الحتمية السياسية الى حتمية اقتصادية.
وينوه بمساهمة الباحثة الأميركية (الأرجنتينية الأصل) مارثا جيمينيز، التي امتد تطبيقها للماركسية في ما يخص اضطهاد المرأة لعقود من الزمن. فقد لعبت، شأن الباحثة الأميركية ليز فوغل، دوراً فعالاً في الجدل حول الماركسية مع النسويات الأخريات. ولا يمكن بالطبع عدم إضاءة مساهمات نسويات ماركسيات بينهن، على سبيل المثال، البريطانية ميشيل باريت، والأميركية هيذر براون، والايرلندية جوديث أور.
ويقول إن الماركسية والنسوية تنجزان الوعد الذي قطعته الثوريات الماركسيات: تفسير كيف ولماذا يتعين على الماركسية والنسوية كمشروعين تحريريين وقضيتين سياسيتين مترابطتين، أن تلتقيا على الرغم من كل المشاريع السياسية والآيديولوجية الساعية الى فصلهما.
وفي سياق هذا الفهم لم تر أي من النساء العظيمات الاشتراكيات أن عملهن يقتصر على تنظيم النساء. لقد كانت إليانور ماركس وروزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكن وألكساندرا كولونتاي، والعشرات من قائدات الحركة النسائية، مقاتلات كرسن طاقتهن للاشتراك في نضال العمال الرجال والنساء العاملات.
ولعل من الأهمية بمكان أن يعود المؤلف الظاهر الى تقييم روزا لوكسمبورغ للعلاقة بين الصراع الطبقي واضطهاد وتحرر النساء، اذ تقول: "اذا كانت المسألة مسألة تصويت سيدات برجوازيات فان الدولة الرأسمالية لا يمكن أن تتوقع سوى الدعم الفعال للرجعية. فمعظم أولئك النساء البرجوازيات اللواتي يتصرفن مثل اللبوات في الكفاح ضد "امتيازات الرجال" سيهرولن مثل حملان سهلة الانقياد في معسكر الرجعية الاكليركية والمحافظة اذا ما توفر لهن حق الاقتراع. وفي الواقع فانهن سيكن، بالتأكيد، صفقة جيدة أكثر رجعية من الجزء الرجالي من طبقتهن. وباستثناء العدد القليل ممن لديهن مهن، فان نساء البرجوازية لا يشاركن في الانتاج الاجتماعي. فهن لسن سوى مستهلكات مشاركات لفائض القيمة الذي ينتزعه رجالهن من البروليتاريا. انهن عالات على طفيليات الجسد الاجتماعي. والمستهلكات المباشرات هن، عادة، أكثر ضراوة وقسوة في الدفاع عن "حقهن" في حياة الطفيلي من الوكلاء المباشرين للحكم والاستغلال الطبقيين. ويؤكد تاريخ كل الصراعات الثورية العظمى هذه الحقيقة على نحو مروع. خذوا الثورة الفرنسية العظمى. فبعد سقوط اليعاقبة، عندما أُخذ روبسبير، مكبلا بالأغلال، الى موقع الاعدام، فان العاهرات العاريات للبرجوازية الثملة كن يرقصن في الشوارع رقصات الابتهاج المخزي حول بطل الثورة الصريع. وفي عام 1871 في باريس عندما لحقت الهزيمة بكومونة العمال البطولية بالمدافع الرشاشة، كانت نساء البرجوازية المسعورات يتجاوزن حتى رجالهن الوحوش في الانتقام الدموي من البروليتاريا المضطهَدة. ان نساء الطبقات التي تتمتع بالملكية سيدافعن، على الدوام، وبتعصب، عن استغلال واستعباد العمال، الذي يتلقين عبره، بصورة غير مباشرة، وسائل وجودهن العقيم اجتماعيا".
وللكاتب رضا الظاهر، المعروف بعموده النقدي الأسبوعي (تأملات) الذي ظل ينشر كل ثلاثاء على مدى تسع سنوات في صحيفة (طريق الشعب) وصدر في كتب عدة، العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات في الثقافة الجمالية ونقد الرواية، فضلاً عن أربعة كتب مترجمة في هذا الميدان هي: “الدون الهادىء ليس هادئاً”، “جماليات الصورة الفنية”، “الوعي والابداع – دراسات جمالية ماركسية”، و”الثقافة الروحية والتفكير الجديد”.
وفي إطار مشروعه النقدي درس العلاقة بين المرأة والأدب، ككاتبة وكشخصية في الرواية، وله في هذا المجال ثلاثة كتب: (غرفة فرجينيا وولف .. دراسة في كتابة النساء) و(الأمير المطرود .. شخصية المرأة في روايات أميركية) و(أمير آخر مطرود .. شخصية المرأة في روايات بريطانية).
وفي إطار بحثه في الماركسية والثقافة لديه كتابه الصادر عام 2005 والموسوم (موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة).
وأصدر كتابا عن روزا لوكسمبورغ هو (النسر المحلق .. تأملات في مثال روزا لوكسمبورغ)، كما أسهم في إضاءة الحراك الاحتجاجي من خلال كتابه الموسوم (اقتحام السماء .. تأملات في الحراك الشعبي).
وفي عام 2021 أصدر الظاهر كتابه الهام الموسوم (ماركس .. هل كان على حق؟)، وهو مساهمة في إعادة قراءة ماركس.